الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جَابُوهْ جَابُوهْ آسَعْدَاتْ مُوهْ أُو بُوهْ

عبد الله خطوري

2024 / 3 / 31
الادب والفن


طالما هرعتُ إلى سفوح الجبال المجاورة للبلدة أتأمل بتكاسل قِمّاتِ ذُراها شامخة عاجزا لا أستطيع حتى تخيل منظر الصعود إليها كيف يكون .. أكتفي باللهاث الرائي المتتبع لمنظر خيوط حباب الماء الوهمية تعانق مسالك متعرجة رَسَمَتْها دوابٌ أكثر جسارة وآقتحاما مني، يعرج ثباتُها المُصر على الوصول إلى غايات تفقهها غريزتُها لا أفقهها أنا .. تعانق أفنان أشجار السنديان وآلأرز المتشابكة عيونُها .. تلجُ مداخل لا أعرفها .. تسرح بين وُريْقات سنديان داكنة متساقطة وجذوع مجعدة قصيرة ظاهرة من بعيد كقرون أيائل تتلوى تتشعب في فضاء رحب كبير .. إنها عروق الحياة تلح في إظهار رغبتها في مزيد من الحياة، لا تقنع بالحاصل المتاح .. تطمح إلى ما هو آت دائما فيما وراء آلوراء .. هذه الرغبة الغريزية لتلك الكائنات الفطرية تنقص عزيمتي .. أهو خنوع يطوق همتي الممكنة يكبح آندفاعَ ما أملك من إرادة مفترض وجودها في حيز مجهول من قراراتي الخفية، يُكبلها يهيل عليها التراب يطمرها فأقبعُ في حيز منعزل خُصِصَ سَلفا لي .. هنا ستكون ستبقى ستظلُّ .. كلهم يقولون ما يقولون بطريقة ما يتكلمون بألسن خفاف تنطق أمازيغية وراينية أبذلُ مستطاعي كي أحسها من أجل أن لا يفوتني شيء يُخاض فيه الحديث ولا أفهمه .. يأمرون يزجرون .. رْسَاشْ دَا إيلْ تَݣْ الصدَعْ غَـاراشْ أَطُّـوطيتْ آرْ البالْ إي يُوبريدْ حاولْ خي خفنّش شْوَايْ بَعّـدْ خِي جَدْرانْ هَـاشكْ أتهْنُونيْتْ (١) .. اثبتْ لا تفعل كذا لا تفعل ذاك .. فلا أتحرك .. جامدا أظل أنفذُ التعليمات عوض المُضي قدما إلى ما يمكن أنْ تصادف قدماي من أقدار محتملة وحتمية .. كيف سأدرك يوما ما وراء الأفق المحيط إنْ لم أخترق الحيز الذي يسد مجال بصري، يحاصر إدراك إحساسي بالأشياء الواقعة خلف ما يظهر للعيان .. كان عليّ أن أفعلها في وقت ما وأصعد أرتقي لأبلغ الأكمات آلشّجْـراء التي هناك وأرى .. أكيد .. كنت أقنع نفسي .. العالم سيبدو على غير ما هو عليه وأنا فوق .. غير أني لم أفعل طيلة مدد متعاقبة جمدْتُ في البلدة بمحيطها القريب مكتفيا بشَعَفةِ هضبة (بولَرباحْ) و(لَقْلَعْ) جنوبا وشِعَبِ (القشلة والبوسْتْ) (٢) وقرى الجوار شرقا والسوق الأسبوعي غربا وما بين هذه وتلك من الطرق الثابتة بمجالاتها المعهودة وما تجود به المسالك أثناء المرور بها عند القدوم إلى الدوار من المدينة عبر سوق (بابْ لاربع) وبلدة (تْنينَـا آيت عبدالحميد) (٣) أين كنت أقضي بضع أوقات ورفقتي من الأهل مع والدة أبي (أمي رقية) قبل أن نكمل السفر .. وكانت الحركة على الرجل أو على الدواب جماعة تتيح فرصا كثيرة لمباشرة الأشياء كما هي والتّماس بها دون حواجز أو موانع، لولا بعض التعب الذي كان يصيبني مرارا عند آعتلاء مرتفعات نضطر معها سلك خطوات البهائم المتموجة بشكل دائري عوض آختراق المسافة رأسا إلى الهدف المنشود، الشيء الذي لم يكن في متناول الكثيرين نظرا لصعوبة الممرات وآنعدامها في أحايين كثيرة داخل مواضع صخرية قاحلة أو أحواز نباتية غير مستغلة من طرف واريثيها يحول الديس والدوم والطفيليات الشائكة فيها عن الحركة العادية لمستئنس مثلي بدائي غير خبير بكيفية خوض غمار هاتي المجالي، وعبثا أعاندُ في تقليد الكبار أو صغار أبناء البلدة (طاروى نتمورت) أقفو طريقة سعيهم المقتحمة غير المبالية، ألهثُ تخِـزُ النتوءات كعبيّ وأصابع قدمي أعْيَـى أهِـنُ أستسلمُ أصبـرُ رغم المطبات لا أريد أن تظهر عَلَيَّ معالم الهزيمة والانتكاس أمام أعين جاحظة أتوهمها شامتة ساخرة متربصة .. لا .. لَمْ أَعْيَ .. ما عْيييتشْ .. أقول أردد دائما رافعا هامتي رغم النصب والكد والإرهاق .. كان ذلك ديدني في كل رحلاتي السابقة مِن وإلى البلدة ... وهـا أنا ذا أرتقي هضبات الشمال نازعا عني تردد خواطري بنبراتها الهامسة يلوكني لسانُها الواجمُ دون أجرؤَ على البوح بما أريد ولا أريد .. هي رحلة لم أخترها أُرْغِمْتُ عليها دون سبب واضح ..

_حَـزّمْ الحوايجْ نَّشْ رَوّحْ يَمَّاشْْ للّانْ تْعَايَنِيشْ (٤) ..

ذاك ما قالت والدة والدتي بصرامة حازمة .. لماذا .. علاش .. كيفاش .. شنو دَرْتْ .. ماذا جنيتُ كي يُخْتَصَـرَ وجودي في مَصيفي بهذه الطريقة المباغتة .. لا جواب لا تفسير .. لم أفهم شيئا من هذا القرار النازل من فوق كالمشيئة .. نفذْ والسلام .. سألتحق بها في حفل عرس في بلدة أهليها (دي شَـاتْ نْ لَهْلَنَّسْ) (٥) وعندئذ ستخطرني ما يستوجب عليّ فعله لمواصلة عودتي ..

_غيرْ سيرْ آلْ تَوَّطتْ غارَسْ آدَاشْ تيني كولشي (٦) ..

على مضض آمتثلتُ للأوامر، ولو آستُشِرْتُ لفضَّلْتُ المكوث، لاخترتُ الممانعة، لمَا خرجتُ مع حشد صاخب أرعن من فتية بلهوجة يخوضون فيما يخوضون في طريقهم نحو العرس المرتقب .. خانعٌ رعديد متردد خائف متوجس أنا من كل شيء ولا شيء .. هكذا كنتُ هكذا سأظل .. ألفيتُني وسط جموعهم اللاغبة ضئيلا ضعيفا هشا ركيكا لا يستطيع حتى أن يستويَ جالسا على بغلة مُسِنة، فيقبع وراء خالته التي بسنه تقريبا كصبي لم يُفطم بعدُ يْسُولْ اينَكَّعْ يَمّاسْ (٧) .. شيئا نشازا في غير موضعه المناسب رأيتُني بينهم .. لا أتكلم لا أنبس لا أحاور لا أرد على المناوشات والقهقات .. وتنصح خالتي ..

_ما تشوفيشي فيهُمْ ما تديهاش فيهُم ..
(لا تعرهم آهتماما انظر أمامك لا تأبه بهم)

فيسترسلون في نزقهم دون آكتراث ..

_آهيا أحطيط نيْ تَݣَّنْ آمَانْ دَݣْ ايحْلاسَنْ آوَلَّلغاسْ تْيَاشْ الموفيدْ تاشريفتْ تَاقْدِيشْ آيَامْخيبْ تَعْبَرْ خافشْ ما تْسُولْ تَقْسَاشْ تْمَاسِّي دي تْعَدِّيسْتْ ما يَݣَّنْفَى أمْشَانْ نْوَشْمَاطْ (٨)

يتغامزون يسخرون يصخبون لا يتغيرون يتحركون برعونة يقتحمون الأمكنة الوعرة يتوغلون يناورون يدق البنادير نزقهم يهللون .. آهَاوى آهاوَى .. يرقص طيشُهم يُعَوِّجُ أجسامَهم العَتهُ المفتعَلُ .. يُحرفون كلمات الأهازيج بطريقة تثير فيهم مزيدا من الاستهزاء والهذر السمجَيْن ... اجتزنا ثنية أطلال (الخوارب) .. بلغنا وادي الدفلات (تاغزرت إيليلَى) .. بعضهم دخل بستان شلالات (تـشراراشتْ) يفعل ما يفعل بكخكخات لاغبة .. آخرون صعدوا جهة الدور الدارسة وبدؤوا يتراشقون بالعَفَاءِ يُعفرون به الوجوه يصرخون ...

_جَابُوهْ جَابوهْ آسَعْدَاتْ مُوهْ أُو بُوهْ وَسَعْدَاتْ مَنْ قَرَّبْليهْ .. آجَوَّادْ آجَوَّادْ اللهْ يْخْليكُمْ مَنْ هَاذْ الوادْ .. إييهْ ييهْ هَـا الدّْوَى مَنْ إيشَطَّحْ لَفْقيهْ .. آهَاستُوسْ آهَـا .. (٩)

☆ترجمات :
١_رْسَاشْ دَا : امكث هنا لا تتحرك
_إيلْ تَكْ الصدَعْ : لا تثر جلبة
_غَـاراشْ أَطُّـوطيتْ : إياك تسقط
_آرْ البالْ إي يُوبريدْ : انتبهْ للطريق
_حاولْ خي خفنّش شْوَايْ : انتبه لنفسك قليلا
_بَعّـدْ خي جَدْرانْ : ابتعد عن الجرف والمنحدرات
_هَـاشكْ أتهْنُونيْتْ : إياك تنحدر الى أسفل
٢_بولَرباحْ / لَقْلَعْ / القشلة / البوسْتْ : أسماء أماكن

٣_تْنينَـا آيت عبدالحميد : بلدة والدة والدي انتقَلَتْ اليها زوجةً بعد ان توفي زوجها الاول والد والدي

٤_حَـزّمْ الحوايجْ نَّشْ : استعد للسفر جهز حوائجك
_رَوّحْ يَمَّاشْْ : ارجع الى أمك
_للّانْ تْعَايَنِيشْ : انهم ينتظرونك

٥_دي شَـاتْ نْ لَهْلَنَّسْ : في عرس أهلها

٦_غيرْ سيرْ : اذهب اليها
_آلْ تَوَّطتْ غارَسْ : عندما تلتقيها
_آدَاشْ تيني كولشي : ستخطرك كل شيء

٧_يْسُولْ اينَكَّعْ يَمّاسْ : صبي لم يفطم بعد

٨_آهيا أحطيطْ : أيها الصبي الغرير
_نيْ تَݣَّنْ آمَانْ دَݣْ ايحْلاسَنْ : الذي يتبول في الفراش
_آوَلَّلغاسْ تْيَاشْ الموفيدْ تاشريفتْ : لقد أصابتك في مقتل تلك الشريفة
_تَاقْدِيشْ آيَامْخيبْ : داوتك بالكي بالنار
_تَعْبَرْ خافشْ : أثخنتك
_ما تْسُولْ تَقْسَاشْ تْمَاسِّي دي تْعَدِّيسْتْ:
أمازال يؤلمك موضع الحريق
_ما يَݣَّنْفَى أمْشَانْ نْوَشْمَاطْ : هل برئ مكان الحريق هل شفيتَ

٩_جَابُوهْ جَابوهْ : جاؤوا به
_آسَعْدَاتْ مُوهْ أُو بُوهْ : هنيئا لامه وأبيه
_وَسَعْدَاتْ مَنْ قَرَّبْليهْ : هنيئا لكل من اقترب منه
_آجَوَّادْ آجَوَّادْ : يا جواد ..(دعاء)
_اللهْ يْخْليكُمْ مَنْ هَاذْ الوادْ : لترحلوا من هذا الوادي
_إييهْ ييهْ هَـا الدّْوَى مَنْ إيشَطَّحْ لَفْقيهْ :
نعم نعم هذا جزاء عاقبة من يهزأ بالفقيه _آهَاستُوسْ آهَـا : لازمة أهزوجة شعبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل