الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعرية الإضمار في القصيدة العربية( زهرة الرمان) للشاعر العراقي مقداد مسعود

مقداد مسعود

2024 / 4 / 8
الادب والفن


الجـــمهـــوريـــة الجــزائـريــة الديـقراطـيـــة
الشعـبيـــــة
وزارة التعليـــم العالـي والبحث العلمـي
جـامعة العربي التبسي– تبسة–
كلية الآداب واللغات الأجنبية
قسم اللغة والأدب العربي.


مذكرة مكملة لنيل شهادة ماستر " ل.م.د"
تخصص أدب حديث ومعاصر
إعداد الطالبتين: إشراف الأستاذة :
• نبيلة جـــدي د. نسيمة زمالـي
• كوثر نصري
أعضاء لجنة المناقشة
الإسم واللقب الرتبة العلمية الصفة في البحث
لخميسي شرفي أستاذ محاضر (أ) رئيســـــــا
نسيمة زمالــي أستاذ محاضر (أ) مشرفا ومقررا
محمد عروس أستاذ محاضر (أ) ممتحنـــــــــــا
السنة الجامعية: 2018/2019
شعریة الإضمار في القصیدة
الجدیدة
دیوان زھرة الرّ مان للشاعر العراقي – مقداد مسعود - أنموذجا

شكر وعرفان

لله أولا ، القائل في كتابه الكریم:
" و لئن شكرتم لأزیدنكم"
صدق الله العظیم - إبراھیم"8 -"
أتقدم بالشكر الجزیل ،عدیم الحدود النابع من تقدیري إلى من شرفني بتأطیره، إلى ربان
سفینتي التي سافرت بي في بحر عطائھا علمتني أن البدایة كفاح و النھایة نجاح.
إلى التي غرست روحھا بروحي، فكانت شعلة تلھبھا الثقة الكاملة ،
و لیلي و قدوتي ، و مثلي الأعلى....
الأستاذة الدكتورة الفاضلة:
زمالي نسیمة
و كان لي عظیم الشرف أن تكون رسالة تخرجي على یدیك، جزآك الله عني أعلى
درجات في الجنة.



دعـــاء
"اللھم انفعني بما علمتني و علمني ما ینفعني و زدني علما"
" اللھم إني أعوذ بك من الشقاق و النفاق و سوء الأخلاق"
"اللھم إني أسألك علما نافعا و عملا متقبلا"
" اللھم إني أسألك فھم النبیین و حفظ المرسلین ، و الملائكة المقربین
اللھم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك و قلوبنا بخشیتك، و أسرارنا بطاعتك
إنك على كل شيء قدیر
حسبنا و نعم الوكیل".


بسم الله الرحمن الرحيم
شكر وعرفان
الحمد لله الوحد المعبود، رب العطاء والكرم والجود
سبحانهُ أول قبل الوجود، أخر بعد الخلود
مطلق عن الحدود، واجب له السجود، وأصلي و أسلم
على خير الأنام محمد الذي نوره من نور الأنوار
وأشرق بشعاع سره الأسرار .
اتقدم بخالص شكري وعظيم تقديري لكل من ساعدنا
على إتمام هذا العمل، وتقدم لي بالنصح والإرشاد
والتوجيه خلال فترة البحث والأعداد لهذه المذكرة .
وأخص بالذكر أستاذتي الفاضلة الأستاذة:
"الدكتورة نسيمة زمالي "
فجزاها الله كل خير و جعلها من أهل الفردوس.
كما يملي علينا واجب الاعتراف بالفضل أن نشكر جميع الأساتذة الذين كانوا لنا
شرف أخذ العلم على أيديهم ، وإلى كل زملاء درب الدراسة
إلى كل هؤلاء فائق الشكر والتقدير.
.

الــــفـــهـــــرس
الفهرس: الصفحة
• مقدمة. أ
مدخل: الشعرية: المفهوم والمسار التاريخي.
1 -مفهوم الشعرية. 01
أ- لغة 01
ب-اصطلاحا. 02
2-الشعرية عبر التاريخ: 03
1 -في المدارس الغربية: 03
أ- في التراث اليوناني: 03
03 .أفلاطون-1
03 .أرسطو-2
ب-عند النقاد الغرب المحدثين: 04
1 -تزفيتان تودوروف. 04
2 -رومان جاكبسون. 05
3 -جان كوهين. 06
2 -الشعرية في المدارس العربية قديما وحديثا: 07
أ- الشعرية في التراث العربي القديم. 07
1-عبد القاهر الجرجاني. 07
08 .الفاربي-2
3-حازم القرطاجني . 08
ب- الشعرية عند النقاد العرب المحدثين: 09
1-أدونيس علي أحمد سعيد إسبر. 09
2-كمال أبو ديب . 09
الفصل الأول: القصيدة الجديدة مسار التحول وآليات البناء.
الــــفـــهـــــرس
1-القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء 13
1-مسار التحول. 13
2-آليات بناء القصيدة الجديدة: 15
15 .الصورة-1
2-الموسيقى الإيقاع. 17
18 .اللغة-3
4-توظيف الرمز والأسطورة. 19
5-كسر البنية. 24
الفصل الثاني: شعرية الإضمار في ديوان زهرة الرمان:
1 -آليات الإضمار في القصيدة الجديدة 29
2 -إيقاع البياض في ديوان زهرة الرمان 32
3 -التناغم اللفظي والبياض البصري في الديوان 33
4 -التشكيل البصري وعتبات النص 34
• عتبة الغلاف. 35
5 -تناغم البياض والسواد في الديوان 39
6 -تشكيل السطر الشعري ( التفاوت الموجي ) في الديوان. 40
1 -الأطوال السطرية المتساوية 41
أ- تساو افتتاحي 41
ب- تساو ضمني 42
2 -الاتجاه السطري 43
7 -التشكيل البصري وعلامات الترقيم في الديوان 45
أ- محور علامات الوقف 47
1-نقطتا التوتر 47
2-نقاط الحذف 51
3-المد النقطي 52
الــــفـــهـــــرس

4-علامات الانفعال 54
5-علامة الاستفهام 55
6-نقطتا التفسير 56
7-العارضة المائلة 57
8-التشكيل البصري والرسم الهندسي في الديوان: 57
1-الخط المضلع 59
60 المثلث-2
3-الأشكال الرباعية 63
69 :خاتمة •
• قائمة المصادر والمراجع: 72
• الملاحق.
1-التعريف بالشاعر 77
2 -صورة الغلاف 78
• الفهرس.

مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
1
يعد مصطلح الشعرية من أكثر المصطلحات النقدية تغييرا واختلافا وقد مثل اهتمام
العديد من الدارسين في الفكر الغربي والعربي نظرا لما يحمله من تنوع وتعدد في
المفاهيم وهذا راجع لطبيعة المصطلح الزئبقية التي تجعل من مهمة تحديده مهمة شاقة،
وبذلك سنحاول تتبع مسار هذا المصطلح وتطوره في المدرستين الغربية والعربية.
1-مفهوم الشعرية:
أ/ لغة:
ورد في لسان العرب لابن منظور:" شعرية ويشعر وشعره ومشعورة وشعورا
وشعرى ومشعواء...واستشعر فلان الخوف إذا أضمره، والشعر منظوم القول غلب عليه
1 لشرفه بالوزن والقافية "

إن ما يلفت النظر في هذا التعريف هو أنه يجعل الشعرية مقتصرة على الشعر
الموزون المقفى .
وورد في مقاييس اللغة" أن الشين والعين والراء أصلان معروفان يدل أحدهما على
2 الثبات والآخر على علم...شعرت بالشيء إذا عملته وفطنت له "
.
والشعرية بهذه الصياغة اللغوية تحمل معنى العلم والفطنة، وكذلك يوردها
الجواهري في معجمه الصحاح قائلا: " سمي شاعر الفطنة، وما كان شاعرا فشعر ولقد
شعر بالضم وهو شيعر والمتشاعر الذي يتعاطى قول الشعر، وشاعرته فشعرته أشعرته
3 بالفتح أي غلبته بالشعر "
.

1
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين بن مكرم): لسان العرب. دار صادر بيروت لبنان، مج8 ،ط1
2000 ،مادة : شعر، ص89 .
- ابن فارس( أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين): مقاييس اللغة. مادة شعر، إتحاد كتاب العرب 2
.331ص، 2002 ،1ط،3 الجزء
3
- الجواهري( أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري): تاج اللغة وصحاح العربي. دار الحديث
القاهرة مج1 ،دط، 2009 ،ص601 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
2
ومن هنا فالجواهري يرجع مفهوم الشعرية إلى فطنة ونباهة الشاعر، فهي صفة
مميزة لكتابات الشاعر الفطن.
ب/ اصطلاحا:
إن مصطلح الشعرية قديم حديث، ولعل أرسطو هو أول من تناول في كتابه " فن
الشعر" مفهوم الشعرية فكلمة poétique مرتبطة بالفن الشعري ومرتبطة بجماليات العمل
1 الشعري ASTHETIK وتظهر هذه الشعرية من خلال الصورة الفنية"
BildKunst فالشعر
عنده صنعة وفن ومحاكاة.
فالشعرية " هي محاولة وضع نظرية عامة ومجردة ومحايثة للأدب بوصفه فنا
لفظيا إنما تستنبط القوانين التي يتوجه الخطاب اللغوي بموجبها وجهة أدبية فهي إذن
2 تشخيص قوانين الأدبية في أي خطاب لغوي، وبغض النظر عن اختلاف اللغات "
،
فهدف الشعرية هو تزويد النقد بمعايير وقوانين تضبط الخطاب الأدبي، وتجعله متميزا عن
بقية أنواع الخطاب كما أنٌها تستخدم اللغة لتفسير ما هو لغوي.
ويعرفها أحمد مطلوب بقوله: " الشعرية مصدر صناعي وضع للدلالة على اللفظة
الفرنسية Poétique أو الفظة الأنجليزية Poetic ، وينحصر معناها في اتجاهين في الشعر
3 وأصوله والطاقة المتفجرة في الكلام المتميز"
، حيث تدل الشعرية عنده على فن الشعرية،
أي ما يصنع شاعرية الشعر والنثر دون اختصاصها في جنس أدبي محدد.


1
- محمود دراسة: مفاهيم في الشعرية ( دراسات في النقد القديم ). دار جرير إربد، الأردن، ط1
.16ص، 2010
2
- حسن ناظم : مفاهيم الشعرية. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط1 ،1994 ،
ص9 .
3
- أحمد مطلوب: في المصطلح النقدي. منشورات المجمع العلمي، بغداد العراق، دط، 2002 ،ص
.152
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
3
2 الشعرية عبر التاريخ:
1-في المدارس الغربية :
أ- في التراث اليوناني:
إذا ما أردنا الحديث عن مصطلح الشعرية عند الغرب، فنحن نتحدث عن مصطلح
جذوره ضاربة في العصر اليوناني مع كل من أفلاطون (PLATON (وتلميذه
أرسطو(THALéS ARISTOTE (وغيرهم من الفلاسفة والعلماء اليونانيين، حيث أن معظمهم
ربطوا الإبداع الفني بالمحاكاة سواء كان للأشياء الواقعية أو الخيالية ومثال ذلك" فن الشعر
" لأرسطو الذي اختلفت وجهات النظر فيه والآراء كل حسب خلفياته المعرفية والثقافية.
PLATON :أفلاطون-1
ربط أفلاطون الشعرية بالأخلاق، لذلك هاجم الشعراء وأقصاهم من عالمه وذلك في
الباب العاشر من جمهوريته، بل اعترض على الشعر التمثيلي الذي وصفه بأنه شعر
المحاكاة وهو لا يبين للسامعين طريق الصواب والخير واعتبره " مضرا بإفهام سامعيه،
1 ولاسيما الذين لهم علاج شاف مبني على معرفة طبيعة الشعر معرفة حقيقية "
وأعطى
أهمية كبيرة لموسيقى الشعر أو الإيقاع لأنها تعتبر الأساس في الشعر ،فبقول " أظن أنك
2 تعرف المظهر الحقير الذي يظهر به الشعر إذا تجرد عن صيغته الموسيقية "
.
ومن هنا يمكن أن نقول أن أفلاطون يعد نقطة الارتكاز الأولى في تأسيس ماهية
الشعر ويرجع جاذبيته وجماله إلى العنصر الموسيقي فيه.
ARISTOTE THALéS :طاليس أرسطو-2

1
- عز الدين المناصرة: علم الشعريات (قراءة مونتاجية في أدبية الأدب). دار مجدلاوي للنشر
والتوزيع عمان الأردن، ط1 ،2007 ،ص31 .
2
- عز الدين المناصرة: علم الشعريات، ص 32 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
4
" يعتبر أرسطو بحق أبو الشعرية، وهو الملهم الأول الذي استلهم من أفكاره النقد
1 العربي "
.
وذلك من خلال كتابه فن الشعر الذي يعد أول كتاب نقدي منهجي في الشعرية،
يقول فيه تودوروف TODOROV ": إن مؤلف أرسطو في الشعرية الذي تقادم بنحو ألف
وخمس مئة سنة، من أهم ما كتب في الموضوع، فهي تشبه إنسانا خرج من بطن أمه
2 بشوارب يتخلله المشيب "
.
وهو بهذا يعطي تصورا عن نضج واكتمال شعرية أرسطو الذي يقرن الشعر بمبدأ
المحاكاة إذ يقول: " ويبدو أن الشعر بوجه عام قد نشأ عن سببين كليهما أصيل في الطبيعة
الإنسانية .
1-المحاكاة نظرية ورثها الإنسان منذ طفولته ...
2-كما أن الإنسان على العموم يشعر بمتعة إزاء أعمال المحاكاة "
3
.
وعليه فالشعرية عند أرسطو مفهوم يرتكز على المحاكاة، محاكاة قد تكون مثالية
بعيدة عن الحقيقة بدرجة واحدة، فهو يعيد جوهر المحاكاة الأفلاطونية بطريقة مختلفة
فالمحاكاة عنده للطبيعة وليست لعالم المثل.
ب- الشعرية عند النقاد الغرب المحدثين:
TZVITAN TODOROV :تودوروف تزفيتان-1
يقول تودوروف:" ليس العمل في حد ذاته هو موضوع الشعرية، فما تستنطقه هو
خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي، وكل عمل عندئذ لا يعتبر إلا
تجليا لبنية محددة وعامة، وليس العمل إلا إنجازا من انجازاتها الممكنة ولكل ذلك فإن هذا

1
- رابح بخوش: الأسلوبيات وتحليل الخطاب. منشورات جامعة باجي مختار، دت، دط، عنابة
الجزائر ص58 .
2
- تزيفان تودوروف: الشعرية. تر: شكرل المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، الدار
البيضاء، المغرب، ص1 .
3
- أرسطو: فن الشعر. تر: إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، دط، دت، ص79 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
5
العلم لا يعنى بالأدب الممكن، وبعبارة أخرى يعنى بتلك الخصائص المجردة التي تصنع
فرادة الحدث الأدبي، أي الأدبية"، من خلال هذا القول نرى بأن الشعرية عند تودوروف
موضوعها الخطاب الأدبي باعتباره عدد لا متناه من النصوص الشعرية وليس العمل
الأدبي موضوعها.
من خلال تركيز تودوروف على النظرية الأدبية نجده يحدد مجالات الشعرية في:
1-تأسيس نظرية ضمنية للأدب.
2-تحليل أساليب النصوص.
3-تسعى الشعرية إلى استنباط الشفرات المعيارية التي ينطلق منها الجنس
1 الأدبي..."
.
لقد تراوحت مجالات الشعرية عند تودوروف بين المجالين النظري والتطبيقي
المتمثل في تحليل أساليب النصوص ومن ثمة استخراج المعايير التي تضبط ولادة كل
عمل أدبي فالنظرية الضمنية للأدب هي التي تنطلق من الأدب بحد ذاته بعيدا عن العوامل
الخارجية المؤثرة فيه.
ROMAN JACOBSON. : جاكبسون رومان-2
تختلف شعرية جاكبسون عمن سبقه كونه مثل أحد أعلام اللسانيات" ولهذا فرؤيته
للشعرية متأثرة بالمبادئ اللسانية، وهو ينطلق في تحديد موضوع الشعرية من سؤاله
2 الشهير ما الذي يجعل من رسالة لفظية أثرا فنيا؟ "
، أي البحث في الميزات والخصائص
التي يختص بها الخطاب الأدبي وتكسبه تلك الجمالية.
"عد جاكبسون الشعرية فرعا من فروع اللسانيات ورأى أنها تهتم بقضية البنية
اللسانية تماما مثلما يهتم الرسام بالبنيات الرسمية، وبما أن اللسانيات هي العلم الشامل

1
2عبد االله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير. الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط4 ،1998 ،ص 23 .
- رومان جاكوبسون: قضايا الشعرية. تر: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، ط1 ،1988
ص24 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
6
1 للبنيات اللسانية، فإنه يمكن اعتبار الشعريات جزءا لا يتجزأ من اللسانيات..."
، وقد
عرفها بأنّها :" ذلك الفرع اللساني الذي يعالج الوظيفة الشعرية في علاقتها مع
الوظائف الأخرى للغة وتهتم الشعرية بالمعنى الواسع للكلمة، وأيضا بالوظيفة الشعرية
2 ليس داخل الشعر فقط بل أيضا خارجه "
.
وتتميز شعرية جاكبسون بأنها تعتبر الشعرية بحد ذاتها فرعا من اللسانيات، كما
يعتمد على اللسانيات في تحليل النص الشعري " شعرية جاكبسون مرهونة بالوظيفة
الشعرية التي تستطيع العثور عليها في الخطابات كافة، ولهذا فهو يصنع شعرية ليست
3 للشعر فحسب وإنما للخطاب الأدبي"
. وبالتالي فشعرية جاكبسون ترتبط ارتباطا وثيقا
باللسانيات.
JHON COHEN :كوهين جان-3
ترتكز الشعرية عند جان كوهين على مبدأ المحايثة أي " تفسير اللغة باللغة نفسها
"
4
فهي ذات توجه لساني مصطبغة بصبغة علمية " تقوم على تناول الوقائع تناولا ملموسا
5 قابلا للتأييد والدحض "
.
وينطلق جان كوهين في تأسيسه للشعرية من النقطة التي وقعت عندها البلاغة
القديمة ألا وهي التصنيف " فالبلاغة القديمة كانت تعد أصناف الانزياح عوامل مستقلة
1 تعمل لحسابها الخاص، ويفترض كوهين على العكس أن لها طبيعة متشابهة وجدلية "
.

1
- رابح بخوش:اللسانيات وتطبيقها على الخطاب الشعري. دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر،
. 17-16 ص 2006
2
- حسن ناظم: مفاهيم الشعرية، ص90 .
3
- مشري بن خليفة: الشعرية العربية مرجعياتها وإبدالاتها النصية، ص25 .
4
- حسن ناظم: مفاهيم الشعرية ( دراسة مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم). المركز الثقافي
العربي بيروت، ط1 ،1994 ،ص99 .
5
-جان كوهين: بنية اللغة الشعرية. تر: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، الدار
البيضاء المغرب، ط1 ،1986 ،ص5 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
7
وهو بهذا يتجاوز البلاغة القديمة وتصنيفها، كما قام بتحديد موضوع الشعرية
وربطه بالشعر، فهو يضيق من استعمال المصطلح بقوله: "الشعرية علم موضوعه
2 الشعر"
، وبالتالي حصرها في ميدان الشعر.
2-الشعرية في المدارس العربية قديما وحديثا:
أضحت الشعرية من المصطلحات الأكثر زئبقية وصعوبة في تحديد المعنى وهذا ما
جعل النقاد والدارسين يختلفون في تحديد معنى المصطلح كل حسب خلفياته المعرفية
والثقافية، " فمنهم من غاص في جذور النقد العربي القديم قصد النبش والوقوف على بعض
ما يسمى " شعرية "سواء بمعناها دون ذكر المصطلح بحرفيته دون توجه لروح معنى
المصطلح قائلا : إن الشعرية لم يعرفها العرب القدماء بمعناها الحديث، وإنما ترددت
عندهم ألفاظا من قبيل شاعرية، شعر، شاعر، القول الشعري، والقول غير الشعري
3 والأقاويل الشعرية"

أ- الشعرية في التراث العربي القديم:
انحصرت الشعرية في النقد العربي القديم في مجال الشعر كونه المظهر السائد من
مظاهر الإبداع الأدبي في تلك الحقبة فقد شغل مكانة مرموقة في نفس العربي فهو مبلغ
حكمتهم والحافظ لتاريخهم وأنسابهم وسنتتبع مفاهيم الشعرية منذ أولى محطاتها في النقد
العربي.
1-عبد القاهر الجرجاني:

1
- حسن ناظم: مفاهيم الشعرية، ص 111 .
2
- جان كوهين: بنية اللغة الشعرية، ص 9 .
3
- وليد عثماني:المسارات الإيستمولوجية للشعرية العربية. قراءة في المفهوم والمصطلح والتحولات،
مجلة دفاتر محبر الشعرية، جامعة المسيلة، الجزائر، ع4 ،مارس 2017 ،ص150 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
8
لقد ارتبطت الشعرية عند عبد القاهر الجرجاني بمصطلح النظم الذي يظهر وجود
علاقة بينهما من خلال " كون النظم هو الأساس في الكشف عن شعرية الكتابة أو النص
... فالنظم هو سر الشعرية، والمجاز هو سر النظم "
1
.
ذلك هو الخيط الذي يوصلنا إلى الإمساك بشعرية العمل الأدبي وعليه يقول عبد
القاهر الجرجاني: " أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه – علم النحو
– وتعمل على قوانينه، وأصوله وتعرف مناهجه التي انتهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ
2 الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها"
.
2-الفارابي ( أبو نصر ):
يعد الفارابي من النقاد المتأثرين بالفلسفة اليونانية ولقد أورد مصطلح " الشعرية "
في كتابه " الحروف " مع أنه لا يحمل كل عناصر المفهوم الحديث للشعرية إلا أنها تخفي
ملامح توحي بالمبدأ الأساسي لهذا " فالتوسع في العبارة بتكثير الألفاظ ... وترتيبها
وتحسينها فيبتدئ حين ذلك في أن تحدث الخطبية أولا ثم الشعرية قليلا قليلا ... فالخطبية
هي السابقة أولا... وبعد الدربة تحدث المعاني الشعرية ... ولا يزال ينمو ذلك قليلا قليلا
إلى أن يحدث الشعر ... فتحصل فيهم الصنائع القياسية صناعة الشعر لما في فطرة
3 الإنسان في تحري الترتيب والنظام في كل شيء "
.
والشعر في نظر الفارابي لا يكتمل إلا بعد الدربة في ذلك إعلاء من شأن الشعر
كفن من الفنون الأدبية كما أنه صادر عن نفس إنسانية محبوبة على النظام وحب الرتيب
وفي ذلك إعلاء من شأن النفس الإنسانية.
3-حازم القرطاجني :

1
- أدونيس: الشعرية العربية. دار الآداب، بيروت، ط3 ،2000 ،ص 44 -46 .
2
- عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز. تر: محمد محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط5
.81ص، 2007
3
- أبو نصر الفارابي: كتاب الحروف. تح: محسن مهدي، دار المشرق، لبنان، ط2 ،1990
.142-141ص
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
9
" إن الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها
ويكره ما قصد تكريهه ، لتحصل بذلك طلبه أو الهرب منه ، بما يتضمن من حسن تخييل
له ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيأة تأليف الكلام ، أو قوة صدقة أو شهرته
1 أو بمجموع ذلك "
.
" والشعرية في الشعر إنما هي نظم أي لفظ كيف اتفق نظمه وتنظيمه أي عرض
2 اتفق على أي صفة ، لا يعتبر عنده في ذلك قانون ولا رسم "
.
من خلال هذه المفاهيم لحازم القرطاجني نلاحظ بأن الشعرية عنده تقوم على
المحاكاة و التخييل للدلالة على البناء الجمالي للعمل الشعري.
ب-الشعرية عند النقاد العرب المحدثين :
1-أدونيس (علي أحمد سعيد اسبر ):
يعتبر أدونيس من بين النقاد العرب الذين اهتموا بموضوع الشعرية وذلك من
خلال ربط هذا المصطلح بالفضاء القرآني حيث يقول: "إن جذور الحداثة الشعرية العربية
بخاصة والحداثة الكتابية بعامة كامنة في النص القرآني، من حيث أن الشعرية الشفوية
الجاهلية تمثل القدم الشعري، وأن الدراسات القرآنية وضعت أسسا نقدية جديدة لدراسة
3 النص بل ابتكرت على الجمال جديدا ممهدا بذلك لنشوء شعرية عربية جديدة "
.
ولقد حاول أدونيس أن يجد علاقة بين الشعرية والفكر عند العرب يقول :" تتمثل
في ثلاثة ظواهر تتصل الأولى بالتقدم الشعري والثانية بالنظام المعرفي القائم على علوم

1
- حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء . الدار العربية للكتاب ، تونس ،2008،ص 69 .
2
- حسن ناظم : مفاهيم الشعرية ، ص12 .
3
- أدونيس( علي أحمد سعيد إسبر): الشعرية العربية. دار الآداب، بيروت لبنان، ط2 ،1989
ص57 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
10
اللغة العربية الإسلامية من نحو وبلاغة، فقها وكلاما أما الثلاثة تتصل بالنقد المعرفي
1 الفلسفي"
.
نستنتج أن أدونيس تناول الشعرية من خلال اللغة المجازية التي تتجسد في النص
الأدبي، حيث تجعل منه نصا متعدد التأويلات والاحتمالات التي تتجسد فيه .
2-كمال أبو ديب:
يعد كمال أبو ديب رائدا في مجال الشعرية حيث يبني تصوره لها على أساس
وظيفة إيحائية اسماه بالفجوة ( مسافة التوتر ) والفجوة هي الغياب الذي يخلقه النص
الشعري بعيدا عن المرجع الإنساني لرؤية الأشياء : " الفجوة تميز الشعرية تمييزا
موضوعيا لا قيميا وإن خلو اللغة من فاعلية مبدأ التنظيم لا يعني سقوطها أو أصوليتها أو
2 انحطاطها بالنسبة للغة التي يتجسد فيها مبدأ التنظيم "
.
إن شعرية كمال أبو ديب ترتكز على مسافة التوتر والفجوة للتعبير عن الشعرية
كذلك نجده متأثرا بالنقاد الغربيين أمثال رومان جاكبسون وجان كوهين وتدوروف .
وبالرجوع إلى مصطلح الشعرية وترجمته فقد عرف تطورات عدة، إذ أننا نواجه
مفهوما واحدا بمصطلحات مختلفة " فهو المحاكاة عند أفلاطون وأرسطو، التماثل عند
جاكبسون، الانزياح عند جان كوهين، ونظرية النظم عند الجرجاني، والفجوة: مسافة
التوتر عند كمال أبو ديب، فالوقوف على مصطلح الشعرية من أصعب الأمور وأكثرها
تعقيدا بسبب اشتباك معانيها وتنوع تعاريفها التي تسعى إلى كشف مكونات النص الأدبي
3 وكيفية تحقق وظيفة الاتصالية والجمالية، أي أنها تعني بشكل عام قوانين الإبداع الفني"
.
من خلال ما سبق نجد أن للشعرية حضورا وصدى بالغ الأثر من خلال الأفكار
والرؤى التي تزعمها النقّاد الغربيون والنقّاد العرب، وأول ما يلاحظ على الشعرية الغربية

1
- على أحمد سعيد أدونيس : الشعرية العربية ، ص 56 .
2
- كمال أبو ديب : في الشعرية .مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت لبنان ، ط1 ، 1987،ص85 .
3
- جاسم خلف إلياس: شعرية القصة القصيرة جدا. دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق
سوريا دط، ص 13 .
مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
11
أّنها امتازت بالضبط والتحديد، حيث ربط جاكبسون مفهومه للشعرية بالنموذج الاتصالي
الذي يستلزم بالضرورة حضور الوظائف الّلغوية حتى يتمكّن المتلقي من إكمال مشواره
التواصلي والذي زاد شعريته ضبطا لوظيفة الشعرية التي بفضلها يتحقّق للنّص الشعري
شعريته، بينما يرى تدوروف أن تحديد الشعرية بالشعر لا يكفي لأنّه يحد من فاعلية
الأدب، كما لم يكتف بالحديث عن المميزات التي يتّسم بها كل جنس، وإّنما ذهب إلى أبعد
من ذلك عندما بحث في الخصائص العامة للأدب ونظام الّلغة، و إلى جانب ذلك تمتاز
شعرية جان كوهن بفضيلة التحديد والضبط تحديدا بمصطلح" الانزياح " الذي يعتبر قطب
الرحى كما يظهر هذا التحديد في استخدام الّلغة استخداما شعريا يتماشى مع النظام
الشعري، وهذا ما جعله يختلف مع جاكبسون وتدوروف الّلذان يؤسسان لعلم الأدب، بينما
جان كوهن كان همه منصبا وراء تحقيق ما يسمى بعلم الشعر.
و ما يلاحظ عن مفهوم الشعرية عند النقاد العرب أنّه مازال يكتنفه بعض الغموض
ولكن هذا لا يعني أنّهم لم يتركوا أثرا على مستوى الدراسات الأدبية والنقدية، وهذا ما
نلمحه مع كمال أبوديب التي تنشد شعريته الكلية والانفتاح كونه لم يحصرها في نطاق
الشعر بل عممها على الخطاب الأدبي بصفة عامة مثله مثل جاكبسون وتدوروف، أما
جمال الدين بن الشيخ فرؤيته تلامس ما جاء به جان كوهن كونه أراد تحقيق ما يسمى
بعلم الشعر،عندما أراد الكشف عن مكامن الجمال والإبداع التي يتّسم بها الشعر القديم،
عكس أدونيس الذي تجاوز الشعر القديم و نادى بالشعر الحديث عندما دعا إلى حصر
السمة الشعرية في حدود النص أو ما هو داخلي، لا سيما عندما نادى بقصيدة النثر، وهذه
الأفكار هي التي جعلت من الشعرية العربية لا تتميز بالتحديد والضبط فكل ناقد كانت له
قوانين وقواعد خاصة به.




مـدخل: الشعرية: المفهـوم و المـسار التاريـخي
12








مـقدمـة
أ
لقد حاول الشعراء المعاصرون استثمار كل الأدوات الفنية حتى يحققوا لنصوصهم
قدرا من الإبداع، وقد أثرت طرائق الكتابة الشعرية المعاصرة على بنى النص الشعري،
بما اقترحته هذه الكتابة من إمكانات جديدة على المستويات الدلالية والنوعية والشكلية،
فكان التشكيل البصري الحديث عبارة عن كسر نظام الكتابة المألوف، وهذه الظاهرة
المعاصرة تعد واحدة من الظواهر المهمة في دراسة النص الشعري، وقد تجلت مظاهره
بأشكال مختلفة منها: تمزيق أوصال الكلمة الواحدة من خلال فك ارتباطها الطباعي أو
تفتيت الجملة من خلال بعثرة الكلمات على مساحة الصفحة، وذلك بعد أن اتجهت القصيدة
من الشفهية إلى الرسم، وتحولت من قصيدة تُقرأ إلى قصيدة تُرى.
ومن هذا المنطلق جاء موضوع بحثنا معنونا بشعرية الإضمار في القصيدة الجديدة
ديوان الشاعر العراقي مقداد مسعود ديوان زهرة الرمان أنموذجا، نظرا لأهمية هذا
الشكل الشعري الحداثي وفاعليته من جهة، وأهمية حضوره في الشعر العربي المعاصر
من جهة ثانية، وكذا حاجته إلى دراسات نقدية تبرر جماليته وملامح تميزه وشعريته وسط
سيل النصوص الشعرية البصرية العربية المعاصرة من جهة ثالثة.
فقد انطلق هذا البحث من الإشكالية الأساسية:
- ما هي الأسباب التي دفعت بمقداد مسعود لاختيار هذه الأنماط من الأساليب
البصرية؟ وهذا أثار بدوره جملة من التساؤلات أهمها:
- إلى أي مدى يمكن القول أن التشكيل البصري في الكتابة الشعرية المعاصرة يعد
من العناصر الأساسية التي تسهم في تكوين المعنى الذي يريده الشاعر؟
- كيف يستقبل المتلقي مثل هذا النوع من القصائد البصرية؟
- لماذا يلجأ الشاعر إلى مثل هذه الأساليب المستخدمة في التعبير؟
وقد حاولنا الإجابة عن هذه التساؤلات في هذا البحث المقسم إلى مدخل وقد تحدثنا فيه
عن الشعرية مفهومها اللغوي والاصطلاحي ثم أصولها التاريخية عند المفكرين الغرب
والعرب.
مـقدمـة
ب
أما الفصل الأول وهو فصل نظري حمل عنوان القصيدة الجديدة مسار التحول
وآليات البناء وتطرقنا من خلاله إلى دراسة هذه المظاهر من خمس نواح أساسية هي:
التجديد على المستوى الفني( الصورة الفنية)، على مستوى اللغة، على مستوى
الموسيقي ( الوزن والقافية) وعلى المستوى اللغوي (الرمز والألفاظ الجديدة) وأخيرا
على مستوى البنية.
الفصل الثاني وهو فصل تطبيقي حمل عنوان شعرية الإضمار في ديوان مقداد
مسعود حيث تناولنا فيه دلالات التشكيل البصري والتناغم اللفظي أي إكمال البياض
المعنى للسواد ثم تدرجنا إلى دراسة الشكل الهندسي للقصيدة.
وقد اتبعنا في هذه الدراسة المنهج الوصفي والتحليلي كونهما المنهجان المناسبان
للبحث لأنهما يكشفان عن جانب الشعرية في النصوص واختلاف دلالاتها من قارئ إلى
آخر.
وقد تم اختيارنا للموضوع رغبة منا في دراسته وباعتباره من الموضوعات ذات
الجدل ومن أجل فتح المجال للباحثين والدارسين للتعمق أكثر حول هذا الموضوع كونه
جديرا بالبحث والاستكشاف.
ويكتسي هذا الموضوع أهمية كبيرة في كونه يسعى إلى رصد مدى شعرية
النصوص بمقاربات وأدوات جديدة ومدى إسهام هذه التقنيات الحديثة في إبراز جمالية
النصوص الشعرية.
ومن أهداف إنجاز هذا الموضوع ما يلي:
- تتبع مظاهر التحديث في الشعر العربي ونخص بالذكر التشكيل البصري في الشعر
والذي يتمثل في كل ما تمنحه القصيدة للرؤية من علامات بصرية يمكن تأويلها
وتسهم في إثراء دلالات النصوص الشعرية بكل ما تحمله من صمت وإيماءات.
- رصد ما توصلت إليه اللغة العربية من تغير على المستوى اللغوي باعتمادها على
وسائل التوسع وقد واجهتنا عوائق كثيرة منها:
مـقدمـة
ج
- قلة المادة المعرفية خاصة فيما يخص الجانب التطبيقي للبحث.
- قلة الدراسات الحديثة التي تطرقت للموضوع.
- صعوبة الحصول على الدراسات النقدية التي خلت منها المكتبات تماما.
وقد اعتمدنا في هذا البحث على مجموعة من المصادر والمراجع أهمها :
- ديوان مقداد مسعود: زهرة الرمان.
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث.
- عز الدين المناصرة: علم الشعريات ( قراءة مونتاجية في أدبية الأدب ).
ولا ننسى أن نتوجه بأسمى عبارات الشكر والتقدير والامتنان لأستاذتنا الفاضلة
نسيمة زمالي التي كانت لنا خير عون ودليل، فهي لم تبخل علينا بالنصائح
والإرشادات التي ساهمت بدور كبير في إنجاز هذه المذكرة كما لا يفوتنا أن نتوجه
بالشكر إلى أعضاء اللجنة الكرام لقبولهم مناقشة هذا البحث المتواضع، كما نتوجه
بالشكر إلى جميع أساتذة قسم أساتذة اللغة والأدب العربي راجين من االله أن يثبت
سعيهم، كما نسأل االله عز وجل أن يكون هذا البحث قد أضاف ولو شيئا قليلا إلى
مكتبة البحث العلمي .
كما نرجو أن نكون قد وفقنا في اختيار وانجاز هذا الموضوع.

-واالله المستعان -

الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

12
إن الباحث في الشعر العربي يدرك حقيقة عمق الفكر والاتجاهات الفنية للأدب
خاصة الحديث منه، لذلك وجب علينا ضبط هذا المفهوم من خلال آراء بعض النقاد
والدارسين.
لا يمر دارس ولا قارئ للأدب وفنونه إلا وصادفه تعريف الشعر لأنه كلام
موزون مقفى، وهو أول تعريف قديم للشعر من العرب الأوائل، فهم أول من برزوا فيه
وقالوا الشعر وأجادوا نظمه وأحسنوا طبعه، أما الشعر الحديث كما يقول الشاعر رينيه
1 شار: " هو شعر يعنى بالكشف عن عالم يظل أبدا في حاجة إلى الكشف "
.
الشعر مبحث أصيل عند العرب قديما وحديثا يعني النظم بإجادة للتعبير عن
عواطف أفكار وفق قوالب لغوية معبرة عن وضع ما.
وهذا ما ذكره أحمد الأكحل حين عرف الشعر على أنه:" الكلام الموزون المقفى
السهل العبارات، ذو الخيال البديع، والاستعارات البليغة الفائقة، والمعاني الرقيقة الشائعة
2 دون الغريبة"
.
وقال عنه ابن منظور: " الشعر منظوم القول غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية وإن كان
3 كل علمك شعرا"
.
هذا التعريف العام للشعر الذي هو بحر من الجمال والإبداع، وفي جوف هذا البحر
أبدع البحارة في استكشاف الكنوز واستخراجها، فبين القديم والجديد نظم الشعراء
بطريقتين فكان الشعر بادئ البدء عموديا مضبوطا وفق أوزان وقواعد يمكن للشاعر أن
يخرج عنها لكنه لم يستقر على هذا الشكل فقد ظهرت نخبة من الشعراء حررته من هذه
القيود ليصبح الشعر حرا.

1
-حامد أبو حمد : تحديث الشعر العربي تأصيل وتطبيق. الهيئة العامة لأصول الثقافة، القاهرة،
مصر ط1 ،سبتمبر 2004 ،ص15 .
2
- محمد ناصر : الشعر الجزائري الحديث. مجلة النجاح، ع 828 ،ص67 .
3
- محمد أبو الفتوح غنيم : تعريف الشعر وفائدته وفضله وعناصره. ديوان العرب، 14 مايو،
.15ص 2009
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

13
1-القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء.
1-مسار التحول:
برزت حركة التجديد في العصر الحديث مع رائد الإحياء محمود سامي البارودي
وأبي القاسم الشابي، فصياغة سامي البارودي للشعر كانت نموذجا للتجديد في عصره.
استمرت حركات التجديد في البروز مع ظهور الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية
لتظهر بعد ذلك مدرسة المهجر على يد كل من جبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي
وميخائيل نعيمة.
إن ما يميز شعراء هذه المدرسة هو تمردهم على القيود الشكلية وتجديدهم في
الوزن والقافية حيث يشير أدونيس إلى ذلك بقوله: " ولعل أبرز الثائرين على القديم
1 جبران خليل جبران، والذي يرى بأن الشعر حلقة وصل بين الشاعر والعالم"
.
بالإضافة إلى مدرسة المهجر قامت ثورة تجديدية أخرى هي حركة جماعة الديوان
وجماعة أبولو الشعرية، التي كان شعرهم إفصاحا عن الإنسانية وتعبيرا عن الذاتية
والمشاعر النفسية، ومن مبادئها التنويع في القوافي والبحور والتحرر من القافية الموحدة ،
أما القفزة التي شهدها الشعر العربي الحديث فقد كانت على يد نازك الملائكة وآخرين
بابتداع قصيدة التفعيلة ( الشعر الحر)، فتباينت بذلك أشكالها التعبيرية، وآلياتها الفنية وفق
أسس شعرية رأى فيها أصحابها القدرة على تجارب العصر الجديدة التي لا تقوى الأشكال
2 التقليدية على حملها"
.
وعليه فإن الشاعر أدرك أنه من الضروري أن يجدد من طرق تعبيره وأدواته
الفنية لأن الشكل القديم لم يعد قادرا على استيعاب مستجدات العصر ومن هنا ظهر ما

1
- علي أحمد سعيد اسبر( أدونيس) : الثابت والمتحول في الإبداع والإتباع عند العرب. صدمة
الحداثة وسلطة الموروث الشعري، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط8 ،2002 ،ص41 .
2
- فريدة سوزيف : التجديد في القصيدة العربية. مقال على شبكة عود الند الإلكتروني، تاريخ
https://www.oudnad.net :الموقع، 11:15 :الساعة، 2019 -04 -05 :الزيارة

الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

14
يسمى بالشعر الحر كحركة جديدة حطمت كل القيود وانتقلت بالقصيدة من الجمود إلى
الحيوية وهذا يعني أن التغيير والتجديد أصبح أمرا ضروريا كرد فعل على الشكل القديم
1
.
لقد كانت بداية حركة الشعر الحر عام 1947 في العراق، بل من بغداد نفسها
فزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت بسبب تطرف الذين
استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعا، وكانت أول قصيدة حرة الوزن
" بعنوان الكوليرا" وقد نشرت في بيروت ووصلت نسختها إلى بغداد في أول كانون الأول
" ديسمبر 1947 ،" وفي النصف الثاني من الشهر نفسه صدر في بغداد ديوان بدر شاكر
السياب " أزهار ذابلة "وفيه قصيدة حرة الوزن من بحر الرمل عنوانها" هل كان حبا"
2 كانت من الشعر المختلف الأوزان والقوافي"
.
والشعر الحر تقول نازك الملائكة:" هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت
وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر، ويكون هذا التغيير وفق قانون
3 عروضي يتحكم فيه"
.
من خلال هذا التعريف نستنتج أن الشعر الحر هو شعر يجري وفق القواعد
العروضية للقصيدة العربية ويلتزم بها لا يخرج عنها إلا من حيث الشكل والتحرر من
القافية الواحدة.
والواقع أن ملخص ما فعلته حركة الشعر الحر أنها:" نظرت متأملة في علم
العروض القديم واستعانت ببعض تفاصيله على إحداث تجديد يساعد الشاعر المعاصر
على حرية التعبير وإطالة العبارة وتقصيرها بحسب مقتضى الحال، ولم تصدر الحركة
عن إهمال للعروض كما يزعم الذين لا معرفة لهم به، وإنما صدرت عن عناية بالغة به
جعلت الشاعر الحديث يلتفت إلى خاصية رائعة في ستة بحور من الشعر العربي تجعلها

1
- فريدة سوزيف : التجديد في القصيدة العربية. مقال على شبكة عود الند الإلكتروني.
2
- نازك صادق الملائكة: قضايا الشعر المعاص. دار الآداب، بيروت- لبنان، ط4 ،1974 ،ص35 .
3
- نازك صادق الملائكة: قضايا الشعر المعاصر، ص60 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

15
قابلة لأن ينبثق عنها أسلوب جديد في الوزن يقوم على القديم ويضفي إليه جديد من صنع
1 العصر"
.
مما تقدم لنا نستنتج أن الشعر الحر يعد من أكثر مظاهر التجديد الذي حدث للشعر
في العصر الحديث أخرج القصيدة العربية من دائرة التقليد من حيث الأسلوب والفكرة
والغرض والقالب، كما أنه ساعد الشاعر على حرية التعبير وأيضا على إطالة أو تقصير
العبارة حسب مقتضى الحال.
وإضافة إلى ما سلف فإن" الشكل الشعري الحديث بعد عشرين سنة من النمو
استطاع أن يتجاوز الشكل القديم، وأقام بين نفسه وبينه جدارا يصعب على قارئ الشعر
أن يتخطاه ما لم يلم إلماما حسنا بالتحولات الثورية التي أصابت العناصر الأساسية للشكل
الشعري كاللغة والإيقاع والتصوير البياني، وما نتج عن تحولاتها مجتمعة من تغير في
2 سياق القصيدة وفي بنائها العام"
.
وخلاصة القول أن التغيير لحق بالقصيدة شكلا ومضمونا مما أتيح لها إعادة النظر
في أدواتها وانجر على ذلك أن تجاوزت الشكل القديم، كما كان تطور القصيدة متكاملا
يتفاوت السعي فيه.
2-آليات بناء القصيدة الجديدة:
تعتمد القصيدة الجديدة في بنائها على آليات كثيرة لعل أولها:
1-الصورة:
تعد الصورة الفنية واحدة من أبرز الأدوات التي يستخدمها الشعراء في بناء
قصائدهم وتجسيد أحاسيسهم ومشاعرهم، والتعبير عن أفكارهم وتصوراتهم للإنسان
والكون والحياة.

1
- نازك صادق الملائكة: قضايا الشعر المعاصر، ص39 .
2
- المجاطي أحمد المعداوي: ظاهرة الشعر الحديث. مكتبة الأدب المغربي، الدار البيضاء،ط1 ،
.156ص 2002
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

16
" فقد خرجت الصورة في الشعر الحديث من مجرد علاقة جزئية بين مشبه ومشبه
به ومن مجرد المهارة والبراعة في الدقة والمقابلة إلى نوع من المشاهد أو اللقطات
الموحية والمتتالية في سرعة ننقل لك صورا متلاحقة مرئية ومسموعة، أشبه بما تشاهده
في أفلام السينما ولذلك أطلقوا عليها كلمة " المونتاج " بحكم كونها مشاهد متلاحقة تشبه ما
نراه من لقطات متتالية على شاشة السينما... ولأنها تسرع وتتلاحق ومن مجموعها تتشكل
1 لك رؤية كلية "
.
لقد أخذت عناصر الصورة في النقد الحديث أبعادا أكثر انفتاحا وشمولية حيث "
تمثل الصورة الشعرية في حساسيتها التعبيرية الجوهر الدقيق للغة الحسية الحاملة لشكل
التجربة ومضمونها ورؤيتها، وعلى هذا فإنها تمتلك قدرة تماثل قدرة الحلم الذي يعيد
2 المرء فيه التوازن بين الممكن واللاممكن، ويضع معادلة بين المرء والمتخيل"
.
تعتمد الصورة الشعرية في تركيبتها الفنية على ما يصطلح عليه بـ(القوة
المحركة) الدوال، وهي تمضي باتجاه التكوين والصيرورة الشعرية الفعالة داخل حدود
الصورة بحيث تعتمد في تشكيل أنموذجها على الحاسة المجردة من كل قيد، ووظيفتها
جحود الواقع ،وموضوع الفن فيها مبني على أساس تفويق العلم وهدمه وصياغته فنيا من
3 جديد
.
ومنه فإن القصيدة الحديثة تحاول وتسعى دائما بوساطة تقديم بناء متميز من
الصور أن تقوم بهذا الدور التأثيري في مجال التلقي ـ إما عن طريق التراكمي، أي حشد
الصور وترتيبها على نحو يذكرنا بالمونتاج السينمائي (التقطيع)، أو بواسطة الشكل
التكاملي المتوازن، أي الشكل الذي يهتم بوجود عناصر العمل الفني، بقنع المتلقي ويلفت
انتباهه .....بالمتابعة والتواصل ".

1
- فريدة سوزيف : التجديد في القصيدة العربية. مقال على شبكة عود الند الإلكتروني.
2
- سلمان علوان العبیدي: البناء الفني في القصیدة الجدیدة. عالم الكتب الحدیث، إربد- الأردن، 2011
ص74 .
3 -سلمان علوان العبیدي: البناء الفني في القصیدة الجدیدة ، ص 75 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

17
وعليه فإن الصورة تعد جزءا مهما من أجزاء القصيدة الشعرية، حيث تضيف
جمالا ورونقا إلى النص الشعري ، وهذا ما جعل الشعراء يحرصون على التجديد فيها، إذ
تجعل من إدراك بالنسبة لنا يسيرا وتمثل الجوهر الدقيق للغة الحسية الحاملة لشكل
التجربة.
2-الموسيقى والإيقاع :
تعتمد موسيقى الشعر الحديث على تناسب الحروف واتساق العبارات وسلاستها
فضلا عن التوازن بين التراكيب والأسجاع ، والأضداد والتماثل في الإيقاعات اللقطية،
1 وهذا شيء تنفرد به القصيدة الجديدة العربية في أي عصر من عصور الأدب.

شهد العصر الحديث " تطورا في موسيقانا، وأصبح بلون من ألوان الموسيقى
الغربية حينا، وموسيقى الأمم الشرقية الأخرى حينا آخر ،ورأينا الجيل الناشئ يقبل على
هذا التجديد في حماس ورغبة ،ويؤثر على ما شاع عندنا من موسيقى في القرن الماضي
"
2
وعليه فإن موسيقى الشعر الحديث تعتمد على اتساق العبارات وتناسق الحروف ، أما
الغرض الذي تقوم عليه القصيدة الجديدة هو جعل التشكيل الموسيقي خاضعا للحالة
الشعورية ، وبالتالي فإن العصر الحديث شهد تطورا كبيرا حيث اصطبغ بلون من ألوان
الموسيقى الغربية.
" لذا فالشاعر في العصر الحديث صار في إمكانه أن يجرب الأصوات المتباينة
ويعيد خلق أصوات جديدة ، كما أتاح خلق أصوات جديدة ،وأتاح كذلك نظام التفعيلة
للشاعر الفذ إمكانات واسعة لاستخدام كل إمكانات الإيقاع الذي يقوم على التناسب والتتابع
وتشكيلاته المعبرة عن الجو النفسي المطلوب والتعبير الموسيقي المناسب والملائم

1
- إبراهيم خليل : الشعر العربي الحديث . دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، عمان -الأردن،
ط2 1427 هـ - 2007 م،ص 325 .
2
-عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر (قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ). دار الفكر
العربي القاهرة ، ط3 ، 1966 ،ص62 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

18
للموضوع باختيار عدد التفعيلات المناسب و ربط التفعيلات ببعضها البعض وفق نظام
1 تحدده التجربة الشعرية عبر قدرات الشاعر في الصياغة والتعبير"
.
استطاع الشاعر أن يتحرك نفسيا وموسيقيا وفق الحركة التي تموج بها نفسه وهذا
بعد تحطيمه للوحدة العروضية للبيت وبازدياد وعي الشعراء بمسؤولية القافية المطردة
عن تقييد حرية الإبداع تشكلت لديهم الكيفية الواضحة للتجديد فيها والتي بدأت بثورتهم
على الاطراد النسقي للقافية وهذا بدوره دعا إلى تشجيعهم إلى ضرورة إتباع القافية
للتجربة بجعلها نتيجة عضوية طبيعة للتجربة لا قيدا سابقا عليها وقد التزمت بعض
القصائد الشعرية المعاصرة بهذه القافية ولكنها عدلت في أنساقها واتفقت هذه القصائد فيما
بينها على عدم الخضوع المسبق للقافية كما اتفقت في توظيف القافية باعتبارها عنصر
حيا من عناصر التجربة الشعرية بما يعد مخالفة صريحة واضحة كاملة لموقع القافية في
2 الشعر العربي القديم ولكيفيتها "
.
إن مفهوم الشعر عند الشعراء المحدثين ووعيهم بطبيعة التجربة الشعرية وما
تتطلبه من استغراق وصدق وحرية ، كان الدافع الأول لتحولهم عن المفهوم القديم للقافية
،أما الدافع الثاني فنظن أنه متمثل في تجديد لغة الشعر وتطورها واستثمار ما بها طاقات
إيقاعية ذاتية تعوض الإيقاع الخارجي الرتيب المتمثل في القافية أو وفي الوزن التقليدي.
نستنتج مما سبق أن التجديد في القافية كان دافعه التجديد في لغة الشعر وتطورها
حتى تنسجم مع روح العصر.
3-اللغة:
اللغة وسيلة للتواصل بين الشاعر والقارئ، تقوم على إظهار الجانب
الإبداعي،فالقصيدة بمضمونها تظهر شكل فني، توجد علاقات لغوية غير اعتيادية، تخرق

1
-رمضان الصباغ: في نقد الشعر العربي المعاصر دراسة جمالية، دار الوفاء لدني الطباعة والنشر
الإسكندرية ط1 ،2002م، ص177 .
2
- كاميليا عبد الفتاح: القصيدة المعاصرة (دراسة تحليلية في البنية الفكرية والفنية).دار المطبوعات
الجامعية الإسكندرية، د.ط، 2006 ،ص682 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

19
النظام المألوف، وهي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها وجودا متميزا
قائما بخصائصه فهي قومية الفكر ،تتحدد بها الأمة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى
من المادة ،والدقة في تركيب اللغة على دقة الملكات في أهلها ،وعمقها هو عمق الروح
1 ودليل الحس على ميل الأمة إلى التفكير والبحث عن الأسباب والعلل
.
" تقوم لغة الشعر على استخدام كلمات محدودة من التراث بشرط أن تكون لها
دلالة الرمز الذي يعبر عن شيء قد يألفه القارئ أو يمثل جزءا من ثقافته فكلمة (البراق)
مثلا تستحضر عند قراء العربية حكاية يعرفها الجميع وهي حكاية (معراج ) الرسول
2 صلى االله عليه وسلم"
.
وعلى هذا نجد أن شعراء التجديد مالوا إلى استخدام الألفاظ المألوفة لدى القراء
على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم التعليمية، فتجنبوا بذلك اللفظ العربي المهجور.
والتجديد في اللغة يساعد الشاعر على تبني مفهوم جديد للقصيدة وذلك من خلال
توظيف مجموعة من الألوان التي تساعد على صياغة النص الشعري، وعلى هذا لم يعد
الشاعر يحس بالكلمة على أنها مجرد لفظ صوتي له دلالة أو معنى ، وإنما صارت
الكلمات تجسيما حيا للوجود، ومن ثمة اتحدت اللغة والوحدة في منظور الشاعر.
4 -توظيف الرمز و الأسطورة:
الرمز وسيلة فنية للتعبير غير المباشر يستخدمها الشاعر للتعبير عما لا يستطيع
التعبير عنه مباشرة " فالرمز إذا تعبير غير مباشر عن خوالج أنفسنا، فهو يومي فقط
وتكون الصلة بين الذات والأشياء عن طريق الإشارة النفسية لا السمعية والتصريح فهو

1
- أحمد حاجي : مصطلح اللغة الشعرية المفهوم والخصائص. مجلة مقالية، جامعة قاصد مرباح
ورقلة العدد 09 ،ديسمبر 2015 ،ص 91 .
2
- إبراهيم خليل: الشعر العربي الحديث، ص326 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

20
وسيلة حديثة أبتدعها الشعراء للتعبير عما بداخلهم يختبئ وراءه الشاعر ليعبر عنها علنا ،
1 فالرمز هو أفضل طريقة للإفضاء بما لا يمكن التعبير عنه وهو معين لا ينص للإيحاء"
.
إذن فالرمز أسلوب تعبيري عما يجوب خاطر الإنسان من مشاعر لا يستطيع التعبير
عنها بشكل مباشر، وهذه القدرة لا يمتلكها إلا صاحب نظرة مميزة لمجريات واقعية
(الشاعر).
تعددت مفاهيم الرمز حيث نجد الدكتور غنيمي هلال يعرفه قائلا: " الرمز معناه
الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي تقوى على أدائها اللغة
في دلالتها الوضعية و الرمز هو الصلة بين الذات و الأشياء، بحث تتولد المشاعر عن
2 طريق الإثارة النفسية، لاعن طريق التسمية والتصريح "
.
وعليه فإن الرمز هو استعمال كلمة تحمل دلالات مشتركة للتعبير عن تجربة
شعورية تعمل على تكثيف الصورة الشعرية كما يزيد من جمالية القصيدة.
يلجأ العديد من الشعراء إلى الرمز ليعبروا عن الأشياء التي لا يستطيعون التعبير
عنها بغير الرمز " فيتخذ الشعراء من الرمز أداة للتعبير بدعوة أن اللغة العادية عاجزة
عن احتواء التجربة الشعرية و إخراج ما في اللاشعور، وتوليد الأفكار الكثيرة من ذهن
القارئ فبالرمز تستطيع اللغة نقل هذه التجربة واجتياز عالم الوعي إلى عالم اللاوعي.
إن توظيف الشاعر للرمز " يقتضي منه وعي بدوره الحضاري والوعي أيضا بكيفية
تفجير ما في الرموز من طاقة إيحائية معبرة عن التجربة الشخصية و الإنسانية معا، إذ

1
- إبراهيم رماني: الغموض في الشعر الحديث. المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وحدة الرغاية
الجزائر، 2008 ،ص388 .
2
-محمد غنيمي هلال: الأدب المقارن. نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. الفجالة، القاهرة، ط9
.315 ص، 2008
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

21
ينبغي أن تحمل هذه الشخصيات في السياق الشعري هذه القدرة فقدت وجودها الرمزي
1 وفقدت نتيجة لذلك تأثيرها الشعري المنشود"
.
وعموما فالرمز والأسطورة كانا وسيلة تعبير قديمة، يعبر الناس فيها عن مقاصدهم
بالإيماء و الإيحاء ولكن أصبح الشاعر المعاصر يوظفها في تجاربه الشعرية لينتقل من
بلاغة الوضوح إلى بلاغة الغموض في سعيه المستمر، وراء اكتشاف أدوات تعبير لغوية
يثري بها لغته الشعرية فهو " مرتبط كل الارتباط بالتجربة الشعرية التي يعانيها في واقعه
2 الراهن"
.
كذلك فإن من دوافع تميز الشعر المعاصر بالرموز و الأساطير ما تميز به الشاعر
المعاصر من الوعي بتاريخه الإنساني والقومي والشخصي، وما اكتسبه من ثقافات
متنوعة متعددة، ويعد القرن التاسع عشر هو البداية الحقيقية لاهتمام علماء الأنثربولوجيا
3 بدراسة الرمز"
.
وبناء على ما تقدم نقول أن الرمز و الأسطورة يعتبر سمة أسلوبية وعنصر من
عناصر النص الأدبي منذ القديم وحتى في الوقت الحاضر نجده يسيطر على لغة القصيدة
الحديثة وتراكيبها وبنايتها، والرمز بشتى صوره ( المجازية والبلاغية والإيحائية) يعد
تعميقا للمعنى الشعري إذ يسهم في الارتقاء بشعرية القصيدة .
يعد توظيف الرمز والأسطورة في القصيدة الحديثة سمة مشتركة بين غالبية
الشعراء على مستويات متفاوتة من حيث الرمز البسيط إلى الرمز العميق إلى الرمز
الأعمق ...وهكذا ومع أن الرمز أو الترميز في الأدب بعامة سمة أسلوبية وأحد العناصر

1
- نسيب نشاوي: المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر
د ط، 1984م، ص457 .
2
- كامليا عبد الفتاح : القصيدة العربية المعاصرة ( دراسة تحليلة في البنية الفكرية والفنية )،
ص539 .
3
- السحمدي بركاتي: الرمز التاريخي ودلالته في شعر عز الدين ميهوبي. رسالة ماجستير، جامعة
الحاج لخضر باتنة ، 2008-2009 ،ص 8 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

22
الجوهرية في النص الأدبي منذ القدم إلا أننا نراه قد تنوع وتعمق وسيطر على لغة
القصيدة الجديدة وتراكيبها وصورها وبنيتها المختلفة، والرمز بشتى صوره المجازية
والبلاغية والإيحائية تعميق للمعنى الشعري ومصدر للإدهاش والتأثير وتجسيد لجماليات
التشكيل الشعري، وإذا وظف الرمز بشكل جمالي منسجم واتساق فكري دقيق ومقنع فإنه
يسهم في الارتقاء بشعرية القصيدة وعمق دلالتها و شدة تأثيرها في المتلقي، وقد غرف
شعراؤنا من معين الرمز الأسطوري و التاريخي و الثقافي صورا فنية دالة أغنت
1 نصوصهم الشعرية و عمقتها فكريا وجماليا"

ويبرز توظيف الرمز الأسطوري في شعر رواد القصيدة الجديدة إذ أن " الأسطورة
شأنها شأن اللغة والإدراك يمكن أن تكون وسيلة مهمة ومصدرا يضئ آفاق التجربة
الشعرية فهي من المتطلبات الأساسية التي تساعد الشاعر في تعبيره عن رؤيته الخاصة
2 التي يمكن أن يفصح عنها تكوين العمل الشعري"
.
وفيما يتعلق باستخدام الرمز الأسطوري يذهب إليوت في استخدامه لها على أن
الشعر الحديث يشكل قلقا للوعي السائد وتحولا في مستوى الآداء وينطلق من إحداثه أي
الشعر تلك الخلخلة التي يحدثها في اللغة السائدة .
" إن حضور الرمز الأسطوري في القصيدة جعلها تتنازل عن هويتها الذاتية لكي
3 تكسب فرصة التوحد مع الجنس البشري في أجياله المتعاقبة "
.
وقد أثبتت الرموز الأسطورية قدراتها على احتواء التجارب الإنسانية على اختلاف
مشاربها، وكان لها حضور على مدى أبعاد المكان و الزمان وبفعالية مدهشة تبعث داخل
النفس ما تحفظ به من أشياء عفا عليها الزمن في لحظات حرجة يتوحد فيها الإنسان مع
نفسه فتغدو تجربته شاملة لأنها تستمد ديمومتها من تجارب شاملة.

1
- فريدة سوزيف : التجديد في القصيدة العربية. مقال على شبكة عود الند الإلكتروني.
-
2
جاكوب كوراك: اللغة في الأدب الحديث. تر: ليون يوسف و عزيز نوئيل، بغداد، 1989 ،ص 24.
3
-هانيز ميرهوف: الزمن في الأدب ̒. ترجمة: أسعد رزق مؤسسة سجل العرب، القاهرة، 197 ،ص
.91
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

23
وقد حاول رواد الشعر الحر الابتعاد عن التعبير العام في ألفاظ مجردة إذ وجدوا
في تلك الرموز الأسطورية مادة تحقق لهم بعض ذلك فتوجهوا إليها توجها ملفتا للنظر ما
جعل بعض الباحثين إلى عده ملمحا من ملامح التجديد في القصيدة الحديثة، " لقد حاول
الأديب استثمار الأحداث البدائية الساحرة لإضاءة نصوصه إما إرضاء لطموحه أو تحقيقا
لمضامين فكرية جديدة، فعد ذلك من باب التجديد في المضامين في القصيدة العربية حين
راح الشاعر يستلهم من الأفكار و الرموز و بعد صياغتها ببناء جديد ينسجم مع العصر و
1 الفكر"
.
لقد حفلت القصيدة الحديثة برموز أسطورية كثيرة إذ استطاع الشاعر تطويعها
لإبداعه الفني الخاص وقد كان لتغيير الواقع الاجتماعي و السياسي أثره في الابتعاد عن
الدلالات الرمزية القديمة بعد إيجاد الشاعر بدائل موضوعية في واقعه الجديد، وعليه فإن
توظيف الشاعر لهذا الرمز يقتضي منه الوعي بدوره الحضاري و الوعي أيضا بكيفية
2 تفجير ما في الرموز من طاقة إيحائية معبرة عن التجربة الشخصية والإنسانية معا"
.
إذا ينبغي أن تحمل هذه الشخصيات في السياق الشعري ملامح الشخصي و العام أو
بعبارة أدق " الفردي و الجمعي فإذا هي فقدت في السياق الشعري هذه القدرة فقدت
3 وجودها الرمزي و فقدت نتيجة لذلك تأثيرها الشعري المنشود"
.
وهذا يقتضي من الشاعر أنسنة الرموز فهي بوضعيتها التاريخية المعروفة
اكتسبت معنى في الذاكرة الإنسانية لكنها حين توظف رمزيا في القصيدة لا تصير مرتهنة
بإطارها التاريخي فقط بل تتسع لتصبح حالة، " فالقيمة كامنة في لحظة التجربة ذاتها
وليست راجعة لا إلى صفة الديمومة التي لهذه الرموز ولا إلى قدمها ليس هذا هو الحل
المزلق الوحيد الذي يجب على الشاعر تفاديه في توظيفه للرموز بل يبقى عليه أيضا أن
ينجح في تفجير علاقة حية عضوية بين الرمز و عناصر الصورة الشعرية الأخرى، بل

1
- ياسين طاهر عايز: القصيدة الحديثة عند الشعراء الرواد – البنية و المتغيرات. ص35.
2
- كاميليا عبد الفتاح : القصيدة العربية المعاصرة. ص 539.
3
- عزيز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر. ص 204.
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

24
بين الرمز و وسائل أجزاء القصيدة بحيث لا يقحمه على القصيدة ولا يحمله ما فوق طاقته
الدلالية أو ما يخالفها ويضعه في سياق غير ملائم لطبيعته أو يعمد إلى تكديس رموزه
1 غير منتبه إلى التباين بين دلالتها أو إرهاقها لعقلية القارئ مما يحول القصيدة إلى ألغاز"
.
وختاما إن استخدام الشعراء للرموز الأسطورية يعبر عن مدى حيوية القصيدة
الحرة في استلهام التراث الأسطوري الإنساني ما يحمله من رموز استخدامها الشعراء
للتعبير عن مواقف عصرية نظرا لما تحمله تلك الرموز الأسطورية من موحيات و
دلالات إفادة الرواد في استلهام معطيات العصر الحديث و إرهاصاتها الفكرية و السياسية
من خلال توظيف تلك الرموز في البناء الشعري.
5-كسر البنية:
إن تكسير البنية القديمة لا يعني التمرد الكاسح و الخرق الكلي لعمود الخليل
و الخروج المطلق عن كل الأسس الإيقاعية للقصيدة الشعرية، وإنّما يعني عدم التزام
الشاعر المعاصر بتفعيلات محددة، وقافية موحدة، ومعجم يستدر معاينة من ضرع
القاموس القديم ونهجه نهجا إيقاعيا جديدا، رغبة منه لجعل القصيدة وحدة متماسكة تعبر
عن المضمون الفكري المرتبط بقضايا العصر، وإحباطات الإنسان المعاصر وعذاباته، "
فالشعر الحديث لا يتقيد بعدد محدد من التفعيل لكل بيت ولا يلتزم بجميع أحكام العروض
2 التقليدية بل يسمح لنفسه بتنويع لإيقاع مجاراة لما يتطلبه المضمون الفكري و العاطفي"
.
لقد سعى الشاعر المعاصر إلى تشكيل رؤا ̒ ه الخاصة في ضل المستجدات و
القضايا التي يعرفها الواقع المعاصر بآليات فنية وتعبيرية مختلفة و تراكيب جديدة فأصبح
الشعر رؤية تتطور بتطور العالم ومدى انفتاح الشاعر عليه وإحساسه الشامل بحضوره
فيه، موظفا رموزا وأساطير لتجسيد مشكلات الشاعر، وقلقه و الصراع العميق مع الذات
والواقع البشري.

1
- كاميليا عبد الفتاح: القصيدة العربية المعاصرة. ص 549.
2
- سعد بن موزون: مدخل إلى تكسير البنية و تجديد الرؤيا في الشعر العربي الحديث- مقالاتو دراسات –المغرب، 15-02-2011 .
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

25
" أسفر الوضع الشعري الجديد عن ولادة نماذج متعددة لبنية القصيدة لم تعهدها
قصيدة الرؤية من قبل، بعد أن دخلت استراتيجيات وتقنيات جديدة في صلب الرؤية مثل
تقانة القناع أو استدعاء الشخصيات التاريخية و توظيف الأسطورة و أساليب التناص
والمونتاج و النزعة الدرامية، كما استفادت القصيدة الحديثة من فنون أخرى كالرسم
والتصوير في مجال الصورة لتقترب بذلك من فضاء التشكيل، واستفادت من عنصر
الحكاية و السيرة و الخبر بوصفها عناصر سردية، كما لم يكن الشاعر الحديث غافلا عن
1 توظيف الأمثال و الأغاني الشعبية"
.
ومن هنا فإن " بناء القصيدة المعاصرة يتضافر في تشكيله الواقع والتراث الحاضر
والماضي الذات والموضوع أنه بناء جدلي جديد يهتم بالإنسان لا بالفرد بالقضية وليس
بالموضوع، كما أصبح الخيال أكبر تعقيدا والتصوير أكثر رمزية و الكلمة أبعد دلالة
وأصبحت الموسيقى اقرب إلى الهمس و النجوى لأن القصيدة المعاصرة موجهة للقراءة
وليس للخطابة أو الفناء، كما اقتربت اللغة من لغة الحياة لأن القيمة الجمالية لم تعد في
رصانة الكلمة و إنّما في قدرتها الدلالية و الرمزية"
2

ومن خلال ما ورد نخلص إلى أن بنية القصيدة الحديثة ترمى إلى تعزيز وتأسيس
̒ وعي التجربة لدى الشاعر كما قدمت نماذج جديدة فهي تتميز بوصفها حالة شعرية جديدة
عبر الانفتاح على آفاق جديدة .
في سعي القصيدة العربية إلى تطوير بناها الشعرية " حققت انجازات مهمة تمثلت
في تقديم نماذج جديدة وخاصة في مجال الثقافات الشعرية، إذ تعددت البنى بتعدد التجارب
وأصبح لكل قصيدة بنيتها الخاصة وشعريتها الخاصة، وقوانينها الخاصة، وحداثتها
الخاصة وعلى هذا الأساس يجري الكلام – في أثناء قراءة النص الشعري الحديث –على

1
- فيصل صالح القصيري: بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة. دار مجدلاوي للنشر و التوزيع
عمان – الأردن، ط1 ،1426ه – 2006م، ص 28.
2
- طه وادي:جماليات القصيدة المعاصرة. الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان،
مصر،ط1،2000 ص 11.
الفصل الأول: القصيدة الجديدة: مسار التحول وآليات البناء

26
التعددية في حقول متنوعة منها البنى الشعرية، والشعريات و الحداثات المختلفة فالثقافة
1 الشعرية الجديدة قائمة على أساس التجاوز و الاختلاف و خلخلة بنية السائد شعريا"
.
اكسب تيار تكسير البنية في الشعر العربي الحديث دفقا جديدا في معماريته وبنيته
الإيقاعية و الفنية و اللغوية فشحنه بلغة إيحائية و رموز و أساطير مفعمة بدلالات غير
دلالاتها المباشرة تكثف النص و تعطيه أبعاد أخرى مفتوحة على تأويلات متعددة
وقراءات مختلفة مما أفرز قارئا جديدا غير الّذي عكف على الموروث الشعري القديم
لآماد و دهور طويلة، فكان لزاما على المتلقي الجديد أن ينفتح على هذه التجربة الحديثة
من خلال أبنيتها و أنساقها اللغوية و المعرفية .
وخلاصة ما سبق عرضه في هذا الفصل نصل إلى القول أن القصيدة العربية
شهدت تحولات كثيرة مما أدى إلى هدم القالب التقليدي فنجم عن ذلك تخلصها من الأعباء
الثقيلة التي أرهقت كاهلها فاستطاعت اللغة فيها أن تحلّق إلى عوالم أرحب و أبعد، كما
تميزت القصيدة بوصفها حالة شعرية جديدة ببنياتها الخاصة عبر الانفتاح على آفاق
جديدة، كما انتقلت القصيدة من منطقة الخمول إلى منطقة الفعالية الشعرية وقد كان لظهور
حركة الشعر الحر دور كبير في تحولها ذاك، فقد جاءت هذه الحركة لينفُض المبدعون
عنهم قيود الوزن و القافية تناسبا مع موضوعات العصر، فبدوره ولد تماشيا مع الانفتاح
على الغرب وكان تحرر القصيدة العربية انطلاقة جعلت القصيدة العربية أكثر مرونة و
حيوية وتجاوبا ومنحت الشاعر الفرصة في التعبير على مشاعره بحرية تامة من خلال
البنية مرة، و التجديد في الجانب الموسيقي مرة أخرى وعلى مستوى اللغة ثالثا.




1
- فيصل صالح القصيري : بنية القصيدة في شعر عز الدين المناصرة، ص 28 .


الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
27
لقد حظيت القصيدة التشكيلية بأهمية كبيرة في الدراسات المعاصرة فهي تعتمد على
التشكيل البصري برؤية سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر (العين المجردة) أم على
مستوى البصيرة ( عين الخيال)، والتشكيل بهذا المفهوم " يختلف عن مفهوم الشكل الذي
سبق له في سياق الدرس النقدي والأدبي معنى تقليدي يشير إلى قالب أو نمط معروف
1 مسبقا فكان التشكيل البصري النابع من المضامين والعائد إليها هو البديل والملاذ "
.
من هنا نفهم أن الممنوح للبصر يتحدد في حيز التشكيل المنبثق عن الجدل بين
الشفهي والمكتوب في كل المحاولات الرامية إلى تجسيد سمات التشكيل البصري
المصاحبة للإلقاء في النص المكتوب، حيث تصبح هذه العلامات عناصر تكوينية في
النص الشعري وليست تجميلية.
فانتقلت القصيدة البصرية – ومن بينها ديوان زهرة الرمان- من الأداء الشفاهي
إلى الكتابة، وتجلت في حاسة البصر والسمع وهذا ما تجلى في ديوان زهرة الرمان
للشاعر العراقي مقداد مسعود، ومن هنا اكتسب التشكيل " أحقية وصفه بالبصر إذ أنه من
حيث انتمائه وتضمنه وإحالته لا يتحقق و يدرك ويتلقى إلا من خلال حالة البصر وإلى
حقل الثقافة البصرية ". وتعرف القصيدة الجديدة بأنها " منظومة من الرموز والأشكال
والعلاقات والمضامين والتشكيلات التي تحمل خبرات ورصيد الشعوب وتتصف سماتها
2 وهي نامية ومتجددة وذاتية ديناميكية "
، وبناء على هذا السياق لا يمكن "إغفال مجالات
الدرس في حقل الثقافة البصرية التي تدور حول البحث الفلسفي في إستيمولوجيا المشاهدة
وسيميوطقية العلاقة البصرية وحول البعد السيكولوجي للمجال البصري وسيضم هذا
فضاءات ذات بعد ظاهري وعضوي ومعرفي تتعلق بالتفاعل الإبصاري، وهي درس
3 اجتماعي عن صيغ العرض والتفريغ البصري و أنتربولوجيا المشاهدة"
.
كما تهدف هذه الثقافة إلى تجسيد الإدراك الحسي للعالم لا إلى خلق التصورات عنه
من خلال دعوة المتلقي إلى التبصر في المعطى البصري للنص في غياب المحفزات

1
- محمد الصفراني: فضاءات التشكيل والشكل. بيروت لبنان ، المركز الثقافي العربي ،ط1 ،ص14 .
2
- محمد الصفراني : فضاءات التشكيل والشكل ، ص18 .
3
- محمد الصفراني : فضاءات التشكيل والشكل ، ص19 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
28
لتصور غير بصري، وبالتالي فالثقافة البصرية هي المحفز الرئيسي للتشكيل البصري في
الشعر العربي الحديث، وهو بدوره يساير واقع الحياة المعاصرة التي تهتم بجانب المادة
والمدركات الحسية مما يجعله يختلف من نص إلى آخر حسب مضمون النص هذا ما
يؤكد أن التشكيل في القصيدة يختلف حسب حالة النص.
وبناء على ما تقدم فالتشكيل البصري مركب من خط ولون وكتابة وفضاء أو ما
ينشأ عن ذلك من علاقات مركبة تناغما وتضادا وإيقاعا وانسجاما، وهذا ما حاول مقداد
مسعود توظيفه في قصائد هذا الديوان.
فقد نهل التشكيل البصري من فلسفة الفن التشكيلي الرسام والشاعر على درجة
التقارب والالتصاق وكما قيل : " إن العمل الفني المثمر حقا هو ذلك الذي يحتاج إلى مئة
عمل من جنس أدبي آخر والعمل الذي يضم مجموعة مختارة من الرسوم هو نواة مئة
1 قصيدة، وقد ساهمت هذه المبادئ في مد النص الشعري الحديث بمحفزات ومقويات"
،
حيث ظهر هذا الالتصاق بين هذين اللونين من الفنون في غلاف الديوان الذي يعتبر
أرضية ولمحة عامة عما تحتويه هذه القصائد.
بمعنى أن الشعر وثيق الصلة بفن الرسم فقد أشار الفارابي إلى العلاقة بين الشعر
والرسم محددا موضوع كل منهما، إذ يرى أن بين أهل الصنعة وبين صناعة التزويق
مناسبة كأنهما مختلفان في مادة الصناعة ومتفقان في صورتهما فكليهما يركز على
الجانب البصري الذي يجعل كليهما أقرب إلى الحس من خلال المحاكاة، وبذلك
فالمجموعة الشعرية (زهرة الرمان) للشاعر والناقد مقداد مسعود تعد لوحة تشكيلية
ومقطوعة موسيقية ونصا شعريا متماسكا في نقل الهم العراقي بما يجول بهذا الوطن
المذبوح من قبل الأقرباء قبل الغرباء.



1
-نزيهة درار:التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر"نماذج مختارة"، مجلة الخطاب
التواصلي الجزائري، نشر في 30/04/2017 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
29
1 -آليات الإضمار في القصيدة الجديدة:
تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنّنا نسعى في استخدامنا لمصطلحي الخفاء
والتجلّي إلى توظيفهما بوصفهما عنصرين رئيسيين في بنائية الشعر العربي المعاصر،
والشعر العراقي – على اعتباره رافدا مهما من روافد هذا الشعر- وعلى اعتبار
استعمالهما الدلالي بطبيعتهما المتعارضة سيميائيا في مجال الشعر، فهما "يقابلان ثنائية:
"1 الضمنية/ المباشَرةُ
2 كما أنّهما يدلاّن على " البنية العميقة والبنية السطحية"
. فكيف يمكن
أن نبسط القول في مقولة الخفاء والتّجلي في جنس من الخطاب مخصوص، ونعني به:
الخطاب الشعري ؟ وكيف يمكن رصد تجلّياتها في الشعر العراقي المعاصر على وجه
الخصوص ؟ ثم ماذا عن اتّصال ذلك بما وسمناه ب " شعرية الإضمار في نموذج من
الشعر العراقي هو ديوان زهرة الرمان" ؟
يستلزم الوقوف عند حضور ظاهرة الإضمار من خلال نموذج من الشعر العراقي
الحديث والمعاصر ومساءلة جوانب الشعرية الّتي يمكن ملامسة تجلّياتها بالاستناد إلى ذلك
الحضور، معالجة مفهوم الإضمار على اعتباره ظاهرة لغوية عامة ومشتركة بين مختلف
اللّغات الإنسانية، حيث يعمد الناطقون بها – في أحيان كثيرة- إلى حذف بعض العناصر
المكونة لخطاب الجملة لغرض الإيجاز والاختصار، أو حذف ما يتسنّى للملتقي فهمه عند
توسله بجموع القرائن الحالية والعقلية المصاحبة. والحذف لا يتحدد ضمن تلك الأطر
والشروط فحسب، إذ قد يعتري عناصر الكلمة الواحدة فيسقط منها عنصرا أو أكثر.
وبالنظر إلى مثل هذه الخواص وغيرها مما يتّصل بموضوع الإضمار ودرسه، مثّل
مبحثه مثار اهتمام النحويين والبلاغيين وغيرهم، ولكن مسألة درسه – مع ذلك- لم تُحظ
ببحوث مستقلّة وإنّما أتى ذكره في الدراسات بشكل عارض وعام ،وضمن فصول لا تفيه
حقّه، ما عدا البعض في تركيزه على الجانبين النحوي والبلاغي.

1
- سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة. بيروت، الدار البيضاء، دار الكتاب اللبناني،
.86ص، 1985 1ط
2
- كمال أبوديب: جدلية الخفاء والتّجلي. بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية،1981 ،ص8.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
30
هذا وأشارت المعاجم إلى المفهوم من خلال استعمالاته اللّغوية المختلفة، "
فالإضمار والضمير والمضمر كلّها من مادة (ض، م، ر)، وترد بمعنى الخفاء والضآلة
والاستتار والسر، نقول: أضمره أي أخفاه ،وما يضمره الإنسان في قَلْبِه ،أَي ما يخفيه،
1 والهوى المضمر :المخفي…وأُطلقَ على العقل لكونه مستورا عن الحواس"
والضمير
اصطلاحا يتّصل – فيما يورد ابن هشام- بالمعنى اللّغوي، يقولُ: "وإنّما سمي ضميرا من
قولهم: أضمرتَ الشيء إذا ستَرتَه وأخْفيتَه ،ومنه قولهم: " أضمرتُ الشيء فْي نَفْسي"،
2 وهو من الضمورِ وهو الهزالُ، لِأنَّه في الغَالِبِ قليل الحروف"
وحري بالملاحظة أن مثل
هذه التّعريفات لم توفق في إزاحة الغُموضِ المتّصلِ بالمصطلح، ومرد ذلك تركيز أغلب
الدراسات في مقاربته على الجانبين النحوي والبلاغي، وإغفال الجوانب الأخرى، كما
يعود السبب – في اعتقادنا- إلى تعدد مستوى درجات المفهوم وإحالته على أكثر من
معنى وتردده المتواتر- في ظلّ تطور الدراسات اللّغوية والأدبية- مصطلحا أساسيا من
مصطلحات حقول معرفية شتّى، وتوزعه بينها توزعا أفصح عن الاختلاف في تحديد
مفهومه، وأظهر التباين في ضبط غاياته ومعرفة أهميته. ويمكن أن تُعزى إشكالية تحديده
إلى مرادفاته اللّغوية، مثل: الحذف وغيره...أو بعض المصطلحات الّتي يمكن أن تحيل
عليه- في وجه من الوجوه مثل: التّعمية والإلغاز والإبهام والغُموض...وهو ما يمكن أن
يضلّل المتلقي في تقدير أهميته وتمثّل مفهومه ووظيفته. ومن أجلى تمثّلاته الّتي لم تنل
حظّا وافرا في الدرس، اتّصاله بالمستويات الفنّية والجمالية، وتعالقه بالدلالات والرموز
في ارتباطها بالأعمال الأدبية كالشعر مثلا. لذلك فالإضمار الّذي يعنيه هذا البحث لا
ينحصر في مقاربة مظاهره اللّغوية وتمثّلاته النحوية والبلاغية فحسب، بل يتّصل بالسمات
الطّبيعية النّاجمة عن آليات عمل القصيدة العربية وتعدد مستوياتها المكونة من جهة ،
وبالطبيعة الّتي يصدر عنها الشعر في حد ذاته على اعتباره خطابا يتأبى – في الغالب-

1
- أبو البقاء الكفوي: الكلّيات، معجم في المصطلحات والفروق اللّغوية. تحقيق: عدنان درويش،
بيروت دار الرسالة، ط1 ،ص571 .
2
- جمال الدين ابن هاشم: شرح شذور الذّهب. تحقيق: حنّا الفاخوري، بيروت، دار الجيل، ط1 ،
.152ص 1988
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
31
عن الإفصاح عن مراميه ومكنوناته ويغض الطرف عن كشف سطوة سلطته وسلطانه
المستترة وراء اللّحظة الشعرية، ما يعني أن الإضمار ظاهرة مركّبة تستدعي المعالجة
والفحص والتّحليل وهو ما سنعمد إليه، من خلال النظر في النّصوص الشعرية المتباينة
اتّجاها وأسلوبا فنّيا، ولكن يوحدها الانتماء إلى المتن الشعري المنجز في العراق في القرن
العشرين، ونعني بها بعض قصائد ديوان زهرة الرمان لمقداد مسعود .
لقد بدأ الشعر الجديد - ونمثل له هنا بقصائد ديوان زهرة الرمان- يبحث عن سبل
أخرى تعزز من دور الكلمة والرغبة في التخلص من رتابة كل ما هو عتيق، وهذا ما
جعل الشعر يقتحم طرائف جديدة تنسجم مع الذوق المستجد ليعطي مفهوما مضافا إلى
شكل القصيدة " بهندسة معمارية يخصها الشاعر بوضع تصاميم شكلية متوازية مع
مضمون الكلمات لتشييد بناء قصيدته يضاف إلى ما يعرف بالمضاف إليه في دلالة
الصورة وقد يساعد التوازيات المضافة على تنمية حدوس القارئ ورحابة مخيلته بحيث لم
يعد فيها مكان للدال إلا بوصفه ممكنا يحتمل أو لا يحتمل وروده ليحقق التركيب
1 الفضائي الذي رأى فيه جوزيف فرانك واحدا من أهداف الأدب الحديث"
.
إن الشاعر - مقداد مسعود - يوظف البياض بوصفه نصا موازيا داخل النص وأن
المتلقي يجد نفسه أمام نصين يتشاكلان فيما بينهما ( نصا حاضرا في المكتوب ونصا
مغيبا في البياض)، غير أن هوى البصر يميل إلى المغيب في البياض الذي لا يفصح عن
نفسه بصورة واضحة ولا يبين خواطره بشكل مباشر، ولكنه " يكسب رؤاه بصيغة يجعل
منها شكلا متوازيا مع المتن سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب وفي كلتا الحالتين
يتعزز الإضمار كما لا يرغب في التصريح به بحنكة عالية، وفي هذا الحال" يستبدل
الشاعر اللامقول بالقول والانزياح عن المعنى الحقيقي بالإفشاء عما ينبغي الإعلان عنه
2 والمسكوت عنه جمالا فنيا بالإفصاح عنه"
.


1
- عبد القادر فيدوح: النسق المضمر في الشعر العربي المعاصر، تاريخ الزيارة: 16-05-2019
https://www.oudnad.net :الموقع، 15:15 :الساعة
2
- عبد القادر فيدوح: النسق المضمر في الشعر العربي المعاصر.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
32
2 -إيقاع البياض في ديوان زهرة الرمان :
البياض في الديوان هو كل المسافات والفراغات التي يتم توزيعها على الصفحات
وتحملها دلالة إيقاعية صوتية صامتة حتى وإن كانت لا تتحدد بالأصوات بشكلها المجرد
والخاصية الفيزيائية للصوت تجعل من الفراغ ( الصمت) عنصرا معياريا لقياس حجم هذا
الصوت وتردداته، قوته وانتشاره وقعه وصداه، ما يعني أن البياض بشكله الصامت
عنصر لا يمكن تجاوزه في الإيقاع باعتباره تكرارا صوتيا- و إن كان صامتا – على
مسافات زمنية متساوية أو متماثلة فالصوت والصمت يتحددان على المستوى الكتابي
للقصيدة بالسواد والبياض رمز الصمت، إذ أن للبياض في القصيدة أهمية لافتة للنظر
فالنظم يقتضيه باعتباره صمتا يحيط بالقصيدة .
إن البياض والسواد في الديوان يرتبطان ارتباطا وثيقا بالحالة الشعرية ويعتبران
محددا صوتيا إيقاعيا ودلاليا يحملان أكثر من معنى وأكثر من دلالة إضافة إلى بعدهما
الإيقاعي اللافت، فالبياض " يقوم بشكل أساسي على العنصر التشكيلي للمكان الذي يحتله
السواد متخليا في ذلك عن مساحة معينة للبياض ويعد في التجربة الشعرية المعاصرة
1 وسيلة من وسائل توفير الإيحاء وتوصيل الدلالة للقارئ "
.
إذن فقصائد الديوان تحتفي بهذا الشكل من الإيقاع وهو يعتبر نتاج التحولات
الشعرية بكل تجلياتها، فهي تتميز بأنواع مختلفة من الوقفات التي تحدد حجم السواد
والبياض فيها وبهذا فالقصيدة تعتبر متوالية هندسية متشابكة الخطوط تقوم على ثنائيات
ضدية أهمها الصمت والصوت والبياض والسواد.
يحاول مقداد مسعود من خلال كل ما سبق توظيف البياض في تواز مع النص
الأساس المكتوب ليشكل تصورا في مقاطع حركية تتلون بألوان ذهنية لما تدل عليه ،
يبقى فيها القارئ مرتبط بعالم أشبه ما يكون بعالم الفانتازيا ، حيث يتشابك الحضور مع
الغيبة فيما بين النص المرقش والنص الذي يريد الشاعر تمثله في الفراغ الباني ، وذلك
لتأطير رؤيا النص في شموليته المدعاة لدلالة مشتركة ليس لها بداية ولا نهاية ، غير أنها

1
- محمد نبيس: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب. دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت لبنان،
.101ص، 1985 2ط
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
33
تحتمل وميظا متوازيا في تعاضد بين ما هو بياض /وسواد، الأمر الذي يعطي نسقا
متلاحما فيما بين الصورتين ضمن نسيج مترابط، يحمل في معانيه صورة التماسك الذي
تثبت صحته بواسطة قاعدتين محوريتين هما : التكرار والاحتباك.
" إن تركيب إيقاع التشكيل البصري على البياض هو ما ينشئ نتوءا متوازيا
لصورة متممة لبناء النص ومكملة لمعناه وكأن حال النص نال حظا ومنزلة بوضعه في
صورتين متكررتين، وبترداد تناغمي متشابك لا حدود له من التقابلات المنتظمة وهو
يقوي ظاهرة الاحتباك فيما أثبتته الصورة الكلية بين نظيرين، تأخذ من الأولى ما خفي في
الثانية، ومن الثانية ما ثبت نظيره في الأولى ، ولعل في هذا التناغم الإيقاعي ما يشكل
1 وحدة النص ونبض تماسكه"
.
ومن هنا يقتضي الأمر تطلب قدر عال من القدرات المعرفية والمهارات الذوقية
لتجاوز عرض الصورة و يرسمها في لوحة ملونة بالاحتمالات من قلب القصيدة فيما
ظهر منها وما بطن ، وبصورة تعني التماثل من خلال توقعات أفق المتلقي حسبما ظهر
من غياب التعيين واستبهام القصد في البياض المعبر عنه في صورة دلالية تبصر عين
المتلقي ولا يراها إلا بعد تمثلها من خلال أفق المتلقي حسب ما ظهر من غياب التعيين
واستبهام القصد في البياض المعبر عنه في صورة دلالية تبصر عين المتلقي ولا يراها إلا
بعد تمثلها من خلال التأمل في استجلاء ما هو خفي .
وقد اخترنا كنموذج لهذه الدراسة ديوان زهرة الرمان للشاعر العراقي مقداد مسعود
والذي ارتأينا أن نقسم فيه مستويات الدراسة إلى قسمين جاء القسم الأول بعنوان التناغم
اللفظي والبياض البصري، والقسم الثاني بعنوان التشكيل الهندسي للقصيدة.
3 -التناغم اللفظي والبياض البصري في الديوان :
إن تضافر الفراغ في النص الشعري مع السواد و تموجات النص وفق هذه الثنائية
بشكل متناظر ومكرر أحيانا، هو ما يوحي في نظر الشاعر بالانسجام بين المعنى الموحى
به والمعنى المنتظر، أو حسب ياوس " هو أفق التوقعات ضمن إيقاع دلالي يحكمها

1
- عبد القادر فيدوح: النسق المضمر في الشعر العربي الحديث. .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
34
تناوب في المعنى وتوافق في الرؤية بين ما هو مجسم وما هو مغيب في صورة تجريدية
تتم فيها كل أنواع المطاردة للبحث عما يربط أطراف ثنائية ( بياض/ سواد)، أو ما ورد
1 في مهارة الكلمة وصنعة الفراغ"
.
فالصفحة الشعرية حيز ومناخ لإنتاج النص الشعري بعيدا عن أي مرجعية وتأتي
الكتابة ( السواد لملئ وتحديد وتقليص ذلك الغموض بشكل أو بآخر، إن المكان النصي
يوصف مكانا أساسيا في بنى الخطاب الشعري يعتبر ذا أهمية بالغة في بلورة نص شعري
متميز، "وإذا عد المكان النصي هو مساحة الصفحة يتكون من خلالها جسد الكتابة فإن
الشكل الحقيقي للنص الشعري الحديث المتمثل في تشكله على الصفحة باللغة صار المكان
2 النصي جزءا عمليا من مستويات المكان الفني بشكل عام"
، وبالنظر إلى التشكيل
البصري الممارس في الشعر الحديث بواسطة تقسيم الصفحة نجده في عدة محاور منها :
4 -التشكيل البصري وعتبات النص:
ونعني بعتبات النص:" مجموع النصوص التي تحفز المتن"
3
.
إن الاهتمام بدراسة عتبات النص ما هو إلا رد فعل للاهتمام الواسع الذي حظي به
النص في النقد النبوي، وتتمثل أهمية العتبات في التعرف على الأجواء المحيطة بالنص
ومقاصد الشاعر، وموجات تلقي نصوصه كما تتمثل أهميتها " في كون قراءة المتن تصير
مشروطة بقراءة هذه النصوص، فكما أننا لا نلج الدار قبل المرور بعتباتها فكذلك لا يمكننا
الدخول في عالم المتن قبل المرور بعتبات لأنها تقوم من بين ما تقوم به بدور الوشاية
4 والبوح"
، أي أنه بمقدورنا تكوين معرفتنا بالمتن الشعري تأسيسا على عتبات النصوص
التي أخذت نصيبها من الأهمية والتركيز في الشعر العبي الحديث.



1
- عبد القادر فيدوح : النسق المضمر في الشعر العربي المعاصر.
2
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث ، ص160 .
3
- بلال عبد الرزاق: مدخل إلى عتبات النص. أفريقيا الشرق، ط1 ،2000 ،ص21.
4
- بلال عبد الرزاق: مدخل إلى عتبات النص، ص23.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
35
• عتبة الغلاف.
" يعد الغلاف العتبة الأولى التي تصافح بصر المتلقي لذلك أصبح محل عناية
واهتمام الشعراء الذين حولوه من وسيلة تقنية معدة لحفظ الحاملات الطباعية إلى فضاء
1 من المحفزات الخارجية والموجهات الفنية المساعدة على تلقي المتون الشعرية "
، وعلى
هذا الأساس يمكننا رصد أبرز أنماط التحولات التي طرأت على إخراج أغلفة كتب الشعر
العربي الحديث.
إن الغلاف الأمامي هو العتبة الأمامية للكتاب التي تقوم بوظيفة عملية هي: افتتاح
الفضاء الورقي. وقد ساد نمطان إخراجيان للصفحة الخارجية للغلاف الأمامي في كتب
الشعر العربي الحديث.
أ- نمط صورة المؤلف.
ب- نمط اللوحة التشكيلية وهو ما يهمنا في بحثنا هذا.
1-نمط اللوحة التشكيلية :
" إن هذا النمط يقوم على وضع لوحة تشكيلية مختارة بعناية على الصفحة
2 الخارجية للغلاف الأمامي"
.
وقد انتشر نمط اللوحة التشكيلية مع الدواوين الشعرية المفردة بشكل خاص بهدف
تحفيز المتلقي وتوجيهه إلى التعاطي مع المتن الشعري.
ومن الكتب التي أخرجت الصفحة الخارجية لغلافها الأمامي بتقنية اللوحة
التشكيلية ديوان زهرة الرمان للشاعر العراقي مقداد مسعود.


1
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 133.
2
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 135.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
36








يحتوي الغلاف على عنوان الديوان [ زهرة الرمان]، جنس المكتوب [ شعر].
لقد شكل عنوان الديوان وصورة الغلاف، دلالة كانت بمثابة أرضية سائحة للفهم
حائلة من دون تخطي المقصد المنشئ مهما اختلفت القراءة ، دلالة يفهم منها القارئ
العادي ما أراد ويفهم منها القارئ المتمرس ما أراد، دلالة كانت استشرافا ونصف جواب
على سؤال المتن.
كان عنوان الديوان قد أفصح عن شيء تضمنه الديوان، فإن الصورة المرسومة
على غلاف الديوان الأمامي أخذت معادلا وظهيرا ليكمل دلالة العنوان المكتوب، فكانت
بذلك " ترداد بياني بالمعنى أدت إبلاغية مقصودة وإرسالية وظيفة إضافة إلى كونها تجذب
القارئ فهي تساعد في تسريع الرصد الدلالي لمحتوى العنوان ولقطة مشهدية تدرك
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
37
بالعين القارئة قبل تقليب صفحات الرواية وتأمل مشاهدها المكتوبة بالحرف والحركات
1 ودلائل الكلمة والجمل..."
.
إضافة إلى ذلك فهي تعيبر شاهدا فنيا معرفيا دالا على أن الرسام متلق ناجح إلى
حد ما، إذ يبدو أنه تملى المتن واستوعبه، فقد حاول جادا وجاهدا أن تكون الصورة
الغلافية مكملة للعنوان الذي يسم الرواية وسما مخصوصا وفق الغاية التي هدف إليها
الشاعر/ المرسل، فكانت بذلك مؤشرا للمحتوي ونصا موازيا اختزل فيه لأهم النقاط التي
تناولها المتن.
نلاحظ في صورة الغلاف يدا مكبلة بسلسلة تحمل زهرة الرمان وفي الخلفية
صورة القمر.
من المؤكد أن القراءة الشمولية ومعرفة كل السياقات ضرب من المستحيل، إلا
أنّنا سنحاول فك بعض رموزها من خلال الألوان الطاغية عليها، فحضور اللونين الأسود
والأحمر بدلالتهما السيميولوجية لافت للانتباه بل فاتح لشهية التأويل، وكذا زهرة الرمان.
زهرة الرمان " جلنار" هي زهرة شجرة من أشجار الجنة فقد ورد ذكر الرمان
في القرآن في أكثر من موقع، وذكرت كتب التاريخ أن شجرة الرمان وجدت مرسومة
على جدران مقابر العمارنة في عهد أخناتون، ويقال أن أحد ملوك الفراعنة أحضر معه
الرمان إلى مصر من آسيا، وكذلك زرعت شجرة الرمان في حدائق بابل المعلقة لما
تحظى به من مكانة واهتمام.
كما يحمل زهر الرمان في داخله رائحة الأرض والقرية، وجلنار تعريب للكلمة
الفارسية كلنار التي معناها ورد الرمان أو زهر الرمان الحمراء التي تتفتح في الربيع
معلنة قدوم فصل الصيف في حدائق البيوت والحارات والبساتين، حيث تعتبر من أكثر
الأشجار التي تحرص عن زراعتها في الحدائق المنزلية لتضفي نوع من الدفء في
البيوت الخارجية للتو من فصل الشتاء وتقلب الربيع عدا عن ثمارها وعطائها الدائم الّذي
يذكرنا بديمومة الحياة ودوران الأيام

1
-محمد الأمين خلادي: شعرية العنوان بين الغلاف والمتن ( مقاربة بين الصورة والخطاب
الروائي/اللاز نموذجا). مجلة الأثر، عدد خاص:أشغال الملتقى الدولي الخامس في تحليل الخطاب"
الروائي عبد الطاهر وطار" يومي 23 و 24 فيفري 2011 ،ص30.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
38
إن اللون الأحمر للزهرة بدا وكأنه خريطة لوطن أو منطقة ما، حرم فيها أهلها
السلام والأمان والاستقرار فعاشوا فيها معنى الفقدان والتشتت عبر الجغرافيا كما ارتوت
أرضه بدماء الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجله، وقد يكون هذا الأحمر دليلا على
حب كبير يكنه الشاعر لوطنه.
يعتبر اللون الأحمر من الألوان النارية والتي تُعبر عن الجرأة والقوة والحب،
ووجد علماء الطاقة أن اللون الأحمر له تأثير على الجهاز العصبي، ويقوي روح الانتماء
وهو يمتلك قدرةً كبيرةً على التأثير على النفس وعلى الاستجابة العضوية؛ فقد أثبتت بعض
الدراسات أن بعض الألوان تؤثّر على الشهية وبعضها الآخر تهدئ النفس، وبعض الألوان
الأخرى تبثّ الطّاقة والحيوية في الجسد.
أما اللون الأسود فهو ملك الألوان، يوجد في أي مكان ليعطي سائر الألوان فرصة
البروز والجاذبية، الأسود معناه عكس البياض وهو فقدان الضوء واللون الأبيض هو
انعكاس لجميع الألوان، والأسود امتصاص لجميع الألوان ولا يعكس منها شيئاً، الأبيض
يستخدم مع الألوان الأخرى لأنّه يساهم في تحقيق التوازن لكلّ الألوان التي ترتبط به، أما
اللون الأسود فكثرة التعرض له تزيد من شعورنا بالحزن وتعمق إحساسنا بذاتنا، وكلّما
تعمق إحساس الإنسان بذاته كلّما هاجت الأحزان المكبوتة في النفس السواد في الأساطير
- وهو لون زحل ولون كسوة الكعبة – قرين الأرض والظلمة والنزول إلى الطبقات
الأرض السفلى وبعضها مساكن الجن .والحية السوداء والكلب الأسود والقطّ الأسود من
الصور التي يتشكّل فيها الجان أو هي واسطة بين عالم الإنس وعالم الجن ،ويرتبط هذا
اللون أيضاً بالغدر والخيانة ففي مصر القديمة كان الكلب الأسود في المنام يفسر بصديق
نحترس منه، بينما الأبيض هو صديق وفي، ولدى بعض الشعوب كانت تستخدم أحجار
معينة لكشف الكذب والخداع إذ تتحول إلى اللون الأسود في يد الشاهد الكاذب.
والشاعر قد وظفه حتى يبين من خلاله مدى القهر والظلمة والعذاب الذي أصبح
أهل العراق يعيشونه.
يتوسط الغلاف عنوان الديوان مكتوب بخط عريض متناسق الأجزاء (الطول،
العرض المسافة ) وعلى جانب الصورة اسم المؤلف مكتوب باللون الأصفر الذي يدل
على التفاؤل والمرح والسعادة، كما يرتبط بالوضوح الذهني، ويستخدم للتحذير والتنبيه
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
39
مثل استخدامه في سترات النجاة، والشريط الذي يتم فيه تطويق مناطق العمل أو المناطق
الخطرة.
5 -تناغم البياض والسواد في الديوان:
إن الصفحة في الأصل بياض أو فراغ لا قيمة له ، فلا تكتسب الصفحة أهميتها إلا
من خلال تشكيل النص الشعري على أديمها فمن تمازج بياض الصفحة وسواد النص
تتجلى أهمية كل منهما ، وتتميز القصيدة الحرة بأنواع مختلفة من الوقفات التي تحدد حجم
السواد والبياض فيها، والوقفة في الأصل هي توقف ضروري للمتكلم لأخذ نفسه وهي
بذلك ليست إلا ظاهرة فيزيولوجية خارجة عن النص، ولكنها بطبيعة الحال محملة بدلالة
لغوية دلالة الفعل بصريا ، فالبياض عند الشعراء يمتلك جمالية تتيح للشاعر التصرف في
عناصر بناء القصيدة وفي نواح متعددة، ففي الفراغ يعمد الشاعر إلى تزويد الملتقى
بدلالات يتم الإيحاء بها خلال فضاء القصيدة والبياض هذا ينهض بصورة أساسية على
العنصر التشكيلي للمكان الذي يحتله السواد متخليا في ذلك عن مساحة معينة للبياض،
ويعد في التجربة الشعرية العاصرة وسيلة من وسائل توفير الإيحاء وتوصيل الدلالة
للقارئ.
ولقد تعرض الدارسون إلى الحديث عن جسد القصيدة مرة أو فضائها أو تشكيلها
المكاني مرة أخرى، وكلها تعبر عن الحيز المكاني الذي تأخذه الكلمات في الصفحة،
بمعنى أن الشاعر يشرع في انتهاك بياض القصيدة بالكلمات وتلتقي عين المتلقي بامتلاء
وفراغ تلتهم فيه الكتابة بياض الصفحة ويحاصر البياض الكتابة أو تتراجع عنه.
ويمكن النظر إلى كل القصائد المعاصرة على هذا الأساس إذ أنها تتشكل جميعا
على تفاصيل اللعبة القائمة على البياض والسواد، فطالما أن المساحة المكانية للكتابة غير
محددة بإطار مسبق كما هو الحال في القصيدة العمودية، فللشاعر الحرية المطلقة في
اختيار حجم السواد والبياض لقصيدته ويخضع هذا ضرورة إلى طبيعة التجربة وخواصها
وما يترتب عن ذلك من تدفق أو إحجام في المشاعر ومن احتدام أو هدوء في الحالة
الشعورية المبنية بتقنية بنينة البياض.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
40
إن تعاقب الكلام والصمت في ديوان زهرة الرمان وتفاعل الامتلاء مع ما يظهر
من فراغات يسقط فيها الكلام الشعري وتعجز الرسالة عن التعبير هو تصوير لآثار
الخراب والدمار الذي خيم على العراق، لأن مقداد مسعود قد أيقن أن الصمت هو قمة
الانكسار النفسي والتراجع الوطني الحضاري للبلاد التي خيم عليها الخراب والدمار،
فأصبح هذا الدال غير المرئي وغير المسموع يشكل خطاطة لوحة أخرى في معرض يقدم
فيه الشاعر لوحات تجمعها تقنية رسم واحدة وهذا عبر تجسيد تقنيات التشكيل البصري
للقصيدة.
6 -تشكيل السطر الشعري (التفاوت الموجي) في الديوان:
إن المقصود بالسطر الشعري هو " كمية الكلمات الشعرية المكتوبة في سطر واحد
سواء أ كان القول تاما من الناحية التركيبية أو الدلالية أو غير تام، أما التفاوت الموجي فيعني
1 تفاوت أطوال الأسطر الشعرية تبعا لتفاوت الموجة الشعورية المتدفقة عبر كل سطر"
، ومن
نصوص مقداد مسعود التي جسد فيها هذه الخاصية نجد مقطعا شعريا من قصيدة له بعنوان
أسئلة عراقية يقول فيها:
" نحن نعرفهم.
نعرف أسماءهم.
وألوان قمصانهم.
وتواريخهم المخجلة.
نحن نعرفهم كلهم قتلة.
مخالبهم في الطحين وفي الكهرباء أسسوا .
2 دمعة الأمهات"
.

1
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص172 .
2
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص23 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
41
فالشاعر هنا أراد أن يعبر ويصف أعداءه ويبين حقيقة أمرهم وأسباب احتلالهم
للعراق فهم دخلوه تحت غطاء البحث عن أسلحة الدمار الشامل ولكنهم استطاعوا تدميره
بالكامل ، وقد بين لهم أنهم يعرفونهم ويعرفون نواياهم السيئة التي دفعت بهم إلى احتلال
العراق، لأن لهم سجلا وتاريخا مخجلا لم تمحه الذاكرة ولا الخاطرة، وقد وظف في ذلك
التفاوت الموجي في أطوال الأسطر ليخيل للمتلقي حالته الشعورية تسجيلا بصريا .
1-الأطوال السطرية المتساوية:
ونعني به " تساوي طول سطرين شعريين متواليين أو أكثر تساويا تركيبيا وإيقاعيا
ويخرج قيد التركيب والإيقاع التساويات السطرية الناتجة عن مط الحروف لتتساوى
الأسطر الشعرية في الطول، ويخرج قيد التركيب والإيقاع التساويات الناتجة عن تقارب
1 الرسم الناتج عن تتقارب عدد الحروف"
وبرصد تمظهرات التساوي السطري وجدناها
تتجلى في مظهرين في الشعر العربي الحديث هما:
أ- تساو افتتاحي:
"ونعني به التساوي السطري الذي يفتتح مقاطع النص معتمدا على تكرار البنيتين
2 التركيبية والإيقاعية للأسطر المكررة"
، ومن أمثلة ذلك قصيدة بعنوان أسئلة عراقية
يقول فيها الشاعر:
" لماذا أموت؟
لماذا تموت؟
لماذا نموت جميعا؟
3 لماذا كثيرا نموت؟ "


1
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص176 .
2
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص176 .
3
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص20 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
42
إن هذه الصورة لهي إفصاح تام عن المشهد المأزوم المصور لنصوص المجموعة
حتى صارت حتمية الموت الذي حكم على العراقي ليكون هاجسا بأسئلته المستدامة منذ
الأزل، وخاصته !!!
إن تجميع الأفكار لتكون نصا شعريا هي بمفترق في البحث عن اللفظ الجميل
المستساغ الذي يعبر ذهن المتلقي، ورشاقة المخيلة المصحوبة بالتجربة والإحاطة، فكل
هاته المنظومة بالتأكيد تساعد النص على أن يبدع داخل النص المكتوب ...وحتى
الإشارة الرمزية يجب أن تكون موضع تطابق مع المضمون النصي ولا يحتم أن يكون
التطابق متعارف عليه روتيني إقناعي فقط، فالإشارات الاعتباطية في التصوير
الشعري دائما ما تجعل هوة بين الدال والمدلول فهي تجعل المتلقي القارئ، منصب
بالتركيز على الدال تاركا محتوى النص عاريا من المكاشفة حسب ما ينظر النقاد .
فالشاعر في هذه الأسطر يتساءل عن الذنب الذي ارتكبه العراقيون والذي جعلهم
يموتون في أرضهم يوما بعد يوم دون أن تتحرك الأمم وتتدخل لحل هذه الأزمة المميتة.
ب- تساو ضمني:
"ويقصد به التساوي السطري الوارد صمن النص الشعري من غير أن تكون له
1 وظيفة تكرارية"
.
ومن نصوص الشاعر المبنية بتقنية التساوي الضمني نجد مقطعا شعريا من قصيدة
أسئلة عراقية يقول فيه:
" هذا يتدجج... !!
وهذا يتفرج... !!
وهذا يتأرج...!!
وهذا...
وهذا...

1
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص177 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
43
وهذا...
1 لكي نتضرج!!"

2-الاتجاه السطري:
ويعني " تغيير اتجاه الكتابة من اليمين إلى الشمال وهذا يحصل بإدراج مفردات من
لغة أجنبية، وأما النمط الثاني فهو اتجاه السطر وهو الأكثر شيوعا في القصيدة العربية
الحديثة وأكثرها غزارة فهو تغيير الاتجاه الأفقي للسطر الشعري كي تتكون بنية تشكيلية
2 وبنائية"
.
ومن النصوص التي انبنت أسطرها الشعرية بتقنية تغيير اتجاه السطر الشعري في
شعر مقداد مسعود نص له بعنوان قصيدة الرصاص يقول فيه:
الرصاص يتهجى المدينة/ يعيد التهجي/ متعثرا.
بعفونته المزمنة !!
الرصاص...
الرصاص...
الرصاص...
رصاص...
رصاص...
رصاص...
رص...اااص

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص22-23 .
2
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص179 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
44
رصاص لصوت الصحافة"
1
.
فقد تجسد تغيير الاتجاه الأفقي للسطر في القصيدة إذ أن الاتجاه الأفقي هو الاتجاه
السليم للكتابة وذلك على النحو الآتي:
الرصاص يتهجى المدينة/ يعيد التهجي/ متعثرا.
بعفونته المزمنة !!
الرصاص، الرصاص، الرصاص، رصاص، رصاص، رصاص ...
رصاص لصوت الصحافة.
لقد وظف الشاعر تقنية تغيير اتجاه السطر من الأفقي إلى العمودي ليسجل للمتلقي
سمة من سمات هذا النمط البصري وتتمثل في ارتفاع نبرة الصوت تسجيلا بصريا، حيث
بين أن صوت الرصاص كان يرتفع ويتعالى شيئا فشيئا ليدوي عاليا في سماء العراق الذي
أضحى مسرحا لأشلاء الشهداء والجنود.
ومن نصوصه كذلك التي جاءت مبنية بتقنية تغيير اتجاه السطر ليسجل سمة انخفاض
نبرة الصوت وتهدبها قوله في قصيدة بعنوان بصريون:
" يقسمون بعمامة الشيخ (عارف البصري)
وبساعدي الشيوعي (هندال)
ولا يتراجعون.
يتساقطون.
على الطريق.
ي
ت

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص 13 -14.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
45
س
ا
ق
ط
و
ن......."
1

يتمثل التفريق البصري في كلمة يتساقطون فقد وظف الشاعر فيها تقنية التفريق
البصري مفرقا حروفها على أسطر الصفحة الشعرية في شكل عمودي متساقط إلى الأسفل
ليسجل للمتلقي سمة من سمات الآداء الشفاهي تتمثل في انخفاض وتهدج نبرة الصوت
وتقطعها لثقل لسان الشاعر الناجم عن التعب والإرهاق من الحياة التي أصبح يعيشها أهل
البصرة حتى باتوا يتساقطون وينهارون الواحد تلو الآخر وهذا لتجسيد دلالة فعل التساقط
تجسيدا بصريا. هذا بعد أن فقد العراق رمزا من رموزه الأعزاء هو الشيخ عارف
البصري الذي يشهد له التاريخ بسيرته العطرة وتضحياته الجسام في سبيل الوطن،
فأضحى أهل المدينة يقسمون بعمامته .
7 -التشكيل البصري وعلامات الترقيم في الديوان:
نعني بعلامات الترقيم:"وضع علامات اصطلاحية معينة بين أجزاء الكلام أو الجمل
2 أو الكلمات لإيضاح مواضع الوقف، وتيسير عملية الفهم والإفهام"
.
إن علامات الترقيم ليست ترفا كتابيا زائدا كما قد يتبادر إلى أذهان البعض " وإنما
هي مكسب تاريخي مفيد للتواصل الإنساني وضرورة حتمية اقتضاها انتقال الإنسانية
التدريجي

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص59-60 .
2
- أوكان عمر: دلائل الإملاء وأسرار الترقيم. إفريقيا الشرق،- طرابلس، ط1 ،2002 ،ص103 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
46
1 من ثقافة الصوت والأذن إلى العين والكتاب"
.
ويدل على أهمية علامات الترقيم قدم اعتناء الإنسانية بها، فقد كان " أول جهاز شبه
2 منتظم للترقيم أوجده النحوي الإغريقي أرسطو حوالي 257-180 ق م"
.
ثم استمرت النظم الترقيمية في التطور والنمو حتى وصلت إلى صورتها الراهنة
وآدائها المتميز على المستويين البنائي والصوتي، فعلامات الترقيم " تشير إلى الحدود بين
أطراف جملة مركبة، أو بين جمل مؤلفة لنص ما، وتدل على علاقات العطف أو الجر بين
الجمل المختلفة هذا من الناحية البنائية التركيبية، أما من الناحية الصوتية فإن علامات
3 الترقيم تمثل تقليدا اصطلاحيا للتدليل على الخط البياني للصوت"
من خلال تمظهرها في
جوار الأبجدية.
"فعلامات الوقف دوال بصرية تتفاعل مع الدوال اللغوية في إتمام المعنى وإنتاج
لدلالة وتنظيم المفاصل المهمة في الخطاب الشعري مثل القف، النبر، التنغيم، الإيقاع،
المدى وسرعة الدفق والمفصل فضلا عن الوصل والفصل، لكن الترقيم لا يشمل هاتيك
المسائل في ذاتها بل من تسجيلها بصريا في غضون السلسلة المكتوبة قصد المساعدة على
إتقان القراءة الجهرية، وصون المعنى عن الالتباس وتمكين الكلام من الاحتفاظ شحنه
4 العاطفية وطاقات التعبير والتبليغ الكامنة فيه"
.
من خلال ما سبق نستنتج أنه بالرغم من الأهمية الكبيرة لعلامات الترقيم إلا أنها لم
تنل ما تستحقه من البحث المعمق الذي يكشف عن دورها في البنية النصية من زاوية
التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث الذي يستمد تقنياته الإبداعية من انحرافاته
الأسلوبية التي طالت معايير البنى الموسيقية واللغوية وصولا إلى التشكيل البصري للنص
كما أن طبيعة الشعر العربي الحديث تنشد الإفلات من القيود المؤسسية المرعية مما يعني

1
- العوني عبد الستار: مقاربة تاريخية لعلامات الترقيم. مجلة عالم الفكر، مج26 ،ع2 ،الكويت
.305ص، 1997
2
- العوني عبد الستار: مقاربة تاريخية لعلامات الترقيم، ص266 .
3
- داغر شربل: الشعرية العربية الحديثة. دار توبقال، المغرب، ط1 ،1998 ،ص24 .
4
- العوني عبد الستار: مقاربة تاريخية لعلامات الترقيم، ص292 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
47
أنه لا يرغب في تحمل المزيد من القيود والمعايير مثل علامات الترقيم، لكن الشعر
العربي الحديث استدرج علامات الرقيم لخدمة منحاه الإبداعي التجاوزي وعاملها معاملة
الدوال الغوية وذلك بشحنها بدلالات ووظائف جديدة تحيد عن المألوف من دلالاتها
ووظائفها، وبالنظر في تجليات علامات الترقيم نجدها تتمظهر في محورين رئيسيين في
الشعر العربي الحديث هما:
1-محور علامات الوقف.
2-محور علامات الوصف.
أ-محور علامات الوقف:
ونعني بها "علامات الترقيم التي توضع معاني الجمل بفصل بعضها عن بعض،
وتمكن القارئ من الوقوف عند بعض المحطات الدلالية، والتزود بالنفس الضروري
لمواصلة عملية القراءة وتضم، النقطة، الفاصلة، النقطة-الفاصلة، علامة الاستفهام، علامة
1 الانفعال، نقطتا التفسير، نقط الحذف..."
.
وقد استعملت علامات الوقف في الشعر العربي ضمن دلالاتها الوظيفية وفي
مواضعها المحددة مسبقا، " وقد اكتسب بعضها دلالات ومواضع جديدة، وبعضها الآخر
تطور في اتجاه تكوين علامات ترقيمية جديدة تناسب روح التشكيل البصري في الشعر
العربي الحديث، ولذا فإننا سنقارب علامات الوقف على أساس إنتاج الدلالة الجديدة وابتكار
2 العلامة الجديدة في الشعر العربي الحديث"
.
وسنحاول أن نستجلي علامات الوقف في شعر مقداد مسعود كالآتي:
1-نقطتا التوتر:
صورتها البصرية هي [..]

1
- أوكان عمر: دلائل الإملاء وأسرار الترقيم، ص105 .
2
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص202
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
48
"ونعني بنقطتي التوتر: وضع نقطتين أفقيتين بين مفردتين أو أكثر من مفردات أو
1 عبارات النص بدلا من الروابط النحوية"
.
وقد ابتكرت نقطتا التوتر في الشعر العربي الحديث ووظفت في إطار التلقي
البصري لحسم الجدل بين الشفهي والمكتوب من خلال دلالتها البصرية على توقف
صوت المنشد مؤقتا بسبب التوتر الذي يدفعه إلى إسقاط الروابط النحوية.
ومن النصوص المبنية بتقنية نقطتي التوتر الدالة بصريا على التوقف المؤقت لنبرة
صوت المنشد نص لمقداد مسعود بعنوان بقية البياض يقول فيه:
"العراقيون.
يفرح فيها البغيض: أحزانهم.
هذا النخيل: حليب أمي..
يقتلون العراقي ولا يدفنونه.
فأجلس ..تحت وابل من السعف
السماء: دخان مبين.
في تكالب الغياب .
في تبدل الأوجه والفصول.
حنجرتي..
2 بكل ما لديها من حنجرة"
.
إن التشكيل الهندسي لبنية النص حينما يتداخل بالتوكيد اللفظي في اللغة داخل بوتقة
النص لذاته يشكلان غواية قرائية خاصة في أسلوب مقداد مسعود في التقديم والتأخير

1
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص204 .
2
- مقداد مسعود: زھرة الرمان، ص10 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
49
فهي تجعل القارئ يتم العبارة ويعيد يطمئن الذات لتنال إشباعاً من الوصيف...فالخيال
الذي يبني الخطاب الشعري يكون مرارا قيمة تشكيلية بالنص.
تتجلى نقطتا التوتر في السطر الثالث والخامس والتاسع من النص وتظهر انكسارات
الشاعر ولوعته وحزنه وألمه ومدى معاناته في أرضه التي سلبت منه عنوة فأصبح
دخيلا فيها وما يعمق هذا الإحساس ويجعله جليا و وجود نقطتي التوتر في الأسطر
المذكورة كناية عن عدم توقف الشعور العميق بالحزن و التأسي، كما يدل على إسقاط
الروابط النحوية.
وفي نص شعري آخر له بعنوان حيا و..حيا يقول فيه:
"يستقبلك.
"وضاح "
يعانقك "شاكر محمود "
يا رجلا من هديل
لا يجيد المناورة داخل السيرك
ولا خارج السيرك
إننا يا .. رفيقي (لم نكن واضحين
ولا غامضين
ولكن أسلوبنا في عبور الشوارع
1 يثير التساؤل)"

نلاحظ أن الشاعر وظف نقطتي التوتر في عنوان القصيدة و في السطر السابع منها
ليسجل للمتلقي سمة من سمات الأداء الشفهي التي تتمثل في توقفه عن النطق بسبب

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص51.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
50
توتره، و قد سجلت النقطتان هذه السمة للمتلقي تسجيلا بصريا ومن أمثلة ذلك أيضا
قصيدة أخرى له بعنوان بصريون يقول فيها:

ت
س
ا
ق
ط
و
ن....
ولا يتراجعون
يقودهم
على بن محمد (صاحب الزنج)
المختارة لهم
لا سموم التفاح
يتقدمون
يتقدمون
يتسا..
يتقدمون..
وكلما عوى الذئب
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
51
1 يتساءلون"

فهنا دلت النقطتان في أسطر النص الشعرية على حالة التوتر عند مواطن تنازعه
المشاعر و الأحزان و كثرة الآلام في البحث عن مكان يجمع شمل عائلته التي تبددت
في وطنه، و قد سجلت النقطتان التوتريتان هذه السمة تسجيلا بصريا بحذف أحرف
الفعل يتساءلون و ترك حرية الفهم و التخيل من خلال الفعل يتقدمون.
2-نقاط الحذف :
صورتها البصرية هي [...]
"و تسمى أيضا نقاط الاختصار و هي ثلاث نقط لا أقل ولا أكثر توضع على
2 السطور متتالية أفقيا لتشير إلى أن هناك بترا أو اختصارا في طول الجملة"
و أحيانا
يعبر عنه بالمسكون عنه في النص الشعري و قد استعمل الشاعر في مختلف قصائده
الموجودة في ديوانه زهرة الرمان هذه التقنية التي ربما تكون من أول أشهر التقنيات
البصرية التي وظفها شعراء الحداثة في القصيدة العربية و كنموذج عن ذلك نذكر له
نص بعنوان أسئلة عراقية يقول فيه:
العراق رفاه؟
العراق ضنك؟
قصور تعاني أغرابا من بيوت الشك؟
هل نحن، تسلية العاطلين عن الضوء؟
هذا يتدجج... !!
هذا يتفرج... !!
و هذا يتأرج...!!

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص61
2
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 205 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
52
و هذا ...
و هذا ...
و هذا...
1 لكي نتضرج
! !
ففي هذا النص تشكلت عدة معان قفزت في ذهن و خيال المتلقي بفضل إشارة نقط
الحذف و بالتالي أفسحت الطريق أمامه في استنطاق النص و سبر أغوار دلالات
المسكوت عنه لأن الشاعر قد أعطى ثلاث صور للناس أحدهم يتدجج والآخر يتفرج
والآخر يتفرج ثم فسح المجال للمتلقي حتى يرسم لوحات من نسج خياله كل حسب
تصوره وثقافته ورؤيته، وبهذا فهو يولد نصوصا شعرية جديدة تختلف من شخص
لآخر.
3-المد النقطي:
صورته البصرية هي [......]
و نعني بالمد النقطي: " مد أربع نقاط أفقية فأكثر في النص الشعري بحيث تشغل
مساحة معينة بين مفردتين معينتين، أو سطرا كاملا، أو مجموعة أسطر وفق ما
2 تقتضيه رؤية الشاعر".

وقد وظف الشاعر هذه السمة في ديوانه ومن أمثلة ذلك نجد قصيدة له بعنوان
يوسف الخيمة يقول فيها:
" وطني.
ينزف في خيمة ثقبتها الفوهات.
هذا وطني.

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص22 -23 .
2
- محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 208 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
53
هذا يوسف...
جرده إخوته
حتى من رؤياه
وألقوه في هذه الخيمة.
أين آباره ؟
أين مزارعه ؟
..مصانعه ؟
مسارحه ؟
ثرواته الوطنية ؟
.................
................
وطن خطية
والموت يا سياب
أهون من خطية
......................
.................. الشهداء "
1
حينما تكون رمزية العبارة قابلة للتأويل فهي مدعاة لاشتراك القارئ مع الكاتب في
النص وإغنائه بوحدة التأويل هذه التي تبتدع تفسيرات للمرسل المرمز المشفر ...فرغم

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص 6-7 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
54
أن الخيمة (ضيقة المكان) مع معية الإطار البيئي لهذه المرمزة (إحالة العمران (الفوقي
التحتي) إلى صحراء قاحلة توضع بها الخيمة) مع السلاح الذي ثقبتها لتحيلها .
لهذه القصيدة رمزية كبيرة تنساب بين صورها معان ودلالات تحيل القارئ لصورة
القتل العمدي الذي كان يجتاح العراق والذي عبر عنه الشاعر بقصة سيدنا يوسف ، فقد
رسم لنا مشهدا من مشاهد الظلم والقمع الاستبداد الذي كان يعيشه العراقيون لأنه جعل
وطنه العراق بمثابة يوسف عليه السلام حتى يبين مدى المرارة والمعاناة التي كان
يكابدها ويعيشها العراقيون مدة طويلة موظفا في ذلك تقنية المد النقطي حتى يترك
المجال مفتوحا للقارئ ليرسم لوحات من مخيلته تبين مدى بشاعة الجرائم التي ترتكب
في حق العراقيين والتي ليس لهم فيها أي ذنب سوى أنهم عراقيون.
4-علامات الانفعال:
صورتها البصرية هي [ !]
1 " وهي تدل على التعجب والحيرة والقسم والنداء والتحذير ونحو ذلك "
، وتسمى
خطأ
علامة التعجب أو نقطة التعجب لأن التعجب ليس إلا تعبيرا عن حالة انفعالية واحدة من
2 حالات التأثر والانفعال ".

ومن نصوص مقداد مسعود التي بنيت بتقنية الانفعال قصيدة بعنوان أسئلة عراقية يقول
فيها:
" قصور تعاني اغترابا من بيوت التتك ؟ !
هل نحن، تسلية العاطلين عن الضوء؟
هذا يتدجج...!!
وهذا يتفرج...!!
وهذا يتأرج...!!
وهذا...
وهذا...

1
- العوني عبد الستار: مقاربة تاريخية لعلامات الترقيم، ص281 .
2
- أوكان عمر: دلائل الإملاء وأسرار الترقيم، ص115 .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
55
وهذا...
1 لكي نتضرج !!"
.
فقد وظف الشاعر علامة الانفعال في هذا النص للدلالة على انفعال التعجب
والحيرة، وهما من المواضع الطبيعية لعلامة الانفعال، فالنص هنا يحاول كسر قيود
الرتابة والتقليد ويحاول التجديد لأن العيون تعمى والفم ينصهر في بوتقة الصمت مع
التأكيد على استمرارية هذا الانفعال من الحالة المتردية، وقد جاءت هذه الاستمرارية
بتكرار عبارة هذا + الفعل + نقاط الحذف + علامة التعجب، وقد وظف الشاعر هذه
التقنية ليسجل للمتلقي هذه السمة والتي تتمثل في المرارة والحرقة والقهر تسجيلا بصريا.
5-علامة الاستفهام:
صورتها البصرية هي [ ؟ ].
"وقد شاع استعمالها في الشعر العربي الحديث للدلالة على الاستفهام "
2
، ومن الأمثلة
على استعمال علامة الاستفهام في ما وضعت من أجله نص لمقداد مسعود بعنوان
يوسف الخيمة يقول فيه:
هذه الخيمة لمن ؟.
هذه خيمتي.
خيمتك يا وطني ؟خيمتك؟ يا
حسافة !
3 وأنت الكريم الكريم"

تتجلى علامة الاستفهام في السطر الأول والثالث ، فالشاعر سيبتكر في هذا النص
معرفته لهذه الخيمة الموجودة في وطنه ويحاول أن يجيب عن ذلك بسيل من الأسئلة

1
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص 22 -23 .
2
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 212 .
3
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص 3-4.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
56
الاستنكارية البائسة التي لم يضعها على الطريقة التقليدية للسؤال أي باستخدام أدوات
الاستفهام المعروفة ، وقد استبدل الشاعر أدوات الاستفهام بنبرة الصوت للدلالة على
الاستفهام، غير أن هذه النبرة ودلالتها غابت بغياب الصوت عند الكتابة، لكن الشاعر
وظف علامة الاستفهام ليسجل للمتلقي سمة تتمثل في نبرة الصوت الاستفهامية الغائبة
تسجيلا بصريا.
6-نقطتا التفسير:
صورتها البصرية (:)
"وتسميان نقطتي البيان، ونقطتي التوضيح وتستعملان في موضع القول والتوضيح
والتبيين"
1

ومن النصوص التي استعملت نقطتي التفسير في ما وضعت من أجله نص لمقداد مسعود
بعنوان بصريون يقول فيه :
" بصريون
من الأموين : عليهم الحجاج
ومن العباسين : الطامورات
ومن الأطلسي : البنتاغون
ومن الطاغية :
هي الفوضى
الدموية الخلافة
2 بصريون ..."


1
- أوكان عمر : دلائل الإملاء و أسرار الترقيم ، ص117.
2
- مقداد مسعود زهرة الرمان، ص 59.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
57
فقد استعمل الشاعر نقطتي التفسير في موضعها المحدد أربع مرات في هذا المقطع في
موضع التوضيح والتبيين مصورا بذلك بصريا الإجابة عن السؤال المطروح .

7-العارضة المائلة:
صورتها البصرية هي (/)
ونعني بالعارضة المائلة: "وضع رأسية مائلة بين مفردتين أو عبارتين، أو أكثر في
1 النص الشعري للدلالة على التوحيد والتوقف"
.
ومن النصوص المبنية بتقنية العارضة الرأسية المائلة الدالة بصريا على التوحد
والتوقف نص لمقداد مسعود ضمن مجموعته الشعرية بعنوان حياو ...حيا يقول فيه:
" آآ ..خ يا حلمنا (الكلى ، يدافع عن ضرورته)
ويسير فينا كالحمام ... ثم لم أرك / لامستك
نسمة يتأرج الرمان منها / هل تبخرت ؟
تبخرت من جسدك / واختر لتحكمه الأشجار
ببلاغة الرمان /يا كامل يا كامل يا . ماذا
تقول خطاك / لمن ذا هناك؟ / فوهة حاقدة؟
2 أم جناح ملاك؟"

تتجلى العارضة الرأسية المائلة في الأسطر الثاني والثالث والرابع والخامس
والسادس حتى يجسد الشاعر للمتلقي سمة التوقف تجسيدا بصريا وقد حقق ذلك.
8-التشكيل البصري و الرسم الهندسي في الديوان:

1
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث،ص 219.
2
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص 56
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
58
ونعني بالرسم الهندسي الأشكال أو الرموز التي تنتمي إلى علمي الهندسة
والرياضيات .
" إن التشكيل البصري بالرسم الهندسي له خلفيه إرجاعية تتمثل في فن التختيم في
الشعر العربي القديم هو أن تضع أبياتا تكتب في شكل مختم تتقاطع أشطره ويشترك ما
يتلاقى منها في مواضع التقاطع في لفظه أو حرف واحد أو أكثر، إما مصحفا أو مختلف
1 الضبط أو باقيا في حاله كما في خاتمي أبي الطيب الرندي وابن قلانس"
.
لقد تحلى التشكيل البصري بالرسم العلمي في الشعر العربي الحديث عن طريق
ظهور تشكيلات هندسية وأخرى تعتمد الرموز الرياضية والحسابية وهذه التشكيلات لا
تبتعد في دوافعها عن الدوافع السيكولوجية و الإبداعية لفن الرسم على الزخرفي، " ولا
شك أن اهتمام الإنسان بالزخارف الهندسية مرده إلى سببين الأول نزوع فطري نحو
التجريد والثاني الفكر الذي تفرضه الخامة والأداء في أثناء عمليه الإنتاج و يمكننا أن
2 نقول أن نشأة الزخارف الهندسية لم تكن مسألة إرادية بقدر ما هي لا إرادية"
.
وقد وظفت الأشكال الهندسية في مجال التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث
باعتبارها مادة بصرية قابلة للتشكيل الفني و تحقيق المتعة الجمالية و بالنظر في التشكيل
البصري بواسطة الرسوم الهندسية نجده يتركز في مجالين رئيسيين الشعر العربي
الحديث.
مجال توظيف الشكل الهندسي و مجال توظيف الأشكال الرياضية وقد غابت هذه الأشكال
في حين حضرت الأشكال الهندسية التي نعني بها " توظيف الأشكال الهندسية الثلاثية
3 والرباعية والدائرة في النص الشعري من أجل توليد دلالة بصرية"
.
أي أن يرسم الشاعر بمفردات النص الشعري شكلا هندسيا معينا من أجل توليد دلالة
بصرية و من أبرز هذه الأشكال نجد.

1
- الكبيسي طراد: كتاب المنزلات. ط1،ج 2 ،1995م ، ص127.
2
- عفيفي فوزي سالم: فنية الزخرفة الهندسية. دار الكتاب العربي، ط1 ،ص 5.
3
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث،ص38.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
59



1-الخط المضلع:
" ويتمثل الخط المضلع من خلال النظر إلى نهايات الأسطر الشعرية ، إذا أن
أسطر النص تتباين في أطوالها مكونة خطا مضلعا ولعل معظم نصوص الشعر العربي
1 الحديث مبنية بتقنية الخط المضلع"
.
ومن النصوص المبنية بتقنية الخط المضلع نجد نصا لمقداد مسعود بعنوان القبر
الواقف ..جواد جامح يقول فيه:
" قرار رقم (200 (الدموي
ذهب 1983
وارتفعت كل أشجار الرمان
في زنزانات أبي غريب
تقوس الكيمياوي على عصاه
وانتصبت حلبجة
ومن سوق مريدي إلى سوق سوادي
استلقت أنواط الشجاعة وسيوف السلطة
و انغمر أصدقاء الريس
في الظلام الآسن
ليجهزهم : بالسواطير والفضائيات
2 والجواريب السود"
.
إذا تأملنا النص السابق نجد أن نظر المتلقي يتوجه نحو رسم خطوط تصل
بين النقاط الرئيسية لزوايا المضلعة مما يضفي به إلى الشكل التالي:

1
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث،ص39.
2
- مقداد مسعود: زهرة الرمان، ص46.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
60











الشكل رقم: (01 (
أليست هذه دركات سفلية عكس الدرجات مما يعني الانحدار في غياهب السجن
ومنتهكات أمريكيا التي تستهدف بالإنسانية والرقي إلى أقصى دركات النذالة واللاإنسانية
بممارساتها في سجن أبي غريب.
2-المثلث:
يعد المثلث إلى جانب الخط المضلع من أكثر الأشكال الهندسية شيوعا في الشعر
العربي الحديث، وللمثلث كشكل هندسي زخرفي دلالات متعددة إذ " يكون تعبيرا عن
الأرض عندما يكون رأس المثلث إلى الأعلى ، أو يمثل السماء عندما يكون رأس المثلث
1 إلى الأدنى وتصالبهما يمثل الأرض والسماء أي الكون "
.
وقد وظف المثلث بمختلف أشكاله لتوليد دلالات بصرية معينة في الشعر العربي
الحديث.

1
- البهنسي عفيف : جماليه الزخرفة وتنميتها في المسارين النظري العلمي– الحياة الشكلية -، ع59
.58ص، 60
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
61
ومن النصوص المبنية بتقنية المثلث قائم الزاوية ذي القاعدة العلوية نص لمقداد
مسعود بعنوان أسئلة عراقية يقول فيه :


" قشروا الحزن : البهجة لب الثمرة .
احرثوا الحلم قليلا .
اقتربوا منكم .
1 اقتربوا"
.
إن تأمل النص السابق يوجه بصر المتلقي نحو رسم خطوط تصل بين النقاط
الرئيسية لزواياه الثلاث مما يفضي به إلى الشكل التالي:




الشكل رقم: (02 (
بمعنى أن المتلقي إزاء مثلث قائم الزاوية بقاعدة علوية، وقد عمد الشاعر إلى
توظيف هذه التقنية في بناء نصه من أجل إنقاص العبارة بتصنيف النطاق من التقشير إلى
الحلم إلى الاقتراب وقد أدت البنية المثلثية دورها في تفتيت النص إلى أصغر وحداته
مجسدة دلالة التناقص للمتلقي تجسيدا بصريا، ثم إن النظر إلى هذا الشكل يفضي به إلى
رسم قريب منه هو صورة الرشاش الأمريكي الذي يحاول القضاء على أحلام العراقيين و
يسلب منهم أدنى حقوقهم في الحياة كما يحاول تدميرها.

1
- مقداد مسعود : زهرة الرمان ، ص27.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
62
ومن النصوص المبنية بتقنية المثلث قائم الزاوية ذي القاعدة السفلية نص لمقداد
مسعود بعنوان نخيل يهرب ...نخيل يفر يقول فيه:

" تسح
التليفزيون
يطمئن الصحف
1 الصحف لا تصافحها الأيدي"
.
إن تأمل النص السابق يوجه بصر المتلقي نحو رسم خطوط تصل بين النقاط
الرئيسية لزواياه الثلاث مما يفضي به إلى الشكل التالي:




الشكل رقم: (03 .(
بمعنى أن المتلقي إزاء مثلث قائم الزاوية بقاعدة سفلية، وتعد كلمة تسح كلمة
محورية في النص ، وقد عمد الشاعر إلى توظيف تقنية المثلث قائم الزاوية ذي القاعدة
السفلية في بناء نصه من أجل تنمية الكلمة المحورية بتوسيع محيطها المكاني وذلك
لتجسيد المعنى تجسيدا بصريا، فالمتلقي يجد نفسه أمام حشد من الأخبار المغلوطة التي لا
يتقبلها فهو ليس مجرد وعاء فارغ يستقبل ويتقبل كل ما يسمعه أو يراه دون أن يمعن

1
- مقداد مسعود : زهرة الرمان ، ص33.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
63
عقله ويتدبر أمره، الشاعر يحاول أن يرسم صورة للعراقي الأصيل المثقف الواعي بحقيقة
الأمور والذي هو على دراية تامة بما يجري حوله من أحداث، هذا كله أراد أن يجسده
مقداد مسعود تجسيدا بصريا.
3-الأشكال الرباعية :
ونعني بالأشكال الرباعية " كل شكل هندسي يتكون من أربعة أضلاع مثل المربع
1 والمستطيل ومتوازي الأضلاع"
.
ومن النصوص المبنية بتقنية الشكل الرباعي نص لمقداد مسعود بعنوان حياو..حيا يقول
فيها:
" آآ ..خ يا حلمنا (الكلى ، يدافع عن ضرورته)
ويسير فينا كالحمام ... ثم لم أرك / لامستك
نسمة يتأرج الرمان منها / هل تبخرت ؟
تبخرت من جسدك / واختر لتحكمه الأشجار
ببلاغة الرمان /يا كامل يا كامل يا .ماذا
2 تقول خطاك / لمن ذا هناك؟ /فوهة حاقدة؟ "

إذا تأملنا النص السابق يوجه بصر المتلقي نحو رسم خطوط تصل بين النقط
الرئيسية لزواياه الأربعة مما يفضي به إلى الشكل التالي:




1
- محمد الصفراني : التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث، ص 48.
2
- مقداد مسعود : زهرة الرمان، ص56.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
64

الشكل رقم: (04 (
بمعنى أن المتلقي إزاء الشكل المستطيل ويتميز الشكل المستطيل بزيادة طول
ضلعين من أضلاعه مما يمنحه صفة الطول أو الاستطالة التي اشتق اسمه منها ، وقد
عمد الشاعر إلى توظيف تقنية الشكل المستطيل في النص لأنه يمثل خطابا شعريا طويلا
ومتصلا وقد جسد ذلك تجسيدا بصريا، فهو يحاول أن يخاطب روح الشهيد كامل شياع
كأنه مازال يعيش بينهم ويسمع أصواتهم وأنينهم ويحاول حل قضيتهم، حتى أن هذا الشكل
ظهر وكأنه رمز لمنزل أو وطن واحد ينضوي ويحتمي تحت جدرانه هذا الشعب المشتت.
ومن النصوص المبنية بتقنية الشكل الرباعي نص لمقداد مسعود بعنوان أسئلة
عراقية يقول فيه :
" نحن لن نقبل بالقش
ولـن نقبـل بالغــش
1 ولـن نقبل بالثلـــــج "

إذا تأملنا النص السابق نجد أن بصر المتلقي يتوجه نحو رسم خطوط تصل بين
النقاط الرئيسية لزواياه الأربع مما يفضي به إلى الشكل التالي:


1
- مسعود مقداد : زهرة الرمان ، ص26.
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
65
الشكل رقم: (05 (
بمعنى أن المتلقى إزاء الشكل المربع ويتميز الشكل المربع بتساوي أطوال أضلاعه
الأربعة و انتظام شكله العام، وقد عمد الشاعر إلى توظيف تقنية المربع في النص ليجسد
للمتلقي انتظام وتساوي درجة الحوار تجسيدا بصريا، فهو يصور صرخة العراقي الأصيل
الذي يأبى الذل والرضوخ والعيش القليل لأن كرامته لا تسمح له بذلك.
وفي الأخير نستنتج أن مقداد مسعود لم يدس يديه بأصابعهما العشرة في جراب
الوضوح، بل أفرغ كل ما في الجراب من قدرات أولية ليكون غموضه واضحا، على أمل
أن يعود في قراءات أخرى بالمتلقي إلى جراب الغموض، ليحسن استخدام مفاصله
المتماهية خلف سواها من مفردات الحياة. قد تقترب قصيدة مقداد مسعود من جبل الثلج
حيث لا نرى ولا نستقبل – نحن الواقفين خارجه، أو الذين نعتلي قمته أو نتشبث بسفوحه
أو نسبح في المياه القريبة منه – إلا بعض ما يظهر .أي إن الإنسان/القارئ لا يستقبل من
النص إلا ما يراه فقط، وقد نكون مزيحين ما لدينا باحثين عما من الممكن أن يوفر لنا من
مسارب وأنفاق تكشف من خلالها ما لم يكتشف.
إن قصائد مثل من" أين يأتي هؤلاء"، ( ص 64 ،( و" نخيل يهرب نخيل يفر"،
(ص 26 ( و"يوسف الخيمة"، (ص6(لا تضع أمام القارئ نصوصا مسترخية .إنها
نصوص تشتغل على ما في ذهنية الشارع من واقع غير واقعي.
فالواقع المفترض في قصائد زهرة الرمان وبسبب واقعيتها المفرطة والمتطرفة، قد
يحسبها البعض من القراّء واحدة من صناعات الشاعر. فالخصم استطاع أن يحول الواقع
إلى حشد من الضواري، بل إن البعض حوله إلى مفصل تابع لآلة عملاقة استطاعت
السلطة آنذاك أن توفر لها كما هائلا من المعلومات المغلوطة، معلومات يتحول بموجبها
الإنسان الضعيف المسالم، البريء، إلى خائن، ومناوئ .هذا التزويد بهكذا معلومات
استطاع أن يطلق نقاطا معادية وهمية يكون الإنسان وسطها كائنا مرصودا من قبل العديد
من الأجهزة.
القارئ لما يكتب مقداد مسعود عليه أن لا يستقبل القصائد كما كان يفعل سابقا،
بحسن نية، بنفس كمية وضوح الكتابة فلابد للشاعر– أي شاعر كان – أن يترك حالة
غبش في الصورة، لا من أجل صناعة القصيدة، بل من أ جل أن لا يتحول القارئ إلى
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
66
فريسة . الشاعر عندما يتحرك في مدنه، وعندما يحدق بخصومه، يعمل على
صناعة علامات دالة لكي يكون القارئ في القصيدة، والكائن البشري في جغرافية المدن
على بينة من أمرهما، من أجل أن لا تقع القصيدة في فضاء الغفلة .فقصائد مثل بصريون
(ص58 ،(و بلاغة الرمان( ص46 ( والمهداة إلى المناضل كامل شياع حيا وحيا الإهداء
يزيح فيهم الشاعر جدار المتعارف عليه، ليؤكد بقاء الشهداء يمارسون حياتهم من خلال ما
تركوه خلفهم من قيم ومبادئ وانجازات وتضحية .وكذلك قصيدة القبر الواقف ..جواد
جامح( ص42 (إنّها قصائد دفعت الشاعر إلى الكشف، فالخوف على الآخر لا الخوف
على الذات يوجب على القصيدة أن تكشف عن صوتها، عن المخبوء، أن يجد لها من
ينصت لنبضها .هذا الكشف من الممكن أن يسلبها الكثير من الشعر، قد يكون الشعر في
هذه اللحظة كائنا ينتمي إلى خطاب الكلام الذي فيه الكثير من الإعلام. الشاعر دفع بالكثير
من مرتكزات القصيدة جانبا من أ جل أن تعلن الشجرة عن جنسها، عبر عملية التزهير
التي يتوجب على الكثير منها أن تعطي ثمارا.
مقداد مسعود الشاعر في زهرة الرمان لم يكن كائنا أعمى، وقد كانت قصائده
مبصرة .والقارئ مطالب بان لا يستقبل القصيدة، كما يتناول وجبة سريعة فالوضوح في
الكتابة كما هي الحال في زهرة الرمان لا يمكن أن ينتج قراءة واضحة؛ لأن شدة الضوء
كثيرا ما تسلب المحدق القدرة على صناعة معاينة نافذة /معاينة خارقة. فقراءته يجب أن
تعتمد التأني والتأمل والبحث وإعادة الأشياء إلى أصولها، ومحاولة مد العين إلى ما وراء
قرص الشمس لمعاينة ما يوجد من أجرام وأقمار أقل إضاءة.
كان من الممكن أن يوفر الشاعر أكثر من إشارة، وأن يكون القارئ على بينة من
أمر القراءة والكتابة معا .هذه الإشارة تعتمد على تواريخ الكتابة .قد لا يكون هذا القارئ
أو ذاك ممن كان هدفا لرسائل الشاعر، هذا القارئ بعينه لا يمكن أن يكون القارئ الرفيق،
أو الصديق، أو المناضل، أو المستهدف الذي من الممكن أن يضع شواخص تاريخية
تمكنه من متابعة الشاعر نفسه. وكذلك متابعة أفعال السلطة المعادية .إضافة إلى إجراءات
الكتابة وأعني بها عملية الترقيم التي تستند على النقطة والفارزة وعلامات الاستفهام
والتعجب والاستدراك والأقواس والنقطتين والشارحة .
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
67
قارئ زهرة الرمان لا بد له من أن يقول :هل كان الشاعر يحاول الوصول إلى
القارئ كماهي حال الخطيب ورغبته في الوصول إلى المستمع، متجاوزا استحكامات
القراءة، معتمدا على فطنة القارئ في الوصول إلى المعنى الذي لا يمكن أن يكون في
بطن الشاعر.
قد لا تشكل هذه الإجراءات /الترقيم لدى الكثير من القراء، بل لدى الكثيرين من
الكتّاب أمرا ذا بال، وربما تكون من المجاهيل و هذا ما سوف يكون متوفرا – أعني
معرفة الترقيم – لدى الباحث والمعقب، إضافة إلى أن القصيدة الجديدة عامة، تعتمد كثيرا
على مفصل السطر كما هو الحال مع مفصل الشطر والعجز في القصيدة الكلاسيكية .بل
إن البعض من المهتمين بالشكل الكتابي للنص الشعري، يعمل على توفير نص بصري؛
عبر تمزيق شكل القصيدة و تدمير هيئة السطر، مبتغيا من ذلك إبعاد القارئ عن صورة
الشطر والعجز، وصورة السطر بعد أن تحولت الكثير من القصائد القارئ هذا لا يشتغل
على إلغاء الشاعر، بل يعمل على أن يكون هو ذاته شاعرا آخر، وليكون مصورا كذلك .
ورغم بقاء القصيدة مرتبطة بالشاعر الأصلي، إلا أن القراءة تعمل على فك الارتباط
بالشاعر الأول وصناعة حالة ارتباط بالقارئ الشاعر. القصيدة وفي كامل وضوحها تمتلك
من الغموض الشيء الكثير. والغموض في زهرة الرمان لم يكن حالة واقعة، من قبل
الشاعر أو القصيدة بل فعلا متوقعا من قبل القارئ، وإذا ما خلت القصائد من هكذا فعل
شعري – الفعل الشعري هنا قدرة القصيدة على صناعة ما لا يوجد في اللحظة الراهنة-،
والذي ينتمي إلى الغموض هذا المفصل الذي يفتح الأبواب أمام المتلقي لكي يترك ذائقته
ومخيلته تحلقان بعيدا عن حرية القارئ في صناعة نص خاص به .إن خلو القصيدة من
هكذا مفصل مهم إذا ما كان أمرا واقعا فإن فعل القراءة يجب أن لا يخلو من قوة قادرة
على أن تمنح القصيدة أفعالا إضافية أفعالا هي تابعة إلى لب القصيدة.
و أخيرا نقول أن مقداد مسعود شاعر لا يمكن أن يمنح القارئ حالة اطمئنان.
شاعر لا يعتمد النسق الكاذب في الكتابة فما أن يقع القارئ على كتاب شعري يتخذ من
الغموض وسيلة للتحريض حتى يجده وفي كتاب آخر ينبذ هذا ليمسك بالوضوح وما بين
هذا وهذا يقول كل ما لديه .هكذا يكون توقع القارئ، إلا أن واقع القصيدة يقول رأيا أخر
ولكل من الغموض والوضوح بنية معمارية يتخذ منها الشاعر خط شروع للدخول إلى ما
الفصل الثاني: شعریة الإضمار في دیوان زھرة الرمان
68
بعد العتبة فالجدران والأبواب والشبابيك والحدائق الأمامية واللافتات التي تعلن عن
الجغرافيات .كل هذه المفاصل لا يمكن أن توحي إلا بالقليل لما تخفي، بما يقف خلفها من
جنة أو جحيم، من حداثة أو من قدامة.


الخاتمة
69
وفي ختام هذه الدراسة نجمل مجموعة من الملاحظات ونتائج توصلنا إليها من
محطات البحث المختلفة هي كالآتي:
 الشعرية مصطلح ضارب في القدم مند أفلاطون وأرسطو، مثير للجدل متنوع
ومتعدد المفاهيم نتيجة لتغير دلالته واختلاف وجهات النظر بين الدارسين.
 إشكالية ضبط مصطلح الشعرية في النقد العربي، إذ عرف المصطلح ترجمات
مختلفة وكثيرة منها الفجوة مسافة التوتر عند كمال أبو ديب، بينما كان النقد
الغربي متجاوزا إلى حد ما هذه الإشكالية.
 لقد كان ظهور القصيدة الجديدة حدثا طبيعيا لجيل جديد، يعتبر حركة جديدة
تفتحت على آفاق كثيرة في سبيل القضاء على الأعباء الثقيلة التي أرهقت كاهل
القصيدة القديمة.
 كان الدافع من التغيير في القصيدة العربية القضاء على النمطية السائدة في
الأشكال
 تحرير القصيدة العربية من النمطية السائدة في الأشكال كان انطلاقة جعلت
القصيدة العربية أكثر مرونة ، منحت الشاعر الفرصة في التعبير بحرية أكبر من
خلال الانفتاح على آفاق جديدة و احتضان ألفاظ الحضارة والاحتكاك بثقافة
الغرب.
 استطاعت القصيدة العربية أن تغير من أدوات بنائها في التعبير والتصوير،
وقطعت صلتها بكل ما هو موروث، واعتمدت في ذلك على الوافد الغربي وحاجة
الواقع إلى التغيير .
 يعد التشكيل البصري ظاهرة فنية في القصيدة الجديدة وقد تعددت التسميات
والمصطلحات التي تطلق على هذه القصيدة التي تحتوي تشكيلا بصريا بخلاف
القصيدة التقليدية القالب ، فذلك حسب المستوى التشكيلي المشتغل عليه (كالبياض
وتوزيع الكلمات على سطح الورقة ، اتجاه الأسطر الشعرية وتباين أطوالها ،
الصورة الفنية البصرية ، علامات الترقيم...) .
 لقد أصبح التشكيل البصري في الشعر العربي المعاصر تشكيلا دالا على محتوى
التعبير الذي تتضمنه الكلمات فترسم بطريقة يظهر فيها واضحا قصد إبراز
الخاتمة
70
دلالتها على المساحة البيضاء، ذلك أن التشكيل البصري ليس اعتباطا بل يعتبر
أساس العملية الإبداعية في القصيدة المعاصرة ، ومن ثم كان الواجب الاهتمام
بهذا التشكيل المتمثل في العلامة الأيقونية .
 تمثّل ظاهرة الإضمار في الخطاب الشعري رافدا مهما من روافد ثرائه، حيث
تمنح النّص حياة وقوة، وتجعله نصا إبداعيا متجددا يحتاج متلقيه إلى وجوه التّدبر
والتّفكير للاضطلاع بدوره في إعادة تفكيكه وإنتاجه مرة أخرى.
 الإضمار ظاهرة ضرورية لإنجاز الخطاب –أي خطاب- لأجل ذلك تتنوع معانيها
وتجلياتها بتنوع مجالاتها، وهو ما يستدعي الاستقصاء الجاد والبحث المعمق
للإحاطة بسياقاتها، وتدبر صور تحقّقها، وتفهم دواعي إجرائها والوقوف على
الوسائط المعتد بها والنتائج الحاصلة.
 إن الكتابة الشعرية للنص الشعري المعاصر قد تخرج على المعايير المألوفة،
وتسهم في صنع الجانب الشعري من البعد البصري للنص، فضلا عن زيادة
قدراته التأثيرية في المتلقي، فبناء المعنى في القصيدة التي ترتكز على البعد
البصري يستند إلى الانتقال من اللفظ إلى الشكل مما يقوي الطاقة الدلالية وهذا ما
جعل الشعر الحداثي في شكله الجديد خرقا للألفة الخطية التي ترسخت في خيال
المتلقي بنمطيه ثابتة .
 مقداد مسعود الشاعر في زهرة الرمان لم يكن كائنا أعمى، وقد كانت قصائده
مبصرة فالقارئ مطالب بأن لا يستقبل القصيدة كما يتناول وجبة سريعة.
 مقداد مسعود شاعر لا يمكن أن يمنح القارئ حالة اطمئنان. شاعر لا يعتمد النسق
الكاذب في الكتابة فما أن يقع القارئ على كتاب شعري يتخذ من الغموض وسيلة
للتحريض حتى يجده وفي كتاب آخر ينبذ هذا ليمسك بالوضوح وما بين هذا وهذا
يقول كل ما لديه .هكذا يكون توقع القارئ.
 إن مقداد يعمل على منح القصيدة الواقفة بعيدا عن الفضول، البعيدة عن
الاستعجال البعيدة عن الاستهلاك فرصة لتتلمس حراكها الذي كان غائبا،ً والذي
استطاع الشاعر أن يستله من بين ركامات القول والكتابة.
الخاتمة
71
 الحياة في قصائد( زهرة الرمان ) لم تكن كتلة أسفنجية، تستقبل كل السوائل.
الحياة هنا كائن حي، ينتمي إلى الوعي. كائن غير بدائي. كائن يأخذ ويعطي،
كائن غير مستضعف، لا ينتظر هبات الآخرين. لذلك كانت الحياة تمتلك من
مبررات الكتابة عنها.
 إن وجود ذات الشاعر داخل القصيدة كان وجودا متماهيا خلف الوطن، خلف
الصحبة الطيبة، خلف القصيدة التي من الممكن أن تمتلك أكثر من مفتاح لأكثر
من بوابة مغلقة.
ومما سبق نقول أن الباحث عن الحقيقة مهما بحث و أكتشف فإن الحقيقة
المطلقة تظل بيد االله وحده جلّ وعلا ، فلا ندعي أننا قد استوفينا حـــق
هـــــذا البحث الشائك و المتشعب الأفكار لأن الكمــال الله وحده دون
سواه ، ولكننا قد بذلنا قصارى جهدنا ولم نبخل في أي معلومة قد تسهم في إثرائه
، ولئن أحسنا ووفقا فمن االله وحده ، وإن أخطأنا وقصرنا فمن أنفسنا و الشيطان
واالله الموفق إلى سواء السبيل.

قائمة المصادر و
المراجع
72
مكتبة البحث:
1-المصادر:
1 -مقداد مسعود: ديوان زهرة الرمان. دار الينابيع: سورية دمشق، ط1 ،2009 .
2-المراجع :
أ- المراجع القديمة:
1-ابن فارس( أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين): مقاييس اللغة. مادة شعر
إتحاد كتاب العرب، الجزء3 ط1 ،2002.
2-ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين بن مكرم): لسان العرب. دار صادر
بيروت لبنان، مج8 ،ط1 ،2000.
3-أبو نصر الفارابي: كتاب الحروف. تح: محسن مهدي، دار المشرق، لبنان
.1990 ،2ط
4-الجواهري ( أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري): تاج اللغة وصحاح
العربي. دار الحديث القاهرة، مج1 ،دط، 2009.
5-حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء. الدار العربية للكتاب، تونس
.2008
6-سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة. بيروت، الدار البيضاء
دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1985.
7-عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز. تح: محمد محمود شاكر، مكتبة
الخانجي، القاهرة، ط5 ،2007.
ب- المراجع الحديثة:
1-إبراهيم خليل : الشعر العربي الحديث. دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة
عمان -الأردن، ط2 1427 هـ - 2007 م.
قائمة المصادر و
المراجع
73
2-إبراهيم رماني : الغموض في الشعر الحديث. المؤسسة الوطنية للفنون
المطبعية وحدة الرغاية ،الجزائر ،2008.
3-أحمد مطلوب: في المصطلح النقدي. منشورات المجمع العلمي، بغداد العراق
دط، 2002 ،ص 152.
4-أدونيس ( علي أحمد سعيد إسبر): الشعرية العربية. دار الآداب، بيروت
لبنان ط2 ،1989،
5-أوكان عمر: دلائل الإملاء وأسرار الترقيم. إفريقيا الشرق،- طرابلس، ط1
.2002
6-بلال عبد الرزاق: مدخل إل عتبات النص. أفريقيا الشرق، ط1 ،2000 .
7 -البهنسي عفيف : جماليه الزخرفة وتنميتها في المسارين النظري العلمي –
الحياة الشكلية ، ع 59-60 .
8-جاسم خلف إلياس: شعرية القصة القصيرة جدا. دار نينوي للدراسات والنشر
والتوزيع، دمشق سوريا، دط.
9-حامد أبو حمد : تحديث الشعر العربي تأصيل وتطبيق. الهيئة العامة لأصول
الثقافة، القاهرة، مصر، ط1 ،سبتمبر 2004 .
10 -حسن ناظم : مفاهيم الشعرية. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء
المغرب ط1 ،1994.
11 -حسن ناظم: مفاهيم الشعرية ( دراسة مقارنة في الأصول والمنهج
والمفاهيم). المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1 ،1994 .
12 -داغر شربل: الشعرية العربية الحديثة. دار توبقال، المغرب، ط1،1989.
13 -رابح بخوش: الأسلوبيات وتحليل الخطاب. منشورات جامعة باجي مختار
دت، دط، عنابة الجزائر، ص58.
14 -رابح بخوش: اللسانيات وتطبيقها على الخطاب الشعري. دار العلوم للنشر
والتوزيع، الجزائر، 2006.
قائمة المصادر و
المراجع
74
15 -رمضان الصباغ: في نقد الشعر العربي المعاصر دراسة جمالية. دار الوفاء
لدني الطباعة والنشر – الإسكندرية ط1،2002م.
16 -سلمان علوان العبيدي: البناء الفني في القصيدة الجديدة. عالم الكتب الحديث
إربد- الأردن، 2011.
17 -عبد االله محمد الغذامي: الخطيئة والتكفير. الهيئة المصرية العامة للكتاب
.1998 ،4ط
18 -عز الدين المناصرة: علم الشعريات (قراءة مونتاجية في أدبية الأدب). دار
مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان الأردن، ط1 ،2007.
19 -عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر ( قضاياه وظواهره الفنية
والمعنوية)، دار الفكر العربي القاهرة ، ط3 ، 1966 .
20 -عفيفي فوزي سالم: فنية الزخرفة الهندسية. ط1 ،دار الكتاب العربي.
21 -علي أحمد سعيد اسبر( أدونيس) : الثابت والمتحول في الإبداع والإتباع عند
العرب. صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري، دار الساقي، بيروت، لبنان
.2002 ،8ط
22 -العوني عبد الستار: مقاربة تاريخية لعلامات الترقيم. مجلة عالم الفكر
مج26 ،ع2 ،الكويت، 1997.
23 -كاميليا عبد الفتاح: القصيدة المعاصرة (دراسة تحليلية في البنية الفكرية
والفنية). دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، د.ط، 2006 .
24 -الكبيسي طراد، كتاب المنزلات،ط1،ج1995،2م.
25 -كمال أبو ديب: في الشعرية .مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت لبنان، ط1
.1987
26 -كمال أبوديب: جدلية الخفاء والتّجلي. بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة
الثانية،1981.
قائمة المصادر و
المراجع
75
27 -المجاطي أحمد المعداوي: ظاهرة الشعر الحديث. مكتبة الأدب المغربي،
الدار البيضاء، ط1 ،2002 .
28 -محمد أبو الفتوح غنيم: تعريف الشعر وفائدته وفضله وعناصره. ديوان
العرب 14 مايو، 2009 .
29 -محمد الصفراني: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث. بيروت لبنان
المركز الثقافي العربي، ط1.
30 -محمد الصفراني: فضاءات التشكيل والشكل. بيروت لبنان، المركز الثقافي
العربي ،ط1.
31 -محمد غنيمي هلال: الأدب المقارن .نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الفجالة ، القاهرة ،ط9 ،2008 .
32 -محمد نبيس: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب. دار التنوير للطباعة
والنشر بيروت لبنان، ط2 ،1985.
33 -محمود دراسة: مفاهيم في الشعرية ( دراسات في النقد القديم). دار جرير
إربد الأردن، ط1 ،2010
34 -مشري بن خليفة: الشعرية العربية مرجعياتها وإبدالاتها النصية.
35 -نازك صادق الملائكة: قضايا الشعر المعاصر.دار الآداب، بيروت، لبنان
.1974 ،4ط
36 -نسيب نشاوي:المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر. ديوان
المطبوعات الجامعية ، الجزائر، د ت،1984م.
ج- المراجع المترجمة:
1-أرسطو: فن الشعر. تر: إبراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، دط، دت.
2-تزيفان تودوروف: الشعرية. تر: شكرل المبخوت ورجاء بن سلامة، دار
توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب.
قائمة المصادر و
المراجع
76
3-جان كوهين: بنية اللغة الشعرية. تر: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال
للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1 ،1986.
4-رومان جاكوبسون: قضايا الشعرية. تر: محمد الولي ومبارك حنون، دار
توبقال، ط1 ،1988.

د- الدوريات:
1-أحمد حاجي : مصطلح اللغة الشعرية المفهوم والخصائص. مجلة مقالية، جامعة
قاصد مرباح ورقلة ، العدد 09 ،ديسمبر 2015 .
2-محمد الأمين خلادي: شعرية العنوان بين الغلاف والمتن ( مقاربة بين الصورة
والخطاب الروائي/اللاز نموذجا). مجلة الأثر، عدد خاص: أشغال الملتقى الدولي
الخامس في تحليل الخطاب " الروائي عبد الطاهر وطار " يومي 23 و 24 فيفري
.2011
3-محمد ناصر : الشعر الجزائري الحديث. مجلة النجاح، ع 828.
4-نزيهة درار : التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر "نماذج مختارة ".
مجلة الخطاب التواصلي الجزائري. نشر في 30/04/2017.
5-وليد عثماني: المسارات الإيستمولوجية للشعرية العربية. قراءة في المفهوم
والمصطلح والتحولات، مجلة دفاتر محبر الشعرية، جامعة المسيلة، الجزائر، ع4 ،
مارس 2017.
و- الرسائل الجامعية:
1-السحمدي بركاتي : الرمز التاريخي ودلالته في شعر عز الدين ميهوبي ، رسالة
ماجستير ، جامعة الحاج لخضر باتنة ، 2008-2009.
ه- المواقع الإلكترونية:
قائمة المصادر و
المراجع
77
1 -عبد القادر فيدوح: النسق المضمر في الشعر العربي المعاصر. مقال على شبكة
عود الند الإلكتروني، تاريخ الزيارة: 16-05-2019 الساعة: 15:15 ،الموقع:
https://www.oudnad.net
2 -فريدة سوزيف : التجديد في القصيدة العربية. مقال على شبكة عود الند
الإلكتروني. تاريخ الزيارة: 05-04-2019 ،الساعة: 15:11 ،الموقع:
https://www.oudnad.net

الملاحـــــــــــق :
77
مقداد مسعود

ملحق رقم :01

مقداد مسعود : ناقد وشاعر عراقي من مواليد البصرة 1954 ،بدأ النشر منتصف
السبعينات صدر له الزجاج و ما يدور في فلكه، مجموعة شعرية عن دار الشؤون
الثقافية 2009 ،والمغيب المضيء مجموعة شعرية عن دار الرواد المزدهرة بغداد
2008 ،وكتاب بعنوان الإذن العصية واللسان المقطوع عن دار الينابيع في دمشق
2009 وهو قراءة اتصالية في السرد والشعر، وزهرة الرمان مجموعة شعرية عن دار
الينابيع دمشق 2009 .

الملاحـــــــق:
78
ملحق رقم :02
الملخص:
لقد بات معروفا أن الخطاب الشعري الحديث - وقد مثلنا له بديوان الشاعر
العراقي مقداد مسعود ( ديوان زهرة الرمان أنموذجا )- لم يعد مجرد كلمات
وأفكار بسيطة فقط، بل أصبح يشمل عناصر أخرى لا يمكن الوصول إليها إلا
بالصبر لفهم النص، وفق التشكيل الخطي الذي ينتقيه الشاعر لنصه، ومن هنا
حدث تحول في طريقة تلقي القصيدة المعاصرة التي تُؤثر القراءة الصامتة، مما
أوجد مجالا لتوليد هوية بصرية للنصوص ومن ثم أصبحت طريقة كتابة النص
تدخل في تحديد معناه وتأطير مساره وقد تجلى التشكيل البصري للنص الشعري
الحديث بأشكال مختلفة كالسواد والبياض وما يرتبط بهما من فراغ دلالي
وعلامات الترقيم والأشكال الهندسية وتفتيت الدوال .
وبناء على هذا جاء بحثنا هذا الموسوم بشعرية الإضمار في القصيدة
الجديدة في ديوان زهرة الرمان للشاعر العراقي مقداد مسعود أنموذجا، والذي يقع
في مدخل وفصلين تناولنا في الدخل الحديث عن الشعرية من حيث المفهوم
والمسار التاريخي عند النقاد الغرب والعرب.وخصصنا الفصل الأول للحديث عن
شعرية الإضمار في قصائد الديوان من خلال الوقوف على عتبة الغلاف ثم دراسة
الشكيل الهندسي للقصيدة
Désormais,on reconnait le discours poetique (recueil de
Mokdad Messoud) n’est devenu plus que des mots et des
idées simples, mais il inclut d’autres éléments auquels on ne
peut pas yaccéder que par ha vision pour comprendre le texte.
Selon la forme manuscrite choisie par le poésie
contomporaine que influe la lecture silencieuse a eu lieu, ce qui








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا