الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشوة التجزؤ .. قراءة في حالات الروح

محمد سمير عبد السلام

2006 / 12 / 4
الادب والفن


ينحرف النص عن ما يمكن أن يحتويه من مقولات الجنس الأدبي ، ليؤسس لحالة من التداخل المفتوح ضمن اختلاطه بتأويلاته المحتملة ، و لو تعمد الخطاب إثبات انتمائه إلى الرواية أو الشعر أو الكتابة الأدبية بحد ذاتها ؛ تلك التي صارت الآن في توسع يفوق أي حدود منذ اختلطت نوازع الأداء التمثيلي بأبسط الحوادث اليومية ، و أبسط العلامات اللغوية .
تكمن إذا أشباح الأجناس المختلطة في تعاقب الوحدات الصغيرة و لو أعلنت انتماءها لكل زائف ، كما تنزع بعض النصوص إلى التوافق مع حالة التجزؤ رغم ما تحمله من تقنيات تنتمي إلى أجناس مختلفة ؛ مثل نص " حالات الروح " للكاتب زكريا عبد الغني – مركز الحضارة العربية بمصر 2006 – و قد كتب أسفل العنوان لا رواية ، و هو هنا يربط النص بالسرد الروائي في الوقت الذي يبعد فيه الوحدات و الوظائف عن الاتصال الكلي ؛ إنه يسخر منه من داخل أدواته المجزأة في اتجاهات و مسارات تشكل الوجود / الأداء خارج الكتابة ككتابة سردية خارج نطاق الكتاب ؛ إنها حالات للروح للشبح الذي يمارس إغواء النزعة التمثيلية كمرادف لوجوده في العالم .
و طبقا لجيرار جينيت يمكن السباحة في التعالي النصي الجامع ، أو النسيج الجامع الذي يقع في مكان ما وراء النص دون اللجوء للتقسيمات السابقة ( راجع / جينيت / مدخل إلى النص الجامع / ت / عبد العزيز شبيل / المجلس الأعلى للثقافة ) .
و لكن هذه المرحلة من تجاوز الحدود بين السردي و الغنائي و الدرامي ، تخرج الآن من ماوراء النص / الجمل الشارحة لتداخل الأجناس ، إلى الوجود كتأويل قصصي للقدرة للشروع في أي عمل يمكن رده للهوية ؛ و من ثم تنهار شكول السارد بوصفه ساردا له بنية إلى تفرع الأداء في مسارات قوية ، تقبل الانشطار و التنافر .
لقد صار السرد انتشارا للواقع ، للخرائط عند إيهاب حسن ؛ إذ لا يمكن تحديد الخريطة ؛ لأن أحلامها و أخيلتها و أساطيرها القصصية لن تنتهي أبدا ( راجع / إيهاب حسن / Maps Stories A Brief Meditation 2005 ) .
هكذا يمكننا تأويل طاقة السرد العبثية في حالات الروح ، وفق سخريتها من الفاعلية و الانتماء لمنطق الاتصال النصي و الوجودي على حد سواء .
إنها تنتج ضمير المتكلم وفق اتحاده بالطاقة السردية الأقوى من اختزال الهوية في تكوين محدد و لكن في تناثر هذا الضمير في قوة الأداء المناهض للرواية من داخل وحداتها المنقسمة في لذة لعبية بمفاهيم الذات و الواقع و العدم و الوجود .
في النص (3) يرصد السارد / الطفل أحلامه و مخاوفه المولدة عن رؤيته للجدة العجوز التي تعيش مع حفيدتها الجميلة ، و كانت الجدة تقوم بتغسيل موتى النساء من أهل البلدة ، و لما ماتت حزن المتكلم ثم علم أن الفتاة تعيش مع عجوز أخرى في درب مجاور .
لقد شك السارد في معرفته بالعجوز عقب موتها ؛ إذ جسد حزنه علاقة متوترة بسرديات الموت الكامنة في وظيفة العجوز و قدرتها على التنامي في الآخر دون أن تنتهي قصصها المجازية ، فخيالاتها مازالت تعمل بداخله ، كما ظهرت بديلة لها يتنامى فيها موت الأولى بامتدادها التأويلي في الأخرى التي تستأنف الطاقة الأولى و تكملها من خلال الفتاة .
هل كانت العجوز الأولى مشبعة بالحضور ؟ أم بالموت ؟
لقد استشرفها السارد في آخرية الشبيه ؛ فانتفى عنها التحقق المرجعي الأول في اتجاه النسخ المخيلة التي انتشرت من خلال صورة الموت بداخله مؤولة بالعجوز و حكايتها المتنامية من خلال الأخرى ، و قد انتقلت إليها الفتاة / علامة الحياة ، و البهجة المزدوجة بذكرى الموت كقصة تخيل الواقع ، و تنتج المفاهيم من خلال صيرورة الصورة لا من خلال أصالة المفهوم .
و في النص (4) ينصت الطفل إلى صوت جميل يتجسد بداخله دون أن يعرف مصدره ، و لكنه يبعده عن ضجيج السيارات اليومي ، و عندما تتبعه رأى طائرا كبيرا له وجه قمر أو طفل تتصاعد منه الموسيقى ، ثم طار به إلى السماء .
الصوت يجمع بين الداخل ، و الخارج دون حدود كلية ، فقد تطور في النص من كونه موسيقى شبحية تغوي الطفل بالاختفاء ، إلى ضخامة متعالية في هيئة طفل آخر ؛ و كأن الكائن يناهض هويته في اتجاه جذب الطفل الأول إلى تكوينه الاستعاري في الفضاء ، و قد صار مشكلا للوجود ، و اكتشافا للمحو الكامن في ضخامة المادة الأسطورية .
الصعود في القصة ذوبان في الصوت ككتابة تفسيرية تتعالى على المادة من داخلها ؛ هل هو انفجار الجسد من خلال ذكريات التدمير الصاخب اللاواعية ؟
أم أنه انجذاب نحو عملقة أسطورية غير مرئية تناهض واقعية التهميش من خلال المحو الزائف ؟
و في النص (9) يعاين السارد وجها يعرفه ، و يناديه في الشوارع ، و يؤيده أحيانا دون أن يتذكر اسمه حتى يكتشف أنه يحمل اسمه ، و يسكن شقته ، من دون أن ينفي عنه سمة المغايرة .
و يبدو السارد في بداية النص حريصا على المعرفة ، و التحديد الموضوعي للشخص ، كما يبدو متحمسا بشدة لهويته التي جلبت – على مستوى الأداء – عدوها الساخر ، الذي يمارس لذة التجزؤ حاملا ملامح الهوية دون أن يثبت وجودها أو يحددها . إنه يفتتها من خلال حماسها للتطابق الذي صار مغايرة داخل المغامرة السردية متعددة الخطوط باسم مشترك يفجر الكلية الزائفة .
و في النص (13) ينفصل رأس السارد عن جسده ، مع احتفاظ الرأس بالقدرة على الكلام ، و احتفاظ الجسد بالإرادة و العمل ، فهو يحمل الرأس ثم يقع من يده وسط زحام السيارات في الشارع ؛ فيساعده الناس على حمله ، ثم يغيب الرأس و يعود جمجمة بلا حياة و يختفي الناس من الشوارع ثم يحمل السارد جمجمته على العصا.
هل صار الموت نسخة لاعبة تسخر من مفهومه الأول ، و تؤجله من خلال تطور الحكاية في الزمن ؟
أهو تطور للموت أيضا من خلال القدرة على السرد و الموت معا؟
هل هي أفراح التفتيت و استعادة الحياة من خلال استرجاع غير واع لأدونيس ، و أوزوريس ؟
إن السرد في هذا النص يسخر من الفاعل ، ومن ثم فلا مجال للحديث عن وجهة نظر أو تحديد لراو يتمتع بالحضور .
هو الحكي وحده المؤول للمعرفة بطاقة الموت / الجمجمة في المشهد .
و في النص (15) يعاين السارد سوقا كبيرا تتوسع فيه أجساد الأقوياء بصورة غير واعية من خلال إضافة أعضاء جديدة تباع نتيجة الفقر ، و قد اضطر السارد لبيع أصابعه أولا ليحصل على النقود ؛ ليأكل ثم فقأ عينه ، و أخيرا باع رأسه حتى صار شبحا .
إن قدرة السارد على الحكي عقب تحوله في اتجاه الفقد مقابل الزيادة التوسعية اللاواعية ، يسخر من مركزية السوق ، أو يفجرها من خلال لعب الصورة خارج آليات السوق المركزية و لكن من خلال مفاهيمها الأولى التي تسخر من مركزيتها ؛ فهي خريطة حلمية تؤدي لانتشار الأطياف و استمرار الحكي المناهض لحتمية السوق و ما يصاحبه من عنف أيديولوجي كلي يسقط في استمرارية التحول .
و في النص (26) يختل إيقاع المشي المنتظم لدى البطل فيبدو متنافرا ، مع حركة رأسه في اتجاهات كثيرة لا علاقة لها بما يقول ، و قد وجد أصدقاءه يعانون من الأعراض نفسها فيرقصون رقصة جماعية تبدو كشجار دون فرقة موسيقية فقد كانت الآلات تتولد من داخلهم .
لقد بدا الرقص المتنافر حتميا في بداية النص ، و لكنه جسد ثورة الميكانيكية الجسدية على الانتظام و التناسق في اتجاه نشوة الرقص مع الألم ، و التدمير كمصدر نيتشوي للقوة من خلال التجزؤ الفرح .
و في النص (40) يرصد السارد من الخارج حالة رجل توقف حياته و تأويلات وجوده على فعل الحفر ، فقد كان يجمع عظاما متناثرة ، حتى وجد الجمجمة فركبها على العظام في منزله ، ثم اختفى و لم يجده الناس في اليوم التالى ، و لكن وجدوا الهيكل وحيدا .
هل ازدوجت الهوية بالموت ؟ هل كان يبحث الرجل عما يجعله يمارس لذة الاختفاء بوصفها هوية تمثيلية لوجود لم يكتمل ؟
أو هل نقول لم يوجد ابتداء ؟
إن طاقة الهيكل تحمل حياة قد بدأت للتو في العمل حين استلبت الباحث ، و حولته لطيف ينطق باسم الموت ، دون أن يتطابق معه .
محمد سمير عبد السلام
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال