الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دير العاقول الى المفتول *

عادل علي عبيد

2024 / 4 / 7
الادب والفن


أخيرا رحل الخزاف
اهلا وسهلا ماجد عباس / وداعا ماجد عباس

من قضاء ( بدرة ) تحط رحالك قبل اكثر من ستين سنة في الزبير ، وردني مما احتوته ذاكرة الحاج (محمود جبر فندي) ان اخاه الاكبر سكن الزبير وكان ضابطا في شرطتها . الزبير كما البصرة مدينة جاذبة ، نفطها ومزارعها خورها والميناء تشجع اهل العراق لان يحلو بها ، اكراد وتركمان ويزيديين ومسيح وصابئة وسوامرة وجميلات وجبور وحتى هنود وسيخ ضمتهم هذه المدينة ، كما اظن انها منطقة جاذبة للعلماء والمبدعين ، عجيب ان تمتلك هذه المدينة صفة المدينة الحية والطارئة ، مدينة عسكر ، نعم اليوم استقليت سيارة نوع (واز) ركبتها كجندي ذاعن الى منطقة (نهر جاسم) جبهته الملتهبة ، مررت ب(مدرسة القتال) في الدريهمية ، ومنطقة (الخلفيات ) ومكان (المعادة) ، وصولا الى (حي الاسرى ) و( حي الشهداء ) وحين تلتفت يمينا يشمخ بتصاغر ( المفتول) وهو ايضا برج عسكري نصبت على مساحته الدائرية المستدقة مراقب ودرابيل ومجسات لرصد تحركات الغزاة الذين كانوا يخترقون اسوار الزبير ، وحتى جامع الامام علي ( عليه السلام) او ما يعرف ب(الخطوة) كان يوما محطا للتشاور العسكري في حرب الجمل .. عجيب كل مثابة هنا تجبرك لان تؤكد انصياعك للمقولة العسكرية (نفذ ثم ناقش)
.ملحوظة : قضاء بدرة الحدودي شهد صولات وجولات عسكرية في الحرب الثمانينية ، وقضاء الزبير كان منطقة ادارية لإعادة ترميم المعنويات والاسلحة في ذات الحرب ، ولكنه كان منطقة عسكرية فاعلة في الحروب الاطلسية .
كنت في مشغله اعيد على اسماعه هذه اللويذعيات بطريقة السرد الفكه ، فكان يضحك حد التماع العيون ، ولكنني اكسر رتابة العسكر بعبارة اطمئنانية لأقول : حمدا لله ان يحد دارك العامرة مبدعون من جهاتها الاربع فمن الشمال القاص خالد الشويلي ، ومن الجنوب الفنان الدكتور عبد الستار عبد ثابت البيضاني ومن الشرق الناقد الدكتور فهد محسن الصرائفي ومن الغرب الاديب حسن زبون العنزي . فاصطدم بذات التماعة العين المشفوعة بذات الدموع التي كان يجددها على ولده الفقيد الدكتور (حسين) الذي كان يمسح صورته من الاغبرة التي تخترق اشجار الكينوكاربس التي تحيط المكان ، لتحل مختبئة ما بين افران الصهر .
احيانا ( وبلا استئذان) افتح قفل المشغل واقتحم (بلا استئذان) ا مكتبه ، اكيد هناك الفطائر شبه الحارة التي اعدتها السيدة الفاضلة (ام حسين ) اجدها على الطاولة ، اتذوقها (بلا استئذان) ، وكذلك قنينة اللبن الذي يضعها في ثلاجته ، ولا انسى التمر الذي يفتخر انه من نخيلاته البرحيات التي غرسهن قبل سنين ، وخصص لهن فلاحا خاصا ينتظم لرعايتهن .. اسرح نظري في المشغل الذي يضج بالكلام الرصين ، المشغل الذي يشعرك ببلاغة وفصاحة الحجر ، و يجبرك على ان تستحضر قولا شاردا او قصيدة عصماء او او مقالا لا يقبل المهادنة .. للمناسبة اجريت مع الراحل ثلاث تحقيقات في جريدتي (سنام والمشهد البصري) وتحقيق ثالث في مجلة (الخطوة ) التابعة الى مركز تراث البصرة .والتحقيق الثالث موافقته صعبة جدا فهو ، يستقر في قسم شؤون المعرف الاسلامية والانسانية ، وهو قسم جاد عصي لا يجامل ، وبقي التحقيق هناك فترة حتى انني اشهرت راية استسلامي البيضاء عنه ، الا ان وردني ان موافقته قبل يوم ، نعم قبل يوم ، او قبل سويعة من سماعي نعي خبره الجلل .
الطين وديع هذه المرة ، وهو يعلن عن ثورته ويزيح غبار الزمن ، وصور التقليد الاعمى التي رافقته ، فيكون عامرا باللون والزركشة والزخرفة والاشارة الفنية ، حتى انه ينقلك من دائرة الحقارة ( زعم الطين انه طين حقير فتاه....) الى دائرة التألق . فاللوحة والتصاميم والحدائق والوجوه والايقونات والاشكال التنانين والثعابين والحروف والمسلات والرُقم والعيون المبحلقة جميعها من طين . قلت له مرة : الطين الفطرة البراءة الذي دلل علينا امام جبروت وفلسفة ابليس ، تضادده بالطين نفسه حين يمسي مصهورا في افرانك القاسية ابا الحسين ؟ لكنه يبتسم لي ليقول : ما زلت تجدد الفلسفة يا .. وارد عليه (ممازحاً) بل اتفلفس ..! في حومة هذا الصمت المطبق في المشغل المتوحد تسمع صوت فقيده (حسين) من خلال صورته التي تتصدر المشغل ، وكيف يحيطك بنظراته وكانه يطلق عبارة يحثك على اطلاقها انت .. في خضم هذه الدائرة من الصمت الناطق تزدحم عليك الاصوات القادمة من التاريخ العريق ، والاساطير المزدحمة الملآى بالحكايا ، والرؤى المتشظية .. وما هي الا لحظات حتى تتناهى اليك خطواته ، وكلامه الوديع . اشم رائحة عادل ، اهلا وسهلا ، لماذا لم تطرق باب الدار وتشعرني ، لا داعي كل شيء متوفر والحمد لله ، كما انني اخشى الحجية ، وهي تغمرك بكرمها الاستثنائي . يبقى واقفا مشغولا بي ، لا تشغل نفسك انت تعلم انني فضولي متطفل عليك ، يضحك ليقول : والله هذا مشغلك ، وانا ضيفك . في خضم هذه الدائرة من الصمت الناطق تزدحم عليك الاصوات القادمة من التاريخ العريق ، والاساطير المزدحمة بالصور المتقافزة والمشاكسة والمتضادة ، والرؤى المتشظية المتنافرة التي لا تستقر بمكان . بشرني كيف هي الفحوصات ؟ المركز الطبي قريب وانا اعرج عليه بواقع يومي تقريبا ، اخير من الصعوبة ان استقل سيارتي ، احاول ان ازور الاهل في الكوت ، سعيد بابنتي الدكتورة وولدي ، اقرأ واسمع قليل ، ان تعلم ان سمعي ثقيل هذه الايام ، وانا اتذمر من جهاز السماعة في اذني ، بل قل ان كل ما نسمعه لا يبشر بخير ، ولكن . اجدد مشاكستي له ، سمعت ان رسالة ماجستير ثانية ستناقش قريبا بك وبمنجزك ، اطمئن ذلك اصبح من الاحلام ، فحتى هذه التي تقول تخضع للعلاقات والخصخصة .. نضحك .. المهم انت شلونك .. يعيد علىّ حادثة شبه الموت التي كادت ان تؤدي بحياته ويذكر (كفاح محمود عبيد ) الذي منعه من الذهاب الى معهد الفنون الجميلة ، بعدما حاصرتهما اطلاقات النار ، التي تزامنت مع الانتفاضة الشعبانية وحرب الخليج ، ليمكث ساعات في بيت ( كفاح ) ويزيد اعجابه بوالدته الحاجة ، وبيتهم الزبيري ، ويقول : وردني ان اغلب من ذهب للدوام الرسمي في ذاك اليوم لقي حتفه على جسر الزبير ! الله يخليك اشكر لي (كفاح) قلت له : دين عليّ هذا الشكر . وفعلا اوصلت رسالتي اليه . ثم نستعرض اسماء قاسم محمد عبد الزهرة ، وعبد الملك العاشور، وعبد الكريم الرمضان ، شاكر حمد ، عيسى ، ومحمد خضير ، وكاظم الحجاج ، وعبد الستار عبد ثابت ، وكريم عبود ، وطارق العذاري ، ومجيد الجبوري ، وعبد الله عبد علي ، وناصر ابو العود ... وحياته في معهد الفنون الجميلة ، وكلية الفنون الجميلة ، والجداريات والبوابات التي اقامها وشيدها ونفذها في القرنة ، ومدخل البصرة في كرمة علي ، والمدخل الحدودي في سفوان ، ومدخل قائم مقامية الزبير ، ومديرية بلدية الزبير . والعمل الكبير الذي راح ينفذه ليكون واجهة لمركز تراث البصرة ، واعمال كبيرة يضع ممهداتها ومسوداتها الفنية ، وهو يشعر بحرقة من مواعيد الساسة والمسؤولين الذين لا يفقهون هذه الاعمال والمنجزات الفنية الكبيرة . نعم هم يرحبون به ويبتسمون له ابتسامات لا تسعها ريح ، ولكنهم يحسبون الفن والتصميم والخزف ضربا من الترف وليس رسالة انسانية .. دعك منهم استاذ ، واناوره بكلمات هو يعرف معناها قائلا (صوجك ما قبلت بالعرض الكويتي ) فينتفض ليقول : كدت ان اوافق وانفذ بعض اعمالي هناك ، ولكن هاتفا فيّ قال لا ! يا حبيبي عادل انت تعرف شيء وانا اعرف شيء ، وهذه الايام دول !
• دير العاقول : مدينة تقع في واسط قتل فيها الشاعر المتنبي . المفتول : برج طيني يضم مجموعة مدافع ومراصد يقع في مدينة الزبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب