الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نولد كبارا ونموت في عمر الزهور !

محمد حمد

2024 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا كفّ الماضي عن المضي قُدماً؟ ولماذا أصاب العطب عجلة التاريخ في عقر دارنا فتوقّفت عن الدوران، ربما إلى الأبد ؟!
نحن ابناء الشرق قد نكون حالة نادرة مقارنة ببقية البشر. نعيش ثلاثة أرباع حاضرنا في ضيافة الماضي. وفي معظم الشدائد التي تمرّ بنا، وما أكثرها واقساها, نلتفت إلى الوراء كأننا نبحث عن منْ ينقذنا من مصير مشؤوم. نصوّب انظارنا إلى أبعد نقطة ممكنة في أفق الماضي القاتم. وفي كل خطوة الى الامام، وغالبا ما تكون متعثّرة، نجد أنفسنا في ذات المكان الذي يزداد ضيقا علينا كل يوم. أجسادنا ملتصقة بحكم قوانين الطبيعة بارضية الحاضر. وثلاثٌ او اربع من حواسنا مشدودة بحبل من مسد إلى عالم آخر. عالم كنّا في ما مضى ننتمي اليه، واليوم هو الذي ينتمي الينا ولا يفارقنا حتى في المنام. كل يوم لنا امام قتيل. وامام شهيد. وامام جريح وآخر طريد. وهكذا دواليك.
وخلافا لبقية شعوب الارض نمضي جلّ ايامنا بين عزاء اقيم حديثا ومانم خرجنا منه للتو، باعين دامعة وقلوب دامية.
لا علاقة لنا بالمستقبل، لا القريب منه ولا البعيد، الا في مقدار حاجتنا " الماسة ! الى استدعاء ماضينا الذي يابى ان يمضي قُدما، ولو الى حين من الدهر.
ان غالبية شعوب العالم اجرت ما يشبه الغربلة في ماضيها واستخرجت منه العناصر الجوهرية والإيجابية. واستخلصت عِبرا ودروسا لا غنى عنها. وتوصّلت الى النتيجة التالية: الماضي هو الماضي والحاضر هو الحاضر والمستقبل هو المستقبل. وفيما بعد أصبحت هذه النتيجة بالنسبة لهم نقطة انطلاق نحو الرقيّ والتطور. أما نحن فليس لنا سوى ماضٍ يرتدي ثياب الحاضر البالية. ويتجوّل في أروقة ايامنا المعتمة.
في أوروبا لم اسمع أحد يتحدث عن أمور حصلت قبل أكثر من ألف عام. ولا حتى اقلّ من ذاك. فهم لا يستحضرون ابطالا ورموزا وطواطما و"قال الراوي" وما شاكل ذلك، ليضعونها على موائد الطعام. كما نفعل نحن. اسمعهم يتحدثون، وانا اعيش بينهم منذ عقود، عن اليوم والغد وما بعدهما. ويرسلون نظراتهم الفاحصة إلى أبعد من ذلك. فيرون أمورا كثيرة التفاؤل في الأفق البعيد الذي يربطهم بالحاضر، بحبل من مسد ايصا.
نحن نرى في الحاضر مرآةً مشوّهةً تعكس لنا ماضٌٍ مشوّه هو الآخر. بينما هُم يرون في الحاضر مرآة ناصعة تعكس المستقبل بلون شفّاف خالٍ من الشوائب. يعيشون حياتهم بأقلّ "كلفة" على المستوى النفسي والعاطفي والوجداني والديني أيضا. أما نحن فنعيش حياتنا كأنّها معضلة بلا حل ومأساة بلا نهاية. حياتنا تنوء تحت اثقال تشبه الصخور الجبلية. وسلاسل وقيود في دواخلنا كانها صُنعت خصّيصا لنا. ولهذا فنحن نولد كبارا ونموت في عمر الزهور.
فيا لها من مفارقة عجيبة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ستفاجئ إسرائيل إيران بضربة قاسية؟


.. أمريكيون يكتبون أسماءهم على أجسادهم بسبب إعصار -ميلتون-




.. هل تقدم إسرائيل تفسيرا لإيطاليا بسبب قصفها مقر اليونيفيل؟


.. لماذا فشلت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية في اعتراض المسير




.. كوريا الشمالية ترصد منشورات في سمائها وتهدد جارتها الجنوبية