الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشهد صباحي من باريس

سليم زاروبي
عالم فلك فلسطيني متخصص في دراسة فيزياء الكون

(Saleem Zaroubi)

2024 / 4 / 1
القضية الفلسطينية


ركبت، كعادتي منذ أن ابتدأت زيارتي المطولة لباريس منذ شهر، القطار الذي يقلني إلى مكتبي في الجامعة التي أحل ضيفا عليها. جلست في القطار أقرأ مقالا، ولا أنظر إلى من هم حولي منغمسا في شؤوني وأفكاري. في الحقيقة هذا ما يفعله عادة أغلب الناس في المدن الكبيرة، ينغمسون في شؤونهم، ويحيطون أنفسهم بفقاعات تعزلهم عن محيطهم، وكأن هناك قانونا رياضيا يقول إنَّه كلما كبرت المدينة كلما ضاقت الفقاعات التي يعيش بها أفرادها.

سمعت فجأة من خلفي صوت رجل يتحدث بصوت عال إلى جميع الركاب بالفرنسية. نظرت إلى الوراء فإذا برجل في الثلاثينيات من عمره، يقف من خلفي وبيده جيتاره، كان قد دخل القطار في المحطة السابقة. بعد أن رأيت هذا الرجل، عدت إلى مقالي متجاهلا ما يقول لسببين، أولهما أن هذا مشهد عادي في القطار الباريسي، فكثيرا ما يركبه المغنون الذين يطلبون المال، أو المبشرون بالدين، أو غيرهم من الشخصيات التي لا تثير الاهتمام بشكل خاص. السبب الثاني هو أني لا أعرف الفرنسية، ولا أفهم عادة ما تقوله هذه الشخصيات الطريفة، والغريبة في ذات الوقت. لكن هذا الصباح كان الرجل يتحدث بطبيعية تامة وصوت عذب وودود، لهذا أنصتت له قليلا فلم أفهم سوى كلمتين: شانسون، وهو الاسم العام لنوع من الأغاني الفرنسية، وفلسطين!

ثم بدا هذا الرجل بالغناء بصوت عذب على عزف موسيقى الجيتار، كانت الأغنية الأولى من أغاني الشانسون، استمعت إليها باستمتاع، بقدر ما يستطيع أجنبي لا يعرف معاني الكلمات التي تقال أن يستمتع. بعد أن أنهى هذه الأغنية، قال جملة أو اثنتين فهمت منهما كلمتي فلسطين والقدس. ثم ابتدأ يعزف أغنية فيروز "إليك يا مدينة الصلاة"، ويغنيها، والناس تنصت بهدوء وتعاطف واضح مع الأغنية على الرغم أنهم أصبحوا الآن من لا يفهمون كلمات الأغنية. لا أعرف لماذا لكنه عندما وصل إلى جملة "الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان" شعرت بتأثر كبير، وغرغرت عيناي بالدموع، وتذكرت أطفال غزة وأهلها والكارثة التي يمرون بها أمام أعيننا وأعين العالم أجمعين.

نظرت من حولي مرة أخرى، فإذا بالوجوه اللامبالية قد تبدلت، وتحولت إلى وجوه حزينة تتابع غناء هذا الرجل. اختفت حينها الفقاعات الضيقة التي أحاط المسافرون بها أنفسهم، وأصبحنا لوهلة قصيرة نعيش تجربة مشتركة تربطنا بما هو أكبر منا بكثير.

خطر ببالي وأنا أفكر في هذا المشهد المؤثر، أن قضيتنا أصبحت مغناة للناس جميعا في كل مكان، وأننا نعيش لحظة نادرة في العالم، تحولت فيها القضية الفلسطينية من قضية محلية إلى رمز المطالبة بالعدالة والإنسانية والاحتجاج ضد الظلم والاستبداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر