الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الجياع.. فصل من رواية خريف العرش

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2024 / 4 / 7
الادب والفن


بساعة منحوسةٍ، في ليلةٍ مشؤومة، ماحقة، شهدت العديد من الشرفات، فوضى مستعرة بوميضٍ حاد، انهمرت خلالها طوابير من نيازك سماوية ملعونة، ارتجت مدينة الجبل الأزرق، عاصمة ياروبا، على إثرها انزلق تاج المُلك، تحت أقدام حافية ملطخة بتربةٍ موحلة غائرة بخراء بهائم هزيلة ضالة، أفرغت نفايات آخر ما حشته معداتها من بقايا مخلفات تكدست ويبِست من خرائها ذاته، ثم تمرَّغت بوحلِ أمطارٍ مدرارة، أخلت السماء الداكنة ما بجوفها من كتل سحاباتٍ تراكمت طيلة فصلي صيف وخريف ملعونين، ثم انتقمت ثانية بموجاتِ جفافٍ واجمة بسنةِ تنذر الشؤم، لاحت بلونِ موجات البحر، نفقت مواكب الأسماك، وارتمت على سواحلٍ مُقفرة في هجمةٍ ذاتية انتحارية جماعية، لحقتها قوافل الأشجار وقطارات البهائم، احتجاجًا على نضوب المياه وجفاف الآبار، ثم تبعتها موجة تالية في انتحار للغابات والأحراش، حتى لم يبق سوى ريش الطيور تتقاذف أسرابها الرياح، ورعاة ينتقلون بما تبقى من قطعانهم من وادٍ لآخر، ومن سفحٍ للتالي لاقتناصِ أعشاب وأوراق جافة، نسلها فصل الخريف وهو يوشك على مغادرة الأفق دون قطرة ماء أو نسمة دافئة، لاحت بوادر إشاراتٍ يائسة لأحياء يتنفسون فتات أمّل على بعض سواحل المدن والقرى، وفرخت حينها بذور عودة للروح. لم يصحُ ولم يغفُ ساعة زمن، الإمام خردله بن سماعة النبهاني، منذ أن نبت للسماء قرنان واحتبس الماء في رحم غيوم داكنة محتقنة، في مخاضٍ عسير، رافضة ولادة طبيعية، كامرأةٍ مخادعة في زريبة توهُّم حملٍ كاذب. تداعت وتعثّرت مساعي الإمام خردله، مسك العصا من الوسّط، وداهن ماريانا وتملقها بقبولهِ صفقةٍ شيطانيةٍ ترتب عليها إنجاب ولي عهد كرزي اللون لتلقيح السلالة بدماءٍ أفريقية وعربية وبين تمرّغه دولاب الدم الذي لم يتوقف عن هرس كل من يتنفّس خارج مدار الهواء الذي سمح به، وبين وعدهُ حين بدأ يمثل دور الملاك المطيع أمام ماريانا، وانغمس في خليةٍ نحلية، لحسّ بنهمٍ ساغب شهد الملكة السوداء من غير تاج، أزاح عنه ألوهية طالما زعمها لنفسه، وتلهى بمتعةٍ فوضوية خرجت من رحم خرافة صنعتها زوجته ماريانا لتدوير طاحونة ملوك رأت أن تستبدلهم بعينةٍ فوضويةٍ، مزودة بجينات تزيح العتيقة وتحل مكانها سلالة تقود ذرية الحكم إلى قوة وانفتاح وتحرُّر من الدين. همست في إذن ميسم وهي تمازحها بعد ليلة شرسة من الحبّ أدلّت بتوهجٍ: "الحرية شمس مقدسة تبزغ بداخلكِ لا يرى ضوؤها سواك، ثم أردفت وهي تنشف ذرات عرق فضت من وجنتيها: المجد تصنعهُ نساء حرّة وتؤجّجهُ نساء رق، وأنت اليوم لك الساحة الزرقاء، تقودين بشعلةِ ضياء، جحافل العبيد نحو أفق الحرية" نقيضها مضى خردله يعاشر احجياتٍ ظلامية، نكف عن رفع حظر التجوال ليلاً، وإن زعم بأنه يوشك، أسبغ بمراوغةٍ ضبابية على قتل معارضيه، لوَّن الموت بشفافيةٍ وجعله رقيقًا، مخفيًا وحشيتهُ وراء رائحة زكية للقتل، مداريًا أيّ وسيلة شناعة كما بالسنواتِ المنصرمة، فقد طوّر وسائل اعتقال الأشخاص وجعلهم ينزلقون بأنفسهم في فخِ الاحتجاز ثم الاختفاء، ثم المصير المحتوم. طمر أدوات الموت، خبأ المشانق وأضمر الخوازيق التي اقتبسها عن الأتراك وغيَّر لون السجون وبدل ملابس الشرطة والجيش، لكن الموت تضاعف ومع صيحات الأمهات، وشهقات الزوجات المثكلات، تضامن الجوع مع الموت مع عجالة قذف عضوه التناسلي، تلك الحالة المُزمنة التي كابد منها الإمام، لتشقى مملكة بمجملها، فقد أفرغ شذوذه الجنسي في شذوذ أعمق، تمثّل في جلدِ شعبه بسياط التجويع والإذلال، بحجّة عدم ولائه. استهل تعهده الشفاف لماريانا ببدايةٍ رأت فيها إشارة مؤازرة لتوجهها التنويري بتغيير مسار الحكم. في البدءِ استرخى وأفرج عن بضعة سجناء قبل وفاتهم بالسجن، ثم استجم ونفذ وصيتها بسلخ عبارة الصلاة خيرٌ من النوم بأذان الفجر، متحديًا بوقاحةٍ غير معهودة هيئة مشايخ الدين، كانت تلك الوصية من ماريانا اختبارًا قرنفليًا وعدت بإهدائه، لجدية الرجل في مساره لو أوفى بوعده، ثم فاض هِبات غير مسبوقة ومنح بعد حسرةٍ وغصة داهمتهُ، هِبة ساعتين بعد غروب الشمس للتجوال، اعتبرت ماريانا ذلك مستهلاً لساعاتٍ أوسع. وثمة إشارات وإيماءات صدرت رغمًا منه هنا وهناك أوحى بها لتغيُّرهِ. كانت المرأة ترصدُ بدقةٍ تلك الإشارات والمبادرات، وتبدو لها كافية بالوقت الآني، وتزيد عليها بما ملِكت من سلطةٍ، ومضات دافئة في توسيع رقعة الحريات، كانت قمة الصرح الذي تتوق إليه بشغفٍ غير مقيد، إلغاء الرق، ومظاهر العبودية وتحرير سواد البشر، السود الذين اسْتعبدوا بسبب بشرتهم. لكن تلك الآمال نُكِثت وأدركت أنها تحارب طواحين هواء. في خاتمةٍ وهمها معه برحلةِ التغيير قرّرت حازمة أمرها أن تتصرف وحدها، مكثّت تتأمّل حولها، أراحت بالها بعلاقتها الشغِفة بميسم، انسلت من بحيرةِ النساء المكتظّة بالقيل والقال، تسلّلت بتؤدةٍ وسرية لوكرِ الوجود البريطاني المُتمثِّل في اللوردات والمستشارين، أحاطت نفسها بعددٍ من أجانب كانوا يديرون شئون الاحتلال ويمثلون أعمدة التحكُّم بخيوطٍ عديدة متعلقة بالمنطقة كلها. تواصلت مع هؤلاء، داخلياً وخارجيًا، موحية في الظاهر بأنها علاقات ثقافية تُشبع خلالها نهمها للكتب والتعليم، حتى تمكّنت بوحيٍ عقلاني وحنكةٍ متخفية تحت وطأة زخرفة جمالية اكتسبتها من طبيعةٍ فطرية، وبيئة أجنبية ساحرة، باختراقِ أسوارٍ داكنة المعالم، لا يقتحمها إلا متنفذي السلطة البريطانية، ورغم تململ بعض مشايخ المملكة من ميولها بحسب تصنيفهم لها، لكنهم بكموا حتى وهي تكتسحهم وتجتث عبارتهم "الصلاة خيرٌ من النوم" ورغم استغرابهم من امتثال الإمام لها، لجموا ألسنتهم عن ذكر تلك العبارة، وبلعوا سخطهم وإن ظلوا يتبرمون سرًا وراء الحجاب.
بعد مساعٍ وجولات بائسة بُذلت من غير نيٍة بينة أو عزمٍ صادق، بل بسخريةٍ، لاجتثاث المجاعة التي سلخت كما البهائم جلود شعب ياروبا، لم تفلح محاولات خردله وزبانيته بحرث وبزر ولو بذرة نخرة بوقفِ هذيان وحش الجوع الغبش الذي بدأ يجتاح ثنايا الحواري والقرى والمدن المُتلهِّفة لموتٍ ختاميٍ رحيم بدل حياةٍ مُميتة كل يوم، ويأتي محلقًا كشبحٍ مكتئبٍ على البيوت والأكواخ ويعبر السواحل ويجتاز الصحاري ويصعد الجبال ويدنو من ذروات السماء، لم يترك نفايات أكل أو بقايا أطعمة فاسدة، لم تعد تنوح في فضاءٍ رماديٍ عابس بوجهِ الحياة سوى روائح جثث بهائمٍ تفسخت بعدما لم تجد ما تتجرّعه، ظلّت البلاد تراوح سنة بالجفاف وسنة بالفيضان، عام حرائق ونيران تلتهم الغابات والأحراش وعام تمطر السماء حجارة صلبة، كانت أعوام مجاعةٍ حتى قوات الاحتلال سحبت كتائب كاملة رغم ما يرفدها من بلادها مؤن تغيثها، كانت توزع ما يطفو منها ويفسد على سكان هزيلين عجزوا حتى عن مضغ الطعام. بلغ الجوع أوجه حين تحول إلى مرضٍ، فأطلق عليه مرض المجاعة عندما لم يعد الُهزّال منهم قادرين على البلع، إذ سُدت معدتهم، ومع ذلك حدثت مذبحة جماعية لجحافل جوعى تدافعوا بإحدى الساحات حين قامت كتيبة بريطانية بفتح خيمة لتوزيع بعض المؤن، فأتى نصف سكان الجبل الأزرق واحتشدوا كذبابٍ على قطعة حلوى، فانصهرت جموع حاشدة كساعةِ قيامة في مفرمةٍ دولابية، ذابت تحت أقدام بعضها وجعلت خردله الناعس يستفيق حين أفضاه الأمر مرددًا عِبارة خراء وفقًا لتصريح ماريانا حين أفضى لها بالواقعة: ما عساي القيام به؟"
***
"تذكّر إنّني كنت يقظًا حينها، حين دعوتك فجأة وبعثت فيك روحًا إضافية، وتعهدت ليِ بشغفٍ، أنني بيومٍ ما سوف يأتي دون انتظار، أستدعيك فيه وتقدم خدمة ليّ وتكفلت نهارها، هل كنا بنهارٍ أم ليل؟ تعهدت بدعمك؟ قلت لك بيقينٍ ساعتها أنت من يلائمني لا غيرك، ها أنت تقف أمامي دون تمهيدٍ وتتمنى خدمتي وأنا بانتظار أن تتقن خدمتي وولائي وأنشد منك سرية تامة حتى لو وُضِع الحبل حول... أنت تفهم!"
كان ذلك التمثال المتجمِّد أمام ماريانا بنت مخزوم، وزير الأوقاف والصلاة والزكاة؟ "أيّ جنٍّ أو أنس سيّشكّك بك؟ تذكَّر عبارتي تلك؟" استعاد نعشهِ بمثلِ موقفٍ سابق معها منذ دهر مضى، كانت أقل قوة وفتك من اليوم، لم يشعر بذعرٍ كما في المرة المنصرمة، بل برغبةٍ منجرِفة في طاعتِها لأنها بدت تؤذن بزلزالٍ لم يكن له منهُ خيار، ولأنها بسقت حاسمة معه، ماذا سيحدث أكثر لهُ غير حبل أو سلكٍ لو رفض عرضها؟ وحتى لو بلغ رفضه الإمام علامة على ولائه له، فإنه سيخرب حياته ويدفنها في بحر الظلام، إرضاءً لها من قِبَل الإمام ذاته الذي أثبت ببراهين نافذة أنه يبيع المملكة لو طلبت هي منهُ ذلك. الجميع يدركون ببيناتٍ مشرقة أنها تحكمه حتى ولو ظلّ هو الجلاد للشعب...
أجاب بإيماءة شاردة من رأسهِ متخيّلاً نفسه فوق منصة إعدام، أيِّ مأزق أرسله لعتبة سيدة القصر؟ المملكة تتحدث وتلغو عن جنونها، من جهةٍ نائية الشعب يطلب تدخلها، الإشاعات تطاردها عند كل مصيبة يقع فيها، هل يعدمها الإمام؟ هل تقوم بانقلاب؟ كل الاحتمالات تتردّد على ألسنة السكان، مجرّد أن يقف اللحظة أمامها بظهيرةٍ مدلهمة انتزعتهُ سرًا من داره وجرته لينتصب أمامها بمحفلها الذي يشبه كهف عرش إله، بمجرّد ذلك لقي حتفه مسبقًا، سواء نمى ذلك لعلِم الأمام بأنهُ يعقد صفقة مشبوهة، غامضة، مع زوجته الشهيرة بنزقها أم نمى شيءٌ آخر، ينتهي خلف شمس الجبل الأزرق، لا مفرّ من مهاودتها، من جنون عنادها، فقد تستفيق، النتيجة أقل مما لو عاندها، لن يرفض أو يتردّد عن دعمها وحفظه للسرّ، مهما كان الثمن، ماريانا أغزر دموية من الإمام، لو فرّط في فضلها عليه، لن يبرح مكانه سوى صنمٍ محمولٍ في نعشٍ دون جنازة تُذكر، ولن يرف لها طرف عين "سأنصتُ لها وأُسايرها، إن رفضت مت وإن قبلت مت، فأقبل، لعلك تفرط من سلكِ حبل دقيق يلتف بعنقك وأنت غافلٌ في ملكوتهِ، آخر من تعرّض له مدير شرطة نزق لم يغفر له تهافته لدرك التوسُّل بما بذله من ولاء، لإنقاذه من الحبل" ابتسم وجال ببصره أنحاء الصومعة فرأى أنها في طقسِ عرشٍ وأجواء رهبة وسطوة ربانية لم يشهدها حتى بحضرة خردله، لم يرَ هذا المكان من قبل، لقد بلغه معصوب العينين حتى استقام أمامها وأزيلت العصابة، خردله لم يفعلها معه بحياته كلها، هز رأسه ونطق بكلمةٍ لم تتجاوز سيدتي، ولكن نظرته الفقيدة وطرقات دفوف قلبه المثقوب بخوفٍ، قبَل مسبقًا ما تحيكه وتأمرهُ حتى لو كان ما طلبَت فعلاً كارثيًا، إلا رأس خردله، ماذا لو طلبت ذلك؟ أفاقتهُ عِبارتها الرقيقة وهي تحييه:
"أسعدني حضورك أيها الوزير، لقد تغيّرت كثيرًا منذ رأيتك آخر مرة، يبدو أن خردله لم يعد يعقد لياليه أو يعتني بكم. شكرًا لحضورك السريع، ماذا تشرب؟" قادته خطوة بخطوة وكأنما تخشى عليه من الكسر، تنحت جانبًا وأفسحت له مكانًا على كنبة وثيرة، غاص فيها واسترخى كما لو خُدر، لم يكن هناك خدم أو حرس ولا حتى نفس لبشر، هي وهو والرب والشيطان وما ينتظره هو من الغيب وما ستسفر عنه اللحظات الشاقة التالية. هدأت دفوف قلبه الرقيقة لأنها انتقلت إلى طبول عملاقة تقرعُ وتصُم أذنيه حتى يكاد لا يسمع كلماتها وهي ترن كحفيفِ أوراق الشجر، حين دعته لاحتساء شراب اللوز كما اتضح من لونهِ ورائحته، لم يتوقّع أن يُخدر ويزول شيئًا فشيئا دبيب الذعر وكأنما كانت قد تبيّنت كنهه فسقتهُ ما يزيح عن صدره فزع طرق الطبول:
"أُدرك من لونك الشاحب وأنفاسك مخنوقة أيها الوزير مدى قلقك وخشتيك، وأصدقك الكلمة أنا أيضًا قلقة من الاتكال على أيِّ خائفٍ أو متردِّد أو غير منتبه لما سأطلبه منه، إن كنت تشعر بعبءٍ ثقيل في خدمتي فأعفيك من ذلك، ولكن تذكَر أنني أفشيتُ سري لك باستدعائك سرًا من وراء الإمام، وبالتالي علينا حل هذه المسألة، هذا في حالة إذا ظلّلت مفزوعًا مني، علمًا بأني أقدم لك عرضًا يتمنى كل من بالمملكة نيله، لولا شعوري نحوك بثقةٍ منذ رأيتك أول مرة، تذْكر لقاءنا قبل سنتين، نبهتك بأنهُ ذات يومٍ ما سأعوزك وستلقاني وسيكون ذلك يوم حظك، وها قد أتى"
لم تلتفت إليه، اكتفَت بنظرةٍ لاسعةٍ في عينيه من نظراتها المخدِرة التي تشع سحرًا، فتُجمِّد الآخر في كيانه، كان يرتعش وهو يرمق بتشتُت أنامل يدها كريشٍ يسبح في الهواء بخواتمٍ األماسية، مزخرفة بحجرِ ياقوت وزمرد، توارَت وراء ابتسامةٍ سطحية بلون بحرٍ ساكن زادتها غموضًا وأضفت على المكان التباسًا بما تكدس فيه من أعمدة هائلة منقوشة بفسيفساء، وجدران مطليّة بألوانٍ مُبهمة، خليط من ألبنفسجي والأزرق، كنباتٍ ومناضدٍ صناعة شامية وبعضها مزخرفةٍ ببصمةٍ خليجية كالصناديقٍ المبيتة ودِلال القهوة وفناجين الشاي التي صُفت بتنسيقٍ معنونٍ بذوقٍ رفيع على رفوفٍ مزركشة، وسجادة هائلة بعرضِ المكان موشاة بنقوشٍ حرجية، من ورود وأشواك توحي بأجواء خريفية. وثمة بضعة سيوف حادة على هيئة حرف X مُدلاة من على جانبي الجدران، وبعض الخناجر ومرشات مياه معطرة وقناني مزركشة فوق طوابق الرفوف، ومناضد موزعة بين دفتي مغارة ذهبية ملكية. عبق المكان برائحة طيب غير تلك الخانقة التي عهدها بديوان الإمام، أحسّ برهبة عبق بالجو وهو يشمّ رائحة شيطانية امتصت عناقيد ذعره بشفافيةٍ ورقة عطر. لمحتهُ بطرفةٍ خاطفة في لون بشرته المُحمرَّة، وأنفاسه اللاهثة فهدأت من روعه بابتساماتها الزهرية ومقعت اضطرابه حتى تتيقّن من أدائهُ المهمة دون أدنى أخطاء مأساوية، كتلك التي عادة ترتكبها بطانة زوجها وتدفع البلاد والشعب ثمنًا مجرّدًا من أي حساب. المشعوذون والمنكوبون والأجلاف والعاهرات والقوادون، هؤلاء الذين لا يدفعون ثمنًا لأنهم دفعوه وانتهوا، أما من يدفع ثمن أخطاء الحاشية الضالعة في الخطيئة، فهم التجار ورجال الفكر والأدب، والطبقة الوسطى والمغفلون. توصّلت لاستنتاجها تحت سياط الخوف من وحي وزيرها الذي ينتصب أمامها والذي أسمته تلقائيًا باسمٍ رمزيٍ حركي، كما هو في طائفة المتمردين، مذكور البحري، لتضمن سريته حتى لو أحاق سلك خردله الرفيع حول عنقه النحيف.
"أُريدك أولاً وبكل ثقة ودون خوفٍ نقل رسالة سأُسديك إياها إلى الإمام لاحقًا على أنك استلمتها من مبعوث مسؤولٍ كبير بدولةٍ ذات وزن بالمنطقة، ما عليك من اسمها، كل شيء بوقتهِ ومدوّن بالرسالة، هذا المسؤول التقيته أنت مؤخرًا في زيارتك للعمرة، التي سوف تذهب إليها بترتيب مسبق" برز سؤال حائر على وجهه فبادرته...ماذا؟ تنهد وحكّ ذقنه وقال: ماذا لو أحجم ورفض الإمام سفري للعمرة؟ أنت ذاهب مع وجبة معتمرين من جهتي أنا من سيطلب ويرتب الزيارة، أجابته بصرامةٍ واستدركت: هل هناك سؤال آخر أو استيضاح؟ تذكَر أنك لن تراني بعد الآن ولكن سوف تصلك رسائلي بطريقةٍ مختلفة بكلِّ مرة، فكن متيقظًا طيلة الوقت حتى لا تفوتك شاردة أو واردة، لا تسألني الآن عن مكافأتك، يكفي أنك ستبقى بينما سيرحل غيرك، إذا فهمت قصدي فتوكل سيد مذكور وقل ليّ بكل وضوحٍ وصراحة، هل أنت مستعد لرؤية الأشياء من منظورٍ مختلف عما أنت عليه الآن؟" ابتعدت خطوتين وجلست على كنبة صامتة تحدق به، كان يتفرس بدوره في ثنايا المكان حتى استقر عليها وقال:
"أنا تحت أمرك سيدتي ماريانا" ما كاد ينتهي من عبارته حتى فاجأته موجة عطاس متلاحقة عجز عن معالجتها بمحاولةِ الصد جانبًا، جعلتها تتأمّله وتبتسم: هل أنت مصاب بعدوى؟ قالت بعد أن استقر وبدا رأسه أكبر بقليل، كانت عيناه ناتئتان من إثر العطاس، راح ينشف أنفه بمنديلٍ أبيض استله من جيب دشداشته بنية اللون، وأجاب وهو يبتسم بعفويةٍ بدا عليه الارتياح بعد أن زال توتره "تفاجئني موجة عطاس أحيانًا ونوبة سعال دون ذريعة، فأنا لست مصابًا بعدوى ولكن قيل لي من قِبَل متطبّب أنها حساسية موسم الطلع الزراعي"
"اسمعني جيدًا يا سيد مذكور، نهضت واتجهت نحوه، فزاد ذلك من توترهِ ثانية، كان قد حاصره عطرها النفاذ كلما التقت عيناه السابلتان بعينيها البحريتين ذات العُمق الترهيبي الذي يصدر من بؤبؤٍ واسعٍ يُشع سلكًا أرجوانيًا كما لون الشمس بظهيرةٍ ساخطة، كان توتره يشع مع كل نظرة مركّزة نحوه، أدرك بعد برهة من وجوده معها صدق الإشاعات التي تتداول عن عجز الإمام خردله في كبحِ جِماحها. دنت منه وقالت بنغمةٍ خفّفت من تهيجه: لا تضيع وقتك مع رجال الدين وترهاتهم، أنت مسؤول عنهم بحكم وزارتك وعليك كبح هرطقتهم، تولّ منذ اللحظة أوامري مع هؤلاء، لا يغرنك مظهر قوتهم، هم ليسوا سِوى منتفعين يلحسون فضلات اللقمة أينما تكون، أنا من سيداويهم، تشجع أمامهم ودع أمر الإمام ليّ أنا، هل تناولت شيئًا قبل مجيئك هنا؟ سألته برقةٍ وهي تتجه إزاء واجّهة مسطحة بدت كما لو كانت لوحة هائلة الحجم، أزاحتها عن بهوٍ مفتوح مطل بدروهِ على شرفةِ حديقة، نادتهُ بإشارةٍ من يدها نحو طاولة ظهر ثمة من حضَّرها مسبقًا بالطعام والشراب. جلست على طرفها وأومأت له بالجلوس على طرفها الآخر وقالت مبتسمة: أنت تجلس الآن مكان الإمام خردله، هنا عادة يقعد كلما زارني، كاد يقفز من مكانه، شعر بنارٍ تحرقه في مؤخرتهِ وهو يقبع في مكان الجزار الأحمر الذي لو علِم أنه أخذ مقعدهُ الآن هنا لربما أحرقه حيًا، "هل جُنَّت ماريانا لتأتي بي إلى هنا وتجلسني إلى هنا على خازوقٍ وتُخبرني أيضًا بأنني أخذتُ مكان الذي بأمرهِ يُحي ويُميت؟ هل جُنّت المرأة؟" دارت تلك الجواثيم الداخلية فيما مؤخرته تحترق ولم ينتبه إلا حين جاءه صوتها رهيدا تسأله بحميميّة لم يعهد نغمتها منذ جاء: هل أنت متزوج؟ هل لك أولاد؟ لم يخفّف عنه ارتعاشه الداخلي الذي أخفاه وراء ابتسامة صفراء مقتضبة سؤالها الذي زاده حيرة وتوترًا، فها هو يواجه وجهًا ناعمًا، انثويًا آخر، غير الوجهين السالفين، الذيّن صادفهما واتسما بالدموية. كان همسه مع نفسه قد أخرجه من دائرة الشعور بمتعة أخذ مقعد الأمام، إلا حين أمرتهُ بتناول شيء مما أتيح له من وجبة خفيفة مكونة من أجبان وزيتون وبسكويت غريب لم يرَ مثله من قبل، مع حساء وقطع صغيرة من الخبز: يسعدني سيد مذكور أن نتشارك خبز وجبن، بدل الملح. قالت العبارة وهي تقهقه: ليّ زوجة وثلاثة أبناء، بنت وولدين. ردّ باقتضابٍ، هل أنت سعيد بحياتك سيد مذكور؟ سألتهُ وهي تتناول قطعة جبن بطرفي اصبعيها رغم وجود ملاعق وشوك أمامها، وقبل أن يرد أردفت بنبرةٍ أهدأ: جميل أن يكون لديك أسرة فهذا يعني أنك تشعر بمسئولية وهذا يطمئنني نحوك، فأغلب حاشية الإمام عزاب وهذا خطير. تشتّت جوابه بشأن أسرته بسحابةٍ قاتمة بجملتها المُسهبة سيما بعدما استغلت صمتهُ المُصفر لوهلةٍ شاردة وفاجأته بسؤالٍ ماحق قوّضت ثنايا عقله باتجاهاتٍ مظلمة: من أقرب عازب بحاشيتهِ؟ أعني أكثرهم حظوة لديه؟ وما شكلهُ؟ صف ليّ مظهره. بوهلةٍ وجيزة، بدت مقتضبة ومشتّتة، تفرع السؤال لأسئلةٍ لافحة كالنار أفقد مذكور لحظتها بوصلته ولم يعد يرى أمامه مائدة طعام بل طاولة محقِّق يستجوبه بأخطر سراديب حياة الرجل الذي يُحيي ويُميت. كيف له أن يجيب عن أقرب رجل بحاشية الإمام؟ ماذا ترمي من سؤالها المُفخّخ؟ إلى ماذا تسعى؟ بدأ الشكّ يراوده بعلاقة الإمام برجلٍ يحظى دون غيرهِ بحظوةٍ تفوق الآخرين؟ من هو يا ترى؟ كيف يتسنى له لدقيقة عبثية أن يستعيد ويستجمع ذاكرته ويستخلص من بين زمرة وجوه مكتظّة بغموضٍ وضبابٍ محيطة بالإله من هو الأقرب إليه؟ ليس من الحميمين رواد الدائرة الضيقة السافرة والمستّترة التي تسْمر معه ليلاً وحتى الفجر، وهو ليس وثيقًا من أولئك الذين يرافقونه سهرات وزيارات وجولات سرية، ليلية ونهارية، مجرّد وزير، ذيل في عصبةِ ذيول متعطشة للبقاء حوله بأيّ ثمن، يلتقيه وقت يشاء ومن حينٍ لآخر في مناسبات متشعبة بين أفراح وأتراح وخلال نوبات العمل والعبث، فكيف له أن يُفتي من هو أقرب حظوة للرجل الأعظم؟
كان قبل دقيقة لاهياً يُفكر بتأمُّلٍ وسرٍ بثورة الجياع التائهة التي تشتبك بالمدن والقرى فيما كان متخفيًا تحت طائلة البراءة، يرى بعينين غافيتين، مندهشتين، أمامه مائدة طعام إلهية، ربما هبطت من برزخِ سماءٍ غير سماء الله التي يحلق بها، يقبع حولها وتكتظُّ بالأجبان والبسكويت حتى هو الوزير لم يرَ مثلها من قبل. إنهُ مستعدٌ للتضحية برأسهِ ليظلّ راسخًا في هذا المنصب، من كُتب له أن يكون وزيرًا في بلدٍ جلدته الفاقة ولا يجد المرء نسمة هواء إلا بمشقة روح، يجدر به أن يقبل بأيِّ عرضٍ شرط أن يكون بينه وبين الحبل امرأة بقدرِ مكانة الأميرة ماريانا بنت مخزوم تويني التي يجلس اللحظة أمامها وعلى ذات المقعد الذي يجلس عليه زوجها خردله بن سماعة النبهاني. ماذا لو اقتحم المكان فجأة ورآه في منصتهِ وأمام زوجته؟ فجأة وبلا إرادة منه وثب منتصبًا، ملفوفًا في كومةِ ذعرٍ، كاد يترنح كما لو استيقظ من كابوسٍ أطيش، رأته مندهشة وأومأت بيدها في الهواء متسائلة عن سبب موجة فزعه المباغتة: تخيّلتُ لوهلةٍ عابرةٍ مولاي المعظم ولج وأنا فوق مقعده" قطعت نظرتها نحوه وغرقت في نوبةِ ضحك وهي تحدق بالخارج وتنظر للأفق حتى توقفت وأشارت له بالجلوس: أنت تعجبني سيد مذكور، لديك حاسة خوف بالخطر، ولو أن دخول الإمام علينا في هذه الساعة الضالة من الوقت أبعد من بيضة الديك، لا تسألني كيف ولماذا؟ لكني أطمئنك لو فرضنا واقتحم المعظم المكان كل ما عليك فعله النزوح عن مقعدك والجلوس بوثوقٍ في مقعدٍ قريب منه وكأنك الشمس التي بزغت من الشرق ودبرت من الغرب، هل في ذلك صعوبة؟ أنها حركة الكرة الأرضية، أم أنك من أولئك المهازيل الذين ما زالوا متمسكين بأن الأرض مسطحة؟ كيف تراها سيد مذكور؟ سألتهُ مبتسمة ولم تختف منها بعد تضاريس متورِّدة خلفتها نوبة الضحك: كروية سيدتي، أجاب وعاد بتردّد وبتؤدةٍ إلى مكانه: وهل تجرؤ على ذكر هذا الثابت من العلم أمام أئمة وزارتك وأمام مفتي الديار؟ هل تجرؤ؟ كرّرت سؤالها بتحدٍ له وهي تبتسم وتمضغ بشفافيةٍ قطعة بسكويت مع قطعة جبن أعدتها بأصابعها وقد تدفق ضوء الشمس فجأة من ثقب بالحديقة بعد أن انجلت سحابة سوداء كانت تعميها: الآن وبعد استقبالك الدمث ليّ سيدتي أجرؤ على كل شيء لا يتعارض معك" قال عبارتهِ بصوتٍ رصين وهو يُعيد بناء توازنه بعد أن اختل إثر قفزته المباغتة والتي أربكتهُ وأحرجته وأظهرتهُ بمظهر دجاجةٍ مذعورة، هكذا تخيَّل ماريانا تظنهُ منذهلة تحدق به وتغرق بضحكٍ مجرّد من السخرية وبدافع التنفيس، ظنّ ذلك!
مضت دقائق معجونة بصمتٍ مسلٍ، لم يتذوق سوى بضع حبات زيتون متحفزٍ بوقتهِ وجهده لكل إيماءةٍ محلّقة في الهواء تصدر عن المرأة منبهًا جميع حواسه الخمس، ومعها حسهُ، حتى لا يغفل عن شاردة وواردة، محاولاً السيطرة على معدته وأصواتها الناتئة من قلقه وتوتره، كانت تواسيه بابتساماتٍ كالدواء تعالج اضطرابه حتى كادت تنتهي السفرة الشاقة معها قبل أن يتورَّم بقية جسده، وعدته لدى بلوغهِ بوابة خلفية من المكان بعيدة عن الأنظار يكتنفها الارتياب برفقةِ أكواع أسود بدا بغاية اللطف، شعر بصحبته القصيرة بلطفٍ خفّف من عبء تورُّمه الذي تسلّل لكافة ثناياه وقبل أن يرحل استوقفتهُ المرأة المهيمنة من وراء الستار وقالت بتجرّدٍ من أيّ عاطفةٍ: حذار تنسى من أنا؟!"
"ما الذي أنساه بعد هذا اللقاء" أجاب ذاتهُ المشتّتة، بصمتٍ داخلي وغوامضٍ مبرِحة كرياح عاتية لنزواتِ أميرةٍ متحكمة، مفكرًا بسخونةٍ لاذعة، بأكثرِ من شرفةٍ يعبر منها طريق النجاة دون بكاءٍ أو ندم"

***

على طريق مغبر، تفوح رائحةٌ تقرع الأكباد، دنا كلبٌ ضالٌ أجرب من ذيل ثوب خردله بن سماعة، متباهيٌ برائحةِ العود التايلندي تطير منه فيما كان يتجول في أحد أسواق مدينته الخربة التي خلت متاجرها من المؤن والسلع وأُغلق بعضها ودُثر أغلبها، وكان الإمام قد خرج منفلتًا كالرمح بمعركةٍ، ساخطًا على الوضع، ناويًا جز رقاب المضربين والمحتجين الذين قاموا بإغلاق الأسواق، مدفوعًا بتحريضٍ من بعض المستشارين الانجليز الذين نصحوه بالنزول أرضًا على قدميه، للشارع والميدان ومعالجة الوضع مسنودًا بقوة ردع بريطانية لو صَعُبت واستدعى الأمر. وفيما كان يطوف أرجاء السوق ويعبر ثناياه دنا منه الكلب وكاد يلحس قدميه لولا أن أسرع أحد حراسه وصرعه بالسيف وقطعه نصفان، انفجرت كرة الدم وتناثرت رذاذًا لطخت بهِ ثوب الإمام وبعض من حوله، التفت بذروة سخطه وشدّة غضبه نحو تمثال حارس وقف مشدودًا منتصبًا والدمُ يقطر من سيفه ويسيل على الأرض فيما جثة الكلب في جهتين من المكان، وقد تحولت الجولة إلى فقاعة وسط قدوم ثلاثة من كتيبةٍ بريطانية، ضابط وجنديين، قال مزبدًا والحشد منكمشٌ من حوله: من أمرك بقتله؟ ساد صمت حول الإمام رغم ضوضاء محيطة بالمكان وصخب منبعث من أرجاء علوية وسفلية، تدافع الجند وسحبوا الجندي بهدوءٍ بعيدًا حتى من دون إيماءة من القائد، هناك عُرف بينهم بمثلِ هذه الأوضاع يتطلب منهم سرعة بديهة خاصة بوجود ضباط انجليز ومندسين ومنتشرين بعضهم متخفين تحت ملابس مدنية متوارية لا تلفت الأنظار لرتبهم الحربية، رغم عدم تدخلهم مباشرة إلا أن تقارير ومشاهدات عينية تسجل وتدوّن بعيون كاميراتٍ شيطانية اخترعوها كي يتجسسوا على حكام وشعوب احتلوها، هذا السائد جنائزيًا في أساط الإمام وشعبه، من هنا حرص ألا يصنع نعشًا وألا يتخذ موقفًا متطرفًا ومكشوفًا وذا سمة دموية بينما هو يتجول بقلب صحن الجبل الأزرق على قدميه نهارًا. شرَّع القتل وإطلاق جنائز سوداء بالليل، حين حظر التجوال، إبان غياب ملائكة تشهد بالزور وقد ساد ذلك جميع المواسم. بعد حادثة الكلب قطع جولته السادية التي بدأت توها وعاد لقصره معصوب العقل، متهورٌ تلقائيًا، يطلق بخيلاء وعلى الفور لقاءات متوهجة مع سحرة وشيوخ دين بعض منهم موفدين من ولايات مجاورة. كان مقتنعًا بأن الوقت قد حان للتحرك لتفريخ نقلة لوضع حدٍ لانهيار مملكته العتيدة، المتزمتة التي يرصدها تتداعى أمامه بسرعةِ برقٍ لقيط حلّ قبل أوانهُ بفصلِ الخريف، لا هو بداية استفاد مبكرًا منذ صفقته العائمة والعاثرة مع ماريانا، ولا هو من جهةٍ مذبذبة واصل السير بقوتهِ السالفة وزخمهِ القمعي الدموي حتى نهايته كونه كما كان الحال دائمًا، الخيار الأنقع بكافة السلالات لاجتثاث هذه الفوضى. كانت السنة الحالية في زحفها السلحفائي الرتيب وقتًا مستقطعًا من مجرّةٍ خلعت قشرتها وتقيأت كل فضلاتها على مملكته، هكذا رأى ولمس بنفسه بعدما فقد ثقته ببطانته هكذا شعر دون إرادة وهو يطحن أسنانه ببعضها رغم يقظته وهو يتطلع بوجوهِ من حوله، محاولًا القفز على ذعرهُ المُبطن، والاستناد على كفِ شيطان أعور، أو راحة ملاك أحْول، أو وهم، سيان من بين هذا الحشد الذي اكتظ ّبه مجلسه المزدهر بتناقضاتٍ تعكس وجه مملكة غارقة في وحل نسيانٍ بين الأمم، بعد عودته من جولتهِ المُحبطة حتى أنه لم يسعفه وقته وسخطه لتبديل ثوبه الذي ظلّ ذيله وطرفه منقوشين بلطخات الدم، حصر الحضور من حوله تحت قبتين مرعبتين من توتر واشتباك ذاتي مع عقولهم، جرّهم لحديثٍ خرافي، وانخرط بهم في طاحونة هوائية مغلقة بشمعٍ إلهي لا تمس كرسيه المقدس نسمة ريح، حاصرهم في أغلى ما لديهم وهو وجودهم في الكوْن وربطه بوجوده هو، حدثهم بشغفٍ ضروس لساعةٍ كاملة دون أن يلتقط نفسًا واحدًا، من غير تنهيدة أو زفرة تائهة تصدر عن أيٍّ منهم حول هيبته العلوية مع سموه الذي قلدهُ لهُ الله منذ نشأته، وجعله عصيًا على الانكسار. احتواهم كصيدٍ نفيس في مجلسه العام الذي يتسع فيما لو أراد لنصفِ سكان الجبل الأزرق وقت الشدائد، ضمّ في أرجائه وبين دفتيه تجارًا ورجال دين، شعراء وساسة وعساكر، أصنام وتماثيل ومهرجين، بالإضافة لوزرائه وبطانته، شملهم تلك الساعة النحسة بعد عودته، من جولةٍ لطّخه فيها كلبٌ ضال برذاذٍ من دم جعله يشمئز من لونه ورائحته رغم عدم توانيه عن سفك دماء آلاف البشر. روّج في جلسة الهيبة هذه، للعلاقة بينه وبين الله، وبينه وبين وجودهم ووجوده هو المرتبط بالديار للأبد، وعند انتهاء حديثه الأسطوري ساد صمت مطبق من قِبَل حشد الحضور الذين حلّق فوق رؤوسهم طيرٌ ناريٌ ذكّرهم مرة أخيرة بمعزوفةٍ بمصيرهم، سكت وهلة، تطلّع للوجوه كما لو كان يودّ افتراسها، أعلن وسّط فرحة غامرة اكتسته فجأة دون مقدمة تُذكر، بأنه تلقى الآن خبر ولادة ولي العهد. وحين لمح سياط بلبلةٍ وتشويش تجلدهم حول وجود ولي للعهد منذ فترة وجيزة، كشف الغطاء عن وليٍ للعهد آخر رأى النور توًا هذا النهار بينما كان يتجوّل بسوقٍ ميت وبين شعب ميت هو الآخر، قال ذلك بسخرية وقرف، وأحيا فيهم الأمل للمرة الألف، بمجيئ وليٍ العهد الجديد:

"السماء أيها المعظم تمطر بغالاً سود مع قرون بيضاء، رأيتها جلية في منامي تتكرّر ليلة إثر أخرى، بعد أخرى، وأنصح بصلاة استسقاء لتُستبدل البغال السوداء بأشجار عنب، وبلح، وليمون، وحناء، فسخط الربّ برز في هذا الحلم، أظنّ سيدي الإمام حان أن نوفي نذرنا للسماء ونُثَبت ولاءنا لعظمتك"
"ماذا يُخرف هذا الأفاك؟" همس بصحوةٍ جوانيةٍ جريئة، مذكور البحري في سره، مدركًا مرمى هذا الرجل وغمزه، ودّ لو يقفز من مكانه ويخنق هذا الدجال، لكنه تمغط بكرسيه وتنهّد، وجعل من سعاله إيماءة يستأذن إِمامه للرد على الأفاك: "سيدي الإمام سأجلو هذه الرؤية بسبيل رؤيتي لمجمع شيوخ الكتاب الأوحد وأنا بطريقي لبيت الله، وصلاة الاستسقاء لا تجوز في الخريف، لأن من شيمة المطر الهطول بالشتاء، بنظرةِ شؤم رمى بها الإمام ذلك الرجل الأفاك والتفت بعصبيةٍ نحو مذكور البحري وقال آمرًا إياه بنبرة مؤيدة: "باركك الرب، لا تنسْ أن تمرَ بأسرع وقتٍ على الملكة ماريانا تنهل من توجيهاتها في هذا الشأن" شعر الوزير بأن وراءهُ امرأة رتبت هذه النغمة الودودة الصادرة تجاهه من رجل وُلد بلا قلب لا يعرف لسانه الود، أثنى على عقله انسلاخه عن الخوف وولوجه وكر ملكة لن يسير بجنازةٍ طالما سلك مسارًا اختارته له هي حتى لو تعارض مع مسار الإمام ذاته، هكذا تسير شؤون المملكة، باستثناء القمع الذي هو صلاة الإمام التي يؤديها بفروضها العشرة على متن مركب يسير بالجميع في هذا اللقاء الجمعي، أوكل الإمام لنفسهِ بثقةٍ فاقت جبل الخوف الذي يحمله فوق ظهره، مسألة الحفاظ على الأمن، فأعلن بخيلاء وانفعال وبلا أدنى عاطفة، أنه سيحرق نصف البلد ويُبيد نصف الشعب ويجتث ثلثي الغابات، أما تلك الجبال السامقة الراسخة بالقاع فسوف يسويها بالأرض حتى لو اعترض الجنّ أو الأنس على سياساته. وقبل أن ينتهي من توجيه سهامه الهوجاء يمينًا ويسارًا، سأل بصيغة مندهشة وكأنهُ، لا ينتظر جوابًا: حتى متى ستظلّ سحابة الجوع الدامسة مخيمة فوق رؤوسنا؟" برز منطقه ونبرته كمن لو عانى من الجوع.
شاءت المجاعة أن تتسلق هذا الفصل من الخريف ذروة قمتها، بالتزامن مع خريف المملكة نفسها، وبذات الوقت مع طغيان القمع وبحر الدم ونحيب الأمهات وبكاء الرجال، ولم تفلح دموع الشيوخ الكهلة والشموخ بوقفِ حمام الدم، لم تشرق شمس نهار إلا ونذر المجاعة متضخمة، لم يتوان رجال الدين وقد رفعوا الوزر عن خردله وأصابوا به الشعب لانحرافه عن المستقيم، فحلّت بهم لعنة القدير ثم توالت جنازات وحداد على الدين الذي ضاع دون يذكروا حرفًا ليبينوا كيف طاشت في الهيماء آلاف الأرواح الحيّة؟ ما أجبر الملكة ماريانا حين بلغها نبأ التصريح ذاك إلى إطلاق عِبارتها التي أثارت زوبعة وجعلت خردله يلومها حين رأى شدّة سخط الدعاة والمشايخ على تندرها بعبارتها اللاذعة: "لو كان للدين رب يحميه ما أضاع شعبٌ من الجياع" ظلّت زوبعة ارتداد الفعل الحادة المتشنجة بضعة أيام وسرعان ما ضاق بها خردله لدى رؤيته لردة فعل ملكته الأكثر سخطًا ولكن دون مظاهرٍ للتشنُّج، فبدأ من فوره وسرًا، بحملة مداهمة واعتقال رؤوس الفتنة كما أسمتهم ماريانا، التقطهم كأسماكٍ مطوّقة في شباكٍ مُحْبكة، واحدًا تلوّ الآخر، حتى رمدَت الزوبعة وتلاشت كما لم تعلق أصلاً. سافر مذكور البحري إلى ما أسماه العمرة ولم يكن موسم حج، لذا غادر بحريةٍ ومضت ماريانا تحبك خيوطها الخفية وتدبر أوراقها بين أطياف وأعراق وجنسيات، في ظلّ صراعٍ دمويٍ يمتلك زمامه الإمام، تلوذ البلاد منه بقواتِ الاحتلال البريطاني دون ردة فعل فقد ظلّت لفترات بعيدة وطويلة، صامتة عن التدخل مخلفةً تساؤلات ضارية بين السكان عن مغزى هذا السلوك الملتبس الذي يتناقض مع زعمها حماية الأقليات والجنسيات والحقوق، هل أقنع الإمام بحنكةٍ طارئة مكتب المستشار الإنجليزي أن هؤلاء المتململين والمتبرمين والمعاندين ليسوا سوى زمر وخلايا متمرِّدة تُقاوم الاحتلال؟ كانت تلك إجابة يتداولونها بإرهاقٍ نفسيٍ وجسدي ويأسٍ، لتفسير مغزى صمت التاج البريطاني عن مزاج خردله القمعي الذي تجاوزت ذروته موجة المجاعة، وسيَّلت سكان البلاد كالماء العكر.
كسر تقليد العلاقة بينه وبين ماريانا بنت مخزوم واقتحم خردله مندفعًا بعاطفة فياضة، مقرونة بانفعالٍ لاهب وخيبة شنيعة بهو زوجته المتحكمة، ونادى بصوت عالٍ متهدِّج عليها مترددًا من مداهمة غرفة نومها الخاصة، كان الوقت قبل غروب الشمس، كان يرتدي دشداشة النوم، ويهرول حافيًا وقد عجز حتى عن ارتداء خفه، إثر رؤيته للون ولي عهده الآخر الذي صادفه بين دفتي ميسم ومرضعة أو مربية، لم يفطن في ذروة صدمته من لونه حتى لم يتفقده لومضةٍ بل أنسلّ مهرولاً لمخدع ماريانا. كان ضوء المساء قد توغّل من شقوق نوافذ ممر البهو وطرح شعاعه الشاحب على الجدران، وانعكست على ناحيةٍ من وجنة وجهه وهو يطرق باب زوجته وأنفاسه تكاد تتسلّل من أسفل الباب وأعلاه إليها.
"كيف نزعم وبأيّ ذريعة أن هذا اللون الداكن ابننا وولي عهد مملكتي؟ بأيِّ وجه أُقابل الكوْن؟ وماذا أخبرهم لو تساءلوا بعيونهم وسماتهم وفضولهم؟ أعرف أعلى ما فيهم لن يجرؤ على سؤال أو نظرة، ولكن من سيمنع عيون أولئك الملوك والأمراء والزائرون وحتى الضباط ومستشارو التاج من السخرية منا؟ بأيِّ وجه سنقابل العالم ونحن نعرض في بجاحةٍ على الملأ ولي عهدٍ بهذا اللون الأسود الداكن؟ لن أنام لا الليلة ولا...ولا الليالي التالية" هطلَت الكلمات منه كهدير مطرٍ بإعصارٍ مزمجر. لم يئن من ألمٍ فحسب بل كان في حيرة وصدمة أبقته يرتعد ويرجف ويتقيأ عبارات مزلزِلة بتدفق مسهب. وقفت تتأمّله وتدقق بسائلٍ ساح من شدقيه، وهو بأوج انفعال رأته فيه حتى الآن، نفضت عنها صمتها، وتركت رياحه تعبر ثم زمَّت شفتيها وقالت بتؤدةٍ:
"لقد شغلت نفسك، وعذبت روحك، وأتيت بهذا الوقت الذي كنت فيه بذروة قيلولةٍ نادرًا ما أحوز بها، لتمطرني بوابلٍ وجحافلٍ من مخاوفك وخجلك وماذا أيضًا؟ تساءلت ثم أردفت فيما كانا منتصبان بمنتصف الغرفة والبهو: كل هذا العناء وغاب عن بالك أنك تزوجت مؤخرًا من أميرةٍ أفريقية ابنة ملك ملوك أفريقيا وزرعت منها سلالة بهذه التربة الميتة، هل خطر ببالك أن تزرع ولي عهد أصفر أو وردي اللون من امرأة سوداء؟ هنا ستكون السخرية منك وليس حينذاك؟ عُد خردله إلى غرفتك، استحم وخذ قيلولة، وعند مساء صافٍ وبداية ليلةٍ تسطع بها النجوم، تعال نرسم مستقبل هذه البلاد باللونين الأسود والأبيض وإن استدعى الأمر اشمل اللون الأحمر أيضًا!" وجد نفسه متورطًا بمغامرة أوسع من سلطته المطلقة عميقة الجذور بالتاريخ والضاربة في سلالات راسخة منذ تشكَّلت المجرّة، أمام امرأة تورَّط بجمالها وذكائها في مصادفة عابرة، فقد عروقه الممتدة عميقًا بأرض الأجداد على غرار أباطرة الرومان والفرس، بني كل أرثه على قواعد استمدت ديمومتها من القوة، وها هي الآن امرأته تقوّض ما رسخه الأجداد رغم انتمائها هي ذاتها للسلالة روحها، اتخذ موقفًا حذرًا وهو يقترب من مجاراتها توجسًا من جرهِ لبئرِها الغميق فيسقط فيه دون أن تقوم له قيامهٌ، تنفّس وبلّل شفتيه، تململ واسترخي وقال بنبرةٍ محايدة:
"هل خُضنا مجازفة هذه المغامرة لنضع المملكة في ميزان الألوان؟ ماريانا أخبريني هل ما تقومين به من وحيٍ إلهي هبط عليك أم إيحاء هلوسي خبط عقلك؟ اعذريني أخاطبك بهذه اللهجة المُختالة لكن بلادنا على كفِ عفريت أزرق، كان والدي يحكم بوحيٍ من عقله السقيم بآخر عمره حين ضربه هذا العفريت، توقف وأمسك رأسه كمن أصابه صداع وأردف: لعنة على الشقيقة، تلوك رأسي هذه الأيام، تنهّد وتمخّط بمنديلٍ أبيض أخرجه بعجلةٍ من جيبه وظلّ بيده، واستدرك حينها فيما كانت تقلم أظافرها: حين ضربه زلزال الزهايمر ورغم ذلك لم تشهد المملكة التي كانت في تصوُّري بحجمِ ولايةٍ مغمورة هذا الكابوس. سقط المنديل من يده لشدّة انفعاله الجواني، مع كل حذره الشديد في إظهار تبرمه، رفع ظهره وانتصب، لوّح باتجاهِ نافذة الشرفة، واسترسل قائلاً: ماريانا أراك دائمًا تقبعين في عتمة مغمة، لماذا؟ كان يشير لزوال شعاع الشمس ولم توقد بعد الشموع والقناديل، بصوتٍ أعلى واصل الهدير وأخذ صوته يتهّدج: ماريانا حقًا، فعلاً، أين نحن ذاهبون؟ إلى جهنم؟ خطتكِ المصيرية تبدو لي قد رسمها بفطنةِ شيطان أخرس، ماريانا تكلمي، انطقي، قولي إنها مزحة وأن هذه مجرّد لوحة لونية، وإن ما رأيتهُ منذ قليل طفل رق وليس سلالة ملكية، لأني أعرف مصدره، هناك تقبع بغرفتك التي حُرمت من ولوجها، وتصلني رائحة عطرها، فقد سبق أن شمّمتهُ وأنا أكافح نزوتي وأُفرغ جرتي رغمًا عن شغفي"
رأت فراشة تفلت من نزوة عينه وتحلق في المكان، كان جزء من نافذة شرفة الحديقة مشرعاً لنسماتٍ وضوءٍ وثمة ومضة شجية مجاورة لدمعةٍ توشك أن تترقرق بوحيٍ من ضياعه محاولاً أن يحتمي بمظلةِ صوته الذي خذله كما لم يتوقّع فراح يرتعد وهو يفقد منطقه الذي ساقه بانفعالٍ دون موعد مسبق، غازيًا عقر وكرها بعد أن اشتبك للتوِّ بصدمةٍ عاريةٍ فالتةٍ من أيّ ستار مع لون ولي عهده الوليد، لسواده الداكن عندما رمقهُ بعجالةٍ وهو يخلع عليه نظرته الخاطفة ويهرب. أتاح لها صمته وتراشقه لفترةٍ مضت أن ترمقه بابتسامةٍ وهو يندس في هدوءٍ نسبي.
"أنت في حالةٍ يُرثى لها خردله، قالت عبارتها ومشت خطوتين، أوقدت بضع شموع. كانت ترتدي فستانًا مخمليًا أسود عاري الصدر والكتفين وقد عقصت شعرها وخصلة منه للوراء وسرّحت خصلة أخرى بطرف وجهها، تنهّدت وأصدرت تنسمًا رهيفًا، مبدية استرخاءً وارتياحًا بلغ أقصاه، فلم يؤثر عليها خطابه: هل تأمّلت سلالات المنطقة؟ انظر حولك لأغلب الولايات، سلالات غريبة كالحة لا مغزى لألوانها سوى أنها مزيج أشعة شمس، وغمار بحار وسراب صحاري، أنت لم ترَ الطفل جيدًا لم يكن داكنًا بل عينيك لوّنتاه بالسواد رغم ذلك ليس رجسًا، عد مرة أخرى وتأمّله إنه بلون الأباطرة الآشوريين والفراعنة والسومريين، حضارات سمراء أكسبت الحكم قوة إلهية وليس أولئك المطليين بحثالة الصحراويين التائهين بين قبائل لا جذور لها، هذا الطفل من سلالة فراعنة ألقت بأمه زبالة العصر وسوء الحظ في أتون الرق، حضارة سادت ثم بادت وتحولت جذورها للرق لأن التاريخ أظلم، ولأن العصر تغيّر، فلم يواكب أولئك الملوك التغيير. هل تظنّ هؤلاء الرق الهائمين لم تكن لهم أصول؟ كلا. توقفت تزن أفكارها، كان يتأمّلها بضيقٍ لتأثيرها في تغيير منطقه بدا كما لو كان يقاوم حجتها مذعورًا من تصديقها: الخطر يداهمنا خردله إن لم نغيِّر لوننا، أعني قوتنا، القوة في اللون، انظر للحضارات التي ذكرتها لك؟"
"أين هي الآن؟" سأل غير مصدق أنه اصطادها بمنطقٍ حلّ عليه من السماء وبحظٍ لم يتوقّعه، تأمّلته وبدت تبحث عن فجوةٍ تخترق بها منطقه، بدأ صوت يشبه دوي الرعد خارجًا، تكرّر بوتيرة مختلفة ما جعل الاثنين يتبادلان نظرات مريبة، نست فكرة الرد عليه وتساءلت بغير تيقن: هل هذا صوت رعد، نحن ما زلنا بخريف جفاف وسماء قاحلة، من أين يأتي رعد بموسم قحط؟"
"قد تكون مدافع تقترب من قصرنا" قال مرتجفًا وأردف: من يجرؤ ولا حتى التاج؟" توجّهت نحو الشرفة، كانت السماء صافية حتى بدت كصفحة زرقاء أو موجة بحرية، وشدّ الأفق حوله سلكًا أرجوانيًا بدأت تتوالى معه أصوات طلقات مدفع بقوة أغضن تتواصل راح يرتج لها القصر، بدأ التوتر يسود الضفتين: ربما مناورة تجريها كتيبة بريطانية" قالت ماريانا مخفية ردة فعلها وما زالت رغم شكوكها مسيطرة على توازنها، فيما لاح الارتباك والشكّ يحتويان الرجل: لم يحدث ذلك من قبل وإلا لكانوا أطلعونا، قال وقد نسي لون ولي العهد وزال اهتمامه به، وكرسه لصوت طلقات المدفعية الموشاة بحيرةٍ، وقد تهيأ مشدودًا بوتيرةٍ للخروج: سأرى ماذا وراء صوت المدافع، خرج مسابقًا نفسه تاركًا ماريانا وحدها قرب الشرفة متطلعة للأفق، تداري ابتسامة ما!!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا