الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اليد الخفية
خالد صبيح
2024 / 4 / 2مواضيع وابحاث سياسية
في وقت متأخر من ليلة هادئة من ليالي شباط" فبراير" الباردة، وبينما كان عائدا من دار سينما صحبة زوجته اغتيل "أولوف بالمه" في عام 1986 بإطلاقات اطلقها شخص على رأسه من مسافة قريبة جدا. كانت الشوارع فارغة كعهدها في مدن السويد فغاب الشهود سوى قلة ممن سمعوا صوت الإطلاقات ولم يروا الجاني الذي هرب في إحدى الطرقات الجانبية واختفى، ومع أن جهاز المخابرات السويدي هو من أكفأ الأجهزة الاستخباراتية في العالم إلا أنه أخفق، أو هكذا قيل، في العثور على الجاني حتى يومنا هذا.
أثار هذا الاغتيال الكثير من التساؤلات والتكهنات كما هو الحال دائما في الاغتيالات السياسية، وسيبقى لغزا مفتوحا لسنوات وعقود.
وأظن أن العراق هو أكثر بلد عربي شهد اغتيالات ومحاولات اغتيال سياسية في تاريخه المعاصر، بدءا من اغتيال "بكر صدقي" عام 1937 وانتهاء بمحاولة اغتيال السيد "فخري كريم"، صاحب مؤسسة المدى والشخصية السياسية والإعلامية المعروفة، في شباط "فبراير" 2024، مرورا بمحاولة اغتيال "عبدالكريم قاسم" 1959، ثم اغتيال جلال ألأوقاتي في أول ساعة لانقلاب البعثيين في عام1963، وسلسلة طويلة من الاغتيالات منها ما كان جناتها معروفين، وأخرى دارت حولها الشبهات، وجل هذه الاغتيالات وقعت في عهد حكم البعث ونظام "صدام حسين" بعد عام 1968، وكأن أقبية التعذيب والقتل لم تكفهم.
ولم يتخلف العهد الجديد، ما بعد 2003، عن سابقيه، فقد اغتيل فيه عدد من الشخصيات السياسية العراقية، منها اغتيال القيادي الشيوعي "وضاح عبدالأمير" "سعدون" والنقابي "أبو فرات" وكذلك الكاتب والقيادي الشيوعي "كامل شياع"، وأيضا اغتيال عقيلة الهاشمي، عضو مجلس الحكم، وهاشم الهاشمي وآخرين، والقائمة طويلة.
دائما كان الاغتيال السياسي بمثابة يد خفية بيد الحاكمين والمتنفذين في الدولة والمجتمع، وهو، بسبب من طبيعته الغامضة،الخفية، آفة سياسية واجتماعية من شأنها إذا استفحلت أن تشوه الحياة السياسية وكل المجتمع. وإذا كان النظام البعثي قد مارس الاغتيالات بطريقة مكشوفة وشبه علنية (اغتيل "عبدالكريم الشيخلي" عام 1980 في الشارع وسط زحام الناس)، واغتيل بنفس الطريقة "محمد صادق الصدر" سنة 1999،وغيرهم كثيرون، فإن العهد الجديد، بمكوناته المتعددة، المتحالفة والمتخاصمة على السواء، أعفى مؤسسات الدولة من الاغتيالات وأحالها إلى الميليشيات العديدة والمنتشرة التابعة والموالية له، ليضيع دم المغتالين "بين القبائل"، وفي هذا يكمن سر قوة النظام وخطورته، فهو يمارس القمع والمصادرة بيد قوى خاصة "خفية" وليس عبر آليات الدولة وأجهزتها الأمر الذي يمّكنه من التنصل من أية شبهة ويمنحه صك براءة غير مستحق.
وأي كانت الجهات ودوافعها وراء الاغتيالات فإن مواجهتها هي أمر جوهري ويصب في صلب وأساسات المشروع الوطني والديمقراطي الذي تنادي به وتدفع إليه القوى المدنية والديمقراطية في المجتمع العراقي، والذي تشكل مؤسسة المدى وصاحبها أحد أهم أركانه ودعاته في المجالين الإعلامي والسياسي، لهذا فإن الكشف عن من كان وراء محاولة اغتيال رئيس المؤسسة، السيد "فخري كريم"، هو جهد يصب في صلب هذا المشروع، لاسيما وأن المحاولة قد فشلت، فمعروف أن الاغتيالات التي نجحت، وهي الأكثر في كل المحاولات، لم يستطع أصحاب الشأن فيها، أقصد الجهات التي كان يتبع لها الضحايا، أن تقوم بما يكفي لكشف الجناة أمام الرأي العام على الأقل إن لم يكن أمام السلطات القضائية، مثلا ادعى الحزب الشيوعي العراقي أنه يعرف من كان وراء اغتيال "كامل شياع" ولكنه لم يكشف معلوماته أمام الرأي العام، ولا حتى لجمهور حزبه. وبرأيي أن مهمة الكشف عن الجهة التي تقف وراء محاول اغتيال السيد "فخري كريم" هي مهمة وطنية ومسؤولية شخصية لصاحب المدى، خصوصا وأن هناك ادعاءات، بعضها غير عراقي، تشكك في العملية وتتهمه بفبركتها، وهذا يضيف سببا إضافيا للدفع باتجاه السعي الجاد لكشف الجناة وتفنيد هكذا اتهامات.
الملفت أن المؤسسة الأمنية، ممثلة بوزير الداخلية، وعدت عند وقوع المحاولة في أنها ستقوم "بتشكيل فريق عمل أمني مختص للتحقيق” و ستقوم "بتكثيف الجهد الأمني والاستخباري للوصول إلى المنفذين وتقديمهم للعدالة"، وهذا يعزز من الدافع للبحث عن الجناة ومطالبة وزارة الداخلية ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) في أن تقدم نتائج التحقيق ومساره للرأي العام ليتأكد من جديتها ويطمئن المواطن والفاعل السياسي والثقافي من أنه في مأمن، أو على الأقل أن الجهات الأمنية حريصة على سلامته.
إذا مرت هذه المحاولة دون متابعة وتقصي جدي من مؤسسة المدى ومن السيد "فخري كريم" شخصيا، فإن مشروع التنوير الذي يقومان به ويسعيان لتعميمه وإنجاحه سيبقى رهينة بيد الظلاميين، وإن باب التأويلات والشكوك حول صدق الحادثة تبقى مشّرعة و… مشروعة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البشير شو | الشتاء قادم
.. سوري راقص في ألمانيا رغم ساقِ مبتورة ويتعلم مهنة خاصة! |عين
.. أكثر 5 لحظات محرجة على الهواء مع بدر صالح!
.. حزب الله يؤسس قيادة جديدة ويستعد لحرب استنزاف طويلة.. ما الت
.. مراسلة الجزيرة ترصد آخر تطورات الوضع الميداني من ضاحية بيروت