الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألكسندر دوغين هو النبي الرجعي للقومية الروسية المتطرفة

دلير زنكنة

2024 / 4 / 7
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مقابلة لوك سافاج مع بنجامين تيتلبوم

22مارس 2022

ربما لم يسمع معظم الناس عن ألكسندر دوغين أو عن الاتجاه التقليدي العالمي الذي ينتمي إليه. لكن يبدو أن المفكر الروسي ــ و اشباهه في البرازيل وأمريكا وأماكن أخرى ــ من موقع مجهول نسبيا ،يمارسون تأثيرا حقيقيا على اليمين العالمي. من خلال مزج القومية المتطرفة والأفكار المناهضة للحداثة، أصبحت فلسفة دوغين بهدوء جزءًا مهمًا من الخلفية الفكرية للبوتينية، وموضوعًا للانبهار بين الرجعيين في جميع أنحاء الغرب.

من هم التقليديون وما هي أفكارهم الأساسية؟ إلى أي مدى يلعب فكر دوغين دورًا في الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا، وكيف ينبغي لنا أن نفهم تأثيره على السياسة الروسية ككل؟ مع وضع هذه الأسئلة في الاعتبار، جلس لوك سافاج من [مجلة]جاكوبن مع بنجامين تيتلبوم : أستاذ مساعد في جامعة كولورادو بولدر، ومؤلف كتاب " الحرب من أجل الأبدية: عودة التقليدية وصعود اليمين الشعبوي" الصادر في 2020 .

لوك سافاج

من الواضح أن القومية هي سمة أساسية لليمين المعاصر، وقد سمعنا منذ عام 2016 أيضًا الكثير عن الأكثر غموضًا "الشعبوية". كتابك الأخير لديه الكثير ليقوله عن هذه الأشياء، لكنه يهتم بشيء أكثر غموضا و ابهاما يسمى التقليدية.
بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون هذا المصطلح، ما هي التقليدية وكيف تصف دورها/تأثيرها في جميع اتجاهات اليمين المتطرف العالمي؟

بنجامين تيتلبوم

إن التقليدية هي في المقام الأول مدرسة روحية ودينية وليست أيديولوجيا سياسية. إنها تصب بالفعل في اتجاه أقصى اليمين، لكنها بالتأكيد أكثر من ذلك. وهناك من يقول أن لا علاقة لها باليمين ولا أصدقهم. وليس من قبيل الصدفة أنها عندما تتقاطع مع السياسة، فانها تدخل السياسة عبر اليمين القديم غير الليبرالي.

فيما يتعلق بالسياسة، يعتقد التقليديون أنه كان هناك في يوم من الأيام دين حقيقي - ما يعنون بالتاكيد على كلمة التقليد Tradition - والذي ضاع مع تقدم العصور، و توزعت حقائقه ورؤاه على تقاليد مختلفة في جميع أنحاء العالم. . ويُعتقد أن الهندوسية هي الأفضل على الإطلاق بسبب قدمها والحفاظ عليها بشكل متكامل. ولكن أيضًا الإسلام الباطني والمسيحية وكل تلك الفروع. ويكرس التقليديون أنفسهم لأحد هذه الفروع، في أغلب الأحيان أثناء الانخراط في نوع من الدين المقارن لمحاولة إعادة بناء ما كان عليه ذلك التقليد.

هناك شيئان مهمان بالنسبة للشخصيات التي نقلت التقليدية إلى السياسة، أولا، الزمن الدوري: الاعتقاد بأن الزمن ليس خطيا وأننا بدلا من ذلك نعود دائما إلى الماضي. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن الزمن يدور في مسار هبوطي حيث، مع مرور الوقت، تزداد الأمور سوءًا، باستثناء لحظة استثنائية واحدة عندما تكون هناك عودة إلى العصر الذهبي، وبعد ذلك يبدأ التراجع مرة أخرى. المفهوم الرئيسي الآخر للتقليديين هو الهرمية الاجتماعية و الهرمية الطبقية التي تشبه إلى حد كبير ما عند الهندوسية، مع طبقة البراهمة في الأعلى وطبقة شودرا أو طبقة العبيد في الأسفل - يحتوي هذا التسلسل الهرمي على عدد من المبادئ داخله والتي في نهاية المطاف مهمة للسياسة.

أحدها هو التعارض بين الروحانية (أو غير المادي) والمادية. تكون الطبقات العليا في بعض الأحيان، في نظر بعض التقليديين، عرقية. إذا كان هناك ارتباط تاريخي بين الآريين والبراهمة، على سبيل المثال، فإن ذلك يأخذ فهمًا أكثر حداثة للآرية بالنسبة للتقليديين حيث يكون هذا نوعًا من المجموعة العرقية ذات البيض المفرط مقابل الآخرين غير الآريين في أسفل الهرمية. يعتبر الجزء العلوي مذكرًا بينما الجزء السفلي مؤنثًا. في الهرمية ،القمة نوعية، في حين أن القاع كمية. وهذا يتفاعل مع الدورة الزمنية، بحيث أننا عندما نعيش في عصر مظلم، وفقًا للتقليديين، فإننا أيضًا في عصر تحدده السعي الدنيوي/المادي حيث السياسة والثقافة والمجتمع ليست دنيوية/مادية فحسب، بل قيمها كمية أيضًا .

لذلك سوف تحصل على أنظمة حكومية هي عكس الأنظمة الثيوقراطية. وبدلاً من ذلك، ستكون أنظمة تركز على كميات من الأشياء - ستكون الديمقراطية والشيوعية وما إلى ذلك. و كذلك،وهذا مهم جدًا أيضًا ، عندما تنتقل من عصر ذهبي إلى عصر مظلم، تتفكك الهرمية نفسها ويهبط الجميع إلى أدنى مستوى. يتضمن هذا المفهوم ضمنيًا فكرة أنه عندما نكون في العصر المظلم ، لا توجد فواصل ، لا توجد حدود، ولن نعاني من وجود أي شخص له جوهر أو مصير أو هوية أو مكان مميز.

ومع ذلك، يمكنك أن تتخيل توسيع مفهوم الحد والحدود، التقليديين يفعلون ذلك : يمكن أن تكون هذه ، الحدود العرقية، الحدود بين الرجال والنساء، الحدود الوطنية، والحدود المعرفية - الفكرة القائلة بدلا من ان تكون واحدة منها فقط مرتبطة بالتنوير، فأن العالم كله يندمج في هذا المجتمع الواحد.

بالنسبة للتقليديين، فإن الطريق للخروج من ذلك هو، أولاً، الانتقال من العصر المظلم ورؤية المؤسسات الحديثة التي مكنت هذا الترابط الجديد أو اللاحدودية تتحول الى حطام(بمعنى آخر، التدمير). ولكنهم يريدون بدلاً من ذلك أن يروا عالماً جديداً من الحدود حيث يختلف الرجال والنساء عن بعضهم البعض، حيث تنفصل المجموعات الثقافية والأعراق والأجناس المختلفة عن بعضها البعض، وحيث تظهر الحدود الوطنية من جديد، وحيث تتفكك الفيدراليات والإمبراطوريات إذا كانت استعمارية، حيث توجد مفاهيم مختلفة للحقيقة يُسمح لها بالتعايش معًا دون اختلاط أو تأثير على بعضها البعض. هذا هو الهدف الحقيقي هنا.

عندما يتعلق الأمر بتأثير التقليدية على الشعبوية والقومية اليوم، فإن هذا التأثير ليس بسبب شعبيتها . لا توجد كتلة حرجة من الناس، ناهيك عن ناخبين أو مؤيدين، لهذه الحركات التي تتسلل في منتصف الليل إلى الطرق الصوفية لتخريب نظرية المعرفة التنويرية أو شيء من هذا القبيل. وبدلاً من ذلك، يأتي التأثير التقليدي من حفنة صغيرة من الأفراد ذوي المكانة الجيدة. الأشخاص الذين أركز عليهم في كتابي هم في الواقع ثلاثة: ستيف بانون، والبرازيلي أولافو دي كارفاليو (الذي توفي مؤخرًا)، وألكسندر دوغين في روسيا. ولا أحد منهم سياسي بحد ذاته. لا أحد منهم يبشر بتقاليده أو يبدو أنه يدافع عنها علنًا. ولكن كل منهم لديه تاريخ معها. في حالة كارفاليو، انضم رسميًا إلى طائفة تقليدية على يد رجل يُدعى فريثجوف شوون (وكارفاليو لديه اسم صوفي مسلم، وهو أمر غريب جدًا نظرًا لأنه أصبح مؤثرًا جدًا في حكومة [جاير] بولسونارو).

لقد تعلم ألكسندر دوغين اللغة الإيطالية من أجل ترجمة أعمال المفكرين التقليديين اليمينيين المتطرفين، ويريد تسمية المدارس بأسماء المفكرين التقليديين، ويتحدث بهذه المصطلحات. سيطلق بانون على نفسه تقليدي و لكن بتحفظات مختلفة. ولكن هذا كان اهتمامه الدائم طوال حياته. يبدو وكأنه هاوي حقيقي بطرق أخرى - ينتقل من شخص لآخر، ومن وظيفة إلى أخرى، ومن هدف إلى هدف - لكنه كان مهتمًا بالروحانية البديلة بشكل عام وأيضًا الروحانية البديلة المناهضة للحداثة (والتقليدية على وجه الخصوص) لفترة طويلة جدًا. لقد كان منسجمًا مع نفسه.

إذن، هؤلاء هم الشخصيات الرئيسية الثلاثة، لكن بعض التقليديين كانوا أيضًا مستشارين في حزب جوبيك في المجر. وهناك ما يمكن قوله عن تأثيرها على الأحزاب الشعبوية في فرنسا، والنمسا، وبدرجة أقل، في الدول الاسكندنافية أيضا. كان هناك بعض الأفراد الذين وجدوا أنفسهم هناك، لكن لم يكن أي منهم ناجحًا، أو يقترب من السلطة مثل بانون، وكارفاليو، و دوغين .

لوك سافاج

دعونا ننتقل إلى دوغين، الذي يعتبره البعض فيلسوف البوتينية - وهو مشابه، في بعض النواحي على الأقل، للدور الذي لعبه ستيف بانون بشكل عابر في المشروع الترامبي. لقد كان له مسار غريب وانتقائي جعله يحاول تنظيم "حزب بلشفي وطني"، وتمثيل روسيا في مختلف المناصب الدبلوماسية والسياسية، وكذلك القتال في جورجيا. قبل أن نتطرق إلى أفكار دوغين أو تأثيره، ماذا يمكنك أن تخبرنا عن حياته ومساره العام؟

بنجامين تيتلبوم

إنها سيرة مجنونة ،خاصةً في حياته البالغة، في أي وقت تقول فيه: "أوه، إنه مؤثر للغاية. "إنه عقل [فلاديمير] بوتين"، سيفعل شيئًا يبدو ضعيفًا جدًا، بحيث يبدو وكأنه قد خدع وسائل الإعلام للكلام عنه. ولكن بعد ذلك إذا قلت: "أوه، هذا الرجل مزحة. "إنه مزيف، دعونا نتجاهله"، ظهر في بيئة دبلوماسية متوترة للغاية، ويبدو كأنه عميل سياسي روسي رئيسي تم الاستهانة به. لقد قفز دائما على الحواف. لقد كان يتمتع بغرائز جيدة طوال حياته المهنية، وكان هذا هو مفتاح نجاحه: فهو يتمتع بإحساس جيد بالوقت المناسب لإبراز او اخفاء باطنيته esotericism. إنه مهتم جدًا بالغريب و السحر المجفل والباطنية. لكن لديه أيضًا سياسة أكثر جفافًا و واقعية.

لقد كتب، على سبيل المثال، كتابا دراسيا حول ما اعتبره دور روسيا في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بعنوان "أسس الجغرافيا السياسية" . ولا يزال هذا، في رأيي، نواة تأثيره اليوم. لقد تم تدريسه لجيل من القادة العسكريين والنخبة العسكرية في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ولا يوجد تقريبًا أي مادة غريبة تتعلق بالدورة الزمنية أو تقليدية هناك. الأمر يتعلق فقط بحق روسيا الإلهي في توسيع نفسها ومجال نفوذها، وكيف يمكنها أن تفعل ذلك، وكيف يمكنها إعادة تصور العالم، ولماذا يجب عليها أن ترفض الخريطة السياسية كما رسمها الغرب منذ التسعينيات.

كما أنه يحدد الكثير من الاقتراحات العملية حول كيفية قيام روسيا بتخريب الديمقراطية في الغرب، وتشمل هذه الاقتراحات إثارة جميع أنواع الانفصال العرقي، مناهضة الثقة بالحكومة، وانتقاد وسائل الإعلام. بل إنه يمتد إلى رسائل متناقضة تهدف فقط إلى خلق النزاع في الجسم السياسي الأمريكي. إنه يخلق أحزابًا سياسية يمكن أن تكون أكثر راديكالية من الحكومة الروسية. عندما غزت روسيا جورجيا وأوكرانيا، سوف يعرضونه على الهواء على قنوات وسائل الإعلام الحكومية من أجل السماح له بتأليف سردية لما يفعلونه.

وكان الأمر واضحًا تمامًا. أجرى تشارلز كلوفر، وهو صحفي من صحيفة فايننشال تايمز ، تحليلًا رائعًا لهذا الأمر: بدا من الواضح تمامًا أن بوتين كان يستمع إلى دوغين وهو يتحدث، لأنه عندما خرج بوتين بعد ذلك كان يعيد قول الكلمات ويتعلم من دوغين، مما سمح له تقريبًا بتعليمه كيفية توصيف الحرب ودور روسيا في العالم. لكن طوال كل هذا، لم يكن له أي دور رسمي مهم في الحكومة الروسية. وهذا ما يجعل من الصعب توصيفه.

لوك سافاج

يبدو من الصعب فعلًا تحديد تأثيره. فمن ناحية، يبدو مشروع التقليدية برمته وكأنه شيء هامشي و مبهم تمامًا، حتى داخل الاقسام الغامضة من أقصى اليمين. ومن ناحية أخرى، تولى دوغين مناصب فعلية داخل الدولة الروسية وأصبح محط اهتمام بعض طوائف اليمين المتطرف الغربي. إلى أي مدى يمكن أن تقول إن تقليدية دوغين تعمل بشكل فعال على تشكيل السياسة الروسية والسياسة الخارجية؟ أم أنه مجرد تركيب، وتعبير، وإضفاء الطابع الرسمي على الأفكار والاتجاهات التي كانت موجودة مسبقًا ؟

بنجامين تيتلبوم

أعتقد أنه من المستحيل الإجابة على هذا السؤال بشكل قطعي. أقصى ما يمكنني فعله هو، عندما أسمع شخصًا آخر يعطي إجابة إيجابية مبالغة في اتجاه واحد، يمكنني التوصل إلى الأسباب التي تجعله مخطئًا. من المؤكد أن تأثيره على السرد مهم: إن دفع روسيا نحو المزيد من العدوانية أمر مهم، وكذلك إضافة معنى للحرب بحيث لا تكون مجرد حرب بين دولتين، بل حرب بين أيديولوجيتين مختلفتين. وهنا يكون دوغين مفيدًا ومؤثرًا: عندما يكون هناك معارضة محسوسة ليس فقط بين الشرق والغرب أو بين القيم الليبرالية والقيم المحافظة ولكن بين الحداثة والتقاليد ،أو المادية والروحانية.

إذا وُصفت روسيا أو وصفت نفسها بأنها منارة للغير المادي والروحي في العالم (وهو ما تسمعه من بوتين من حين لآخر - لقد سمعنا نسخة منه في بداية خطابه حول أوكرانيا قبل الغزو مباشرة) فهذه افكار دوغين. في الأطر المسيحية والآخروية الأكثر عمقًا لهذه الحرب، يمكنك رؤية تأثير دوغين.

لوك سافاج

التقى دوغين مع ستيف بانون في روما عام 2018، وظهر خلاف كان متوقعًا تمامًا في ذلك الاجتماع: حيث يعتقد الأول أن الليبرالية الغربية (وبالتالي الولايات المتحدة) هي العدو الأكبر، ويجد الأخير ذلك في الصين بدلاً من ذلك. ماذا يمكنك أن تخبرنا عن ذلك اللقاء؟ وما مغزى أن التقليديَين المختلفَين لديهما روايات متشابهة ولكن خصوم مختلفون؟ ويبدو أن هذا من شأنه أن يحد من قدرتهما على صياغة أي مشروع مشترك.

بنجامين تيتلبوم

أنت تصفه بشكل مثالي. هذه واحدة من مشاكل التقليدية . أعني، لقد أعطيتك لمحة موجزة عنها ، ولكن حتى لو أعطيتني ساعتين للتحدث، فلن يكون الأمر أكثر تحديدًا مما قلته. على الرغم من كل شيء، هناك القليل جدًا من المحتوى لمقولاتها الرئيسية، وأعتقد أن هذا منع التقليديين من التقدم كلاعبين سياسيين. في الواقع، لقد مالوا إلى أن يكونوا المستشارين الافراد الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى السلطة الرسمية، ولا يمكنهم الاحتفاظ بالسلطة السياسية، ولا يمكنهم العمل بشكل جيد مع الآخرين. ولكن في هذه الحالة، رأينا اثنين من التقليديين – دوغين وبانون – يحاولان التنسيق مع بعضهما البعض ويحاولان الاستفادة من نظام القيم المشتركة. وفي النهاية لم يتمكنوا من ذلك، لأنهم، كما قلت، لم يتفقوا على الممثلين.

بالنسبة لدوغين، فإن مصدر الحداثة هو الولايات المتحدة. بالنسبة لبانون، إنها الصين. وهو يعتقد أن الصين هي المحرك الفعلي للعولمة، و الكوسموبوليتانية، وانعدام الحدود، وأن لديك هذه القشرة العليا الصغيرة في الولايات المتحدة التي تتفاعل معها. لذا، بالنسبة له، ربما يمكن العثور على النزعة الأميركية بدلاً من ذلك في نوع من الجوهر الأميركي الأكثر قِدمًا ، بل وحتى ما قبل الثورة[الاميركية]، والذي يمكن أن يتعايش مع روسيا وربما يتعاون معها على المستوى الدولي.

لم يكن دوغين مهتمًا. لقد كان مستمتعًا جدًا بالجهود المبذولة ورأى أنها تطور إيجابي حيث كانت الأمور تتغير حقًا في جميع أنحاء العالم وفي قلب الولايات المتحدة في الوقت الذي بدا فيه أن هيلاري كلينتون على وشك تولي السلطة (في رأيه، إنها في الأساس صورة رمزية للظلام المطلق)، ثم فجأة و من لا شيء ، هناك تقليدي تحت قيادة ترامب يدفع الأمور إلى الأمام.

إنه لا يهتم إلى حد ما بمحتوى مناقشتهم لأنه يعتقد أن هناك قوى أخرى أكبر تلعب دورها وأن بانون مجرد أداة لها . بالنسبة لبانون، كان الاجتماع محبطًا رغم ذلك. وقد أصبح الأمر كذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن ما أراده حقًا هو رؤية إعادة اصطفاف . لقد أراد أن تكون روسيا جزءًا من الغرب وأن تصطف مع البرازيل، التي اعتبرها جزيرة للتقاليد الأوروبية و جوهرا ثقافيًا- وكانت الخطة برمتها هي الوحدة لعزل الصين.

لم يقتصر الأمر على أنه لم يقنع دوغين بالذهاب والبدء في الترويج لعملية إعادة الاصطفاف هذه، بل إن الأمر برمته ينهار تمامًا. إنه في حالة من الفوضى اليوم. لذا فإن الكثير من القصة التي يجب أن أرويها تدور حول الفشل. يتعلق الأمر بالمحاولات الفاشلة للتنسيق خلف الكواليس، وهو يرتكز على أفكار أكثر غموضًا وتنفيرًا مما يدركه معظم الناس أو يربطونه بالحركات الشعبوية اليمينية. وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن ضررًا حقيقيًا لا يحدث في هذه الاثناء .

لوك سافاج

إن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي كان له مجموعة متنوعة من الدوافع ولكنه كان يحمل زخماً قومياً متطرفاً واضحاً، يبدو على نحو متزايد وكأنه فشل إن لم يكن كارثة بالنسبة لفلاديمير بوتن - سواء من حيث الأهداف العسكرية المحبطة أو من الناحية الاقتصادية أيضاً. ربما تكون الإجابة على هذا السؤال واضحة، لكن، بافتراض أن هذا الانطباع سيتحقق في الأسابيع والأشهر المقبلة، هل تعتقد أن النتيجة ستضعف أو تدعم الأفكار والمواضيع القومية المتطرفة المرتبطة بدوغين؟ كيف يبدو المستقبل بالنسبة للتقليدية في روسيا وخارجها؟

بنجامين تيتلبوم

هناك الكثير من الأسئلة هناك. إن الفشل العسكري أو حتى الكارثة هو انطباعي أيضًا. ومن الواضح أن التقليديين لا يحبون ذلك. ومن ناحية أخرى، فهم يحبون العقوبات. دوغين متحمس جدًا لهذه الأمور: لقد اختفت ماكدونالدز، وكل هذه الشركات الغربية اختفت. هناك إدارة متزايدة للمجال المعلوماتي الذي يحبه. لقد انفصلت روسيا عن التمويل الغربي، وعن اضطراب النظام الرأسمالي العالمي، وعن تدفق الأموال والسلع. التقليديون مثل دوغين يحبون كل هذه الأشياء. إذا كانت هذه هي النتيجة النهائية لحملة عسكرية فاشلة، فأعتقد أنه سيظل يعتقد أن الحملة كانت واحدة من أفضل الأشياء التي قامت بها روسيا على الإطلاق - حتى لو كان يريد الحصول على أوكرانيا وما زال يرغب في رؤيتها خاضعة لإرادة روسيا و بعيدة عن الغرب.

كل من يتابعه، وأنا منهم، كان يتوقع عندما تم إعلان العقوبات أنه سيكون مسروراً بها. بالأمس فقط، على سبيل المثال، وسط أنباء عن إدارة الإنترنت، خرج وقال: “أوه، هذا رائع. هذا عظيم." أعتقد أنه ربما يكون في وضع أقوى الآن. لا أعتقد أنك سترى – وهذه واحدة من الانتقادات للعقوبات – الجميع ينقلبون على بوتين لهذا السبب. في كثير من الحالات، من المحتمل أن تراهم يتحدون ويعتنقون هوية جديدة. وستكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الحفاظ على بعض الكرامة في مواجهة بعض الظروف الاقتصادية القاسية. لذلك سوف يقويه. وسوف يعزز هذه القضية: إنشاء هذه الجزيرة، جزيرة روسيا. ماذا سيحدث مع التقليديين في المستقبل؟ إنها في النهاية مرتبطة جدًا بالأفراد، لأن هذه ليست حركة جماهيرية.

لذا، للإجابة على هذا السؤال، عليك أن تفكر فيما سيحدث لهذه الوجوه المحددة. أولافو دي كارفالو - الذي كان على الأرجح صاحب التأثير الأكبر لأنه كان معلم بولسونارو - لم يشك أحد حقًا في أنه كان لديه مجموعة في مجلس الوزراء جميعًا من الأولافيين. لقد مات، وضعفت مجموعته و انشقت نتيجة لذلك. ليس من الواضح ما الذي سيحدث أو ما إذا كان سيتم استبداله في السياق السياسي البرازيلي بتقليدي آخر، ربما مجرد محافظ متشدد (لكن هذا ليس نفس الشيء تمامًا). عندما يتعلق الأمر بدوغين، لدي شعور بأنه يمكن أن يتقوى بالنتيجة، حتى لو كانت هزيمة عسكرية.

لقد كانت موضة في الفترة 2018-2019 عندما كنت أكتب كتابي ،بأن ستيف بانون أصبح غير ذي اهمية ، لكن لم يعد أحد يقول ذلك الآن - لقد اختفى هذا الخطاب، في الولايات المتحدة على الأقل. انه ليس زعيما سياسيا. ولن يكون المستشار الرئيسي لأي رئيس بعد الآن. لكن منصته والبودكاست الخاص به ارتفعا ببطء ليصبحا بلا شك أهم وسائل الإعلام في حركة MAGA (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى). إنها غرفة تصديق للمرشحين الذين يروجون للترامبية وأجندة MAGA. وإذا فشلت تلك، فسوف يأتي بشيء آخر. انه باقٍ.

ولكن هذا هو الشيء الآخر الذي يجب أن نأخذه في الاعتبار بشأن التقليدية. هذه الشخصيات – دوغين، وبانون، وأولافو، وتيبور باراني في المجر – ظهرت جميعها بشكل مستقل عن بعضها البعض في نفس الوقت، على الأقل بالمعنى التاريخي الكبير. نحن نتحدث فقط عن عقدين من الزمن هنا، ولكن لا يوجد أحد قبلهم يشبههم بأي شيء. دون أن أرغب في أن أبدو مجفلا جدًا أو أشارك أفكار دوغين الآخروية الغريبة ، أتساءل عما إذا كانت تقول شيئًا ما عن الشعبوية التي تعتبر ادعاءاتها أيضًا بائسة إلى حد ما وغير محددة. . . وعندما يكون لديك هذا القدر الكبير من الفراغ فيما يتعلق بالافكار والأيديولوجية، أعتقد أنك ستحصل على شريحة حقيقية من الدخلاء/ اللامنتمين .

كان دومينيك كامينغز في بريطانيا، على الرغم من أنه لم يكن تقليديًا، يرغب بشدة في استكشاف اغوار الفكر المناهض لليبرالية والحداثة. أعتقد أن هذا سوف يستمر في الحدوث. بالنسبة للإيديولوجيين المتطرفين الحقيقيين الذين يريدون بديلاً دراماتيكيًا للوضع الراهن، فإن الشعبوية اليمينية ستوفر لهم المجال. ولن أتفاجأ إذا رأينا المزيد من هذه الشخصيات في المستقبل. ليس بأعداد كبيرة، ولكن ربما في مواقع السلطة والنفوذ.
……………

بنجامين تيتلبوم أستاذ مساعد في جامعة كولورادو بولدر ومؤلف كتاب " الحرب من أجل الأبدية : عودة التقليدية وصعود اليمين الشعبوي" .

لوك سافاج كاتب في جاكوبين .

المصدر
موقع مجلة جاكوبن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس


.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي