الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية الوعظ والنقد في ديوان إرثي إليكم دره للشاعر وحيد الدهشان

صبري فوزي أبوحسين

2024 / 4 / 8
الادب والفن


-------------------------
ترجع علاقتي بالمهندس وحيد الدهشان الفنان والإنسان إلى تسعينيات القرن العشرين، في رحاب منتديات ثقافية عديدة مثل نادي الأدب بنقابة المهندسين، ورابطة الأدب الحديث، حينا، وغالبا ما كان لقائي به في مقر رابطة الأدب الإسلامي العالمية بجمعية الشبان المسلمين، بشارع رمسيس بقاهرة المعز، التي تعرفت عليها وسرت في خفاياها من خلال قيادته الراقية الكريمة! تعرفت على ذلكم الشاعر الجوال، والمثقف الطواف، المتحرك في كل تظاهرة ثقافية أصيلة فاعلة؛ كان زمانئذ نحلة تتذوق من كل نبات وتعطي حلو الثمار، فقد نشأ نشأة فنية عبر المنتديات والصالونات في القاهرة العامرة، متلقيا ومبدعا، مستفيدا ومفيدا، عارضا ومستعرضا، يحرص على الإعلان عن الطازج من شعره وزجله، لا تراه إلا مصطحبا مجموعة أقلام وأوراق، هي بالنسبة إليه سلاحه، وهي أيضا دواؤه، فقد كان مريضًا بالإبداع الشعري والزحلي، لا يشفى منه إلا بكتابته، ثم إلقائه، ثم نشره، ثم تلقيه من قبل الخبراء....
ومنذ ذلك الزمان الأصيل الجميل النبيل، زمان الشباب والحركة لكلينا، وعلاقتي بالشاعر وحيد، علاقة المتلقي بالمبدع، يعطيني طازج شعره مخطوطًا ومطبوعًا، مع عبارة إهدائية تاريخية لشخصي، نصها كما في إهدائه إياي الجزء الأول من أعماله الشعرية الكاملة، المؤرخ بـ25/8/2021م: (بكل الحب والتقدير إلى الأستاذ الدكتور صبري أبوحسين، أول من احتفى بتجربتي الإبداعية المتواضعة من أهل التخصص، فجزاه الله عني خير الجزاء، مع أرق تحياتي وأطيب أمنياتي)، كما أن علاقتي به كانت علاقة الباحث عن الكنوز والخبايا بالمصدر: كم سمعت منه، وكم علقت له، وكم علقت عليه، وكم رد على تعليقي إما بدفاع عن رؤيته أو تعديل حسب رؤيتي، وكم أفادني، وكم أضاف إليَّ، وكم فتح لي من أبواب، وكم فتح لي من مغاليق، وكم أشركني في مشاريع ثقافية هادفة، وكم أخذت منه معارف، وكم أخذت منه الطريق إلى علاقات بكبار المثقفين. وفذلكة علاقتي به أنه شاعري الأول كناقد، وأنني من متذوقي شعره الأوائل...وكم أفاد طلابي من مكتبته الزاخرة... وأحمد الله تعالى على أن هذه العلاقة ما زالت طيبة وراسخة بعد مرور ثلاثين سنة، بل وتزداد حبا وقربا وصفاء ونقاء....وها هو ذا يصطفيني بقراءة ديوانه الطازج الثالث عشر (إرثي إليكم دره) في نسخته المخطوطة، بغية التقديم له، والذي انتهى من تنسيقه وإعداده للطباعة في 6/3/2024م.
..والمتابع مسيرة الدهشان الشعرية منذ ديوانه الأول(في رحاب الدعوة) الصادر سنة 1993م، ثم ديوان(وطن يحيرنا) الصادر سنة 1996م، ومرورا بدواوين: (أصداء الشوق والرجاء) سنة 2000م، و(القدس في القلب، سنة 2001م) ، و(غدا لا ينفع الندم، سنة 2002م) ، و(نحن الشهادة عشقنا، سنة 2003م)، و(ديوان البشائر، سنة 2005م)، و(عندما تتوضأ الحروف، سنة 2005م)، و(سنا العلماء لا يفنى، سنة 2005م)، و(ديوان ماذا لو عاد صلاح الدين؟!، سنة 2005م)، والديوان القصيدة(أغاريد المنافي، سنة 2007م)، و(في انتظار الفجر، سنة 2008م)، يجد أنه ذو سمت واحد واضح، لم يتبدل في شكله ومضمونه، إنه سمت المحافظين- البيتي غالبًا، والسطري حينًا- الخطابيين، المباشرين، الموجهين والناقدين، وهو في هذا الديوان، الطازج في زمان إبداعه، يتسم بخصائص فنية، تكاد توجد في كل شعره وزجله، تتمثل في: رعاية المتلقين(الجماهير)؛ فهو شاعر الشعب والعامة لا النخبة، دائما تجد ذلك في شخصه، وقلبه وعقله، وقلمه، ولسانه!
وما زالت في ذاكرتي أشعار سائرة جاذبة من دواوينه المتواترة، منها:
- والمؤمن الحق ذو نفس مروضة تستعذب المُرَّ كي تلقى أمانيها
- الأم مدرسة الأم مرحمة الأم كنز حوى من كل إحسانِ
- فوق السحاب حنان الأم منزلة لو ينطق الحب قال: الأم عنواني
- القول قول القلب لا قول الفم وأنا الذي شعري لقلبي ينتمي
- الحق أولى أن نصوغ بيانه حلو المذاق مُغَذِّيَ الأفهامِ
- طوبى لكل شهيد في مرابعنا روت دماه غراسا يثمر الآنا
- أكتوبرُ الميمونُ أصدقُ شاهدٍ هو دربُنا إن شئتمُ التمكينا
- يا مصر حبك في الفؤاد كبيرُ وله أريج طيب وعبيرُ
- يا مصر يا مهد الحضارة والهدى وتراب أرضك مؤمن وطهورُ
- ولأنت يا مصر الحبيبة أمنا لكِ يا أبيةُ لا عليكِ نثورُ
- القدس في القلب لن يهنا لنا بال حتى تقول الدنا: من أفسدوا زالوا
- والحُرُّ في حلْق الطغاةِ كشوكة والفجر في شرع الأباة قريبُ
- والحر يبقى بالشهادة ذكره ويموت من عاشوا الحياة عبيدا
- الشعر ما اصطحب النفوس مطيعة نحو العلا عبر الطريق الأقومِ
ولا أدل على تلك المكانة الشعرية السامقة من قول الشاعر الفحل النابغة محمد فايد عثمان-في تعليقه على منشوري الفيسي عن حبيبنا الدهشان:"صديقي المهندس الشاعر القدير (وحيد حامد الدهشان ):أصدق شعراء المرحلة لغةً، وأصفاهم لهجةً، وأوضحهم بيانًا، وأعذبهم لسانًا .ولكلٍ من اسمه نصيب؛ فهو وحيدٌ وهو حامد وهو الدهشان" . وسأقف بك -قارئنا العزيز-مع هذا الإصدار الشعري الطازج عبر المحطات الفنية الآتية:
1- تفكيك عتبة عنوان الديوان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وديوانه الثالث عشر(إرثي إليكم دره) دال على ذلك، فهو مصوغ من عنوان اسمي الجملة، خبري التركيب، مكون من مبتدأ(إرثي) وهو مركب إضافي، من إضافة لفظ(الإرث) إلى ضمير الذات(ياء المتكلم)، ومن خبر جملة اسمية تقدم فيه الخبر شبه الجملة(إليكم) على المبتدأ الثاني(دره)؛ كأني بشاعرنا يحملنا رسالة كأنها ميراث عنه! فـ(الدهشان) ينطلق في هذا الديوان من الحديث النبوي الشريف الذي نصه: "إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما وَرَّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"؛ فليس من شَأن أهل العلم والأدب الإسلامي تَوريثُ المالِ، وإنما (وَرَّثوا العِلمَ)؛ فَمنْ أَخَذَه بحقِّهِ، وحافَظَ عليه، وعَمِلَ به، وعلَّمَهُ للنَّاسِ، أَخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ تامٍ وكامِلٍ. والعُلماءُ مَنوطٌ بهم تَعليمُ طُلابِ العِلمِ؛ فَينبَغي عليهم أن يُراعوا حُقوقَهم في التَّعلُّم والتَّعليمِ، ونَقلِ أمانةِ العِلمِ إليهم. إن أهل الفكر لا يُورِّثون مالاً ولا أرضًا، بل يُوَرِّثون علمًا أو أدبًا أو شعرًا، وحُقَّ له ذلك؛ فإن ما في هذا الديوان حكم عميقة وعظات دقيقة، صادرة عن(الدهشان) الداعية المُفكِّر المُعلِّم المُرشِد.
فـ(درُّ الشعر) هو أجمل ما يتركه "الدهشان" ميراثًا لمن بعده ممن خاطبهم بشبه الجملة(إليكم)، وهو الإرث الحقيقي، والكنز الثمين الذي يعد ذخرًا وزادًا للأجيال القادمة القارئة المتذوقة. ولفظة(دره) يمكن أن تكون بالضم(الدُّرُّ) من الدُّرّةُ : واحدة الدُّرّ، وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة، وبالفتح (الدَّرُّ)، وهو: النَّفْسُ، واللَّبَنُ، كالدِّرةِ، وكثْرَتُهُ، كالاسْتِدْرارِ، وفي كلا الضبطين يقصد "الدهشان" خير الإرث وأثمنه، وأنفسه، وأكثره بركة وضياء!
وفي العنوان ضميران مثيران، لا تبيين لهما إلا في عقل الدهشان ومخيلته، فمن الذين خاطبهم بكاف الجمع، وما الذي عبَّر عنه بضمير الغيبة للمفرد؟ قد يكون ضمير الخطاب راجعًا إلى وارثيه وأقاربه وذوي رحمه، وقد يتسع فيكون راجعًا إلى عشاق الكلمة الطيبة الصاعدة! ويدل على ذلك قوله في تصديره:" كنت قد اخترت لها هذا العنوان: (إرثي إليك كنوزه)، وكنت قد قررت إهداءه إلى ولدي.. ثم لأسباب كثيره رأيت أن يكون هذا الإرث إلى الإنسانية، ولذلك عدلت عنوان الديوان إلى: (إرثي.. إليكم دره)"... أما ضمير الغيبة في لفظة(دره)؛ فقد يكون راجعا إلى الإرث، وقد يكون راجعا إلى الشعر!
2- تفكيك عتبتي التقديم والإهداء في الديوان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما نترك عتبة العنوان إلى عتبتي التقديم والإهداء نجد أنه يقصد نوعًا خاصًّا من المتلقين باستهلاله الشعري، يقول:
يا باحثًا عن كلِّ نُصْحٍ يُصْطفى أهدي إليك كنوز إرثي أحرفا
فهو يقصد قارئًا من نوع فريد، إنه المتلقي المُتَثقف الباحث عن النصح المُصطفي لما يقرؤه ويتذوقه! فـ"الدهشان" السبعيني السن يخط بقلمه خلاصة رؤيته الحياة والأحياء، يقول في تصديره: "هذه مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية التي تجلت فيها بعض تجارب الحياة وعبرت عن بعض ما اكتسبته من خبرات". كأني به يقول كما ما قاله أبوحيان الأندلسي(ت745هـ):
حلبتُ الدَهرَ أَشطُرَهُ زَمانًا وَأَغناني العِيانُ عَن السُؤالِ
ومن خلال هذا التصدير يتضح لنا أن (الصنعة) -القائمة على التحكيك والتنقيح- هي الطريقة الإبداعية التي اصطفاها "الدهشان" لإخراج تجاربه، ومن ثم يخبرنا في تصديره أنع عدل عنوان ديوانه من(إرثي إليكم كنوزه) إلى(إرثي إليكم دره)! يقول: "وكنت قد قررت إهداءه إلى ولدي.. ثم لأسباب كثيره رأيت أن يكون هذا الإرث إلى الإنسانية؛ ولذلك عدلت عنوان الديوان إلى: (إرثي.. إليكم دره)، ولذلك عدلت مطلع الاستهلال من:
أهدي إليك كنوز إرثي أحرفا بسجيةٍ لا لم أكن متكلفا
إلى:
يا باحثا عن كل نصحٍ يُصطفى أهدي إليك كنوز إرثي أحرفا
وها هو ذا يعلن عن تخطيطه لمشاريعه الشعرية المستقبلية قائلا: "وفي تقديري أن يوضع هذا الديوان مع ما جاء من شعري عزفا على هذا الوتر في أحد أجزاء الأعمال الكاملة..."، وكان تاريخ إنهائه النظر في التجربة النهائية لهذا الديوان في:6/3/2024م.
وأعد شاعرنا لديوانه استهلالاً شعريًّا مكونًا من خمسة عشر بيتًا على نسق البحر الكامل التام، خاطب فيها المتلقي الخاص المقصود، ثم قرر حِكْمية ديوانه ووعظيته ومضمونه التعليمي قائلاً:
فيها عصارةُ ما علمتُ أسوقها بسجيةٍ لا لم أكن مُتَكلــِّـفا
فيها الرؤى عبرَ السنين جمعتُها مُتمهِّلا ما صغتُها متعسِّفا
كم غصتُ أجتلبُ الدراري لم أقفْ عند الذي في أبحر المعنى طفا
وينص على هادفيته المٌتَغيَّاة بقوله:
أثبتُ فيها ما يُؤمَّلُ نفعُه ونفيتُ من أفق التدبر ما انتفى
ويخاطب المتلقي المقصود بها معبرًا عن مقصوده وقيمه ورؤيته الحادة لمفهوم الحسن والقبح:
خذها سراجًا في مسارات الدجى لو أن نجمي في الحياة قد انطفا
لك طرحُها ولكل عقلٍ يرتضي نصحي ومما لاحَ يعرفُ ما اختفى
فيه ستبصر للنبيه نباهة وترى العقيم تفكــُّـرًا متخلفا
في ساحة القيم اعتدلتُ أمانة فعليك فيها أن تكون المنصفا
اما الدمامة ُ والجمالُ فإنني صدقًا أمامهما أرى متطرِّفا
فالشعرُ إن دنت المحاسنُ وردةٌ ويصيرُ في وجه القبائح أسيفا
ثم يدعوه إلى إعمال العقل في تدبرها قائلاً:
أنا لا أريدك أن تسلــَّـمَ بالذي قد قلتُهُ إلا بفهمٍ قد صفا
أملي تفيءُ إلى الهدى بيَّنتُهُ لا آمِرًا بل راجيًا متلطفا
أما إذا أخطأتُ فاحذر زلَّتي فبعصمةٍ ما اختُصَّ غيرُ المصطفى
واستمطر الرحمات من رب الورى لي إن أصبتُ.. أرومها متلهِّفا
كأني به يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فخذ من شعري ما يرتضيه عقلك المنصف، فليس كل ما في الديوان صوابًا مطلقًا، وليس فيه الخطأ المطلق! لكن حسبه ما قاله الشاعر الجاهلي لقيط بن يعمر الإيادي:
لقد بذلت لكم نصحى بلا دَخَلٍ فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا
هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكم لمَن رأى رأيَه منكم ومَن سَمِعا
3- الهيكل الإيقاعي للديوان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكوَّن هذا الديوان من تسع وأربعين تجربة-إضافة إلى تجربتي الإهداء والاستهلال- وكلها في قالب النُّتفة أو القطعة غالبًا، وفي قالب القصيدة القصيرة نادرًا، وجاءت على نسق الأبحر العروضية المُفضَّلة في شعر "الدهشان"، وهي:
-البحر الوافر التام:
في تسع عشرة تجربة، هي: (تحولات1/تحولات2/أقصى وأدني/قبول ورفض/تجاربنا/نصيحة في النصح/اختيارات صعبة/منطق/صعود وهبوط/كذا أحيا/فلذة الكبد/أثر طبيعي/جلال/أمور تراعى/أضعف الإيمان/طاقات/توجيه/هموم العيش/قرب مُضِرٌّ] .
-البحر الكامل التام:
في ست عشرة تجربة، هي: (الإهداء/الاستهلال/كن واثقا/سلم الحسن/تقنينات/دعوة للتعقل/منية/مت ظامئًا/لا فرق/إعفاء/لا للتعامي/كنف الإله/العفو عفو المقدرة/حقيقة الأمر/كن الكريم/من فقه المودة)]
-البسيط التام:
في اثنتي عشرة تجربة، هي: (حالات مستثناة/دع من تولى/لا يستوون/دنيا الوجوه/سوء الظنون/انصح برفق/عش للعلا/استغراب/جهد ضائع/في ساحة الفكر/يا طارق الباب/يا نفس]. إضافة إلى تجربتين على نسق المتدارك الخببي، هما (تجربتا: تذكير، وأصعب فقد).
4- التشكيل البيتي في الديوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تنوعت تجارب هذا الديوان من حيث البناء البيتي، وإن غلب عليه البناء القصير، حيث النُّتفة أو القِطعة، وندر مجيء قالب القصيدة، وبيان ذلك على النهج الآتي:
- قالب النُّتفة الثلاثية:
وجاءت عشرون تجربة، هي(تحولات1/تحولات 2/دع من تولى/نصيحة في النصح/انصح برفق/منطق/صعود وهبوط/لا فرق/كذا أحيا/فلذة كبد/استغراب/أثر طبيعي/ جلال/أضعف الإيمان/ طاقات/هموم العيش/حقيقة الأمر/قرب مُضِرٌّ/كن الكريم/من فقه المودة)
- قالب النُّتفة الثنائية:
وجاءت ثماني عشرة تجربة على هذا النسق، هي: (الإهداء/أسوأ من نلاقي/قبول ورفض/لا يستوون/سوء الظنون/كن واثقًا/سلم الحسن/دعوة للتعقل/اختيارات صعبة/مت ظامئًا/لا للتعامي/في ساحة الفكر/أمور تراعى/كنف الإله/توجيه/تأنى/العفو عفو المقدرة/يا نفس)
- قالب القِطْعة الرباعية:
وجاءت خمس تجارب على نسق هذا القالب، هي: (أقصى وأدنى/منية/عش للعلا/إعفاء/يا طارق الباب)
- قالب القِطْعة الخماسية:
وجاءت أربع تجارب على نسق هذا القالب، هي: (حالات مستثناة/تقنينات/جهد ضائع/أصعب فقد).
- قالب القِطْعة السداسية، وذلك في تجربة وحيدة في(تجاربنا)
- قالب القصيدة القصيرة:
وذلك في تجارب ثلاث، هي(استهلال) وجاءت في خمسة عشر بيتًا، وتجربة(دنيا الوجوه) في ثمانية أبيات، وتجربة(تذكير) في سبعة أبيات. فهذا الديوان –إذن- ديوان رَقَمِيٌّ وَمْضِي لَمْحِي، كأني بـ(الدهشان) قصد إلى ذلك التشكيل الشعري القصير الموجز قصدًا منه إلى خطاب القارئ الرَّقَمِي المعاصر، كما أن أثر الرقمية الفيسية بَيِّن في هذه التجارب؛ فمعظمها منشور على صفحته، ونالت إعجابًا ونالت تلقيًا نقديًّا من بعض المثقفين والمتذوقين!
5- البناء الفكري للديوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الديوان يسجل خاطرات شعرية متفرقة، وهي حِكْمية تأملية وعظية غالبًا، وقد نظمها "الدهشانط خلال إحدى عشرة سنة، منذ سنة 2013م حتى هذه السنة(2024م)؛ فقد بدأ هذه التجارب بنُتفة (تحولات)، وهي مؤرخة بـ2/8/2013م، ومهد لها بقطعة نثرية، كأنه نظمَها، فقال: "أن يكرهك أحدهم بجهل ثم يحبك بعد علم فهذا أمر حسن. أما الأمر السيئ فهو أن يحبك أحدهم بجهل ثم يكرهك بعد علم. ولذلك أقول:
تحول حبنا للشخصِ نَجْهلُهُ لبغضٍ بعد ما ندري سرائرَه
يكونُ أشدَّ من كرهٍ نمارسه بلا علمٍ ونقطعها أواصرَه
ونجنحُ بعده لمحبةٍ تسمو إذا أبدَتْ لنا الدنيا مآثرَه
وهذه التجربة تكاد تكون أنموذجًا للبناء الفني الذي التزمه شاعرنا في ديوانه كله، حيث النفَسُ الشعريُّ القصيرُ، والقالب العروضي الصاخب الجهير، واللغة الخطابية المباشرة، والاعتماد على تقنية المفارقة القائمة على التقاط متناقضات الأحياء حوله، ومعه! كما أن "الدهشان" في هذا الديوان صانع وليس مطبوعًا غالبًا، حيث جاءت على صورة عروضية غريبة، وهي الوافر التام الذي عروضه صحيحة [سِ نَجْهَلُهُو(//0///0مُفاعَلَتُنْ) وضربه صحيح [سرائرهو(//0///0مُفاعَلَتُنْ)]، والمعروف أن الوافر التام تكون عروضه مقطوفة(مفاعلْ)، ويكون ضربها مقطوفًا(مفاعلْ)، بدليل أن هذه التجربة لها صياغة أخرى أثبتها الشاعر، نصها:
صياغة أخرى:
تحولُ حبنا للشخصِ جهلا لبغضٍ بعد علمٍ بالسرائرْ
يكون أشدَّ من كرهٍ تنامى بلا علمٍ فقُطــِّـعت الأواصرْ
ونجنحُ بعدَه للحبِّ يسمو إذا أبدت لنا الدنيا المآثرْ
وفي ظني أن الدافع على هذا التصنيع أن الشاعر قرأ نصه الأول أمام نفسه الناقدة، أو أمام ناقد خاص! فرأى ثقلاً عروضيا في نصه الأول فقام بتنقيحه إلى هذه النسخة الجديدة السهلة الإيقاع، السلسة التعبير! فقد هيمن عنصر الفكر على "الدهشان" في نصه الأول، فلما عاش مع نصه مرة أخرى أو مرات أُخر، أعاد صياغته بهذه الانسيابية الإيقاعية واللغوية، حيث جاء على الصورة الإيقاعية التي تألفها الأذن العربية ذات الخبرة الطويلة مع شعرنا العربي العتيق، وهي الصورة المقطوفة عروضًا(صِ جهلنْ//0/(0 وضربًا (سرائرْ//0/(0!
وأخذ "الدهشان" يعدد لنا رؤاه ونفثاته وتفرساته في الحياة والأحياء إلى أن ختم الديوان بتجربة(يا نفس)، التي أُبدعتْ في 31/1/2024م، ونصها:
إذا قرأتِ كتابَ الله راعيهِ يا نفسُ واستحضري مغزى مراميهِ
لا خيرَ أن تقرأ القرآنَ جاهلة ٌ وسعيُها جُلــُّـهُ غيرُ الذي فيهِ
وفيها وعظ بالطريقة المثلى لقراءة القرآن الكريم، ودعوة إلى ضرورة تطبيقه في واقع القارئين والقارئات!
وتقنية التناص بادية في بعض تجارب الديوان، منها ما جاء في تجربة(انصح برفق)، حيث يقول:
مِن سُنةِ المصطفى "ما بالُ أقوامِ" ما دمتَ ترمي لتحذيرٍ وإعلامِ
فالنصحُ بالرفقِ مَرْجُوٌّ تدبُّرُهُ والنصحُ أجملُ وقعًا دونَ إيلامِ
ماءُ الوجوهِ عزيز ٌ في شريعتنا مادام يردعُ إيماءٌ بإكرامِ
فهو يتناص هنا مع ما روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها-:" كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا بلَغَه عنِ الرَّجلِ الشيءُ لم يَقُل: ما بالُ فُلانٍ يَقولُ: كذا وكذا، ولكن يَقولُ: ما بالُ أقوامٍ يَقولونَ: كذا، وكذا".
وفي تجربة(أصعب فقد) نجده يتناص مع شخصية تاريخية وموقف تاريخي فيقول:
في دنيانا أصعبُ فقدٍ أنك تفقدُ آخرَ ضوءْ
يا للحسرةِ حين يؤو لُ الشيءُ كبيرًا للا شيءْ
كسبُكَ نفسَكَ في معركةٍ أعظمُ نصرٍ أكبرُ فيءْ
وصنيعُ المعروفِ دوامًا يبقى ليس يضيعُ جُزيءْ
نفع (سُفانةَ) لما سُبيتْ أن أباها حاتمُ طيءْ
فهو متأثر بشخصية سفانة بنت حاتم الطائي أحد أجواد العرب، إذ لما جيء بها إلى المدينة مع السبايا اللاتي أسرهن المسلمون بعد غزوهم لقبيلتها، ومرّ عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: يا رسول اللَّه امْنُنْ عليّ، مَنَّ اللَّه عليك، فقد هلك الوالد، وغاب الوافد، فسألها -صلى الله عليه وسلم-: ومَنْ وَافِدُك؟، قالت: عدي بن حاتم، قال: الفارُّ من الله ورسوله؟، ومضى حتى مرّ ثلاث، فقالت: لا تُشَمِّتْ بي أحياء العرب، فإني بنتُ سيد قومي، كان أبي يفك الأسير، ويحمي الضعيف، ويَقْرِي الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم الطائي، أوليس الذي يتصف بتلك الخلال جديرًا بأن يشفع في نفسه، ويشفع للآخرين بسجاياه؟، فرد -صلى الله عليه وسلم-: يا جارية، هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه، ثم قال لأصحابه: خلُّوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها...
وأحيانا يوظف "الدهشان) خبرته الزجلية في شعره الفصيح فيستعين بألفاظ شعبية ذات إيحاء خاص، كما في تجربته(قرب مُضر)، حيث يقول:
والاستبغالُ كم ظلمًا تغابى وكم يطغى ذهابًا أو إيابا
ومَنْ والاه يحسبه حكيمًا هو الكبشُ الذي والى الذئابا
سيعرفُ من تخيَّرَ قُرْبَ بغلٍ بأن مناه قد كانت سرابا
وكذا في تجربته (في ساحة الفكر) نجد توظيفه لفظتي(الحط والشيل)، وكذا في تجربة(استغراب)! وفي تجربته(جهد ضائع) نجد توظيفه لعبارة شعبية مصطبية نصها:"وكلاب خالك التي تُحسن إليها ستقف مع خالك، ولن تقف معك عند الخلاف بينكما حتى وإن كنت صاحب حق... وكذا في تجربة (أثر طبيعي) يوظف ويُفصِّح عبارة شعبية، نصها:"والذي سقط في اختبار العشرة جنيهات لن ينجح في اختبار الألف جنيه ما لم تتغير قناعاته وتصوراته"...
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام