الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو فكر حواري يؤمن بالنقد و الاختلاف

لمسلم رشيد

2006 / 12 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر للمفكر المغربي محمد سبيلا إصدار جديد وهو عبارة عن مجموعة من الحوارات أجريت في مناسبات متعددة مع فلاسفة ومفكرين عالميين• الحوارات تهم جوانب معرفية وفلسفية وسياسية مرتبطة بهموم المفكر وأسئلة تحاول أن تلامس أهم الاشكالات الفكرية والسياسية المعاصرة• فلقد استهل محمد سبيلا حواراته المترجمة الى لغة الضاد بطرح مجموعة من الافكار تؤسس لفكر لانهائي• فالفكر الغربي المعاصر ليس ملكة محجورة ومراقبة، بل هو نشاط ذهني حر لا تحده قيود ولا تحجبه حواجز• فليس هناك موضوع ما من الموضوعات المتعلقة بالطبيعة وما بعد الطبيعة وبالإنسان والمجتمع والتاريخ والنفس والوعي واللاوعي وغيرها إلا وتعرض لمشرحة التحليل والفحص والنقد• إنه فكر لا يعرف التابو أو المحرم حسب المفكر محمد سبيلا• ذلك ان المجتمعات الغربية عرفت باكرا نوعا من التفاضل الاجتماعي جعل القوى والفصائل الاجتماعية التواقة الى التقدم تسند حرية الفكر وتحميها عمليا وقانونيا، وكأن الفكر هو المقدس دون غيره• فالباحث يذكرنا بأن حرية الفكر هذه التي توافرت اليوم في المجتمعات الغربية والتي هي ذات سند اجتماعي لم تأت هبة من السماء، بل ظلت محط صراع طويل انتصرت فيه البورجوازية الاوربية التي كانت حاملة مشعل التقدم والمساواة والحرية• وقد كانت أوربا قبل ذلك موطن محاكم التفتيش والمحاكمات والمنع المسلط على النشاط الفكري• كما صارعت الأنتلجنسيا الاوربية طويلا قبل أن تنتزع الاعتراف الاجتماعي القانوني والسياسي والعملي بحق التفكير وحرية الفكر، إن توافر هذا الشرط الاساس لازدهار الفكر وهو الحرية، مما جعل هذا الفكر المعاصر يعرف التعدد والتنوع• إن لهذه المفاهيم خصوبتها المعرفية ودلالاتها الابستمولوجية السياسية في جعل الفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي الأوربي يعرف تحولا مس جميع الاطارات المعرفية وأفرز بالتالي حوارات متعددة بأصوات مختلفة وبمرجعيات متعارضة أحيانا، وبلغة جميلة ومرهقة التفكير هذا ما وقفه عند المفكر المغربي محمد سبيلا باعتبار التنوع اللانهائي والفن هما السمة الاساسية للفكر الغربي، والسمة الثانية هي النزعة النقدية أو الراديكالية، فهذا الفكر يعيش منذ نهاية الخمسينات إعادة نظر جذرية في أسس الفكر العقلاني ذي النزعة الانسانية منذ ديكارت الى الآن• فالاتجاهات الفكرية المعاصرة تبرز هذا الفن بكل معانيه النقدية والاختلافية• فالفكر الغربي قام بمراجعة أسس العقلانية الانوارية لبيان• أسسها وحدودها وإجلاء الوجه اللاعقلاني المرتبط بها ولإبراز الوجه السلبي والاستبدادي للعمل• كما تمت مراجعة النزعة الانسانية ببيان معانيها وحدودها وتحديد طابعها الإرادي والمثالي بالكشف عن الحتميات المجتمعية والسيكولوجية والمعرفية المختلفة المحددة والملازمة• ولتوضيح ذلك استشهد المؤلف بمفهوم التاريخ الذي لم يسلم من المراجعة النقدية الشاملة• إذ لم يعد التاريخ خطأ تصاعديا متصلا على كافة مستويات البنية الاجتماعية على النمط الهيجلي• بل إن لكل هيئة تاريخها وإيقاعها الخاص وتمفصلاتها وقطائعها الخاصة• ولم يعد التاريخ صانع الحقيقة، بمعنى ان الحقيقة ليست تلاحقا لعلاقات تندرج في الزمن، بل هي الى حد ما علاقات خارج التسلسل الزمني• هذه المراجعة في رأي محمد سبيلا نزعت عن التسلسل التاريخي سلطته، وانسجاميته واتصاليته كإيقاع كوني منتظم تحكمه الضرورة والوعي• ليقف المفكر في الاخير على السمة الاساسية للفكر الغربي هي نزع القسيمة عن كل الموضوعات والاشياء لإظهار وظيفتها الاجتماعية والتاريخية سواء تعلق الامر بقيم أو بأخلاقيات أو بإيديولوجيات أو بأشخاص• فمن الطريف، كما يقول المفكر المغربي، بأن نلاحظ أن الفكرة القوية الرائدة في الفكر الغربي المعاصر هي أن اللامنظور يحدد المنظور على مستوى الادراك، وأن اللاشعور يحدد على المستوى السيكولوجي وان اللاوعي يحدد الوعي على المستوى المعرفي، وان البنية تحدد الافراد والذوات• وان شروط الانتاج تحدد المنتج• وأن السلبي هو الذي يحدد الإيجابي• إن مثل هذه المعطيات الفكرية وغيرها تحاول أن تستلهم أهم الاشكالات التي تؤطر للفكر الغربي المعاصر، وما محاولة المؤلف في استجماع هذه الحوارات مع أهم أعلام الفكر الغربي ومع شخصيات أخذت على عاتقها القلق المعرفي والوجودي باستحضار التحولات والقطائع الابستمولوجية التي هزت الفكر الغربي، وساءلت من خلالها الواقع السياسي والاجتماعي الأوربي منذ القرن 20• فهذه الحوارات التي تقدم للقارئ اليوم تفتح ـ حسب تعبير محمد سبيلا ـ أمام القارئ العربي والمغربي جزءا من هذا الأفق اللانهائي• الذي نحن في حاجة ماسة إليه بحكم التحولات الفكرية والثقافية والسياسية التي تعيش فيه محليا ودوليا• فهذه الحوارات عربت ونشرت بمناسبات مختلفة في الصحافة• تعكس الى حد ما هذا المناخ الفكري متعدد الألوان• ابتداء من ليفي ستراوس الذي أثر بإنتاجه أكبر التأثير على كل العلوم الانسانية والفلسفية في إبرازه لدور البنيات وسلوك الناس، الى يورغن هابرماس الذي يندرج إنتاجه في سياق مدرسة فرنكفورت في نقدها لأسس العقلانية الانوارية وما يستتبعها من تكييف وتشييء وقمع، الى ميشيل فوكو الذي قام بتشريح البنيات المضمرة في الفكر الغربي وساءل بداهاته الاساسية في أكثر القضايا بداهة، الى بتلهايم الذي ينكر على الثورة الروسية كونها ثورة اشتراكية• فالحوارات أبرزت مدى تشعب وغنى الفكر الغربي ومدى ملامسته لأهم القضايا المطروحة على الساحة الثقافية والسياسية• فالحوار مع ريجيس دوبريه الذي نشرته مجلة (N44 Mzgazine litterair) بمناسبة صدور كتابه المهم(Feu Sacre; fonctions du religieux ) •هذا الحوار المعنون، بضرورة التفكير المعمق في المسألة الدينية، باعتبار المفكر اهتم في كتاباته بالمسألة الدينية وأصدر المقدس الباهر الذي هو حصيلة لكل ما قاله حول هذا الموضوع• فالمؤلف تحليل عرضي وحاسم لوظائف الدين الذي تتميز اليوم كما تعلم الكثير من الجدالات وعلامات التساؤل• وفي نفس السياق المعرفي نجد حوارا مع المفكر الفرنسي روني جيرار: المسيحية والعلوم الإنسانية هذه الحوارات وقفت في البداية بالتعريف بأصحابها ومجالات اختصاصهم ونضالهم السياسي• وحاولت ان تطرح أهم الإشكالات المرتبطة بقضايا الانسان والمجتمع والتاريخ المعاصر• فالأسماء المدرجة تعبرعن مدى جديد هؤلاء• ريجيس دوبريه، روني جيرار، ليفي ستراوس، مورسي غولدليه، بيير بورديو• كارل بوبر• هابرماس، جورج بالانديه، ماكسيمليان روبل، ميشيل فوكو، بول شورير، شارل يتلهايم، ميكائيل هارنفتون، هنري لونيفر، آلان تورين• جيلبير دوران: فهذه العينة المختارة ساهمت فكريا وعمليا في الفكر الغربي المعاصر• طرحت أسئلة واستفزت المتلقي• أطرحت لأطروحات نظرية، أسست بالتالي لفكر حواري يؤمن بالنقد والاختلاف، يطمح لفض الغبار عن كل ما هو ضمني وسلبي• فقليلا ما نلاحظ فيلسوفا ومفكرا يدلي بتصريح لوسائل الاعلام لكونه يعيش أسئلة كبرى من أسئلة الصحافي المرحلية• المفكر بأسئلته يسائل ذاته ويستحضر التاريخ بكل ثقله• فهذه العينة حسب مؤلفها تمثيلية لكل مدارس واتجاهات الفكر الغربي المعاصر• لكنها نافذة تمكننا من الإطلال على بعض القضايا المطروحة في الساحة الفكرية الاوربية وعلى آراء بعض المفكرين ونظرياتهم• وبالتالي نسائل من خلالها الذات العربية والفكر العربي المعاصر عن مدى استيعابنا لقضايا الفكر الغربي، ومدى تواصلنا المعرفي معه• وبصيغة أخرى ماذا قدمنا لأنفسنا في استيعاب الآخر؟ ما مدى حضور الفكر الغربي بكل تجلياته العقلانية والنقدية في معارفنا وممارساتنا وأفكارنا؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و