الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي لفتة سعيد ـ إنثيالُ عَواطفٍ ، ومآلاتُ وطن ....جزءٌ أول

هاتف بشبوش

2024 / 4 / 5
الادب والفن


الروائي والشاعرالناقد العراقي علي لفته يقدم نمطا سردياً مزيجا بين المدينة والريف ومنهجاً مناوراً مفتوحاً على أكثر من نافذة وباب ، لما يحتويه من الرؤى والأفكار والتصورات التي ترتكز على الحداثة والتنوير وإستبعاد المعتقدات القديمة سوى النزر القليل منها . ومايميز إقتراب علي سعيد من الحداثة هو علاقة مضامينه المميزة مع المحتوى ورؤية العالم والحياة التي قرأناها في روايته موضوعة دراستنا هذي ( سفينة إسماعيل ) . علي لفته يطير بجناحين ، جناح القدرة اللغوية وجناح التخيل في صنع الفكرة المدهشة ، مما جعله حرا في فضاء السرد وتشكيل الثيمات وفق كل مشهد وفصل من فصول الرواية . كل من يقرأ علي سوف يجده مشحونا متقدا تتولد له الكثير من التشعبات فنراه متوهجاً ذهنياً مشغولاً بفلسفة الحياة وأحلامها . يخطو عبر فصائل البشر في أمصارها والتي إتخذت أعرافاً لاتطاق ، بحيث أن الأديب أو المثقف يلجأ الى التجديف مرة أو الإنزواء لما هو خارج العرف على طريقة ( علي الوردي) الذي إتهم بالزندقة بسبب إنتقاده لظواهر معينة في مجتمع ينخر به الجهل حد اللعنة . علي لفتة يكتب بشغف ولايدع أحد ينتزع منه شغفه وقد رافق قراءة الكتب منذ صغره بالرغم من الصعوبات التي واجهها بفعل التقليد العائلي وجدرانه الإسمنتية .الذي يقرأ علي سعيد في هذه الرواية سيجد أنه يكتب للإنسان اولا وأخيرا لانه ( أثمن رأسمال ) مثلما قالها الفيلسوف ( كارل ماركس ) . يكتب علي لفتة عن الإنسان الذي شغل أغلب الكتاب والأدباء ، فذات يوم نقل لنا الروائي البرازيلي ( باولو كويلو): فيقول (كان يقرا صحيفة عن الجغرافية لكن ابنه الصغير كان يضايقه فمزقها فقال له ابوه :أرجعها لكي أقرأها فارجعها الطفل بلحظات بسيطة فاستغرب الأب وقال له كيف أرجعتها قال: كانت خلف الخريطة صورة لانسان أرجعتها فرجعت الخريطة ) . هذا يعني بناء الانسان اولا قبل كل شي . الذي يقرأ رواية علي لفتة يظن أنها من السيرة الذاتية لكنها ليست كذلك وإنماهي من صنع خيال الروائي بكل مضامينها وشخوصها وماإحتوته من أحداث ومحاورات بين شخوص الرواية وأبطالها . ملخص الرواية : هناك شخص بطل الرواية والداينمو المحرك لجميع أحداثها . هذا البطل بعد أربعين سنة أراد أن يكمل معاملة تقاعده وهناك في زحمة الدوائر والمعاملات يلتقي بمن كان يحبها في نفس دائرة التقاعد وتصد العين بالعين والوجه بالوجه مع نبض القلبين المتسارع بفعل إستفاقة الحب في أوان اللحظة ، فيكون الإندهاش الجميل والمرير والمعّذب في نفس الوقت بعد تلك الفرقة التي إستمرت لعقود . وهنا تبدأ الذاكرة بالإشتغال مع الحبيبين الى تلك السنين الطوال التي مرت . وهنا الروائي إختار الحب في حبكته الروائية والذي من خلاله سيروي مامر به العراق من أحداث سياسية وحرب ودمار حتى يومنا هذا . في دائرة التقاعد مع اللقاء الأستثنائي للحبيبين والحياء والخوف من ألسنة الناس لاسيما ان كلا الطرفين متزوج وأصبح جدا، تشتغل الذاكرة الى الأيام الخوالي وكيف جمعتهم قراءة الكتب والفلسفة والحب . إسماعيل بطل الرواية من قرية فلاحية بسيطة وفقيرة وهي من المدينة . لكن الحب لايعرف الفوارق الا إذا تدخلت التقاليد الأقوى فتؤدي الى إنفصال الطرفين وهذا الذي حصل بين إسماعيل وحبيبته ( زمن ) . فهنا يقترب علي لفتة من الفيلم الفنتازي الواقعي الجميل( عشيق الليدي تشاترلي ) وكيف تحب سيدة القصر الإرستقراطية خادمها وخادم زوجها وسائس الخيول في بستان الزوج الإقطاعي الثري للغاية . لكن الخلاف هنا هو إصرار العشيقة على الزواح من حبيبها السائس الريفي لآن زوجها كان عقيما ومتعجرفا يكره الفقراء والخدم . وبالفعل يتم الطلاق منه وينتصر الحب . الفلم من تمثيل إيما كوريك وجاك أكونيل وإخراج لوردي كليرمو ومن تأليف الروائي الإنكليزي هربرت لورنس .
في رواية علي لفتة نجد كيف أن الذاكرة تصبح سنّارة النسيان ، وكيف تعود بنا الى البذرة الأولى في الحب وكيف تعرّف على (زمن) ومن ثم من كان يساعده في إيصال رسائله الى حبيبته فوجد ضالته عند إبنة عمه الشيوعي ( زهرة) وهي معلمة في القرية ومثقفة ولها من المدنية والتحضر جعلاها تختلف بهما عن بنات القرية . إسماعيل من خلال سير الأحداث كان شيوعيا متأثرا أيضا بعمه ويحب قراءة الكتب لكن مشكلته فقيرا لايملك المال بينما أبوه ثرياً بخيلا معه ومع عائلته لكنه أمام الناس والقرية كان حاتم الطائي بكرمه وبذخه ليظهر للناس أنه شيخ العشيرة وأنه هو الشخصية ذات الشأن . فيضطر إسماعيل لسرقة البيض من مزرعة أبيه ومن ثم يذهب للسوق ويبيعها ويشتري بها الكتب الفلسفية لماركس وسارتر وحتى لإحسان عبد القدوس والحب والأيروتيك لكي يهديها الى حبيبته(زمن) وبهذا يضرب عصفورين بحجر كما نقول، فهو يهديها الكتب الفلسفية لتثقيفها بما يحمله من أفكار تروق له وبنفس الوقت من الممكن أن تقرّب القلوب الضامئة . كما وأن قراءة الكتب لها الشأن العظيم ، فاذا أردت ان تهرب من الجزع ذات يوم فعليك ان تفتح صفحة في كتاب وتتأمل فيها ملياً فهي مثل جلسة يوغا. وفي كل مرة إسماعيل يسرق البيض وأهله لايعرفون أين تختفي البيوض وهذا يغيض أباه ، مما إضطرت أم اسماعيل أن تقول لزوجها الخائفة منه على الدوام من أن الدجاج قليل في الإنتاج وهي لاتعرف أن ابنها هو الذي يسرق البيض ويذهب بنقودها الى مكتبة الحائر في كربلاء ويشتري مايريد من الكتب . الوسيط الذي كان ينقل الكتب لزمن هي (زهراء ) إبنة عمه التي تكبره بالسن قليلا مما كان عائقا في زواجه منها . وأول لقاء له رتبته زهراء في الحضرة الحسينية لكثرة الناس مما يسهل عملية اللقاء بين حبيبين . الحب هذا لم يستمر لوطأة التقاليد الثقيلة والفارق بين الريف والمدينة وقبول عائلتها من عدمه فرحلت عنه بسلام وحب عميق في قلبها له . فهنا أصبحت الحبيبة بمثابة الميتة لكنها الباقية في الروح مهما امتدت الدهور والأزمنة فيقول فيكتور هيجو عند وفاة الكاتبة الشهيره جورج صاند ( أبكي على إمرأة ميتة لكنني أنحني لإمرأة خالدة) ، كما وأننا نقضي نصف العمر ننتظر لقاء من سنحبهم والنصف الآخر في وداع الذين أحببناهم . ويبقى علي سعيد أديباً صاعداً نحو افق الغيم وعالياً بمرتفعات وذرينج ، يدخل الذائقة الأدبية فلايخرج منها ، هو العارف كيف يرسم عناقيد السرد، كيف يبوح في دوائرالعشق والحنين الى المحبوب بعد فراق وعذاب مريرين في أوطان باتت مقصلة وليست حدائقا للنزهة والإنشراح .
الدراما الروائية تتخللها الفصول والمشاهد والتقطيع السينمي والإنتقال في الأمكنة كشواهد على مايدور من أحداث وقصص وحكايا ، ثم تركيز البانورما على كلام محدد المراد منه نقل رسالة عميقة من قبل الروائي للقاريء وهنا بالتحديد على سبيل المثال لا الحصر ينقل لنا علي سعيد حديث إسماعيل مع معمم الكشيدة في الحضرة حين أراد أحد كتب الفلسفة وليس كتابا دينيا لأن معمم الكشيدة بات مستغربا من إسماعيل لنقرأ ذلك :
المعمم لإسماعيل : هل تصلي فيقول لا أصلي ، فيستغرب ويقول له هل أنت شيوعي ، فيصمت إسماعيل وهذا دليل على إجابته من أنه شيوعي ، فيقول المعمم أغلب الذين يقرؤون الفلسفة لايؤمنون بالله . ثم يقول له بعد ان عرف انه من الريف ان اغلب الناس هنا يأتون للسياحة الدينية فلا وجود للسياحة في العراق غير الآماكن الدينية . فيتذكر عمه الشيوعي وكيف كان يقول له : لماذا نحتاج الى الأديان طالما الله موجود في كل مكان .
أعلاه تستحق الثيمة السردية أن نقف عندها للتعبير عن الروحانيات والإلتصاق بالخالق وكيفية أداء الإحترام والتبجيل للرب . فذات يوم سأل أحدهم زوربا اليوناني وقال له هل تصلي فقال زوربا ( الذي يصلي لن تراه فقال الشخص هل هذا يعني أنك تصلي فأجاب : نعم لاتستطيع قطرة البحر الا أن تكون في أعماق الموج ) . لكن رجال الدين يريدون زرع الخوف في قلوب الناس وهو السبب الرئيسي في وجود الخرافة والأساس في الإبقاء عليها لأنها أكثر الوسائل فاعلية لحكم العامة والبسطاء . من خلال سير أحداث الرواية نفهم من أن اسماعيل لديه عم بعثي أيضا وقد انتقل الى بغداد وأصبح ذو شأن عال في الحزب بينما أبوه لايريد له الثقافة لآنها ستلهيه عن الزراعة والأرض فبدأ بتوبيخه خصوصا بعدما عرف أنه يحب ويريد الزواج فتساعده أمه في ذلك ولكن دون جدوى. الحب والجنس هما أقصى درجات القرب بين الأثنين وهو قمة الثقة بين الإثنين ليعروا أنفسهم الى درجة التوحد مع بعضهم فيكونوا عندها في قمة الإلتصاق . وهذا الحب كان يبحث عنه إسماعيل ووجده وتمسك به لكنه طار مع الريح .
تنقلنا البانوراما الدرامية الى مشهد بديع بين الأب واسماعيل حيث تجرّأ لآول مرة على أبيه فهو حاكم السلطة المطلق في العائلة فيقول له :( لنتناقش يا أبي لماذا الصراخ ؟ فقال الأب : (العن أبوك لا بو النقاش لا بو حتى الكتب والثقافة فهرب منه قبل ان يضربه بالعقال). فهنا واضحة لالبس فيها توضح لنا مدى سلطة الرجل المتمثلة بالأب في شعوبنا والتي بقيت حتى الآن هي السائدة للآسف والسبب في ذلك لآن العامل الإقتصادي للأبناء يعتمد إعتمادا كليا على الآب مما يزرع الخوف المستمر لدى الأبناء من أبيهم خوفا من أن يقطع المال عنهم فما بالنا لو تصورنا حاكم سلطة الدولة المطلق والطاغية ومايفعله من تجويع للشعب الذي يمثل العائلة الكبيرة له. بينما في الشعوب الغربية وعالم الحضارة هذه إنتهت منذ عقود وعقود فالعامل الإقتصادي لكل فرد مستقل عن الآخر فالطفل منذ أن يولد هو تحت حماية الدولة والقانون ويصرف له راتبا شهريا حتى يبلغ سن الثامنة عشر ومن ثم يبدأ الدخول في سوق العمل حيث لامجال هناك في الإرتباط المادي بين الأب والإبن سوى الحب ومايتطلبه هذا الأمر من مشاعر حقيقية لامصلحة فيها بين الطرفين . وهنا يتجلى لنا واضحا أن العلاقة بين الأب والأبن في الغرب هي الصحيحة لآنها تحترم الأنسان وتجعله سيد نفسه لايعلى عليه أحد ومن هذا المنطلق ترى الشعوب قد ارتقت الى مستويات أعلى في الثقافة وأحترام الذات .
ثم يكبر إسماعيل وتصبح متطلبات الحياة أكثر تعقيدا بالنسبة لشاب أصبح يانعا متطلعا متفلسفا يقرأ بنهم لديستويفسكي ونيتشة وسارتر وغيرهم من العقول النيرة بينما هو الريفي المضطهد من قبل سلطة الرجل والدولة والطغاة . أصبح رومانسيا يعرف كيف يمشط شعره الذي كان متسخا مليئا بالقمل بفعل العمل المضني في الريف فصار يسرّح شعره على طريقة الغرب وهوليوود لا على طريقة الهنود من منتصف الرأس وكل هذا كي يكون جنتلماناً جميلاً أمام حبيبته ( زمن) إبنة المدينة التي لاتقبل الزواج منه بفعل الضغوط الإجتماعية من أهلها فيموت الحب في الأوان والمكان ليترك الأثر النفسي المؤلم على إسماعيل . هذا يعني سقوط المستقبل ، هذا يعني إنتهاء الحلم الجميل و لامجال هناك للحب في بلدان ينخر بها التقليد المقيت والخرافة والأساطير مما جعل إسماعيل ذات يوم وهو جالس في مجلس أبيه مع عدد كبير من الشيوخ وهو يبذخ عليهم ويشرح لهم عن كرم حاتم الطائي وكيف ذبح الحصان ، ليس لشيء سوى أن يظهر أنه الكريم وأنه ذو الشأن ، فيستدرك إسماعيل ويتألم لآنه يعرف أباه هو السبب في مجاعته لآنه بخيل على العائلة لكنه كريم على الآخرين . فينتفض إسماعيل فيقول لهم أثناء الجلسة ( الدين لايقبل بهذا البذخ وهذا من الأساطير) . مما جعلهم ينعتونه بالشيوعية والإلحاد وغادر بعدها كل من كان في المجلس وهذا مما جعل أبوه يصرخ بوجهه ويوبخه على فعلته التي قلّلت من شأن أبيه أمام الشيوخ الآخرين .
يتبـــــــــــــــــــــــــــع في الجــــــــــــــــــــــــــــــــــــزء الثانــــــــــــــــــــــــــي
هاتف بشبوش/شاعروناقد عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب