الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الثقافة والتثقيف السياسي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


( 1 ) الشعار السياسي :
ان القيادة التكتيكية الصحيحة هي التي ترفع شعارات ، وتعتمد أشكالا نضالية تتفق والمرحلة التاريخية الراهنة ، مما يمكن القيادة الثورية من كسب الفقراء ، والكادحين ، وعموم الشعب المستضعف الى صفها ، ومن ثم حشدهم في صف الثورة . ان الشعارات السياسية لا تسير ببطء وراء الأحداث ، بل يتم تكييفها وفقا للأحداث بمجرد وقوعها .
ومن اجل تفجير الطاقات الثورية للجماهير وللشعب الكادح ، ومن اجل تمكينها من إعداد نفسها للكفاح السياسي ، فإنه لابد من ان تقدم شعارات سياسية وتوجيهات يسهل عليها فهمها ، وهي شعارات خاصة بالمهام النضالية العاجلة والراهنة .
ويولد جيش الثورة السياسي الجماهيري في خضم النضال ، بمجرد ان تقتنع الجماهير بسلامة شعارات القوى الثورية ، وخطها السياسي . أما فتح نار معركة سياسية قبل اقتناع الجماهير بضرورة هذه المعركة ، وقبل استعداد الجماهير لخوض غمار هذه المعركة والتضحية في سبيلها ، فإن ذلك يؤدي الى عزلة القوى الثورية عن الجماهير ، مما يفضي الى هزيمتها المؤكدة . ومن هنا ، فإن إقناع الجماهير بسلامة سياسة القوى الثورية يقف بين أهم تكتيكات الثورة . ويتم اقتناع الجماهير بهذه السياسة ، بقدر صدق تعبيرها عن مصالح الشعب والجماهير . ان مراعاة ضرورة الاقتناع الجماهيري هذه ، هو الضمان لقيادة سياسية صحيحة ، لا تلهث وراء الجماهير ، ولا تجري أمامها ، بل تتقدم معها ، خطوة بخطوة .
وعلم الشعار السياسي هو علم الأحداث الجارية ، والشعار الذي كان بالأمس صحيحا ، قد يغدو اليوم خاطئا ، ويتم هذا التمييز بملاحظة ما في اللحظة الراهنة من جديد ، وحصر ملامحه الأصلية .
وكل حقبة تكون متجانسة نسبيا ، وتمثل سمة مميزة ، أساسية ، تجعلها مختلفة اختلافا نوعيا عن الحقبة السابقة . ان الاستجابة للجديد تتطلب نبض الأحداث ، مما يتطلب كفاءات فائقة الحساسية ، بما يمكنها من تغيير التكتيك ، توافقا مع ما استجد من ظروف ، وبدون تأخير . لأنه ، إذا لم تتغذى الثورة بالثورة المضادة ، فإنها ستفاجأ بأنها ضمن أطباق مائدة غداء الثورة المضادة.
( 2 ) التكتيك ليس مراوغة ولا ديماغوجية :
التكتيك ليس مرادفا للمراوغة والديماغوجية ، كما يحلو للبعض ان يستخدمه ، ابتذالا ، بل هو تعيين خطة سلوك القوى الثورية خلال مرحلة قصيرة نسبيا ، مرحلة مد الحركة او جزرها ، نهوض الثورة او هبوطها . والنضال من اجل تطبيق هذه الخطة ، بإبدال أشكال النضال والتنظيم القديمة بأشكال جديدة ، وبالتوفيق بين هذه الأشكال ... الخ . فإن كان الهدف الاستراتيجي هو كسب الحرب مثلا ، فان التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافا اقل شأنا ، إذ انه يسعى لا لكسب الحرب بمجموعها ، بل لكسب هذه او تلك من المناوشات ، او المعارك ، او الحملات . ان التكتيك هو جزء من الاستراتيجية ، جزء خاضع لها ، ووظيفته ان يخدمها .
ويقصد بالتكتيك عادة ، سياسة القوى الثورية التي تفصل بنود خطتها العامة ، وتعنى بحل المشاكل الملحة ، وتطرح أشكال وأساليب النضال المختلفة عبر المراحل والزمن المنظور .
والتكتيك لكي يكون مبينا على أصول علمية ، عليه مراعاة ميزان القوى بين الطبقات كافة ، وبالتالي مراعاة الدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع ، والعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات .
فلابد من النظر إذن الى الطبقات كافة ، ، لا في حالة الجمود ، بل في حالة الحركة ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها .
( 3 ) الصراع الطبقي :
الصراع الطبقي هو تلك العلاقة الصدامية بين الطبقات الاجتماعية ، او هو القانون الأساسي الذي يحكم علاقة الطبقات ببعضها ، في أي مجتمع .
على ان هذا الصراع ، لا يسير على وثيرة واحدة ، كما ان تعبيراته تختلف وتتباين . فمن الصراع الاقتصادي ، الى الصراع السياسي الذي يمارس أحيانا ، بوسائل عنيفة ، بما يعرف بالحرب ، حين يحل السيف محل القلم .
وغدت السياسة التعبير المكثف عن الاقتصاد ، بينما لم تكن الحرب سوى امتدادا للسياسة بوسائل عنيفة . أي ان السياسة أصبحت الشكل الأكثر شيوعا واستمرارا ، وظل الاقتصاد أساس هذه السياسة ، بينما لم تكن الحرب سوى الامر العابر ، الطارئ .
ودراستنا هنا لأسس العمل السياسي ، هي دراسة للشكل الذي يحتل اكبر فترة زمانية من حياتنا في هذا العالم .
واضحى الصراع الطبقي محركا للتاريخ . او كما عبر ماركس ، فان تاريخ المجتمعات ، الى يومنا هذا ، لم يكن سوى تاريخ الصراع بين الطبقات .
والنصر ليس معقودا دائما للطبقة الثورية . فالصراع الطبقي يعطي ثماره دوما ، للطبقة التي تملك زمام المبادرة في هذا الصراع . فاذا حدث واقتنصت القوى الرجعية الفرصة ، وامتلكت زمام المبادرة ، فان النتيجة ستكون لصالح هذه القوى ، فصفة التقدمية ليست " حجابا " يضمن الانتصارات .
ولقد ظلت الطبقة العاملة ، في صراعها مع البرجوازية ، عزلاء من سلاح الاستراتيجية والتكتيك ، في حين انفردت البرجوازية بهذا السلاح .
ان أسس هذا السلاح تمثلت فيما يلي :
-- اخضاع حركة الطبقة العاملة اليومية للأهداف النهائية للكفاح .
-- الثورة مستمرة . فانتصار الثورة في مرحلة استراتيجية معينة ، لا يعني نهاية المطاف ، بل لا بد من مواصلة الثورة من اجل الانتقال الى المرحلة الاستراتيجية الأعلى ، وهلم جرا .
-- توحيد الكفاح الطبقي للعمال مع الفلاحين الفقراء . ان انتكاسة الثورة الفرنسية راجع الى اخفاقها في تطوير القوى الديمقراطية للفلاحين . أي العلاقة الجدلية بين العمال وبين الفلاحين .
-- الثورة المسلحة ، عندما تنضج الثورة ، ويحصل افراط النظام في اطلاق الرصاص . فالعنف يجابه بعنف مثله أي في حجمه ، او اكثر منه .
-- مساندة البرجوازية الصغيرة في كفاحها المطلبي ، والتحالف مع احزابها السياسية .
ان اعتماد خط الثورة البرجوازية الديمقراطية لا يعني البتة ، الغاء الثورة الاشتراكية ، او التغاضي عن إنجازها ، او تأجيلها لمدى طويل . بل ان انجاز الثورة الأولى يضعنا على اعتاب الثانية ، بالاقتصاد الذي تنميه وتطوره البرجوازية الديمقراطية ، والعمال والفلاحون الفقراء ، وبقية الكادحين الذين ترتفع بمستوى وحدتهم وتنظيمهم .
( 4 ) تطور المجتمع :
مر المجتمع البشري ، خلال آلاف السنين ، بخمس مراحل ، بخمس تشكيلات اقتصادية اجتماعية ، وهي :
المشاعية البدائية ، العبودية ، الاقطاعية ، الرأسمالية ، والاشتراكية عتبة الشيوعية .
-- ما ان تتخلف علاقات الإنتاج عن قوى الإنتاج ، وتعيق تطور هذه القوى ، حتى يصبح التغيير حتميا ، من اجل حل هذا التناقض . وهنا يتم الانتقال الى التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الارقى . وفي
الرأسمالية ، فان التناقض هو بين الصفة الجماعية للإنتاج ، والصفة الفردية للمِلكِية .
-- كانت العبودية هي النظام الطبقي الأول ، وفيه احتلت طبقتا اسياد الأرض والعبيد قطبي التناقض الرئيسي ،وبينهما نشب صراع طبقي ، لم ينهه سوى زوال النظام العبودي نفسه ، واستجد في نظام الاقطاعية ، تناقض رئيسي آخر ، وصراع طبقي بين طبقتين أخريين ، هما : الاقطاعيون والأقنان . ثم حل النظام الرأسمالي محل الاقطاعية ، وحل معه تناقض رئيسي ، وصراع بين الرأسماليين والعمال .
وفي كل مجتمع ، ثمة طبقات أخرى غير رئيسية ، الى جانب الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع . وتنتمي الطبقات غير الرئيسية هذه ، إما الى المجتمع المندثر ( كالفلاحين في المجتمع الرأسمالي ) ، واما الى المجتمع الآتي ( كالرأسماليين في المجتمع الاقطاعي ) .
ففي العبودية ، ثمة تجار ، وعامة ، وحرفيون ، وفرسان ، وصغار ملاك . وتستمر هذه الطبقات نفسها في المجتمع الاقطاعي ، على انه في الرأسمالية تذوي كل من طبقتي الحرفيين والفرسان ، في حين يستمر الفلاحون والملاك العقاريون والفئات المتوسطة .
وفي الوقت الذي تنشب تناقضات رئيسية بين الطبقتين الرئيسيتين في كل مجتمع ، فان تناقضات متفاوتة الحدة ، تنشب بين كافة الطبقات ، وبعضها البعض ، داخل كل مجتمع .
-- الفوارق بين الطبقات لها الأهمية الأكبر ، في مجال الفوارق بين الناس ( في السن ، في العلم ، في المعرفة ، وفي الصحة .. الخ ) .
-- والطبقة هي جماعة كبيرة من الناس ، يوحد بينها موقعها من عملية الإنتاج ، وعلاقتها بوسائل الإنتاج ، ودورها في تنظيم العمل ، واسلوبها للحصول على الدخل ، وحجم هذا الدخل .
-- لكل تشكيلة اقتصادية اجتماعية طبقاتها . وتقدم المجتمع الى الامام ، هو نتاج الصراع بين هذه الطبقات . وهذا الصراع هو بسبب تناقض مصالح الطبقات مع بعضها . وتختلف اشكال الصراع الطبقي من فترة لأخرى ، ومن منطقة لأخرى .
-- الانتساب الى هذه الطبقة او تلك يحدد مصالح الفرد ، ونمط حياته ، وبالتالي أفكاره .
-- ويبرز العنف في مراحل تأزم الصراع الطبقي .
-- النضال السياسي هو شكل رئيسي للصراع الطبقي . فهو سلاح الطبقة للاستيلاء على السلطة . ومسألة السلطة هي المسألة الجذرية في السياسة .
-- يفسر الصراع الطبقي أسباب وجود الأحزاب السياسية . فالحزب السياسي هو هيئة اركان حرب الطبقة ، المدافع عن مصالحها .
-- ديمقراطية البلاد التي تتعدد فيها الأحزاب ، هي ديمقراطية شكلية . فالبرجوازية التي تركز في يدها المال والسلطة السياسية ، تتمكن من توفير الأغلبية البرلمانية ، بما يضمن لها السيادة المطلقة . وما ان تهدد الطبقة العاملة هذه الأغلبية ، حتى تبادر البرجوازية الى مصادرة هذه " الديمقراطية " ،وتحل مكانها فاشية شرسة . فالفاشية سلاح تلجأ اليه البرجوازية في مرحلة التوازن الطبقي الدقيق ، بين الطبقة العاملة والبرجوازية ، حيث تعجز الأساليب التقليدية عن ضمان استمرار سلطة البرجوازية ، وتظهر في الأفق إمكانية وصول الطبقة العاملة الى السلطة .
-- الغاية من الاستراتيجية والتكتيك الثوريين ، هي اعداد الجماهير الشعبية للثورة ، وتأمين دحر قوى النظام القديم ..
( 5 ) التكتيك بين اليميني الانتهازي واليساري المتطرف :
التكتيك هو تنظيم قيادة الصراع الثوري في المرحلة الثورية ، بين مد وجزر ، تقدم وتراجع ، نصر وهزيمة ..
انه الاساليب ، انه الاهداف القريبة ، انه المتغير ، انه سياسي المدى القصير .
ترتبط التكتيكات بالهدف الاستراتيجي ، وتعمل في خدمته ، ويجب الاّ يجري الاعلان الصاخب عن الهدف الاستراتيجي ، لتبرير وتغطية تكتيك خاطئ ، وتملي الرابطة بين الاهداف التكتيكية والهدف الاستراتيجي ، واجبات كل معركة .
تمارس التكتيكات بمرونة ، بينما يبقى الحسم مقترنا بالاستراتيجية ، فالمرونة في مجال الاستراتيجية ، ليست الا التفريط بعينه .
يقصر الانتهازي اليميني عمله على التكتيك ، ويسقط الاستراتيجية من حسابه ، ليبرر بذلك تراجعاته ، والتنازلات التي يقدمها لعدو الشعب والجماهير .
بينما يقفز المتطرف اليساري الى الاستراتيجية ، متخطيا التكتيك ضجرا ، متعجلا الوصول الى الثورة . فهو يريد ان يجني الثمرة حتى قبل ان يزرع البذرة والنواة .
( 6 ) التكتيك والمرونة :
ان على القوى الثورية ان تراعي اكثر ، المرونة من خلال اختيارها وتطبيقها لتكتيكاتها ، وان تتفنن في استخدام هذه التكتيكات ، وان تكون مهيئة لاستبدالها ، بسرعة قصوى وفجائية . وان تجمع بين اشكال النضال العلنية والسرية ، وان تعمل حيث توجد الجماهير . كما ان عليها استغلال التناقضات ومواطن الضعف في معسكر الاعداء .
ان الستاتيكو والميل للاستسلام ، مرفوضان في العمل السياسي الثوري . لذا المرونة الضرورية في المعركة ، هي القدرة على التكيف السريع ، مع شروط المعركة السريعة التغيير ، وتجنب مواجهة عدو أرقى وأمتن وأقوى تجهيزا ، واكبر حجما ، والافادة من عجزه عن المناورة ، لمهاجمته في المكان والزمان الاقل توقعا من جانبه .
انه من الخطأ ان تعتمد القوى الثورية على الصدام وحده . ان عليها الاستعداد لكافة الحالات والتقلبات والمفاجئات . فلا يمكن تصور الثورة نفسها ، بشكل عمل وحيد ، إذ ان الثورة ستكون تعاقبا سريعا من الانفجارات اكثر او اقل عنفا ، تتناوب مع فترات من الهدوء الاكثر او الاقل عمقا . وبعبارة اخرى ، فان صراع الطبقات يتجلى كحرب ، حرب طويلة ، يتناوب فيها العنف الكامن المخفف مع العنف المكشوف ، وتختلف هذه الحرب من الحروب العادية فقط في كونها اصعب واشرس بمئة ضعف ، واطول واكثر تعقيدا من اشرس الحروب بين الدول .
( 7 ) الثورة :
خلال المعارك الطبقية ، تحتدم التناقضات الطبقية ، اكثر فاكثر . ومع وصول الصراع داخل المجتمع الى نهاية فاصلة ، فان أزمات ثورية تظهر فجأة .
-- الازمة الثورية : الثورة مستحيلة بدون ازمة ثورية . ومؤشرات هذه الازمة ، هي كما يلي :
1 – عجز الطبقات السائدة عن الاحتفاظ بالسلطة .
2 – تفاقم بؤس الطبقات المقهورة .
3 – تعاظم حركة الجماهير ، ورفضها الاستمرار تحت سلطة الطبقة الحاكمة .
على ان الثورة لا تنفجر الا اذا اضيف الى العوامل الثلاثة سالفة الذكر العامل الذاتي . واعني به الطبقة الثورية الموحدة ، القوية ، وجبهتها او كتلتها التاريخية الديمقراطية الصلبة ، المحكمة ، التي تنجح في لف الجماهير الشعبية العريضة حولها ، وقيادتها في النضال الثوري . فنضوج الوعي الثوري ، يتطلب نضوج أداة الثورة ، وبدون نضوج هذه الأداة تستحيل الثورة .
والازمة الثورية تهز المجتمع من بناه السفلي الى بناه العلوي ، من علاقاته الإنتاجية ، الى أفكاره ومؤسساته التشريعية . والازمة الثورية هي ، قبل كل شيء ، حركة شعبية ، عميقة وقوية .
وهي تحدد نهاية حقبة وبداية أخرى . وعندما تصبح العودة الى توازن ما قبل الازمة مستحيلة ، فبهزيمة الثورة ، يحل توازن اشد ميلا لصالح الثورة المضادة ، والعكس صحيح .
وفي الازمة الثورية ينسد الطريق ، مما يفسح المجال للجديد ، كي يشق طريقه عبر القديم .
وحتى يفيد الجبهة او الكتلة التاريخية الثورية التقدمية من ظرف الازمة الثورية ، فان عليها اللجوء الى قرارات وشعارات بسيطة ، وكثيفة ، كالسلام ، الخبز ، الشغل والتشغيل ... الخ .
وفي ظرف الازمة الثورية ، يسود أسلوب التعامل بالحسم ، ويلتحم الاستراتيجي بالتكتيكي ، ويترادفان ، وتتم رؤية القريب من خلال المنظور البعيد . والسمة الرئيسية للثورة الحقيقية ، هي الزيادة الخارقة في عدد السكان الذين ينجذبون للمشاركة في الحياة السياسية .
ويلعب الفكر والوعي السياسي دورا حاسما في الازمة الثورية ، وينمو دورهما باطراد . وتنضج الازمة ، ويتضمن هذا النضج تأثيرا متبادلا بين الموضوعي والذاتي .
وما ان يتحدد الذاتي ، حتى يصبح هو العامل الحاسم . فالوعي ، مزودا بالمعرفة ، يصبح سلاحا ..
ويتحدد نشاط الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية ، او الكتلة التاريخية التقدمية الديمقراطية ، باعتبارها عاملا ذاتيا ، فتغدو واقعا موضوعيا ، وتعدل مجرى الاحداث . ومن الناحية الاستراتيجية ، فان الجبهة او الكتلة ، تستعد لمواجهة الازمة الثورية . اما من الناحية التكتيكية ، فالجبهة او الكتلة تعني بكل لحظة ، بكل تفاعل ، بالنجاح والفشل ، بوثبات وانتكاسات الحركة الظاهرة او الواقعة ، وبالانتصارات الكلية او المحلية ، بالهزائم وسواها .. وتتجه الشعارات على أساس الوضع الراهن ، الى انضاج الازمة . وتقدم حلولا ثورية في جميع المجالات : الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية ، وسواها . بيد ان الشعارات وحدها لا تكفي . وتنظيم النضال ، في جميع المجالات ، هو وحده الذي يحسم الامر ..
هكذا ، نرى ان ثمة ديالكتيكيا للازمة الثورية . وتندمج الجبهة التقدمية او الكتلة التاريخية الديمقراطية في هذا الديالكتيك ، باعتباره عنصرا جوهريا . فكلما ازداد الوضع تفاقما ، كلما ازدادت الاحداث ، وحركتها ، ارتباطا بالجبهة او الكتلة . ففي هذا ، وعبره ، يصبح الوعي ، والمعرفة ، والفكرة .. افعالا ، وثمرة عملية .
وعلى تحليل الوضع ، يتوقف تحديد الحلقة الرئيسية من السلسلة التي ينبغي شدّها .
وفي الازمة الثورية ، كما في المعركة الحربية ، ثمة ظرف زمان ، وظرف مكان ، ووضع مناسب . وهي أمور اصطلح على تسميتها ، مجتمعة ، باللحظة الثورية التي ينتظرها الثوار ، تلك التي يتحتم على الجبهة التقدمية او الكتلة التاريخية الديمقراطية والتقدمية ان تعيها وتتحرك بسرعة ، بلا تأخير او تقديم ، للإفادة منها .
وبالرغم من ان اللحظة الثورية هي ازمة ثورية ، فان الازمة الثورية ليست ، بالضرورة ، لحظة ثورية . اذ تفتقر ظرف الازمة أحيانا ، الى العامل الذاتي المؤهل ، الى الجبهة او الكتلة الثورية ، والطبقة الثورية ، والجماهير المهيأة للثورة .
كما ان في ظروف الازمة الثورية ، تستطيع الطبقة الحاكمة ان تجد دائما ، بدائل للمحافظة على الوضع القائم ، ولتجنب التغيير ، او تتظاهر هي بتغيير جلدها ، بغية الاحتفاظ بالسلطة ، وتفويت الفرصة على القوى الثورية . في حين لا تقبل اللحظة الثورية بديلا عن الحسم ، بانتصار احد المعسكرين المتصارعين انتصارا ساحقا ، وهزيمة المعسكر الاخر هزيمة ماحقة .
وعلى الجبهة التقدمية او الكتلة التاريخية الديمقراطية ان تستجيب للحظة الثورية ، حين يشبه انتصار الثورة ، طنا معلقا بشعرة كما يقول الثوار الفيتناميون ، حين يكون العدو في أسوأ حالاته ، ضعيفا ، مفككا ، وحين يكون نشاط القوى التقدمية من الشعب في اوجهه .
وينبغي على المناضل الثوري ان يفيد من ابسط مظاهر الاحتجاج ضد النظام المعادي القائم ، ويجدلها جميعا في حزمة العمل ضد هذا النظام . وبالرغم من الحاجة الماسة الى الدعاة ، فان اعلام الجبهة او الكتلة التقدمية والديمقراطية ، هي الأفضل في الدعاية الثورية ، من اجل فضح النظام المعادي ، تمهيدا لتدميره ، بعد فض الحلفاء من حوله ، وتبصير من ضللهم بكلامه الكاذب .
عندها تقفز الثورة الى راس سلم الأولويات في جدول اعمال الشعب الجبهة او الكتلة ..
-- الثورة : الثورة هي اعلى اشكال الصراع مع الحكم . وهي باختصار ، اطاحة بالنظام القائم . وهي أيضا ليست مؤامرة ، او انقلابا تقوم به حفنة بلانكية من الثوريين النشطين ، تبقي القديم على حاله . ولكنها عمل كفاحي ، ونضال جماهيري ، تتقدمه القوى الثورية في المجتمع كجبهة او ككتلة . وهذه الثورة هي أولا نتاج منطقي لاستفحال التناقضات الطبقية في البلد ، وثانيا نتيجة الازمة العامة على نطاق الامة ، وهي ثالثا بسبب انفجار السخط الشعبي .. انها تعني استعداد الجماهير للقيام بأعمال تستهدف الإطاحة بالنظام وبحكم الطبقات المستغلة ، وإقامة سلطة الكادحين على انقاضها .
ان كافة التغييرات التي تقع في المجتمع ، أي مجتمع ، تعود بالأساس ، الى تطور التناقضات الداخلية فيه ، وهي التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، والتناقض بين الطبقات ، والتناقض بين القديم والجديد . وتطور هذه التناقضات ، هو الذي يدفع المجتمع الى الامام ، ويصبح حافزا للقضاء على المجتمع القديم، ليحل المجتمع الجديد محله . وهكذا حين تنتصر الثورة ، فانها تحسم التناقض بين قوى الإنتاج الجديدة ، وعلاقات الإنتاج القديمة . انها هدم بالعنف الثوري لبناء فوقي سياسي قديم ولّى عهده ، وادى تناقضه مع علاقات الإنتاج الجديدة ، في لحظة معينة ، الى افلاسه . أي ان الثورة تغيير عنيف ، واسع وشامل ، وجذري للبنى الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية .
ومعنى هذا كله ، هو ان الثورة ثمرة تطور موضوعي ، يتم وفق قوانين موضوعية . فالأمور رهن بأوقاتها ، حيث تنضج المسائل في وقت بعينه ، وتتغير الظروف ، وتنضج الطبقات المؤهلة على حسم الصراع . فللعنصر الذاتي دور إيجابي ، بقدر ما يتمثل هذه القوانين ويفيد منها .
ومن هنا ، لا بد للثورة من أحزاب ثورية تقدمية ديمقراطية ، تضمها جبهة وطنية تقدمية ، او كتلة تاريخية تقدمية ديمقراطية ، مسلحة بنظريات ثورية ، اذ لا يتم انجاز الثورة تلقائيا ، عفويا ، بدون جبهة او كتلة ستعبد الطريق عند نضج الظروف الى مؤسسة الجيش التي ستنضم الى الشعب لا الى الحكام المهزومين .
الثورة ليست معركة واحدة ، بل سلسلة من المعارك الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، تمر خلالها الثورة بسلسلة من الانتصارات والاخفاقات ..
-- السلطة هدف الثورة : وأياً كانت الصورة التي تنجز بها الثورة ، فان هدفها يظل واحدا ، وهو : السلطة ، الحكم ، الوصول اليها ، والاحتفاظ بها ، والدفاع عنها . وغني عن القول بان امتلاك السلطة لا يكون لذاته ، بل من اجل تنفيذ برنامج الشعب من خلال ممثليه الجبهة التقدمية او الكتلة التاريخية الديمقراطية .
وانتصار الثورة رهن بمستوى القوى الثورية الفاعلة ، وبموقف الطبقات الأخرى الثورية ، وبالموقف السياسي في الداخل والخارج .
وعند دراسة مسألة الاستيلاء على السلطة ، فان على الجبهة او الكتلة ان تحتل موقع القوة القائدة المبدعة ، القادرة على قيادة الجماهير حتى لا يتغدى بها الجيش .
اما الاحتفاظ بالسلطة ، فانه يتطلب عملا أيديولوجيا ودعائيا وتنظيميا ودؤوبا ، من اجل جعل الجماهير الشعبية ، واعية تماما بالأهمية التاريخية للثورة ، ومنجزاتها ، والمكاسب التي تحققها للطبقات الكادحة .
وبقدر ما تقترب طبقة مضطهدة من امتلاك السلطة ، بقدر ما تزداد عقبات استلام السلطة امام طلائع هذه الطبقة . فحشد الجماهير الشعبية في جبهة او كتلة متحدة سيعقبه ، في القطب الاخر ، تجمع القوى الرجعية ، الأسرع غالبا والأفضل تسليحا ، خاصة وانها تمتلك آلية الدولة ، وهذا التجمع حتمي ، فليس من المنطق تصور الفعل دون رد الفعل .
وينتج الانتصار عن عمل سياسي متراكم ، في شكل خبرة أحزاب ومنظمات ثورية ، واتساع دائرة الجماهير القابضة على الجبهة او الكتلة .
ولا ثورة بدون عنف . فمن وجهة النظر الطبقية ، تتضمن الثورة استخدام القوة ، وتعمل الجبهة او الكتلة على تحصين الطبقات الثورية بهذه الروح . فمن الطبيعي الا تتخلى البرجوازية عن سلطتها طواعية ، وحتى بعد ان تمنى بالهزيمة ، فان تآمرها على السلطة الوليدة لن يتوقف ، ويتسم تآمرها هذا بالدموية الشرسة .
وخلال الكفاح ، فان العنصر السياسي لا ينعزل قط ، الاقتصادي والاجتماعي . وفي الفترات الهادئة نسبيا ، يسيطر الاقتصادي على الاجتماعي والسياسي ..انه يحددهما ، ثم تأت فترة ازمة طويلة او قصيرة . وعندئذ يحدث العكس . فالعمل السياسي ، الذي حددته الازمة على انه هزة وأزمة في الأساس ، يحدد بدوره ، العامل الاقتصادي ، ويصبح أساسيا ، آنئذ، في الشكل الاقتصادي الاجتماعي . اذ يندمج في تاريخه ، سواء حلت الازمة حلا ثوريا ، او حدثت نكسة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة