الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر والمقاوم في قصيدة -لن نصمت بعد الآن- صلاح أبو لاوي

رائد الحواري

2024 / 4 / 1
الادب والفن


الشاعر والمقاوم في قصيدة
"لن نصمت بعد الآن"
صلاح أبو لاوي
من الضروري أن يواكب الشاعر/الأديب هموم شعبه/أمته، لهذا في أوقات معينة يحتاج إلى من يعبر عما نحمله من غضب على ما يجري، فحجم التخاذل الذي رأيناه في بيروت عام 1982، وما يجري الآن في غزة لا يمكن أن يحتمل، ومن حق الشاعر/الأديب استخدام كل ما يريد من ألفاظ دون رقيب أو حسيب.
من هنا عندما يكتب النص الأدبي في وقت الحدث يكون النص/القصيدة حامية وساخنة، وتلبي طموح جمهور المستمعين، كما تلبي طموح الشاعر وتهدئ من روعه، بعد أن أفرع ما فيه من غضب وقهر من خلال القصيدة.
عنوان القصيدة "لن نصمت بعد اليوم" واضح ومتعلق بدعوة الجمهور/القراء/المستمعين إلى الفعل والتحرك، فنجده عنوان (مباشر، تعبوي) في الأساس، ومتعلق بالجمهور العام وليس الخاص، يفتتح الشاعر القصيدة على شكل بيان سياسي، من هنا يبدأ مبينا لجمهور (المستعين) ما يجري في غزة والمنطقة:
"من صنعاءَ
إلى بغدادَ إلى الشامِ
إلى لبنانْ
تمتدُّ فلسطينُ
ويمتدُّ الجرحُ
ويمتدُّ الرمحُ
ويمتدُّ الطوفانْ"
وهذا يعد تمهيدا لمخاطبة المتلقي/المستمع، ودعوة له للقيام بالفعل، بالعمل:
"اغضبْ
أصرخْ
أكتبْ
أخرجْ للشارعِ فالشارع رسمٌ وبيانْ"
نلاحظ أن الأعمال/الأفعال التي يطلبها الشاعر (عادية) ولا تحتاج إلى جهد كبير، لكنها تحتاج إلى إرادة كسر الخوف الكامن في النفس، فهناك أجهزة أمنة تعمل على مراقبة كل من (يتمرد) ويخرج من القطيع، لتطارده لاحقا، وليكون من أصحاب (الملفات السوداء) الممنوعين من كل (الخيرات) التي (ينعم) بها القطيع.
بعدها يعود الشاعر إلى تعبئة المتلقي من خلال المرور على ما يجري في العالم:
"ثارت كل عواصم هذا القهرِ"
نلاحظ أن الشاعر يبتعد عن الشرح الطويل ويكتفي بما هو مختصر ومفيد، وبهذا يكون المتلقي قد وصلته الفكرة الحدث، وما عليه من متطلبات كإنسان وكوطني ينتمي لهذا الشعب/الأمة، لكن الشاعر يريد أن يعبئ المتلقي بطاقة ومعنوية وإرادة تجعله ينطلق دون أن يلتفت للوراء:
"ووحدك تغرق بالنسيانْ
جوعى أطفال فلسطينَ
وقتلى نحنُ
وميّتةٌ مدن الملحِ
وغزة تصرخ
تصرخُ تصصصصصررررخُ
أثقلها الردمُ
وأثقلها الموتُ
وأثقلها الصمتُ
وأثقلها طغيان الطغيانِ
وأثقلها الخذلانْ
ملعونٌ من يصمتُ بعد الانْ"
نلاحظ أن هناك أكثر من مسألة جاءت في هذا المقطع، منها مخاطبة المتلقي بصورة شخصية "وحدك" وهذا يجعله يشعر بأنه المخاطب (الوحيد) في القصيدة، مما يجعله يقدم على الفعل والعمل، ثم يذكره بحقيقة واقعية "جوعى أطفال غزة" وهذا سيجعل المتلقي يسرع في الفعل ولا يتلكأ، ثم يستحثه بتقديم هذه الحقيقة "قتلى نحن/غزة تصرخ" اللافت في مضمون خطاب الشاعر الجانب الأخلاقي، فهو لا يتناول أي جوانب مادية أو تفاصيل عما يجب القيام به من المتلقي، فقط، هو يريد أن "يصرخ، يخرج إلى الشارع، يغضب، وهذا يشير إلى اهتمامه بمشاعر المتلقي وضرورة تفريغ ما فيه من كبت وقهر، فبدا الشاعر وكأنه طبيب نفسي، يعمل على إحداث توازن في المتلقي، ويُريد بهذا التوازن جعل المتلقي يتقدم خطوة إلى الأمام، خطوة تفيد المتلقي نفسيا، وتفيد أهل فلسطين من خلال (الثورة/التمرد) التي يقدم عليه المتلقي.
دور الطبيب النفسي جعل (المريض) يشعر بأنه طبيعي، حتى لو قام بتصرف غير(سوي) من هنا نجد الشاعر يقوم بتصرف (غير عادي) من خلال:
" تصرخُ تصصصصصررررخُ
أثقلها الردمُ
وأثقلها الموتُ
وأثقلها الصمتُ
وأثقلها طغيان الطغيانِ
وأثقلها الخذلانْ
ملعونٌ من يصمتُ بعد الانْ "
نلاحظ أن هناك خلل في تكرار حرفي الصاد والراء التي استخدمها الشاعر، فكان يفترض أن يكون عدد التكرار متساوي، لكننا نجد حرف الصاد مكرر خمس مرات، وحرف الراء مكرر أربع مرات، مما يجعل الشاعر يبدو (غير مدرك) لما يقول، لكنه في حقيقة الأمر أراد (تقديم/تصوير) نفسه بطريق غير عادية، ليكون مثلا للمتلقي في التمرد/الثورة، في الجنون والخروج على ما هو مألوف، فهو يعطي نموذجا حيا على التمرد بكسر اللغة/الألفاظ.
من هنا نجده يكرر "طغيان/الطغيان" ويكرر "أثقلها" خمس مرات، وينهي هذ المقطع بلفظ "ملعون" المتعلقة بكل متخاذل، رسمي أم شعبي، مسؤول أم مواطن عادي، وبهذا يكون الشاعر قد مارس الثورة/التمرد الذي يريده، وأعطى المتلقي صورة عن هذا التمرد/الثورة، فأمامه صورة حية تتمثل فيما يفعله الشاعر في القصيدة.
بعد أن تم تعبئة المتلقي (الفرد) بما يريده الشاعر يعود إلى صيغة الجمع نحن:
"ما زلنا نشهد نفس الصورةْ
أشلاءٌ منثورةْ
وعيونٌ تتطلع في الأرجاءِ
فلا تبصرُ غير ركام المعمورةْ
لا أسكن في غزةَ
لكنّ يدي مبتورةْ
ولساني صار طعاماً لكلاب الأنظمة المسعورةْ
ف الأنفاق الممتدة"
نلاحظ أن حدة (الصوت العالي) خفت، فبعد أن (لعن) الشاعر المتخاذلين/الصامتين هدأت نفسه قليلا، وأخذت يستعيد فيه الشاعر أكثر من الغاضب، من هنا نجد (الغنائية) حاضرة في "الصورة، منثورة، المعمورة، مبتورة، المسعورة" فبدت التاء المربوطة والتي تلفظ بصورة قريبة من الهاء وكأنها (آه) تعطي الشاعر نوعا من الراحة، من هنا جاء المقطع أقل حدة وغضب مما سبقه.
وهذا(الهدوء) له علاقة بالمتلقي الذي ستصله فكرة: إن التمرد/الثورة تريح النفس وتجعلها هادئة، فلم يعد هناك ما يعذب النفس داخليا بعد أن (فعل/عمل) الإنسان المطلوب منه، على النقيض من الذي يبقى ساكن غير فاعل/عامل، فيشعر بالغصة وتأنيب الضمير لتقاعسه وتخاذله.
وإذا ما توقفنا عن المقطع السابق سنجد أن الشاعر أخذ يستخدم أنا المتكلم، كإشارة إلى حالة التماهي بينه وبين الحدث، فقد (استعاد) ذاته كشاعر، يكمل الحديث بصيغة أنا بقوله:
" من معبر (إيرزَ)
حتى (كرم أبي سالمْ)
لا يوجد إلا اللهُ
يقاومْ
وأنا
أحتاجُ إلى أملٍ
تتحصّنُ فيه الكلماتُ
ولا تخرجُ
إلّا كي تلدغَ ميركافا وتعودْ
أحتاجُ إلى نَفَقٍ
كي أكتبَ بالبارودْ
سأصير إذنْ نَفَقاً
يمتدّ من القدس إلى عمّانْ
نفقاً تحفره الرابيةُ الانَ ويحرسه نهرُ الأردنِّ"
نلاحظ أن الشاعر يشير إلى نفسه كشاعر من خلال " أمل تتخلص فيه الكلمات، كي أكتب بالبارود" وكثائر: "نلدغ الميركافا" ونلاحظ أن هناك توازنا بين حضور الشاعر وحضور "المقاوم" مما يجعل شاعر مشتبك، لا يمارس الشعر/القول فحسب، بل الفعل أيضا، وما وجود ألفاظ: "يقاوم، تتحصن، ميركافا، نفق، البارود، القدس، عمان، يحرسه" التي تعطي صورة عن الحرب والمعركة إلا تأكيدا لهذه الثنائية، ثنائية الشاعر/المثقف والمقاوم/الثائر/المتمرد.
يتقدم الشاعر/المقاوم خطوة أخرى بهذا الإتجاه:
"فكنْ نفقاً يا نيلُ
من الأهرام إلى الخانْ
كن نفقاً يا نيلُ
فما أعظم أن يجتمع النهرانْ
من صنعاء إلى بغداد إلى الشام إلى لبنانْ
لن نصمت بعد الآنْ"
صيغة النداء الحاضرة في "يا نيل" تشير إلى الشاعر، بينما "فكن نفقا" تشير إلى المقاوم/الثائر، وبما أننا أمام صيغة ثنائية تجمع الشاعر بالمقاوم/الثائر فقد جاءت خاتمة القصيدة بصورة ناعمة وبصوت مقنع للدخول إلى الثورة.
وإذا ما توقفنا عن الأقطار التي تناولها الشاعر فاتحة القصيدة وخاتمتها سنجدها "لبنان، سورية، العراق، اليمن، فلسطين" بينما في الخاتمة استبدل فلسطين بثلاثة رموز لمصر "نيل، الأهرام، النهرين" وبرمز للأردن "فما أعظم أن يجتمع النهران" وهذا يأخذنا إلى أن القصيدة كلما تقدم بها الشاعر رفع منسوب الجمال فيها، متجاوزا أثر الواقع وما فيه من غضب وقهر، ليستعيد مكانته كشاعر، مؤكدا انه يبقى ابن فلسطين وابن هذه المنطقة التي ينتمي إليها.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟