الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما ندمت إلّا لعودتي لبلدي !؟

عزيز الخزرجي

2024 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ما ندمت إلّا لعودتيّ لبلدي !؟
ما ندمتُ شئ ندمت على شيئ كل الندم؛ إلّا لعودتي إلى "بلدي" بعد غربة طالت لنصف قرن .. بسب الظلم و الإجحاف و القهر و الفقر!
فوالله إن الموت في الغربه خير ممّا أراهُ من مناظر و مواقف و نفوس يملؤها الحقد والحسد .. وعيون تراها تحمل كلّ معاني الكُره و آلشّرر لكلّ شيئ يسقط نظرها عليه, بينهم أناس كُنّا السبب في هدايتهم وآبائهم خلال سنوات الجّمر السّبعينية وإذا بأبناء أبنائهم يُحاولون إهانتك وفرض رأيه عليك وكأننا كنا نحن الذين إهتدينا بهديهم! بينما كانوا و لا زالوا يحملون أخلاق البعثيين و العسكريين أو أعضاء أجهزة البعث القمعية التي جاوزت العشرة!؟

فذلّ الغربه أهون علينا من أخ جاحدٍ, و أخت كارهه؛ و خالة جاحدة تُكذب بكل صدق وتُسحرك بلا حياء بدل أن تكون كأمّك لك, و صديق لا يعرف للوفاء معنى و لا للسبق إلى الحقّ مكانة .. ربما كل ذلك الأجحاف و الأنكار و القسوة و الأخلاق السيئة؛ بسبب فسادهم و لقمة الحرام التي ملأت بطونهم و دنست فروجهم, وفوقها يعتبرونها نصراً و كرامةً و هديّة من الله و الزّمن, بحيث منعوا حتى كلام الحق أنْ يُقال و يُذاع خوفاً من ثورة الناس ضدهم في حال زيادة وعيهم بعد معرفة حقوقهم و دورهم و سبب خلقهم في هذه الحياة التعيسة!؟

كم كنتُ أشتاق لبلدي؛ لأخوتي ؛ لأخواتي ؛ لمن تبقى من أصدقائي الذين إستشهدوا؛ لطرقاته؛ لشوارعه؛ لاسواقه؛ لناسه, و لكل زواياه و ترابه و شمسه و ماءه الذي ليس فقط لم يعد له اليوم طعم أو مذاق؛ بل بات و كأنه ماء مختلط بآلأدران و الجراثيم وآلسّم الزعاف.

واليوم أتمنى لو لم أفكر يوماً بالرّجوع لأنّ كلّ ما في مخيّلتي تغيّر وتداعى وتهشّم والناس ليست كما الناس؛ والحياة ليست كأيام زمان!؟

هي الحياة عشوائيّه في كلّ شئ؛ السير في الطرقات بعشوائية؛ السكن عشوائيّ؛ الطعام عشوائيّ وهكذا المدارس والجامعات والأسواق, كلّ شئ عشوائي حتى الحدائق ما عادت كما الحدائق, بل لا أجانب الحقيقة لو قلت ؛ بعدم وجود مطعم نظيف وسليم في العاصمة بغداد!

فآللحوم تبدلت لِلُحوم الحمير و الأسماك كأنها قطعة طين إصطناعيّة و الزهور فقدت جمالها وعطورها ودلالاتها والأوراق ألونها والثمار خصوصاً التمر والرّمان قد تغيّر وزاد ملحها ومجّها, بدل طعمها الطبيعي السابق وهكذا الزهور الصفراء البرية ولها قصّة بابليّة مبكية!

تُعرف الزهور الصفراء بمظهرها النابض بالحياة والبهجة، لكن رمزيتها وأهميتها الرّوحية والوجدانية أعمق بكثير من جمالها الظاهري, فما هي قصّة هذه الزهرة البابلية - الصفراء التي كانت تعرف بـ(إنانا) والتي تطورت بمرور الوقت وعبر الثقافات!؟
لطالما ارتبطت الزهور الصفراء بالإيجابيّة والسعادة والفرح والأمل والسعادة في الممارسات والمعتقدات الروحيّة و المناسبات المختلفة بحيث كان أهل بابل وسومر يعبدونها لرمزيتها إلى آلصحوة الروحيّة والتنوير والبدايات الجديدة ويُعتقد أنها تجلب الحظ السعيد والثروة والوفرة لأولئك الذين يتلقونها كهدايا أو يقدمونها في العبادة لكنها أصبحت اليوم مهملة وترمز للمرض والكآبة و الحزن ..
تلك الزهرة العظيمة اليوم هجرتها الفراشات و الجراد و حتى اليرقات فوق الاغصان ارتحلت عنها في بلادي .. و ما عادت بلادي!

ما عاد للماء في بلدي نفس الطعم الذي أعرفه في صغري, و ما عادت قطرات الندى على ورق الرمان و الصفصاف صباحاً صافية راقيةً كما شهدتها في طفولتي حتى المطر لم تعد قطراتها تحمل الفرح والبهجه, وما عاد الاطفال يُغنون للمطر مع العصافير ويفرحون به!

كل شئ .. ليس ككل شئ, و لا شيئ يشبه شيئ ..
كنا حينما نريد الترفيه في بلدتنا المنزوية بدرة/واسط ؛ نلعب بآلرمل و الحُصى و (الجِلْك) و لم نعر أهمية للجروح وأخطار اللعبة التي تصيبنا جراء الزجاج المهشم في التراب و نستمر بآللعب رغم إفتقارنا لـكرة نلعب بها في ساحة ملئها الحصى و الشوك والزجاج!

أما في أيّام بغداد؛ فكنا نركب في باص المصلحه ونختار الطابق العلوي لأنها أجمل متعه, او نستقلّ الدّراجه أو السياره الخاصه لتدور في الشوارع فهي متعه لاتضاها, أو نذهب لسينما الفردوس الذي كنا نسميه (سينَمة) الفردوس بشارع غازي (الكفاح) في ساحة النهضة ..
واليوم أصبحت كما ساحات بغداد مزابل و مكبات للأوساخ وكأنها حرب حقيقيّه وشدّ عصبي يدفعك للجنون وآلهروب والأنزواء,
خصوصا وإنّ المدّعين للسياسة والحكم أنصاف مثقفين؛ لم يعودوا يُحبون الفكر والفلسفة, بل يحذرون الناس وأهلها منها خوفا من إثارة الوعي بينهم فيطالبون بحقوقهم المهدورة التي يسرقها السياسي والحزبي و القانوني بإسم الوطن والدّين لجهل الناس بحقوقهم!؟

أيّ بلد عجيب و غريب أنت يا بلدي .. كأني لا أعرفك ولا أفهمك بل لا أطيقك أبداً!؟

كانت الحكومات لخدمه الناس لبعض الحدود رغم تنكرهم للأسلام؛ فصارت اليوم الناس تتملق للحاكم؛ كان الزعيم(عبد الكريم) نعم الكريم ينفق ما في جيبه ليفرح الشعب ومعظم المشاريع التي ترونها اليوم تنفذ أحياناً ؛ إنما وضع ذلك الكريم خططه و خرائطه!؟

ولكن زعيم القانون اليوم - ناهيك عن غير القانون - يُفرغ جيوب الناس ليتمتع هو - بل لينام فوق أكوام النقود تحرسها المرتزقة!

كان الزعيم شريفاً عفيفا لبعض الحدود .. و يعتقده الجميع أباً لهم و هم اولاده .. لكن زعيم اليوم تحيطه الحمايات و الساقطات الزانيات بكل وقاحه مع سيارات المستكبر الشيطان, كتاهو و لكسس، يحول اموال الشعوب بإستمرار الى هدايا فاحشة الثمن ليحظى بليلة حمراء.

كنا لا نغلق أبواب البيوت و لا نفكّر بشئ إسمه (سرقه) أو (نهب) أو (بنوك أهلية و حزبية) للرؤوساء و الأحزاب .. و اليوم أصبح الجار أوّل من يسرقك و يقتلك و يُحاول النيل منك و من كرامتك ..
كان الدِّين بينك و بين ربك يعكسه سلوكك و سيرتك عبر الحُب حتى مع غير الأنسان .. كسلوكك مع الحيوانات و الحشرات و الأشجار و التراب كي لا تشكيك غداً عند الله إن أسأت التعامل معها فكل مخلوق حقوق .. واليوم صار الدِّين لافتات و شماعة لتعليق الجرائم و النهب و الحصص عليها لتبريرها ..

على الرغم من أنّ حدّة الصراع في زمننا بسبعينيّات القرن الماضي و ما بعده مع البعث الهجين كان صراعاً دموياً غير متكافئ ؛ لكننا كُنا نحسّ رغم المأساة و شدّة المواجهة؛ بآلرّاحة و بآلفخر و العزّة و نحن نواجه 10 أجهزة قمعية لاننا كنا موحدين وعلى يقين ونحن نواجه نظاماً كافراً شرساً وخائناً متأمّلين الجنة بجهادنا, أمّا اليوم فأنك تواجه 10 جيوش أيضاً للمنافقين المُتأسلمين وقد قست قلوبهم وخُليت من الرّحمة, و هنا يكمن المصاب الجّلل في بلادنا! لأنك أمام منافقين ممسوخين, الله وحده أعلم بعواقبهم, وله المشتكى وحده.
فكل ما في بلدي ليس كما كان بلدي الذي ضمّ الكثير من الأخيار الصادقين الذين تمّ قتلهم, فَخُلِيَ آلعراق منهم ولم يبق فيه سوى الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ .. و بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليما.
و إنا لله و إنا إليه راجعون.
ألعارف الحكيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟