الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسطورة ولعبة الأضداد في (العابد في مرويته الأخيرة)

داود السلمان

2024 / 4 / 4
الادب والفن


أولاً: الأسطورة
الأسطورة هي المحور الرئيس في رواية الكاتب محمد خضير سلطان الموسومة بـ "العابد في مرويته الأخيرة" إذ كان هذا المحور هو القطب الذي جعل منه تحريك الأحداث والشخوص داخل النص، بسرد يكاد أن يتغلب على كثير من القضايا التي كان من الأولى أن يغوص في أعماقها، كما سنتوقف على نموذج منها، في هذه الدراسة. هذا فضلا عن الأضداد داخل المروية هذه، وهي محط دراستنا لها؛ التي من المؤمّل فك رموزها، قدر المستطاع، لكون المروية هذه، تعجّ بأحداث كثيرة، ومتشعبة، تدل على مبدعها محمد خضير؛ فالأضداد جعلت من هذا العمل أن يسير بشكله الطبيعي، أي الشكل الذي بنى الكاتب، على وفق خارطة روايته بحرفية عالية.
كما أن الروح الرمزية لا يخلو وجودها في هذا العمل، وهو لعبة الكاتب، كما أطلقت عليه في كثيرة من المرات في مقلاتي التي ذكرتها في كتابي "نكهة المعنى". الرمزية تسير مع الاحداث جنبا الى جنب، أو كالفصيل الذي لا يفارق أمه. يقول الكاتب، وهو في خضم حديثه عن العابد: "...العابد ليس موقعا للتسكّع، بل هو مسألة دائرية رمزية نقشت عليها أدوات متغيرات عبر أزمنة حديثة وقديمة يُعيد سبكها الحائك والرواة باستمرار، سجادة لن تنطوي" (راجع: ص 29- 30) فالكاتب وهو حينما يعلن عن العابد، وهو المصدر الذي يروي عنه أحداث روايته، هو بمثابة المصدر التاريخي، لكي يجعل من الأحداث موثقة وليست من عندياته، حتى لا يتسرب لها الشك والريبة.
ثانياً: الطابع السردي
إنّ سردية محمد خضير سلطان هذه، لا تخلو من غموض أو شيفرة، أو رمزية باذخة، استطاع الكاتب ناجح المعموري أن يفك بعض من الشيفرة هذه، إذ يقول في مقدمة كتبها بخصوص المروية هذه: "سردية – العابد في مرويته الاخيرة- محكيات لن تتعطل، أو تفرض عليها التوقف، لأن ذلك خاضع لمشيئة محمد خضير الفنية، لأنه المبدع الذي يعي العلاقة مع الجغرافية، التي هي متحركة بحركاتها السيرورية، أنتجت كل ما اشارت له هذه السردية وستظل تتوالد، لأنه الجغرافيا تتوفر على حاجات، غير معلن عنها، أو معروفة إلّا بعد التوفر الثقافية، أو الدال الحضاري وبعيدا عن المعلنات المفاجئة، لن تتضح حيوية الجغرافيا التي استجاب لها العابد بوصفه راويًا أضاء بالمستجدات ضرورة الحياة، وما هو مطلوب". (راجع: ص 16).
ثالثاً: تفكيك خيوط الاسطورة
لعلِّ ابسط تعريف للأسطورة، هو أنها حكايات سطرها الإنسان منذ أزمنة سحيقة، موغلة في التاريخ البشري، وضمن تراكمية، امتدت بذلك العمق، حتى أضحت مقدّسة، وأصبحت جزء هام من المعتقد، حيث فسرت القضايا الغيبية وانسلت إلى الدين، فدثرته بدثار الالوهية.
ويعتقد الدكتور أحمد كمال باشا إن كلمة الاسطورة ترتبط: "دائما ببداية الإنسان أو ببداية البشر، حيث كانوا يمارسون السّحر ويؤدون طقوسهم الدينية التي كانت – فيما يُقال – سعيا فكريا لتفسير ظواهر الطبيعة" (راجع: الأساطير، د. أحمد كمال زكي، المكتبة الثقافية جامعة حرة، بالرقم: 170 دار الكتاب العربي- القاهرة)
عمل الكاتب محمد خضير، على تفكيك خيوط الاسطورة، فنبش في عمق جذورها، في محاولة جادة منه لتخليصها من الهالة التي سُكبت عليها، بحيث أخرجها من كهفها وعرى خيوطها الواهنة.
ويمكننا أجمالها كالآتي:
1- "جاء رجال الدين ليستعيدوا بين الناس قصة الفتى النبويّ القتيل الممهور بالدم... الدم الذي ينزل إلى الأرض ليغدو صليبا أخضر على حافة الصوف، ويربض تحته أسد". (راجع: ص 37)
فهم إلى اليوم ماضين على نهجهم هذا، يعملون بانتظام، لترسيخ تلك الاسطورة القديمة في مخيال الناس، إذ يكسبون فيها المناصب والجاه والثروة. وهذا هو ديدنهم، منذ اكتشافهم بأن الأمر هذا الذي يسيرون على جادته، سيريح أنفس الكثير من الناس ويسد ظمأهم الروحي.
2- العديد من الناس، آمنوا بالعابد، هذا القادم اليهم، ومجيئه يحلّ جميع مشاكلهم، كما يعتقدون: الحاضرة والغيبية، ويوعدهم بأمل مشرق، أفضل مما هُم عليه الآن، في عالم غير هذا العالم، عالم مصنوع من نور، ليس فيه شقاء ولا نكد: "كان العابد نورا أزاح ظلام الماء"، ويعني بالماء الحياة، كون الماء هو سرّ الحياة. (راجع: 31)
3- وليس هذا فحسب؛ بل هؤلاء الرجال فرضوا على الناس أشخاص قالوا يجب أتباعهم، والسير على نهجهم: "إنهم طين إلهي قدّته الأم الكبرى سبكه طوع أيدي رجال الدين القادمين من النجف". (راجع: 37)
4- وبعد أن رسخ رجال الدين، ما رسخوا في عقول الناس بهدف الاستعلاء والهيمنة، ترسيخ كامل، أصبح الناس بمثابة الرابض تحت المخدّر، لا يحرك ساكن إلّا بأمر، ولا يتعدى الخطوط التي رُسمت له. ومن ذلك قضية شيخ جبير، حينما نوى الذهاب الى الديار المقدسة في السعودية، بهدف الحج؛ شاع بين القرية: "إن شيخ الجبير سيلاقي ربه (هسه يشوف الله ويجي) لأن السيد الطالقاني كما يرون كان يردّد باستمرار من يحبه الله سوف يلقاه، وقبل أن يلقاه سيدعو جبرائيل إلى أن يصيح في السماء إذا أحببت أحدا فسيحبه الناس، ليس هناك من يستحق ذلك في البلدة سوى جبير "وصاح منادٍ في السماء جبير محبوب الله". (راجع: ص 65)
5- على أن الطالقاني المذكور لعب دورًا مهما في حياة أهل القرية، فكان الناس تهرع إليه في كل صغيرة وكبيرة. وحين جاء منقبون ينقبون في الأرض، بهدف استخراج الكنوز المخفية، صارت ثمة اعتراضات بين الأهالي، وكل واحد أخذ يدلو بدلوه، وهم في حالة هيجان، وبعضهم أخذه الفضول والحماس، وهو يريد أن يعرف ما في باطن هذه التلال. لكن الطالقاني حسم الأمر فقال: "جاء السيد الطالقاني ومن بعده فزاد من مخاوفهم الطبيعية، إذ يعدها أماكن نجسة أراد الله أن يطهرّها، فطمراها مع ساكنيها بالتراب بعد أن مسخهم، فيما نحن ننقّب في الرمال صفحات الانجيل والتوراة". (راجع: ص 76)
رابعاً: الخلاصة
وفي هذه الخلاصة، تبيّن لنا مجموعة ملاحظات، نودّ الاشارة اليها، بحسب فهمنا لهذه السردية.
الملاحظة الأولى:
أخذ الكاتب محمد خضير جانب من تاريخ العراق الحديث، وأختار أماكن بعينها، هي في رأيه مهمة، وكان يرى أن أحداثها من المسكوت عنه.
الملاحظة الثانية:
بساطة وجهل فئة مهمة من الناس الذين يسكنون تلك البقعة، كذلك طيبتهم جعلتهم يؤمنون بكل شيء، والطيبة هذه كذلك جعلتهم أكثر سذاجة حتى أضاعوا حقوقهم، ولم يحظوا بالعيش الكريم.
الملاحظة الثالثة:
لعب رجل الدين دورًا مهمًا في ذلك المجتمع، بحيث كان يحظى بمنزلة عظيمة، وبالتالي امتدت خيوط تلك المنزلة إلى يومنا هذه، والقت بظلالها على مجتمعنا الراهن.
الملاحظة الرابعة:
الايمان المفرط بالقضايا الغيبية، ذات الحلول الجاهزة، يغدو بها الانسان، مثل الذي يلوذ بالرمضاء من الظمأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل