الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاد العراق بين المطرقة والسندان

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2024 / 4 / 8
الادارة و الاقتصاد


يتحدد التطور الاقتصادي لأي بلد من خلال القرارات التي تُتخذ بشأن العناصر الإنتاجية كالاستهلاك والإنتاج والادخار والاستثمار والابتكار. الإنتاج القومي يمثل النشاط الاقتصادي العام والاجمالي للدولة في فترة معينة. وهناك علاقة بين الاستخدام الإجمالي، والدخل القومي وتوظيف الأموال والاستهلاك والنقد. والأخير أي النقد أداة هامة للسياسة الاقتصادية العامة، فعندما يتغير الحجم النقدي باتجاه غير مناسب تنشأ عنه انعكاسات اجتماعية خطيرة كارتفاع الأسعار والبطالة وعدم التوازن الخارجي وغيرها..
كان الاقتصاد في العراق قبل 2003 اقتصادا مغلقا، فيه الإنتاج القومي القائم في اية لحظة معادل لمجموع نفقات الاستهلاك والاستثمار أي:
الإنتاج القومي = الاستهلاك + الاستثمار
في الظاهر سلك العراق بعد السقوط عام 2003 منحى الاقتصاد المفتوح، ففيه يفترض ان يتحقق التوازن من خلال تصدير السلع والخدمات واستيرادها (اقتصرت على سلعة النفط)، ودخول رؤوس الأموال وخروجها (وهذا هو الهدف من هذا السلوك)، فليس في الحالة العراقية صناعة وطنية وسلع منتجة (عدا النفط الخام!) وان النشاط الاقتصادي الإجمالي للدولة خلال فترة معينة او السنة المالية (الإنتاج القومي) في الاقتصاد المفتوح، تنطبق عليه المعادلة التالية:
الإنتاج القومي القائم = الاستهلاك + الاستثمار + نفقات الحكومة + الصادرات – الاستيراد
ذكرت في مقالة سابقة بان اعتماد العراق على النفط الخام يعد من أبرز الخصائص التي تميز اقتصاده. فالعائدات النفطية هي المصدر الرئيس لتمويل النفقات بنوعيها الجارية والاستثمارية، كما تستخدم الواردات لشراء السلع والخدمات ونفقات الدفاع والتزامات الشركات العالمية المستثمرة في قطاع النفط وبعض القطاعات الأخرى المحلية والخارجية. ان الاعتماد في الاقتصاد على ثروة ناضبة يعد عامل ضعف اساسي في هيكلية الاقتصاد، لان احتياجات المجتمعات الاستهلاكية والاستثمارية لا تنتهي بل تزداد مع زيادة السكان.
ان التحليل الاستقرائي للأوضاع الاقتصادية الماضية قد أبرز بعض الخصائص المشتركة والخاصة بمعظم الانهيارات الاقتصادية (الدورات)، والاحداث التي تؤثر في التقلبات الاقتصادية:
1- الإنتاج الوطني القائم والتي تعكس النشاط الاقتصادي عموما.
2- الاستهلاك والاستثمار.
3- المنتوجات/ تخضع العناصر الصناعية اللازمة للإنتاج الوطني للتغيرات أكثر من الزراعة.
4- استخدام البطالة وزيادة الاستخدام بما يتجاوز متطلبات العمل.
5- تقلبات وتطور الأسعار.
6- الأجور والارباح.
7- الأسواق المالية (تغيرات أسعار السندات والأسهم تسبق حركات الإنتاج).
ان أسعار الأسهم تعكس تغيرات معدلات الفائدة والارباح الناجمة عنها. ان قيمة السهم نتيجة تحويل الأرباح المتوقعة الى رأسمال بمعدل الفائدة الجارية، لذلك فان أسعار الأسهم تتغير تبعا للأرباح المرتقبة ومعدلات الفائدة التي تمنح للرأسمال الناشئ عنها. عندما ترتفع معدلات الفائدة تهبط قيمة السندات وترتفع قيمة الأسهم.
في العراق وكما ذكرنا بان الاعتماد في الاقتصاد على ثروة ناضبة يعد عامل ضعف اساسي في هيكلية الاقتصاد، أضف الى ما تتعرض لها تسعيرة النفط من ابتزاز وتحكم في دهاليز السياسة العالمية.. في العهد الجمهوري، اقدم عبد الكريم قاسم على تأميم النفط في الاراضي غير المستغلة من قبل شركة النفط العراقية (قانون رقم 80 ) واسس شركة النفط الوطنية، ولكن هذه الشركة عملت وحدها وكانت فتية ناقصة الخبرة، ولم تدخل بالشراكة مع شركات النفط العاملة في العراق والتي كانت هولندية بنسبة 12.5% وأمريكية 12.5 % وانجليزيه 25% لكي تكتسب الخبرة والمعرفة لتطوير الحقول واستثمارها بكفاءة لاحقا، وقد جاء التأميم بعد ذلك بعشره سنوات وانفرد العراق باستثمار النفط من خلال شركات وطنية كانت تفتقر الى الخبرة والمعرفة، لذلك نرى بان حقول دولة القطر على سبيل المثال، اصغر من حقول العراق ولكنها تدار بكفاءة وانتاجها اوفر واستغلالها اقتصادي وحقولها ثراء في ثراء، اما حقول العراق فلقد تخلف تطويرها واستثمارها الى حد غير معقول. ان الجموح والاندفاع جعلنا نسلك مسارا خطيرا لا ينطوي على اية فائدة. واليوم في العراق بطالة مقنعة تتغذى على الموازنة التشغيلية، وزيادة التعيينات بما يتجاوز متطلبات العمل وغياب التوصيف الوظيفي في ملاكات الدولة. وهناك مدراء كثيرون فاسدون هم عبأ على اقتصاد البلد، يحرص عليهم رجال الاعمال بصفقات فساد وبالمشاركة في تمويل الانتخابات البرلمانية للانتفاع من هذا الصنف من القياديين في الدولة.
يعاني العراق من مشكلة نقص السيادة لمعالجة الانهيار الاقتصادي، كإعادة الحياة للمصانع والمعامل والصناعات التحويلية النفطية وتنظيم مؤسسات الدولة وإدارة الدولة وغيرها حيث لا تمتلك الدولة ارادتها الحرة في وضع السياسة الاقتصادية! وضعف سياسة النشاط المصرفي، فالمصارف تستطيع احداث ودائع ولا تكتفي بقبول وداع زبائنها؟ وهناك تطور عالمي كبير في هذا الجانب، نورد مثالا لنمطية عمل المصارف سابقا، لنتصور مصرف صغير تلقى وديعة ألف دولار. ماذا سيعمل بها؟ فاذا كانت نسبه ما يحتفظ به من الودائع بحكم العرف او القانون هو 10% فانه يستطيع ان يقرض 900 دولار. وبإمكان اللذين استقروا المبلغ ان يقبضوه نقدا ويستعملونه لتسديد مشترياتهم المختلفة. اما إذا افترضنا بأنهم اودعوه لدى مصرف اخر فان ودائع هذه المؤسسة تزداد بنسبه 900 دولار، فاذا احتفظت في صندوقها نسبه 10 بالمئة فأنها تستطيع اقراض من ٨١٠ دولارا. ولنفترض ايضا بان هذا المبلغ أودع في مصرف ثالث فتزداد ودائعه بمبلغ من ٨١٠ دولارا ويستطيع ان يقرض مبلغ 729 دولارا وهكذا بالتتالي.
بحيث ان مبلغ الالف دولار الموجودة في الاصل لدى المصرف الاول قد يؤدي الى ازدياد مجمل الودائع لدى مجموعة المصارف بحيث تبلغ 10,000 دولار كما يلي:
١٠٠٠(١+ ١٠/٩+ ١٠(/٩) ² +( ١٠/٩) ³+...)=١٠٠٠٠دولار
إذا كان المبلغ الالف دولار المودع في الاصل لدى المصرف الاول ناشئا عن بلد أجنبي او على الحكومة التي خفضت بالنسبة ذاتها حسابها في المصرف، فان الرصيد النقدي يزداد بنسبه 10,000 دولار وإذا كان المبلغ الاصلي مؤلفا من اوراق نقديه فان صافي المبلغ المحدث تكون 9000 دولار فقط. لذلك ترى بان مجموعه المصارف تفعل ما لا تفعله مصرف واحد. اي ان طاقة مجموعة المصارف في انشاء النقد تعادل إذا عكس معدل الاحتياط.
وفي اواسط السبعينات قامت امريكا بفصل قيمة عملتها من الذهب، فقد كان الحجم الورقي للدولار يضخ في السوق قبل ذلك بقدر الرصيد الذهبي في البنك المركزي الفدرالي، ثم ربطتها فيما بعد بالنفط (أصبح قيمة برميل النفط الواحد تقاس بالدولارات). وفي التسعينات فصلت اوروبا عملتها من القياس الذهبي أيضا، ثم اصبحت جميع هذه الدول تستطيع طبع عملاتها على قدر حجم نمو اقتصادها السنوي. اسندت الطبع بسندات القروض للمستثمرين وعند ظهور اي عجز وبهدف الحفاظ على الحجم الورقي المطبوع، قامت تزيد من نسبه الفوائد من 2% الى 7% لكي تحافظ البنوك المركزية على قدرتها لطبع نقدها دون انهيارها، مما يستوجب من الحكومات فرض الضرائب وتثبيت الدرجات الوظيفية دون السماح لزيادتها رغم النمو السكاني، فتسببت في زيادة عدد البطالة. ومشكله الدول الديمقراطية هو ان البرلمان يسعى لإرضاء الشعب الذي ينتخبه، فلابد من ارضائها من خلال فتح التعيينات وايجاد فرص العمل وتقليل الضرائب، وفي الوقت ذاته فان الحكومة التي تأتي بتفويض من البرلمان تسعى لعكس هذا الهدف، اي تقلل من التعيينات وتزيد نسبه الفوائد وتزيد الضرائب لتحافظ على قيمه عملتها وقوه اقتصادها. ولكن هذا الصراع مرير ومتعب وتحتاج هذه الدول الى سوق لزيادة صادراتها ومن ثم نموها الاقتصادي لتزيد افاق العمل وتوسعها. الاتجاه في الوقت الحاضر هو التعامل مع البتكوين بدلا عن الدولار وتزيد الاستثمارات بالبتكوين بشكل مضطرد للتصدي للانهيارات الاقتصادية بمعدلات فائدة صفرية او بالسالب وتشجع المستثمرين على المراهنة بأموالهم على المشاريع التي تخلق فرص عمل بدلا عن الاستثمار بالسندات الحكومية. نحن مقبلون على عالم إدارة اقتصادية جديدة كفيلة بحل المعضلات القومية والمجتمعية التي يئست الاساليب التقليدية من معالجة التضخم والبطالة وتباطؤ النمو... ليس في العراق نشاط اقتصادي بل هناك ريع نفطي، تذهب واردات العراق للخزانة الامريكية التي تتصدق منها لتمويل الموازنة الجارية (بعد التقنين) لتقتصر على الفقرات الاستهلاكية اساساً. أصبح العراق بين مطرقة غياب السيادة والقرار الحر وسندان التطورات الاقتصادية العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف


.. -فيتش- تُعدل نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر إلى إيجابية




.. عيار 21 الا?ن.. سعر الذهب اليوم السبت 4 مايو بالصاغة


.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة




.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟