الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان مانديلا التحرري وانغلاق الموقف اليمني الرَجعي!

منذر علي

2024 / 4 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نيلسون مانديلا زعيم سياسي، أفريقي، من ذوي البَشَرَة الداكنة، ولد سنة 1918، وينتمي إلى أسرة عريقة من قبيلة الخوسا الأفريقية التي تقطن في المنطقة الجنوبية الشرقية من جَنُوب أفريقيا.
كان والداه أُميين، ولكن والدته التي اعتنقت المسيحية، اعتنت بابنها عناية خاصة، وأرسلته وهو في السابعة من عمره إلى المدرسة الميثودية، وهي طائفة مسيحية بروتستانتية صغيرة. وكان مانديلا يتردد على الكنيسة كل يوم أحد مع الأوصياء في المدرسة، حتى أصبحت للمسيحية مكانة خاصة في حياته.
وفي المدرسة أهتم مانديلا باللغة الإنجليزية والجغرافيا والتاريخ ولا سيما تاريخ أفريقيا، وبسبب توجهه المسيحي في تلك المرحلة المُبكرة من حياته كان مانديلا يعدُّ “المستعمرين الأوروبيين محسنين وليسوا ظالمين".
ولكن عندما أنتقل إلى الجامعة لدراسة القانون، اصطدم بالعنصرية بكل تجلياتها القبيحة، وهناك أكتشف أنَّ المُستعمرين الأوربيين البيض ليسوا محسنين، ولكنهم ظالمون ومجرمون.

ومن جانب آخر، صادف مانديلا في الجامعة الشيوعيين، من أصول عرقية مختلفة: أوربية وأفريقية وهندية، ومن ديانات مختلفة: مسيحية ويهودية وهندوسية وإسلامية، وأكتشف أنهم عادلون ومناهضون للعنصرية، وذوو نزعة إنسانية رفيعة.
لقد لاحظ مانديلا أنَّ الشيوعيين متميزون عن غيرهم بشكل نوعي لأنهم كانوا يكافحون العنصرية بجسارة ويدعون للحرية والتقدم لكل الأعراق البشرية، بصرف النظر عن خلفياتهم العرقية والثقافية، فتأثر بهم.
ومن الجامعة بدأ مانديلا مسيرته النضالية ذات المضمون الإنساني وواجه، بثباتِ ووعي وشجاعة نظام الفصل العنصري في جَنُوب أفريقيا. لقد واجه مانديلا العنصرية على الصعيد المهني، كمحامٍ، وكسياسي في حزب المؤتمر الوطني، وكزعيم لحزب المؤتمر، وكسجين سياسي، حيث أمضى حوالي 27 سنة من عمره في سجون انفرادية، ثم محررًا عظيمًا لجنوب أفريقيا و زعيمًا لها.

ولكن ما الذي جعل من روح نيلسون مانديلا التحررية تنتصر في جَنُوب أفريقيا وتطفو على العالم وتلهم الإنسانية المعذبة في كل مكان في كفاحها التحرري والارتقاء الإنساني، فيمَا النخب اليمنية انحدرت اليوم إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الإنساني؟
والجواب ببساطة، هو أنَّ نيلسون مانديلا، على عكس النخب اليمنية، ولج السياسة من باب الكفاية الفكرية وليس من باب الحذلقة والارتزاق. لم يعتمد مانديلا على قبيلته، ولا على عرقه الأسود، ولا على طائفته الدينية المسيحية، ولا على هُويته الثقافية الأفريقية أو الجهوية، ولم يسعَ لتقسيم وطنه وفقًا للأعراق والهويات الصغيرة في جَنُوب أفريقيا. ولم يهرب إلى الخارج ويصبح وكيلًا رخيصًا لدولة أفريقية غنية مجاورة، أو لدولة غربية إمبريالية متآمرة. ولم يتعصب مانديلا لأي من هذه الأبعاد في خلفيته وتكوينه، وبذلك، أصبح مانديلا عن جدارة زعيمًا، وطنيًا وقوميًا وأمميا عظيمًا.
لقد كان مانديلا مناصرًا للإنسان، الأسود والأبيض والمُلَّون، والمسيحي والمسلم واليهودي والوثني والملحد، في وطنه وفي العالم. وتحت تأثير الإرث العظيم لنيلسون مانديلا ورفاقه، تقف اليوم دولة جنوب أفريقيا في الصدارة في مناهضة نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين، وفي مناهضة الظلم في العالم، وتلهم كل الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والعدالة والتقدم في العالم.
تُرى أين تقف اليمنية من الزعامات التاريخية الفذة؟

في اليمن، تآزرت قُوَى التخلف، المحلية والخارجية، واغتالت، معنويًا أو جسديًا، القادة الكبار في تاريخنا الوطني، مثل الحمدي وسالمين وعبد الفتاح وغيرهم، واستبدلتهم بقيادات جاهلة ومغامرة وتافهة ومتهافتة رخيصة على العمالة والارتزاق.
حينما وصف شاعرنا الوطني العظيم، عبد الله البردوني تهافت وتفاهة النخب السياسية اليمنية، في مطلع السبعينيات، وقال:
أميرَ النَّفطِ نحنُ يداكَ نحنُ أحدُّ أنيابِكْ
ونحنُ القادةُ العَطشى إلى فضلاتِ أكوابِكْ
ومسؤولونَ في صَنعاء وفرَّاشون في بابِكْ
ومن دَمِنا على دمنَا تُمَوقِعُ جيشَ إرهابِكْ
لقد جِئنا نجرُّ الشَّعـ ـبَ في أعتابِ أعتابِكْ
ونأتي كُلِّ ما تهوى نُمَسِّحُ نعلَ حُجَّابِكْ

في هذه القصيدة، كما ترون، أيها الأصدقاء والصديقات، لم يصور البردوني توجهات النخب في مطلع السبعينيات فحسب، بل كان يستشرف المستقبل ويرى ما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن في قادم السنين و صدقت نبوءته.
في اليمن اليوم، كثيرون من الناس يمتدحون نيلسون مانديلا، ويقتبسون أقواله ويتحدثون عن مآثره الفكرية والسياسية والإنسانية، ولكنهم في ممارساتهم السياسية يقتفون أثر الزعيم الأفريقي الوغد، بوكاسا، عميل فرنسا الحقير، الذي نصب نفسه إمبراطورًا على أفريقيا الوسطى، وسرق ثروة البلاد وقتل المعارضين، وأعتقل الأطفال، وأُتهم بالتلذذ بأكل لحوم البشر.

اليمن في حاجة إلى نخب وطنية، تستلهم روح مانديلا و كاسترو، وعبد الفتاح إسماعيل، وسالم ربيع، وعلي عنتر، وعلي شائع، وصالح مصلح، وعلي صالح عباد مقبل، وحسين قماطة، وثابت عبد، وإبراهيم الحمدي، وجار الله عمر.
اليمن في حاجة إلى نخب وطنية، تسعى من أجل تحرير الوطن من التبعية للدول الإقليمية، و تعمل على صد العدوان الخارجي، الرَجعي الإمبريالي والصهيوني على اليمن، وتسعى لتوحيد الشعب اليمني في دولة ديمقراطية، وتصون السيادة الوطنية، وتحقق الاستقرار والعدالة والتقدم. اليمن ليس في حاجة إلى لصوص ومرتزقة وقتلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو