الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيش النكبة الإسرائيلي: لماذا ليس ثمة أمل لمعارضي الحرب؟

تمار عمار داهل

2024 / 4 / 5
القضية الفلسطينية


بنظرة إلى الوراء، يبد أنني لم أفعل شيئاً سوى ترديد أمنية يشعياهو ليبوفيتش: "تخيّلوا أنكم في حرب ولا أحد يأتي". צילום: AP



منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، حتى قبل أن تتضح وجهة إسرائيل في اجتياحها لقطاع غزة، سأل المؤرخ يوفال نوح هراري حكومة إسرائيل من أجل ماذا بالضبط يحاربون: "وإذا كانت هذه الحكومة تحلم بأن تستغل الانتصار لضمّ الأراضي، لتغيير الحدود بقوة الذراع، لتهجير السكان، لدوس الحقوق، لتكميم الأفواه، لتحقيق الأوهام المسيانية أو لإقامة دولة شريعة هنا ـ فيجب أن نعرف نحن (في اليسار الصهيوني) هذا منذ الآن... نتنياهو، غانتس، آيزنكوت وغيرهم من رؤساء حكومة الطوارئ ـ أخبِرونا الآن، فوراً، ما هي الأهداف البعيدة المدى المرجو تحقيقها من هذه الحرب، لكي نعلم ما هو الذي يُطلب منا المخاطرة والتضحية بحيواتنا من أجله" ("هآرتس"، 17.10.24).

التاريخ كبرنامج ما يطلبه المستمعون/ المشاهدون؟ بعد خمسة أشهر من الحرب، أصبح اليمين قريباً من تحقيق أهدافه، أكثر من أي وقت مضى. "تقويض حماس" كهدف نهائي لا غنى عنه في الطريق نحو "الانتصار المطلق"؟ هذا ليس مجرد شعار يستخدمه بنيامين نتنياهو وحده فقط. فالجمهور والجيش، أيضاً، ينظران إليه باعتباره هدفاً مركزياً. والأهمّ من ذلك: أن الجيش يطبّقه بحزم ووحشية على أكثر من مليونيّ إنسان سكان قطاع غزة، الذين أصبح معظمهم لاجئين في أرضهم.


غير أنّ الحرب المتواصلة التي طال أمدها يتضح الآن أنها سيفٌ ذو حدّين بالنسبة لإسرائيل العاقلة. حتى قبل الكارثة ـ في أوج الحملة الاحتجاجية ضد الانقلاب على نظام الحكم، سُئلت (خلال محاضرة عن كتابي الجديد حول انتصار الصهيونية الجديدة/ النيو صهيونية) إن كنت أعتقد بأن الطيّارين وجنود وضباط الاحتياط سينفذون تهديدهم ويرفضون المشاركة في الحرب. من دون أن يكون لدي أي علم بالطبع بما يوشك أن يحدث، كانت إجابتي العفوية "أتمنى ذلك". بنظرة إلى الوراء، يبدو أنني كنتُ أردد، فقط، تلك الأمنية التي صاغها يشعياهو ليبوفيتش في حينه حين قال: "تصوّروا أن هنالك حرباً ولا أحد يأتي".

عاد الطيارون وجنود وضباط الاحتياط، كما هو معروف، وامتثلوا للأمر على الفور. لقد اعتُبر يوم السابع من تشرين الأول في إسرائيل بمثابة حرب دفاعية خالصة، من دون أي شك. ولم يكن لمعارضيها، إن وُجدوا، أي أمل. فثمة حروب دفاعية أقل وضوحاً من هذه بكثير حظيت بدعم واسع النطاق بين الجمهور. ذلك أن النظر إلى الجيش باعتباره حارس الوجود القومي يشكل أحد الأسس المركزية للديانة العلمانية في إسرائيل. هذا هو "حمضها النووي" (الـ دي. إن. إي). أسطورة الأمن هي إحدى الأقوى والأصلب فيها. هذه الخرافة، التي تقول إن الجيش ودولته يخدمان الأمن، تشكل أحد أسس العسكرتاريا (هيمنة العسكر) الإسرائيلية أيضاً.

على الدوام، كانت العسكرتاريا الإسرائيلية تأتي من صُلب المجتمع المدني وصميمه. "العسكرتاريا المدنية" ـ المصطلح الذي وضعه عالِم الاجتماع الراحل باروخ كيمرلينغ ـ هو الذي يفسر التأييد الفوري، الأوتوماتيكي، من جانب المجتمع المدني ونُخَبِه للحروب الإسرائيلية، حتى قبل أن تتضح تماماً مسألة غاياتها وأهدافها. في ذروة الحدث التاريخي، بالذات، وحين تبين خلال الأيام الأولى العدد غير المعقول للمواطنين الذين تم اختطافهم، تساءلتُ ما إذا كانت القيادة ستمتنع هذه المرة عن الرد الحربي الأوتوماتيكي، ولو فقط بسبب الخطر الفوري والمباشر على المخطوفين، على الأقل.


غير أنّ العسكرتاريا الإسرائيلية، التي تضرب جذورها عميقاً في الثقافة السياسية، لم تسمح بذلك. اعتُبرت الحرب ضرورة يحتّمها الواقع، حرفياً وبكل بساطة. لم يترك نتنياهو وغالانت، بخطابهما الحربي، أي مكان للشك. كذلك، سارعت المعارضة، من قبل العسكرتاريا المدنية، إلى الدعم والتأييد. خمسة أشهر من الحرب، ورغم الأضرار الهائلة التي تُسببها، حتى "إسرائيل العاقلة" تجد صعوبة في صياغة نقدٍ حقيقي وجدي ضد استمرارها، بمن في ذلك أولئك الذين يتمنون إعادة أحبائهم المخطوفين في غزة. الكل أسير الخرافة الأمنية.

ما يميز العسكرتاريا الإسرائيلية هو التحييد الفعال للمجتمع المدني وإقصاؤه عن اتخاذ القرارات في مجال الأمن

وبالفعل، فإن ما يميز العسكرتاريا الإسرائيلية هو التحييد الفعال للمجتمع المدني وإقصاؤه عن اتخاذ القرارات في مجال الأمن، بل حتى عن لنقاش العام العلي حولها. فَكِّروا في الرقابة العسكرية، في سياسة الغموض والإنكار (هذه هي السياسة الأكثر فاعلية وجدوى لإحباط ومنع أية مناقشات عامة في المسائل الأمنية)، في سنوات من القصف في لبنان وسوريا دون أية رقابة جدية أو نقد جدي حول الدوافع والأسباب والأهداف. وإضافة إلى هذا كله: رئيس الحكومة الذي يرفض إجراء أية مقابلة معه ومثوله للمحاسبة.


النتيجة التراكمية هي مجتمع مدني ضعيف، أسيرٌ ـ عملياً ـ بين يدي الدولة وجيشها. ليس ثمة شيء مثل الحرب الحالية لتجسيد هذه الظاهرة من المصالح المتضاربة إلى هذا الحدّ في قضايا مباشرة وملحة تتعلق بالموت والحياة. ليس ثمة شيء مثل الترتيب الحالي ما بعد السابع من تشرين الأول لتجسيد أزمة الثقة بين المجتمع (الممزق، في حد ذاته) وقادته، الذين يستخدمون صلاحياتهم للمحافظة على السلطة فيما هم يتصرفون بموجب مصالح خطيرة جداً على مستقبل إسرائيل. ويجري هذا كله تحت رعاية حرب "لا خيار" أخرى. هل يبدأ اليسار الإسرائيلي باستيعاب وفهم فخّ العسكرتاريا التي تورط فيه؟ هل يمتلك القوة اللازمة لإخراج الجيش من قطاع غزة؟ هنا يبدأ الصراع الحقيقي، الذي لم يجر تذويته بشكل كافٍ حتى الآن من جانب الخاسرين في هذه اللعبة الخطيرة.

على خلفية المؤتمر من أجل تجديد الاستيطان اليهودي في قطاع غزة، على ما تخلله من دعوات أطلقها بن غفير وسموتريتش لطرد سكان القطاع، تذكرتُ مقالة يوآش فولدش الذي كتب: "فجأة، كأنما بضربة سِحر، يصطف جميع المحاربين من أجل الديمقراطية إلى جانبهم (المستوطنين) منسجمين معهم في الدعوة إلى احتلال قطاع غزة، ولو حتى بثمن آلاف الضحايا، ثم طحنه، تجويع ملايين الرضّع، الأطفال والبالغين. وثمة من يدعون أيضاً إلى عدم إجراء أية مفاوضات حول إعادة المخطوفين إلى أن يتم استكمال المذبحة المضادة. كيف حصل هذا؟ أي كلام مسموم بثه المستوطنون في آذان التيار المركزي الإسرائيلي؟ كيف حدث أننا (في اليسار الصهيوني) نخدم الرؤية المرَضيّة التي يحملها هؤلاء الأشخاص؟" ("هآرتس"، 14.10).

وبالفعل، فهذه النكبة في قطاع غزة، التي يحتاج إليها اليمين، يتم تنفيذها بواسطة جيش الدفاع الإسرائيلي. جيش الدفاع الإسرائيلي هو الذي يهجّر مئات آلاف الغزيين من بيوتهم ويهدمها كيلا يكون هنالك مكان يعودون إليه. وعلى الطريق، يقتل عدداً غير مسبوق من الناس., بالإمكان كبت دور الجيش في تدمير القطاع، لكن ليس حقيقة أنه إذا ما وضع اليمين المسياني أحلامه الهوجاء موضع التطبيق، فستكون هذه نتيجة لحرب جرت بتأييد شامل من جانب التيار المركزي الإسرائيلي، سوية مع "اليسار العاقل". لقد أثبت التاريخ القصير الممتد على العقود الأخيرة فقط أن انتصار الصهيونية الجديدة واليمين المسياني لم يكن ممكن التحقق لولا العسكرتاريا الإسرائيلية، تلك القوة الهدّامة التي أتاحت العديد من الحروب الدموية عبر عشرات السنين.

الكاتبة هي مؤرخة وقد صدر مؤخراً كتابها "Israel s Neo-Zionist War Over Palestine: 1993–2021"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدق موشيه دايان وكذب نتنياهو وبن غفير ....
محمد بن زكري ( 2024 / 4 / 6 - 08:53 )
إسرائيل دولة اصطناعية ، جيء إليها بفسيفساء بشرية من شتى بقاع الأرض ، لا جامع بينها غير تخاريف التناخ المسيانية ، لإقامة مملكة اليهود على أرض الميعاد الخرافية ، برعاية يهوه (رب الجنود) , ولذلك فإن دولة إسرائيل اليهودية ، بأيديولوجيتها القومية (الصهيونية) لا يمكن لها الاستمرار إلا بالحروب ، ولا فصل فيها بين العسكرتاريا والديمقراطية ؛ فالعسكرتاريا تقع في صميم البنية الثقافية والاجتماعية للدولة و(الشعب) . والديمقراطية فيها للمواطنين اليهود ، مع اختلاف درجات حظوظهم منها حسب أصولهم . أما الباقون فهم مجرد سكان .
هجوم 7 أكتوبر كان رد فعل عنفي لشعب مقتلع من أرضه لم يترك له اليهود المستوطنون غير مقاومة الاحتلال بالقوة التي لا يفهم المحتل غيرها . فهجوم 7 اكتوبر 2023 ، لم يكن غير (عودة رمزية) إلى أرض الآباء والأجداد التي لا زالوا يحتفظون بوثائق ملكيتها . وذلك ما لم يغب عن موشيه دايان سنة 1956 ، عندما قال لمستوطني ناحال عوز : - دعونا لا نلقي اللوم على (القتلة) ، فمنذ ثماني سنوات وهم يجلسون في مخيمات اللاجئين في غزة ، وأمام أعينهم كنا نحول الأراضي والقرى التي سكنوا فيها هم وآباؤهم إلى أملاك لنا - .

اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟