الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قال لي صاحبي

غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان

2024 / 4 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




قال لي صاحبي ، وهو يحاورني ( بعد ان قرأ كتابي الاخير : ماركس بدون دوغمائية وبدون تفريط ) بلهجة لا تخلو من الاسف على صديقه ( شخصي الكريم ) الذي راح " ضحية الضياع " . قال : انت لاتتكلم الا عن المستقبل … والمستقبل بعيد ! وتطالبنا … وتلح في المطالبة … في حين ان ما نحتاج اليه هو ان نحدد مانريده الان ! ان " نقرر " ما يتطلبه الوضع الحاضر !
ثم استطرد قائلا ، وليس دون بعض نبرة تحمل " التحدي " : من تخاطب انت فيما تكتب ؟ مع من تتكلم ؟ … علينا ان نتوجه الى" الناس "...
الى " الجماهير " التي تخرج الى الشوارع !... حتى " النخب " لا تميل
الى سماعك !
ذُهلت ، حين سمعت ذلك ! ليس لقساوة النقد ، لانني اعرف طيبة صاحبي وصدقه مع نفسه اولا ، ومع الاخرين ، ومعي … ولانني كنت وما ازال على قناعة بعمق ثقافته وغنى تجربته في الحياة وفي مجالات النضال.
ذهلت لان صاحبي لم يدرك ، بعد ، ان " المشكلة" ليست في الناس…
ولا في " الحاضر " …ولا ، بطبيعة الحال ، في " المستقبل " لا البعيد منه
ولا القريب !
المشكلة الحقيقية ، حسب رأيي ، تكمن " فينا "… في اشخاصنا :
نحن " كخلاصة " لتجربة معينة …. لثقافة سياسية معينة .. انتكست : انهارت
في " جوانب " منها. اصابنا الانهيار بتشوهات وبكدمات فكرية وسلوكية لم
نتعاف منها بعد . ذلك لاننا لم نجد ، ولم نجهد كفايةً ، لاكتشاف ذاك " الترياق السحري " الذي يعيد التوازن والاستقرار " لروحنا " ولفكرنا .
لا يمكن فهم " بعض " حاضرنا دون نقد " ماضينا" بعمق : بصدق وبشرف ! ف " شتم " المظاهر السلبية في تجربتنا ، وحسب ، وشتم من نعتبرهم " مسؤولين " ! وفرزهم عن صفوفنا ، لا يجعلنا " نفهم "، ولا يساعد على تلمس حقيقة حاضرنا... ينبغي " نبش " : نعم نبش وكشف جذور الاسباب لممارساتنا النظرية والعملية التي ادت الى حدوث " الكارثة " ! هذا يعني ضرورة تحليل ورؤية شمولية لمجمل الاوضاع المستجدة . فرد الفعل المباشر على الظاهرات السلبية المباشرة التي يولدها " النظام " والمجتمع في سياق المسارات اليومية ، التفصيلية ، للاحداث ، لا يقدم، بالضرورة ، علاجا ملائما اذا لم يكن رد الفعل هذا ( المتمثل بموقف او بشعار ) مستندا الى فهم شمولي للوضع العام في ماضيه وحاضره . فاي شعار او موقف يولد خارج هذه العملية الفكرية يكون من اختراع " ذواتنا " ! وبالتالي يحمل ارجحية بطلانه او عدم ملاءمته للواقع، لانه ولد من خارج الظاهرة . في حين ان المطلوب هو كشف ، او على الاصح اكتشاف " سر " حركة النظام والدولة والمجتمع :
اي ادراك القانون الموضوعي للحركة الاجتماعية التاريخية، وبالتالي السياسية
في كل مرحلة محددة. وتكتسب هذه المنهجية اهمية استثنائية خاصة لان مسار
التطور ، سواء على الصعيد العالمي ، ام في بلداننا ، يمر بمنعطف تاريخي له ميزات نوعية ، بعد الانهيار السوفياتي ، ومع دخول راسمالية الدولة الاحتكارية مرحلة العولمة . على هذا الاساس نؤكد على ان اكتشاف قانون التطور الموضوعي ، الملموس ، وحده هو الذي يعيننا على تلمس الحاضر ، من حيث الجوهر ، في واقعيته . فادراك هذا الجوهر يساعدنا في تحديد متطلبات الحاضر : اليومية والبعيدة . هذا ليس " هروبا " الى المستقبل ! " فالحاضر" يجب ان يفهم بفهم ماضيه الذي انبثق منه … وتلمس " مستقبله" الذي سيؤول اليه ، بحكم ما تحدده العوامل الموضوعية للتطور بصورة اساسية … وليس بالتأمل ولا التمنيات والمناشدات باي حال من الاحوال !
على قاعدة لوحة الترابط والتداخل والتفاعل بين الماضي والحاضر ، وبين الحاضر والمستقبل، على وجه التحديد والحصر ، يمكن " لفكرنا " ان
يعمل بصورة سليمة ومجدية على صياغة خطة نضال متكاملة في مستواها
الاستراتيجي العام ، وفي مستوى توجهاتها التكتيكية العامة . في هذا السياق
نرى انه من الضروري ان نشير ، في ضوء الالتباسات الناشئة من طرح الشعارات والاهداف العشوائية ، الى انه لا يجوز الخلط وعدم التمييز بين
التوجه التكتيكي العام ، المفترض انه يحدد طبيعة النهج السياسي العام الذي
تتطلبه الاستراتيجية التي صيغت على اساس علمي ، وبين المواقف العملية، التفصيلية الضرورية الملائمة للعمل اليومي . ومن المفروض ، بل من الطبيعي تماما ، ان يتيح هذا الواقع اقصى المرونة والواقعية العملية للعمل اليومي في التعامل والتفاعل ، ايجابا او نقدا ، مع مواقف وطروحات سائر

الاطراف السياسية الفاعلة على الساحة الواقعية ، من جهة ، ومع متطلبات
وحاجات القوى الاجتماعية المختلفة التي تسعى قوى اليسار تمثيل مصالحها ، من جهة ثانية . بهذا الترابط الديالكتيكي بين " فهم " حاضرنا وبين فهم الماضي والمستقبل نسقط نهج " البراغماتية " السياسية الذي ظل سائدا ردحاً طويلاً في ممارساتنا، من تصرفاتنا ، والكثير من طرائق تفكيرنا، التي تشكل الدعوة الى قصر الهم السياسي على ايجاد " حلول " للمهام المباشرة ، الانية " لحاضرنا " وحسب ، معزول عن ماضيه ، ابرز تجلياته ... ودون اي تقدير نظري لما سيؤول اليه مستقبلا !
لعلي لا اكون مبالغا اذا ما رايت ان النهج البراغماتي هذا قد تضاعفت
خطورته في ايامنا الراهنة. فاليسار ( وتحديدا الشيوعيين ) ما يزال في ازمته... وراسمالية العولمة تعمل بدأب وشراسة على تكييف العالم والشعوب تكييفا شاملا : سياسيا واقتصاديا وفكريا ، وفق ترسيخ مبدأ أبدية الراسمالية ونهاية التاريخ ! من هنا نرى ان مقاربة المهام النضالية الراهنة والمستقبلية لا يمكن ان تكون ناجعة وفعالة إلا وفق استراتيجية شاملة مواجهة لاستراتيجية العولمة ، على النطاق العالمي ، مع صياغات ذات خصوصية وفق الشروط الملموسة في كل بلد ، تصاغ على اساس هذه المنهجية العلمية بالذات : المادية الدياكتيكية . ومثل هذه الاستراتيجية هي التي تحدد طبيعة النهج التكتيكي العام واشكال وصيغ ممارسة العمل اليومي بصورة ملموسة وفق خصائص المكان والزمان الملموسين . ان عدم الالتزام بشروط البحث هذه انتجت ، وتنتج لنا بحوثاً " تجديدية " ضحلة تكشف ، مع الاسف الشديد ، مدى التبسيط والقصور الذي تتسم به ، بالدرجة الاولى بعدم انفتاحها على الجماهير العميقة لتعبئتها وتنظيمها في الاطر النضالية المناسبة ... ، ومن جهة ثانية ، بحصر النضال وتحديد شروطه واساليب مما رسته بقصره على مهام الداخل المباشر وحسب ، تحت شعار " الخصوصية " ، وخنقه في نوع من " الشوفينية " الضيقة ، ولو جرى تحت يافطة النضال ضد الاستعمار، التي تتعامى عن الطبيعة العالمية للنظام الراسمالي ( الذي اكتشفه ماركس ) ، والذي ما يزال يؤثر ، ويحدد ، الى حد كبير ، مسار التطور العام بكل الوسائل التي يملك : الاقتصادية والسياسية والايدولوجية والاعلامية ... والتآمرية والحربية !
ان المنحى التاريخي الذي يمر به عالمنا ، وبلداننا ، يتميز ( بعد انهيارالتجربة السوفياتية ) بتحول ازمات النظام الراسمالي الدورية ، بعد ازمة 2008 الى ازمة عامة مستدامة تترافق مع ميل متسارع في عملية العولمة في الاقتصاد العالمي ، دون الخروج من تحت تأثير التناقضات المحتدمة فيما بين المحاور الاساسية للراسمالية العالمية : الو لايات المتحدة واوربا واليابان . وهذا التطور الكبير والعميق يطرح على طاولة البحث النظري ، وفي ساحة النضال السياسي ، جملة من القضايا والمشاكل الجديدة التي تحتاج منا جهدا فكريا فعليا وضروريا لفهمها وتحديد مفاعيلها ، واستخلاص المهام النضالية ، والسياسية والعملية التي ينبغي بلورتها وادخالها في اجندة نضالاتنا الاستراتيجية والتكتيكية .
هذا الجهد النظري ، الضروري والمطلوب ، حسب تقديرنا وقناعتنا العميقة ، هو مسؤولية جماعية وليس خيارا ذاتيا . انه ضرورة موضوعية تتطلبه المتغيرات الكبيرة الحاصلة على الصعيد الدولي والمحلي . عدم ادراك ذلك يعني اننا امام خطر تكرار " خطيئتنا المميتة " السابقة من جديد في قضايا التطور الاجتماعي السياسي لبلداننا وفق مفاهيم نظرية جامدة ، ادعت من حيث الشكل ، انها ماركسية ، لكنها ظلت غريبة عن الروح الحية النقدية الكشافة، لنظرية ماركس الديالكتيكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في