الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفهم الامبريالية اليوم

هيفاء أحمد الجندي

2024 / 4 / 6
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




من البديهي القول وإذا كنا أوفياء لماركس ولفكره الثوري الجذري ولمنهجه المادي العلمي، أن الصراع الطبقي هو المحدد لتحليل الظواهر والأحداث السياسية والثورية ، وكل تجاوز لهذا المبدأ سوف يقود إلى التخلي عن الماركسية ، ولا بد من الانطلاق من التحليل الاقتصادي -الطبقي من أجل فهم الوضع علميا، وينبغي ألا يحكم المنطق المثالي الذي يبدأ من السياسة والدولة والأفكار تحليلنا لأية ظاهرة ، لأن التناقض كامن في التكوين الطبقي الذي يؤسس للاستغلال المباشر، أي التوضع الطبقي القائم في المجتمع وليس في الحقل العالمي الذي تتأسس فيه الظاهرة الامبريالية. وهنا يتحول التناقض إلى تناقض سياسي ، ويتحول الصراع الطبقي إلى صراع دول ويتحول مفهوم الامبريالية إلى مفهوم سياسي متعالي يحكم الواقع، وهذا يفسر الانزلاقات والانحرافات الفكرية والثورية في الأونة الأخيرة، سيما وأن توقعات ماركس حول سيطرة الاقتصاد على السياسة كانت صائبة ، وهذه الفكرة القديمة الحديثة كانت مثار جدل وسجال بين عدد من المفكرين الثوريين والذين تابعوا ما بدأه ماركس كلينين وروزا لوكسمبورغ وبوخارين وغيرهم والذين يستحقون وبجدارة لقب مفكري مرحلة الامبريالية أو الرأسمالية الاحتكارية . وكان نجم فصل السياسة عن الاقتصاد هو كارل كاوتسكي الذي رأى ، بأن النظام الرأسمالي قادر على إجراء توحيد سياسي واقتصادي للسوق العالمية ، وأن الصراعات الامبريالية يمكن أن تعقبها فترة سلمية ويمكن للتطور الرأسمالي أن يتجه نحو التعاون الدولي. واختلف لينين مع كاوتسكي حول هذه الرؤية السلمية للمستقبل ، وأصر على شجب رغبته الرجعية وطمسه للتناقضات ، وبدلا من انتظار امبريالية سلمية يتوجب على الثوريين، أن يبادروا الى التحرك مستغلين التناقضات التي يطرحها التنظيم الامبريالي للرأسمال المالي، ولم يرى كاوتسكي في الامبريالية مرحلة من مراحل الرأسمالية، وهو الذي فصل بين الاحتكار في الاقتصاد عنه في السياسة ، كي يمهد الطريق أمام اصلاحيته البورجوازية ، وكي يبرر تهليله للحروب الامبريالية وتحالفه مع الامبرياليين وكأنه يريد تمويه الامبريالية من خلال طريقة فهمه وتحليله لها ، وهذا التحليل المضلل لكاوتسكي اعتبره لينين تزويرا نظريا ، الذي رأى أي لينين أن الامبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية الطفيلية والتي دخلت مرحلة احتضارها الطويل،مذ بدأت بتصدير الرساميل إلى المستعمرات ورأى أيضا بأن الصراع بين الامبرياليات على اقتسام المستعمرات ، ونهب الموارد والثروات لا يمكن أن يكون سلميا ، ولا يمكن أن تحل تناقضات وأزمات الرأسمالية الاحتكارية إلا من خلال التدخل العسكري والحروب الدائمة ، وهذه المرحلة سوف تفضي حتما إلى الاشتراكية ولكن قبل الوصول اليها سوف يمر العالم يمرحلة من الحروب والثورات والثورات المضادة . وكان لافتا تأثر لينين بأفكار هلفردنج وعلى أكثر من جانب وصعيد ، وهلفردنج الذي قال بأن جواب البروليتاريا على السياسة الاقتصادية التي يمارسها الرأسمال المالي لا تكون التجارة الخارجية بل الاشتراكية . ولم يكتف هلفردنج ببحث العلاقة بين البنوك التجارية والصناعية ، بل بحث العلاقة بين البنوك وسوق الاوراق المالية إذ أصبحت البورصات أداة في خدمة البنوك فضلا عن أنه ربط بين الاحتكار وتصدير الرساميل وقانون ميل معدل الربح الى الانخفاض، لأن تشغيل الأموال الفائضة داخل المراكز الرأسمالية، سيزيد من تدهور معدل الربح . وسبق للمفكرة الثورية روزا لوكسمبورغ أن ربطت أيضا بين الامبريالية وتصدير الرساميل و ضمن سياق تحليلها لتناقضات نمط الانتاج الراسمالي ورأت بأن التناقض الرئيسي للنظام يكمن بين قدرته الهائلة على زيادة حجم الناتج الاجتماعي والقدرة على التصريف ومحدودية الاستهلاك، بسبب علاقات التوزيع وهذا يهدد النظام بعدم التوازن وخلق الأزمات وحل التناقض يكون بالاستعانة بالمصادر الخارجية ، و نقل الانتاج والرأسمال الى بيئات غير رأسمالية ، لتبدأ مرحلة الاستعمار الجديد مع تدويل الانتاج وتدويل الرأسمال وتصديره إلى الأطراف على شكل قروض واستثمارات واستغلال للعمالة الرخيصة ، حيث التركيب العضوي البسيط والتكنولوجيا المتدنية خاصة وأن الرأسمال المهاجر يزيد ويعمق من تأخر أساليب الإنتاج ، لان تأخرها هو مصدر ربحه لتأخذ العلاقة شكل استغلال الرأسمال الشمالي للعمل الجنوبي.
فضلا عن أن الثقل المتزايد للخدمات في الاقتصادات الامبريالية ، كان سببا للاستعانة بمصادر خارجية ، لأن معدل الربح ينخفض كلما ازداد العمل الاجتماعي بشكل غير منتج في التجارة والتمويل والخدمات ، وهذا حصل و يحصل في الاقصادات الامبريالية خلال الحقبة النيوليبرالية الحالية ، إذ كلما ازداد معدل الربح كلما ازدادت ضرورة التعويض عن ذلك بتكثيف استغلال العمال وخاصة بعد اتمام عمليتي الدمج والاستحواذ التي قامت بها الشركات الامبريالية . لم ينظر لينين للامبريالية من جهة التركيب العضوي للرأسمال الثابت أو ميل معدل الربح للانخفاض وهذا نقص نظري يسجل عليه ، مع أنه لخص علامات الامبريالية بتركز الانتاج والرساميل للحد الذي يسمح بخلق الطغمة المالية والتصدير وفق لينين يحول الدول الى ريعية ، تعيش على عوائد الرساميل الموظفة في الخارج ولكن خطر الامبريالية الأكبر يتلخص في أن أوربا تلقي على كاهل البشرية الملونة، العمل الجسدي في الزراعة والاستخراج أولا ثم العمل الأكثر خشونة في الصناعة، مكتفية هي بدور صاحب الدخل . إن الاستغلال المفرط للعمالة في المستعمرات واستيراد المواد الأولية الغذائية الرخيصة ، سهلا عملية الانتقال من فائض القيمة المطلقة الى النسبية في المراكز، سيما وأن فائض القيمة المطلقة وتحديد يوم العمل إلى أو خارج الحدود المادية للعامل وتقييد الاستهلاك ، كان منظما تاريخيا مع إدخال الالات وتقليل العمل الضروري وزيادة العمالة الفائضة. وكان الانتقال من هيمنة فائض القيمة المطلقة الى النسبية بالنسبة لماركس أمرا ضروريا بحدود فائض القيمة المطلقة ، التي فرضها الحد الأقصى ليوم العمل والحد الأدنى من الاستغلال المطلوب لاعادة انتاج العمل والقوة والنضال المتزايد من أجل زيادة الأجر وتقليل ساعات العمل.
لا ضير من القول بأن الماركسيين الأوربيين أساؤوا فهم ماركس بما يخص الانتقال التاريخي من القيمة المطلقة الى النسبية ، الذين رأوا أن القيمة المطلقة قد تضاءلت واختفت إلى أن جاء المفكر الماركسي ماريني ، الذي اعتبر أن القضية المركزية في النقاش تتعلق بأشكال الاستغلال التي يولدها فائض القيمة النسبي، على أساس زيادة الانتاجية سيما وأن الانتاج الراسمالي ومن خلال تطور انتاجية قوة العمل لا يقمع بل يبرز الاستغلال الرأسمالي بطرق مختلفة في جميع أنحاء العالم ، والأطراف تلعب دورا هاما في تعزيز فائض القيمة النسبي في المراكز. ولم يلاحظ النقاد الماركسيون الاوربيون أن ثقل البروليتاريا العالمية ومصدر فائض القيمة الداعمة للأرباح الرأسمالية في المراكز كان مصدره الجنوب وبلدان الأطراف . وتبقى أطروحة التبعية مرجعا هاما لفهم الاستغلال بين المراكز والأطراف بين الأنماط المختلفة لاستخراج الفائض في تشكيلات اجتماعية امبريالية وتابعة ، وبين نشأة الرأسمالية الموجهة للتصدير في الأطراف وتطور الرأسمالية الصناعية في المراكز وهي ذات أهمية خاصة لفهم الاستعانة بالمصادر الخارجية. وكان من بين المفكرين الذين بحثوا في الرأسمالية على صعيد عالمي وعلى قاعدة التخصص والتقسيم بين البلدان الصناعية والزراعية هو بوخارين، الذي مهد لنظرية سمير أمين عن المراكز والأطراف ، والذي اعتبر أي سمير أمين أن تصدير الرساميل هو مؤشر على شيخوخة الرأسمالية التي تدفع إلى مقدمة المسرح تناقض المراكز والأطراف ، الناتج عن ألية عمل قانون القيمة المعولم ، إذ يظهر الاستغلال الغير متساوي على شكل تبادل غير متساوي والاستغلال يفرض عدم المساواة في التوزيع الدولي للعمالة ، وهذا يشوه هيكل الطلب في الأطراف ويسرع التراكم الذاتي في المراكز، ولهذا تحظى بروليتاريا المراكز بزيادة الأجور التي تتماشى مع زيادة الانتاجية ، على عكس البروليتاريا في الأطراف التي تتعرض لاستغلال مزدوج، الأمر الذي أدى إلى تزايد الهجرة من البلدان الأكثر تأخرا والأجور فيها أدنى إلى العالم الأول بحثا عن العمل ، وعندها يتوغل العالم الثالث ويرسخ أقدامه بوصفه غيتو وحي مغلق ومدينة أكواخ في العالم الأول ، وينتقل هذا الأخير الى الثالث على شكل أسواق وسندات وبنوك وشركات عابرة للحدود وناطحات سحاب. واكتشفت الشركات العملاقة أن الحراك العالمي للرأسمال يتطلب حراكا عالميا للعمالة ، كي تسطيع توظيفها أينما ذهبت ويساعد هذا الحراك العالمي للرأسمال المالي بعد نسف الحدود ، بخلق حراك عالمي مثيل في صورة عمالة دولية رخيصة سهلة التحرك من مكان الى أخر وبذلك يساهم في خلق بروليتاريا عالمية .
واليوم نشهد توسع امبريالي جديد وتتميز هذه الموجة الثالثة بزيادة النهب المعسكر والابادة الجماعية وسبق للمفكر الماركسي ديفيد هارفي أن اعتبر بأن الامبريالية الجديدة ، تتميز بتحول التركيز في التراكم وباستمرار الأشكال القديمة - الجديدة للتراكم عن طريق نزع الحيازة والملكية ، كحل لأزمة الإفراط في التراكم وبرعاية الثورات العلمية والتكنولوجية والتي اعتبرها سمير أمين مؤشرا على شيخوخة وهرم الرأسمالية ، التي تعبر عن نفسها في أن نسبة أعلى من الإنتاج المادي يمكن الحصول عليها بعمل أكثر مهارة وتخصصا ورأسمال أقل. وبناء على ما ورد، يمكن أن نخلص إلى نتيجة مفادها أن نمط الانتاج الرأسمالي، بدأ يستنفذ دوره التاريخي لأن الرأسمالية قامت على سيطرة الرأسمال على العمل، وكما أن الثورة التكنولوجية ممكن أن تدمر القوى الطبقية إذا تركت متاحة لرأس المال الذي يمكن أن يهمش العمل ويجعله أكثر قابلية للاستبدال ، مقابل تمكين الطبقة الرأسمالية أكثر من ذي قبل من خلال زيادة التركز بالثروة على حساب أكثرية السكان.
وتتجلى شيخوخة الرأسمالية على الصعيد السياسي بأفول الديمقراطية وصعود الايديولوجية الثقافوية، فضلا عن أن الانتشار الامبريالي المعولم سيفاقم العنف والحروب من أجل انتزاع الريع وشفط الفائض وستتفاقم أكثر التناقضات بين المراكز والاطراف ، وهذا الاستقطاب كان وسيكون مسؤولا عن تفتيت نظام الإنتاج في الجنوب، واعادة انتاج الاشكال القديمة والمشوهة الخاضعة لمنطق التراكم الرأسمالي، بيد أن هذا التوسع الامبريالي الهمجي البربري ليس قدرا ولا أزليا لأنه سيهيء الظروف لاندلاع ثورة اشتراكية عالمية ، وهذه الاشتراكية سوف تستند وفق ما ذكره سمير امين على ثقافة متحررة من الاستلاب الاقتصادي والنظام الأبوي، وستكون متحكمة في علاقتها بالطبيعة ومطورة للديمقراطية ومعولمة على أساس لا يعيد انتاج الاستقطاب بل يضع حدا له. إن البديل عن العولمة الوحشية للراسمالية هو بناء عولمة اشتراكية والطريق إليها سيكون طويلا لأن الأمر يتعلق ببناء حضارة جديدة انسانية وعادلة ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس


.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي