الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 112 ـ

آرام كربيت

2024 / 4 / 2
الادب والفن


قراءة الاسطورة
منذ طفولتي المبكرة كنت مغرمًا بقراءة الأساطير، بها وعلى أجنحتها كنت أطير وأطير إلى مكان بعيد بعيد، إلى لا مكان ولا زمان بالشكل المتعارف عليه.
في ذلك الوقت كنت أظن أن حدود الأرض مفتوحة على اللامدى واللاحدود.
خيالي ذهب مع الأسطورة إلى الحور البارعات الجمال، يسبحن في مياه لم تخلق الطبيعة مثلهن، وحولهن أعشاب ليست كالأعشاب التي نراها في أحلامنا ويقظتنا، وأنهار غريبة عجيبة، وغابات يانعة، ويتصرفن كأنهن لسنا من هذا العالم.
كان خيالي يحلق ويحلق، وأذهب معه في تحقيق رغبات تتجاوز قدرة الواقع على حمله.
في ذلك الوقت كان سهلًا علي أن أصدق أن الفارس وفرسه يطيران فوق سبع بحار ومعه قرده وسيفه ورمحه وحبيبته وأحلامه المحققة في الزمن القادم.
كنت أخفي في لا شعوري الداخلي كرهًا للأرض التي أقيم عليها، لهذا ركبت الخيال فوق الخيال وسرت فوقه.
هذه الرغبة في الانعتاق كان حلمًا، قوة ورغبة في تجاوز الزمن، زمن الواقع وثقله.
وبهذه القدرة التخيليّة واختراق الظواهر الطبيعية وصلت إلى صنع المقدس، وصنع الآلهة وأنصاف الآلهة، وبهم وعليهم حولت الوقائع إلى لعبة شقية يمكن هضمها.

الخيال لعبتنا
نحن شعوب غريبة، لدينا خيال مجنح، هائل في التحلق عبر الفضاء العاري. أحدنا أنجب طفل دون دنس، وأخر طار على بغلة، وغيره حكى مع الله من وراء الضباب والدخان.
شعوب مستلبة، ، فاقدة القدرة على التفكير الجاد تلجأ إلى الخيال لبناء عالم مركب من عقدة النقص والاضطراب، بشكل واضح وسلسل وأمين.
ولا يزال هذا الخيال يفعل فعله، عائمون على صدر الأرض والسماء دون أن نمسك ذرة تراب أو نعقلنه.
وما زلنا نعبث بأنفسنا، ونسخر، ونظنها حالة مثالية.
متى نطلق تلك الذات اللانجسة، أو تلك البغلة المسافرة إلى اللانهاية أو الله المتقاعد عن الوجود.
اتمنى لو نصبح نجسين، قذرين، قاسين، غاضبين بشكل واضح، إن لا نسكت عن على من يسرقنا، ويذلنا، هذا أفضل بكثير من الفضائل الزائفة الذي تعلمنا عليها في حياتنا.
في داخل كل واحد منّا كتل هائلة من النجاسة، لكن عقلنا الباطن يدورها، يحول هذه النجاسة إلى فضائل، بسبب، لأننا ننتمي إلى أديان فاضلة تحلق بنا إلى السماء العالية.
هذه السماء والفضائل المزيفة لا علاقة لها بالواقع.
وهذا التناقض دمرنا، خرب عقولنا وحياتنا.

أغلبنا كان يعاني من أزمة حراسة الأصنام دون أن يدري إلى أن كسرت وذابت، تحولت إلى اشلاء.
بعد أن هتك عرض الأصنام الفكرية والأيديولوجية، أضحينا عراة، لا ثوب يسندنا ولا لحاف نتدفئ تحته، يطرح علينا السؤال:
ماذا لدينا بعد أن رأينا أنفسنا في حالة خواء؟
على ماذا سنستند بعد هذا العراء، ما هي العدة الفكرية التي سنعوم عليها أنفسنا للانطلاق إلى تفكيك هذا الواقع الموغل في ألغازه وأحجيته؟
ما هي اللغة المفهومية التي ستناسب هذه الصحراء الفكرية على المستوى العربي والعالمي، لقراءة أزمات العالم والواقع، في محاولة معرفته وتفكيكه لإنتاج عالم مفهومي يقرأ الواقع قراءة معقولة؟
هل نتبرأ من الذات النقدية أم ننقلب عليها إلى مضادات أخرى في ميادين الممارسة والعمل؟
كسرنا الأصنام من الخارج، بيد أن الأصنام الداخلية تئابا على الكسر عبر النقد أو تفكيك هذا الخواء الذي تعيشه البشرية ومنها عالمنا العربي.

العبودية إرادة
العبودية في عصرنا، تحولت إلى كومة إرادات مستقلة عن إرادة الإنسان وشرط بقاءه.
إنه يركض وراء عبوديته بإرادته، يدخل هذه المنظومة الاستلابية دون أن يكون له خيار الانفكاك عنها.
تمأسس الإنسان المعاصر، أضحى خاضعًا دون أن يعي شرط وجوده المنفصل عنه.
ففي السابق لم يكن هناك آليات استلابية كما هي عليه اليوم، آليات منظمة بدقة شديدة لإخضاع الإنسان؟
ولم تكن السلطة ونخبها منظمة بهذه الدقة والصرامة.
أما اليوم فهناك مراكز أبحاث ودراسات نفسية وفكرية واجتماعية وسياسية تسهر على إبقاء الإنسان مستلبًا مهزومًا، مكسورًا من الداخل.
وتعمل المدارس والبرامج الاجتماعية ووسائل الإعلام على تفتيت داخله، تفتيته من الداخل، وتهميشه، ليتحول إلى غريب داخل غربة قاتلة، يبحث عن مكان يضع عليه قدمه.
شراسة الاستلاب أكبر من قدرة الإنسان المعاصر على هضم خواءه ووجوده.
يا ما أحلى العبودية السابقة على عصر الحداثة.

الروضة والحضانة
الروضة الحضانة المدرسة الجامعة هي مؤسسات سياسية، يتخرج من هذه المؤسسة كائن مأدلج، مركب وفق مقاسات خطتها لك الدولة.
العلم الذي تدرسه في بلدك يدرسه الطالب الأخر في السويد أو فرنسا، في البرازيل، في الولايات المتحدة مع الاختلاف في الشكل وليس في الجوهر.
علم الاجتماع الذي تدرسه في بلدك هو ذاته في العالم، الاقتصاد الذي تدرسه هو ذاته في العالم، والفلسفة ذاتها كذلك.
أنت كائن سياسي مروض، مأدلج سواء أردت أم لا تريد.
هؤلاء البسطاء الذين يظنون أنهم خارج الأدلجة، وخارج عالمنا السياسي مخطئون.
نحن في عمارة سياسية عالمية، أو سكن سياسي عالمي، لا مكان للبراءة فيه ولا مكان للنوايا الطيبة في عالمنا المعاصر الذي نعيش فيه.
الأمر ليس بيدنا، إنه عالم موضوعي بالرغم عنّا، تفرضه هذه الدولة أو تلك لنخرج كائنات سياسية مستلبة، صيصان تعلف طعامها دون تذمر، على مقاسها.
فعندما تدافع عن مفهوم ما، ولا تملك الأدوات المعرفية للدفاع عن نفسك وموقفك، ولما يخطط لك، فأنت كائن مهزوم من الداخل.
منذ أن عرفت الدولة، عرفنا أنها تستطيع انهاء المعارضة من المهد وسحقها.
جرى أدلجة الفرد بشكل مبكر، منذ نعومة أظفاره، لتكسب إنسانًا جاهزًا لتنفيذ نوازعها نحو الهيمنة أو السيطرة.
هذا هو الواقع، ومن سيخرج عنه ولو بشكل خجول، نسميه المبدع، المتمرد، المفكر، خارج نسق القطيع، كائن خلاق، جميل، موجوع، يحمل الهم العام، وجعه بعيدًا عن القطيع السياسي أو القطعان السياسية.
القطيع السياسي هو الناظم الاستلابي لعلاقة الإنسان بالإنسان.
الفلسفة تسير على نسقين متوازيين، كمجرى الأنهار، كل نهر له منبعه ومصبه، والفروع تلتحم بكل نهر، سقراط أرسطو أفلاطون يختلفان في الجوهر مع ديمقريطس، كل واحد في مجرى ومصب، وهكذا كل مفكر أو كاتب ربما يختلفان في مكان ويتفقان في مكان أخر
الحل مستحيل في عصرنا وأيامنا، وأغلب الفلاسفة والمفكرين أصبحوا قطعة صغيرة في المسننة العام للواقع.
علينا أن نبحث عن مخارج، وهذا يتطلب نكرات ذات من قبل الباحثين مثل سبينوزا وماركس أو غيرهما أو نترك الواقع يقرر ما يحدث إلى أن تنتهي الحياة على يد الدول في حروبها القادمة.
البناء القديم كله في طريقه للزوال. لم يعد يترك أي شيء للاحتمالات أو البراءة.
الأجيال التي تنشأ في الغرب تحديدا، متشابهة إلى حد كبير جدا، كأن الطفل صوص ملقح، خاضع للرقابة من كل جهات الدولة، ليكبر ويتحول إلى دجاجة في مدجنة، يبيض وفق نظام غذائي وتعليمي واحد
الإنسان المتمرد، إنسان معذب، يرى بعين قلبه أنه مهزوم قبل أن يبدأ. التنوير قبض علينا من كل الجوانب، خاصة على العنق، لشراسة القوى المهيمنة، لقدرتها على امتلاك أدوات الهيمنة.

الغربة العالمية
في عالم اليوم، تعيش في هذه الغربة العالمية المرسومة لك بالفرجار. والتضامن لم يعد إنسانيًا. وتلك المشاعر الجياشة التي تسكنك تحولت إلى تضامن تحت سياسي.
في هذا الفضاء القاسي، لا يشدك خرير ماء أو غناء عصفور أو حفيف شجر أو زهر.
كل واحد في وحدته حتى في حضور الأخرين، وكلنا يسابق الزمن لنصل إلى النهايات، كالحلم الراحل إلى لا زمن.
لم يعد الموت يحرك خلية واحدة فينّا، ولا المرض الجمعي.
وخوفنا الحالي نابع عن عدم القدرة في القبض على الذات المهزومة.
عشنا في ذلك الزمن، زمن البساطة، جلسنا حول المدفأة الصغيرة، سمعنا آهات بعضنا بكل حب وود، وكانت لنا أحلامنا الراكنة في البعيد، وكنّا ننام على حلم جميل، وأمل في الغد الجميل.
هل سرق حلمنا وأملنا؟
نعم سرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت