الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المراحل الأربع لتطور حكم الضباط

محمد حسين يونس

2024 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


قصة مصر مع حكم العسكر ( قائد محتمي بجنوده المسلحين ).. قصة محزنة فلقد حكموا مصر بشكل مستمر منذ عام 525 قبل الميلاد وحتى اليوم ،سواء كانوا قادة قدموا علي رأس جيوشهم مثل قمبيز ، الاسكندر ،بطليموس ، قيصر، عمرو بن العاص، جوهر الصقلي ، صلاح الدين ، سليم الأول ، نابليون ، محمد على .. او جماعات أوليجاركية عسكرية كالمماليك وإنكشارية بنى عثمان و الضباط الأحرار ..
يشذ عن هذا فترتين أحدهما لخمسة عقود ..منذ صلح كوتاهية 1833 حتي إحتلال بريطانيا لمصر 1882..و أخرى ثلاثة عقود تبدأ من إنتهاء الحماية البريطانية1922 إلي إنقلاب العسكر 1952 ..
ثمانين سنة خلال 2550 كان فيها الحكم للمدنيين مع خفوت تأثير العسكر الذى أثر حكمهم المستمر علي سلوك الناس و أخلاقهم جيل بعد جيل .. وعلي قدراتهم التنموية و الإبداعية .
.لقد كان عليهم تدبير طعام و ملابس ..و سلاح..من يقهرونهم ..و تقبل جورهم ..و جبروتهم .. دون شكوى .. أو المطالبة بترقيتهم و تعليمهم .. و تحسين حياتهم .
العسكر حتي القادة العظام مثل نابليون و أيزنهاور و ديجول ..غير مبدعين كحكام .. لذلك هم ينقلون عن من سبق دون تعديل ..ويهتمون بالإنضباط ( الضبط و الربط ) و طاعة من يصدر لهم الأمر و تنفيذ الأعمال في أقل وقت مهما كانت الخسائر ..
العسكر .. .. إعتادوا علي تضحية من يحكمون.. و لا يهمهم خسائر المدنيين مهما إرتفعت ..في نفس الوقت هم قلقون أن يقوم أحد مرؤسيهم بإنقلاب عليهم فيغيرون في المناصب و الأماكن بصورة دورية ..و تغليب المراقبة الأمنية . علي خلق أسباب الولاء .. وفي كثير من الأوقات.. يلجأون للقوة في فرض رأيهم .
الضابط مؤهل للقتال .. و ليس للحكم ..و لذلك فإن معظم الحكام من العسكر تحولوا إلي الشكل الديكتاتورى ..ولم ينجحوا في تطوير شعوبهم أو تحسين حياتهم .. بقدر ما قهروهم و إستنزفوا قواهم .
بعد تولي محمد علي الحكم حقق بجنود مصريين عدة إنتصارات تحت رايات الباب العالي العثماني إنتهت بهزيمة نجله ابراهيم باشا في نيفارين البحرية و فقده إسطوله .. ثم إختلافه مع العثمانيين علي تعويضات الحرب .. و خوضه حرب الشام ضدهم و إقترابه من الإستانة ..
مع تدخل القوى العظمي و إجبار والده علي التراجع وقبول صلح كوتاهية في إبريل 1833 الذى ( يحد من حجم وتسليح الجيش المصرى ) . أصبح الحكم للمدنيين حتي إحتلال بريطانيا لمصر 1882 الذى إستمر لزمن إنتهاء الحماية فبراير 1922... تلاه فترة حكم مدني ( غير عسكرى ) لمدة ثلاثة عقود ..إنتهت بانقلاب عسكر 52 .
خلال هذه الفترة (1833-1952 ) طور سلاطين وملوك مصرمن أبناء أسرة محمد علي أنظمة حكم مدنية الطابع اتسمت فى بعض الأحيان بالديموقراطية الليبرالية المتأثرة بالغرب .
وشهدت هبات شعبية تطالب بتمصير قيادة الجيش مثل ما حدث من عرابى والبارودى ، أو بالاستقلال السياسى والاقتصادى كما طالب ثوار عام 1919 وما تلاه بقيادة الوفد.
فى هذه الفترة خاض العالم حربين تم خلالهما صعود وسقوط الفاشيست فى أوروبا وانتهاء الخلافة الاسلامية العثمانية واندلاع ثورات شعبية مقاومة للاستعمار الانجليزى والفرنسى وتأسيس الاتحاد السوفيتى واسرائيل .
وكان لكل هذا تأثيره على الشارع المصرى فظهرت ونمت تنظيمات شيوعية وأخرى فاشيستية دينية وقومية ( الاخوان المسلمين ومصر الفتاة )، جنبا الى جنب مع حركات التنوير الليبرالية والاشتراكية .
وهاجر الى مصر كل من عانى من الاضطهاد المذهبى أو الفكرى أو أراد ان يطور من إمكانياته العلمية والفنية والاقتصادية ،
أسماء كثيرة جعلت من القاهرة والاسكندرية منارات للمعرفة والفن ، على سبيل المثال لا الحصر (روز اليوسف ، الأخوان تكلا ، نجيب الريحانى ، فريد الأطرش ، بيرم التونسى ..... )
مصر فى تلك الفترة كانت قد وعت ذاتها بعد اكتشاف اللغة الهيروغليفية وتأسيس نظم تعليم مدنية ( عكس دينية ) فى مدارسها وجامعاتها ، كذلك كان لها برلمان ودستور وأحزاب متنوعة تتبادل السلطة .
وكانت مرشحة لقيادة المنطقة للخروج من أسر الاستعمار ونظم الحياة البدوية والخلافة العثمانية ..ولكن كيان الدولة المعاصرة الهش الذى لم يكن قد بل بعد من تخلف الحكم العثمانى المملوكى أصابته لعنة الفاشيست المحدثين بنكسة أعادته لنقطة البداية .
لقد انقلب العسكر عام 52 ضد الشرعية والليبرالية دون برنامج أو هدف متفق عليه بينهم .. ليعطلوا الدستور والحياة السياسية و يجهضوا أحلام النهضة ..ويتحركوا على درب مهده من قبل هتلر فى ألمانيا متصورين أنهم سوف يحققون ما فشل فيه الفوهرر .
الجيش المصرى بعد إتفاقية كوتاهية .. لم يكن معدا للحرب والقتال والدفاع عن الوطن ، لقد كان يضم بعض من أبناء الارستقراطية الباشاوات والبكاوات كضباط يقودون جنود من أفقر فقراء مصر الذين لا يستطيعون دفع البدل النقدى للخدمة العسكرية .
وكان الانجليز يستخدمون هذا الجيش للاستعراض فى الاحتفالات ولاهداف خاصة بهم منها الحرب فى المكسيك أو احتلال السودان اوقمع الاضطرابات فى البلدين .
مع الحرب العالمية الثانية ، سمحوا بتطوير بعض وحداته لتساعد الحلفاء في حراسة الحدود ، وليحل لأول مرة بعض من أفراد الشعب مكان أبناء الباشوات فى الكلية الحربية .
الضباط القادمون من قرى وحوارى مصر ، جاءوا يحملون كرها للمحتل الانجليزى وإعجابا بالمتحدى النازى ، الذى نقل بلاده من حضيض معاهدة فرساى الى احتلال الجزء الأكبر من أوروبا ، بإعادة تنظيم إمكانيات الشعب الألمانى وحشدها عسكريا ، لتصبح قوة مرعبة ساحقة ، تحقق انجازات تشبه الأحلام لذلك كان شعارهم الأول ((الإتحاد و النظام و العمل ))
.
الضباط الجدد كانت ثقافتهم مكتسبة من الشارع لم يتعلموا في الكلية الحربية إقتصاد أو سياسة أو علوم إنسانية ، فتعلموا من ميليشيات أحزاب المعارضة وصحفهم وخطباءهم وتنظيماتهم ، طموح غامض ( لمصر الفتاة ) لاستنساخ ( تركيا الفتاة ) التى أنشأها كمال أتاتورك على أنقاض الامبراطورية العثمانية ، أو أمل غير مفهوم للاخوان المسلمين فى إحياء خلافة اسلامية إنتهت وإعادة مجد المسلمين حتى لو كان بقيادة الملك فاروق.
وهكذا عندما انقلب العسكر ، كانوا يدورون حول أفكارا فاشيستية قومية ودينية ، إكتسبوها من الوسط الثقافى السائد مع معاداة واضحة لليبرالية الأوروبية وما يتبعها من حقوق الانسان والحياة النيابية والدستور .
النظام الذى ظل يحكم مصر منذ منتصف القرن العشرين و حتي اليوم ..أى الدولة الشمولية التي علي رأسها ديكتاتور .. جاء نسخا للهتلرية . تعلم منها سياسة ..و إقتصاد ..و أساليب السيطرة علي الناس
فلنقرأ معا كتاب وليم شيرر ( صعود وسقوط الرايخ الثالث ) لنفهم المصدر ..وكيف أحكم هتلر قبضته على الشعب الألمانى من خلال عدد من الأجهزة والنظم التى كانت الدليل والنبراس للناصرية والساداتية و تم تطويرها فيما بعد 2011 .
((حزب وطنى إشتراكى وحيد يمتلك الساحة على رأسه زعيم ملهم...ونمط ثقافى شوفونى موجه دستوره كتاب كفاحى... نظام بوليسى قوى متغلغل ، له أدواته القمعية وقاعدته من سجون ومعتقلات... مؤسسات تشريعية ونيابية وقضائية صورية ، هى دمىّ فى يد النظام.... جهاز إعلامى له قدرة عالية على الخداع والانتشار ينقل وجهة نظر وحيدة.... جهاز دولة مركزى بيروقراطى يسيطر على حياة الشعب من خلال كافة الانشطة الاقتصادية... جيش له امتيازات خاصة ومعتنى بتدريبه وتسليحه معتاد على الطاعة ))
نحن هنا نتكلم عن نظام هتلر ، لا النظام الذى استنسخه الضباط الأحرار .. وطوره الجنرلات بعد 2011.
و كما حدث للنازى من صعود سريع ثم سقوط مدوىّ ، حدث لضباط مصر، فالآله العسكرية التى حرمت الشعب من الديموقراطية والليبرالية وحقوق الانسان ، قدمت له بديلا من النعرة القومية والانتصارات الزائفة والحروب المتتالية والهزيمة المذلة فى كل المجالات .
انكسار الحلم العسكرى المصرى ، جاء بسبب أن القوى العظمى لم تكن فى وضع يسمح لها بظهور هتلر جديد ...
وتفرق الجمع الذى حشده الضباط خلف إتحادهم الاشتراكى وقوميتهم العربية ، ليقع فريسة للوهابية ، ويعود الى نقطة الصفر ، الى الأخلاق والسلوك البدوى وشكرا لحضرات الضباط ..
عندما سمحت حكومة الوفد لأبناء الشعب بدخول الكلية الحربية لم يكن الملتحقون بها من المجدين الذين فضلوا الحياة العسكرية علي الدراسة فى الجامعات.
كان أغلبهم من الطلاب الأقل تحصيلا.. وكانت الدراسة بالكلية الحربية لا تعدل من هذا الامر شيئا ،لقد تولاها الإنجليز .. ولم يقصدوا أن يعدوا من يستطيع مواجهتهم ..
فيتخرج منها الضابط قليل الخبرة محدود التعليم ، فإذا ما بدأ العمل لم يجد النظام الذى يؤهله لان يصبح..سياسيا أو شخصا يتمسك بالديموقراطية و الحريات ..و حقوق الإنسان ..إنه لا يعرف من العسكرية إلا الضبط و الربط ..و إطاعة الأوامر .و تمام يافندم .
وهو فى الغالب يكره المناقشة والحوار ، وفي نفس الوقت يتخيل أنه بارتداءه للبدلة الميرى قد تميز وإمتلك مفاهيم الحقيقة المطلقة ،
حتي أنه رغم فشله في تحقيق إنتصارا في 1947 علي العصابات الصهيونية بفلسطين يرى أن إنقاذ البلاد من الفوضى ..معلق فى رقبته ...
لذلك إنقلبوا علي الملك و علي كبار الضباط و شغلوا كل مناصب الإدارة في الجهاز الحكومي علي أساس أنه فاسد .. و حضراتهم سوف يعدلون المايلة .
مر ضباط جيش مصر بعد 1952 بأربع مراحل .. أحدها في زمن عبد الحكيم عامر تصور كل منهم أنه يمتلك العلاج الشافى للفوضى الضاربة في البلاد ،
وهكذا ما أن أصبح سيادته فى السلطة وصاحب قرارفإنه فتح السجون والمعتقلات وأطلق ناسه لتعذيب المعارضين وتحطيم كبرياءهم ولو كان بينهم لويس عوض أو اسماعيل صبرى عبد الله أو فؤاد مرسى أو شهدى عطية أو لطفى الخولى .
الضابط فى السلطة أغلق الصحف وكمم المثقفين ونشر الرعب الأمنى والبوليسى ، و وضع يده على كنوز الدولة ينفقها ببذخ. علي ناسه ..حسب رؤيته الفردية
وعادة ما يلتف حوله كل محتال منافق يصور له أنه الناصح الأمين .. ثم يتحول الديكتاتور الى نصف إله يحيى ويميت ، يمنح ويمنع ، يصفو ويغضب ، وشعبه الى أمة من المطيعين للراعي الذى بيده العصى فيتخلفون تدريجيا عن باقي الناس في بلاد العالمين .
.إنه درس التاريخ الذى لم يخطئ أبدا ، فلماذا يخطئ فى بلادنا
المرحلة الثانية .. يتحول فيها الضابط إلي سياسي يتحكم في ثروة البلد و يوجهها .. كما يريد .. ينفقها علي حروبه في أكثر من جبهه يخسر في اليمن و في سيناء ..و يعاني من هجمات العدو علي الوادى فيما سمي بحرب الإستنزاف ..فينتبه ( محمد فوزى ) أن وظيفته الأساسية هي الحرب ..و أن عليه أن يعد نفسه لها ..و أن أنشغاله بمهام مدنية نقمة سببت هزيمته .. و يخوض معارك تالية بالفكر الجديد .. فيبلي فيها بلاء حسنا .
المرحلة الثالثة بعد إعلان السادات أن أكتوبر أخر الحروب فقد قلص دور القوات المسلحة و طارد القيادات التي إكتسبت حكمة الحرب ( بعضهم مات في حادثة طيران بالواحات ) و أبعدهم عن السياسة و العمل المدني..و أكتفي بقوات الأمن لضبط ريتم المجتمع .. و تبعة مبارك لثلاثين سنة .. لم نكن نسمع عن من عبثهم في الحياة المدنية ..
لقد إنتهوا من الحروب ..و قفلوا علي أنفسهم .. و إبتعدوا عن مشاكل الخلق ..و أكتفي أبو غزالة بالتدريب المتاح..و حرص علي أن لا يحتكون كثيرا بالناس..فإنشغلوا بعمل إكتفاء ذاتي يزودهم بإحتياجاتهم الأساسية طعام و دواء و مساكن و ترفيه و نوادى
في هذه المرحلة سافر أغلب الضباط إلي الولايات المتحدة الأمريكية و تربوا هناك علي عقيدة قتال مختلفة عن العقيدة الشرقية ..و تعلموا الفلسفة الأمريكية المتصلة بالبراجماتية. و أصبحت أزياؤهم أمريكية ..و أسلحتهم أمريكية .. و يقومون بمناورات مع القوات الأمريكية .. و ظل محمد حسين طنطاوى كامنا حتي تحين الفرصة .. لا تسمع عنه إلا في منافسات فرق كرة القدم ...
الفرصة جاءت .. عندما كلفهم مبارك بحكم مصر .
عندما إختارهم مبارك كي يخلفونه . ظهر الفارق بين ضباط 1952 الذين تعلموا و تم تدريبهم علي يد الإنجليز و خاضوا حرب 1948 ..و تعرفوا علي نقط ضعفهم خلال المعارك ثم إنقلبوا علي الحاكم ..و ضباط 2011 الذين لم يحاربوا منذ 38 سنة ..و تدربوا علي يد الأمريكان ..و تشربوا بالنيوليبراليزم كإسلوب حياة .
الأخوان المسلمين جاءوا كجملة شاذة في هذا الموضوع بعد أن أجبر الرئيس الأمريكي أوباما .. ضباط الجيش علي تنصيبهم كحكام .
و هنا ((أصبح اللعب علي المكشوف بعدما لم يعد تنظيم الاخوان من المستضعفين الذين يتحايلون علي وجودهم بالمسكنة و الخداع .. لقد سقطت الاقنعة و رفع الستارعن المتحدثة الرسمية الامريكية تضيء العلامة الخضراء لتنتفي مبررات التقية ، الكذب ، التحايل و تقديم الوعود التي لا تنفذ و التي شكلت السمة الرئيسية للخطاب الاخوانجي.))..
دعم الادارة الامريكية جعل الاخوان يسرعون إلي إحالة قائد الجيش و رئيس الأركان للمعاش..و شغل منصبهما بضباط علي علاقة جيدة بالجماعة
و إستمر إستيلاء الجماعة علي المناصب الحاكمة.. نائب الرئيس ، قيادات الجيش و الشرطة و المخابرات و القضاء و الاعلام و رؤساء تحرير الصحف ، وظائف أصبحت حكرا علي الاخوانجية بالاضافة الي رؤساء الجمهورية ، الوزارة ، مجلس الشعب ، مجلس الشورى ولجنة كتابة الدستور
فاذا ما أضفنا لذلك المسئولين عن النقابات و الخلايا النائمة التي لم يعلن عنها في البنوك ، الشركات ، التجارة الداخلية و الاستيرادية ، البورصة , مندوبي مصر في المؤسسات الدولية و في باقي المواقع الحساسة و الرقابية أو الدينية الرسمية.. فضلا عن المليشيات و البلطجية الذين احتلوا الشوارع و الميادين و أماكن الانتاج الاعلامي و أشاعوا الذعر بين المتظاهرين أو المعارضين أو السكان القبط و المسلمين المسالمين
فان معني هذا (( أن الشعب الذى هاج و ماج من أجل ازاحة طاغوت الحزب الوطني أحل محله كابوسا أكثر ضراوة و جوعا و شراسة من جماعة الاخوان المسلمين بكوادرهم ، أقاربهم ، معارفهم ، محبيهم ، مريديهم و كل من قال أنا اخوانجي ))
بمرور الوقت فشل الأخوان في تحقيق تعليمات أمريكا بتنفيذ خطط صندوق النقد و البنك الدولي أو السيطرة علي الشارع و الدولة العميقة .. الذين بنزق طفولي أجهضوا أول و أخر تجربة حكم مدنية خلال الفترة من 1954 – 2024 .
((فى المؤتمر الصحفى اليومى، الذى تعقده المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند سألها بعض الصحفيين عن القرارات الأخيرة التى أصدرها الرئيس محمد مرسى، الخاصة بقادة القوات المسلحة وإن كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بها؟
فقالت «نولاند» بشكل واضح وبلا مواربة: «نعم كنا على علم بهذه القرارات»، وأوضحت أن معرفة واشنطن بالقرارات المذكورة تعود لوقت زيارة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لمصر،
ثم وصفت العسكريين الجدد الذين قام مرسى بتعيينهم دون أن يسألها أحد قائلة: «إنهم جميعاً معروفون لنا، فقد عملنا معهم فى السابق وبعضهم درس عندنا هنا فى الولايات المتحدة»،
ويبدو أن ردود المتحدثة الرسمية للخارجية فتحت شهية الصحفيين فى مؤتمرها اليومى ، فأخذوا يلاحقونها بالأسئلة حول هذا الموضوع، وفى ردها على بعض الأسئلة أكدت أن العسكريين المصريين لم يفاجأوا بالقرارات، ثم أضافت: «لقد علمنا أثناء زيارة وزيرة الخارجية لمصر أن هناك مناقشات تدور بالفعل بين القيادة المدنية والقيادة العسكرية حول هذا الموضوع)).
((القادة الجدد( اللواء السيسي و أخرين ) تم تدريبهم خلال زمن سابق في أمريكا و معروفين جيدا ( و لم تقل و انما ظهر من سياق الكلام ) أنهم محل ثقة القيادة الامريكية المستعدة للتعاون معهم بما في ذلك مقاومة خلايا الارهاب في سيناء .))
في زمن تحتمس الثالث .. كان أبناء أمراء المستعمرات يرسلون ليعيشوا في القصر الملكي بمدينة الصولجان .. و يتعلمون العادات و القوانين و إسلوب حياة المصريين ثم يعادوا لبلادهم أشد مصرية من المصريين أنفسهم ..
هذا ما يحدث اليوم في أمريكا .. تأخذ قيادات الضباط من جمهوريات تابعة تدربهم و تعلمهم و تنشر بينهم أسلوب الحياة الأمريكية و فلسفتها .. ثم تعيدهم رؤساء لبلادهم ينفذون ما تطلبه أمريكا و ما لا تطلبه .. من أمركة بلادهم .
بمعني أن الذى أطاح بوزير الحربية و رئيس الأركان كان مرسي ولكن بإيعاز أو موافقة من الخارجية الأمريكية .. و أن الذين حلوا محلهم .. ثم أزاحوا الرئيس و سجنوه حتي مات .. كانوا من المعروفين لهم .. الذين درسوا عندهم النيوليبرالية .. ليطبقوها في بلادهم كما أراد البنك الدولي و صندوق النقد .. و يتمكن الإستعمار الحديث بكل قياساته و أساليبة من مصر
و هنا كان التحول الرابع .. لقد تحول الضباط لحكام ..تغير الدستور و القوانين لتمكينهم ..و منحهم صلاحيات التدخل في سياسة الدولة و السيطرة الإقتصادية علي كل الأنشطة بما في ذلك البناء و الهدم و بيع المنشئات و الأراضي .... سيطرة كاملة علي كل مفاصل الحياة في مصر .. التي عادت لزمن 1952 – 1954 ..
و تلاشي الأمل في تحول ديموقراطي .. في الغالب لقرون عديدة .. بعد أن اصبح طالب الكلية الحربية يدرس سياسة و إقتصاد و يحصل علي شهادات جامعية ((بكالوريوس الاقتصاد، والعلوم السياسية، والإحصاء، واقتصاديات إدارة عمليات النقل، والحاسبات والمعلومات )) مع شهادة الكلية الحربية.و يتم إختيارهم من الشباب الحاصل علي مجاميع مرتفعه في الثانوية العامة .. ليحكم.
نحن نعيش تحت مظلة القوى العظمي و سياستها ..و فى غيبوبة صنعها الكهنة .. يحكمنا العسكر .. ينفذون سياسة غير معلنة .. و لكنها تشير للفكر الأمريكي .
نحن مشغولون بلقمة العيش وكوب ماء نظيف ،وسكن يضم الزوجة والأولاد الذين لا نضمن لهم أى مستقبل ، لقد غاب الصراع عنا إلا إذا كان أمام المخابز من أجل رغيف خبز مدعمّ ، أو فى سباق العربات الجنونى اليومى فى شوارع القاهرة ، أو داخل أتوبيس عام من أجل موضع قدم ،
لقد أصبحت إحتياجاتنا بدائية فتوارت القمم عن الأنظار ، لا تحقيق ذات.. لا إبتكار لا اختراع ، لا كسر للمألوف الذى في رايهم يتسبب فى ضلالة التفكير أو التغيير .
المجتمعات الساكنة إندثرت على مر التاريخ ولم يعد لها وجود ، أما تلك التى غالبت الدوامة وخرجت من أسرها ، فلقد كان عليها أن تدفع الثمن ، وكان غاليا .. دماء آلاف الثوار والشهداء الذين رفضوا الواقع وأصروا على التغيير .. عبيد روما ، رعاع فرنسا ، بلاشفة روسيا ، ميليشيات ماو تسى تونج ، جنود إبراهام لينكولن .
أما فى زمن تداول المعلومات بعد أن أصبح العالم قرية اليكترونية صغيرة ، فإن الثمن الذى على الشعوب المتخلفة دفعه ، هو التعلم من الأكثر تقدما ، هكذا أعادت اليابان وتركيا وصل أنفسهما بالعالم الجديد واستطاعت دول جنوب شرق آسيا أن يكون لها وزنا بالسوق .
التعلم كان سلاح الهند والصين ونمور جنوب شرق أسيا ، الذى أوصلهم الى الديموقراطية ، فاحترام حقوق الانسان وازدهاره ، وحماهم من لعنة عدم قبول الآخر ومطاردته واغتياله بالمجاهدين او النسافين .
العلم هو المفتاح السحرى للمعاصرة ، علم مبنى على احترام الآخر وحقوقه ، والتكامل مع كفاح البشر الحضارى ،
علم يكشف المستور عن أسباب التخلف والنكوص ، ويقدم العبر والدروس من الهزائم والاخفاقات ، ويصحح ترتيب الأولويات .. علم يعتمد على الحقائق ويؤدى الى عقد اجتماعى عصرى ينتج دستورا وقانونا ، يعلى من قيمة الانسان وحريته وكفاحه .
الأمم التى سبقتنا على درب التقدم ، فصلت الدين عن الدولة كأسلوب حياة ،ورفعت من قيمة الحرية والاخاء والمساواة ، وحددت مهام العسكر بالحفاظ على سلامة الوطن ضمن خطة استراتيجية يضعها سياسيون
رحلة طويلة عاشها المصريون مع الخضوع لم تنته بعد ..و لن تنتهي إلا بعد أن نعترف أننا متخلفون وأن علينا التحول من مجتمع الفئة الثالثه لمجتمع الفئة الأولي ننتج أسلحتنا وادواتنا و طعامنا و أدويتنا .. و نقدم للسوق العالمي ما هو أكثر من قناة السويس و السياحة
و نفهم أن التقدم لن يأتي بإقامة الأبراج و الكبارى و القصور .. و هدم الأحياء السكنية و تشتيت ناسها بقدر ما يكون عبر تعليم و تدريب و توعية البشر و تحسين ظروف المعيشة و العمل ..بالتنمية المستدامة .والحفاظ علي الحرية و الديموقراطية و سيادة حقوق الإنسان ..و هو أمل بعيد .. شديد البعد ..لاننا و قعنا في شبكة أمريكية ..و لا نريد أن نعترف بقصورنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماهو الحل ؟
على سالم ( 2024 / 4 / 9 - 04:13 )
الاستاذ محمد انت تبذل مجهود كبير وعمل رائع لتحليل الوضع الصعب الكارثى فى مصر وعصابه البلطجيه التى تمص دم مصر وتشحت الشعب , انت اكيد نجحت فى ذلك بدون جدال , الكل الان يعرف ابعاد المشكله الصعبه والتى تتوارثها مصر عبر القرون السودا ؟ لكن ماهو الحل فى هذه المعضله الكؤود العسيره الحل

اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها