الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط بغداد ... الأسباب و التداعيات ( 3 )

آدم الحسن

2024 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


من الخطأ القول أن الانقسام المجتمعي على اسس عرقية و طائفية في العراق هو نتيجة و وليد الاحتلال الأمريكي للعراق , فالشعب العراقي كان منقسما طائفيا و عرقيا قبل هذا الاحتلال فالوضع في العراق كان باختصار كالاتي :
اولا : كان أكراد العراق يعيشون في ظل الحماية الأمريكية المباشرة في دويلة شبه منفصلة عن كيان الدولة العراقية تحت مسمى " اقليم كوردستان " . إذ لم يكن لإقليم كوردستان أي رابطة بالدولة العراقية سوى ما يحصل عليه من ايرادات تصدير النفط العراقي بحصة اقرتها اللجان التابعة لهيئة الأمم المتحدة و هي بحدود 12% من اجمالي صادرات النفط العراقي و هذه النسبة تساوي النسبة المئوية لسكان الإقليم من اجمالي سكان العراق , حيث سمح مجلس الأمن الدولي بموجب قراره " النفط مقابل الغذاء و الدواء " بتصدير كمية محدودة من النفط العراقي و ايداع عائدات هذه الصادرات في حساب مصرفي تحت تصرف هيئة الأمم المتحدة لتنفيذ عقود توريد الغذاء و الدواء للعراق .
ثانيا : كان شيعة العراق يعيشون حالة من التهميش و الأقصاء خاصة بعد سحق انتفاضتهم الفاشلة من قبل القوات الصدامية في اذار من سنة 1991 , تلك الانتفاضة التي اطلقوا عليها " الانتفاضة الشعبانية " و التي اندلعت اثناء انسحاب الجيش العراقي المندحر من الكويت حيث تم دفن عشرات الألاف من المنتفضين في العديد من المقابر الجماعية التي انتشرت في عموم محافظات جنوب العراق .
تزامنت انتفاضة الشيعة في جنوب العراق مع انتفاضة الأكراد في شماله و كانت هاتان الانتفاضتان تجسيدا لرفض العراقيين للقيادة الصدامية التي قادت العراق من حرب عبثية مع ايران دامت لثمانية سنوات الى حرب كارثية كانت خسارتها مؤكدة مع تحالف دولي تقوده امريكا حيث اشتركت في هذا التحالف جيوش ثلاثون دولة منها جيوش دول عربية و على رأسهم جيوش دول الخليج العربي و مصر و سوريا .
ثالثا : كان لعدم اشتراك العرب السنة في انتفاضة اذار 1991 أثرا كبيرا في تعميق الانقسام المجتمعي في العراق رغم أن عدم مشاركتهم في تلك الانتفاضة كان لها ايضا ما يبررها بعد أن نجحت الأحزاب الشيعية العراقية و خصوصا تلك التي تتخذ من ايران مقرا و منطلقا لها في توجيه الانتفاضة في الجنوب العراقي باتجاه طائفي حيث ساد شعار " نريد حاكم جعفري " كهدف لتلك الانتفاضة بالإضافة الى تصاعد النزعة الانفصالية لقادة الأحزاب القومية الكوردية التي قادت انتفاضة اكراد العراق .
رابعا : يمكن القول بكل وضوح أن انتفاضة أذار 1991 التي اطلق النظام الصدامي على المشتركين فيها ب " الغوغاء " هي تعبير عن نظرية التراكم الكمي الذي يخلق تغيير نوعي , فالتراكم الكمي في الفشل السياسي للنظام الصدامي و حروبه العبثية و الكارثية و كذلك فظاعة المجازر التي ارتكبها هذا النظام بحق اكراد العراق في مجزرة حلبجة و مجازر عمليات الأنفال و تصفيته لكل المعارضين لنهجه من البعثين بطريقة وحشية جعلت من التغيير السلبي امرا حتميا بعد أن فقد غالبية العراقيين للبوصلة الوطنية التي تقودهم لتحقيق مشروع وطني عراقي .
خامسا : لا يمكن انكار ان العرب السنة في العراق قد استلموا حكم العراق في عشرينيات القرن الماضي من يد المحتل البريطاني و بإرادته , إلا أن من كان يحكم العراق قبل 2003 هم نخبة من الصداميين المعزولين عن غالبية العراقيين , و هذه العزلة هي التي ادت الى السقوط السهل و السريع للعراق تحت الاحتلال الأمريكي .
سادسا : بعد تنحية الرئيس العراقي السابق احمد حسن البكر رحمه الله في تموز 1979 , لم يعد هنالك وجود حقيقي لحزب البعث العربي الاشتراكي سوى الاسم خصوصا بعد تصفية صدام حسين للكوادر البعثية الأساسية منهم عبد الخالق السامرائي و عدنان الحمداني و محمد عايش الحلبوسي حيث اصبحت اهداف و توجهات هذا الحزب صدامية , و بحق يطلق البعض على هذا الحزب للفترة من سنة 1979 لغاية سقوط نظام صدام حسين في 2003 بحزب البعث الصدامي فقد كانت سياسة هذا الحزب خلال هذه الفترة تعتمد على مقولة تشخص حالته :
" إذ قال صدام قال البعث " .
سابعا : بعد أن تمكن نظام صدام حسين من القضاء على تنظيمات جميع الأحزاب و الحركات السياسية اليسارية العراقية و منها الحزب الشيوعي العراقي و كذلك القضاء على الحركات القومية العربية التقدمية في العراق حيث لم يبقى لهذه التنظيمات أي وجود حقيقي في الساحة السياسية العراقية و بذلك اصبحت المعادلة السياسية في العراق كالتالي :
النظام الصدامي في طرف المعادلة السياسية العراقية و في الطرف الأخر لهذه المعادلة الأحزاب القومية الكردية المدعومة من امريكا و معهم الأحزاب و الحركات الدينية الشيعية المدعومة من ايران , هذه المعادلة مهدت لتحالف كوردي شيعي مدعوم من امريكا و ايران لذا ليس غريبا ضياع المشروع الوطني العراقي .
صحيح أن الانقسام المجتمعي على اسس عرقية و طائفية في العراق كان موجودا قبل الاحتلال الأمريكي للعراق بشكل جعل الروابط بين مكونات الشعب العراقي ضعيفة و هزيلة إلا إن المحتل الأمريكي عمل على تثبيت هذا الانقسام المجتمعي و جعله انقساما ممنهجا دستوريا .

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوريا والعلاقات الشائكة مع جيرانها: ما تبعات تغيّر الحُكم في


.. رجل يهرب من الشرطة ويعلق في مدخنة ليطلب المساعدة من ملاحقيه




.. سرايا القدس: استهداف تجمعات لجنود وآليات الاحتلال شرق رفح


.. ما حقيقة العثور على صحفي أمريكي مختفٍ منذ 12 عامًا في سوريا؟




.. ما المحددات الأمريكية للتعامل مع الحكومة السورية الجديدة؟