الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحلة اليتيمة (حصون تحت الرمال)

قيس كاظم الجنابي

2024 / 4 / 8
الادب والفن


-1-
تختلف رحلة الرحالة البولندي(برونيسوف كريستين فيجايسكي) المعنونة (حصون تحت الرمال) والتي وضع لها مترجمها ميخائيل عبد الله عنواناً ثانوياً (تريبوليتانيل الليبية سنة 1934)؛ لانها رحلة حصلت بعد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وبعد الحرب العالمية الأولى حيث كانت إيطاليا تعد نفسها امبراطورية استعمارية حالها حال بريطانيا العظمى وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال وغيرها من الدول الاستعمارية، فهي تحتل ارتيريا وبلاد غنية واسعة، وتحتل ليبيا ذات الصحاري والواحات الواسعة والموقع الجغرافي المهم وذات الموارد الاقتصادية. لقد قام الرحالة ذي الأصول البولندية والذي يحسن الحديث باللغة الإيطالية ،صار مؤلف الرحلة ضابطاً في جيش بلاده بولندا فاعدم من قبل السوفييت كواحد من (19)ألفاً من أفراد ذلك الجيش؛ فكان نصيبه رصاصة في الرأس، خلال الحرب العالمية الثانية، لقد تقصى المترجم حياة الرحالة ونهايته المحزنة؛ وقد صدرت الرحلة أولاً في وارسو عاصمة بلاده، عن دار نشر تشاسكا إفرت وميخالسكي سنة 1935م، فقد ولد سنة 1910م، وسيق برتبة ملازم بتاريخ 1/4/1940م، في الحرب العالمية الثانية ،ونبشت المقبرة التي دفن فيها في غابة كاتين سنة 1943م ، فعثر على جثته والى جانبها جواز سفره ،ولكن الالمان اتلفوا تلك الجثث في مدينة دريزدن سنة 1945م، ويرى المترجم ان الكاتب/الرحالة قضى "حياته وعمره ثلاثون سنة، الا ان اسمه لم يمتْ. وهو حيّ في هذا الكتاب، وربما كتب أخرى من تأليفه نجهلها. إنه حي في تلك اللوحة المحفورة في سور مقبرة كايتن وتحتها تُوقد كل سنة شمعة، وكذلك "سجل المقابر "التي ستغنيه هيئة حماية ذكرى المعارك والشهادة".[ ص14/ منشورات الجمل ، بغداد- بيروت، 2012م]
يذكر الكاتب عنوان كتابه ، فيقول:" يمثّل الرجال الثلاثة الذين في الداخل الثقافة الإيطالية الصناعية الغنية المشبّعة برغبة إرسال أولادها الشجعان لقيموا "حصوناً على الرمال"، ليعرفوا بها شأن وأرباح الوطن البعيد".[ص 164]
وكالعادة يجعل الكاتب مقدمة الفصول الأولى عن مسوغات الرحلة ، وكيف حصلت والأسباب التي دعته الى ذلك، وانها كانت من اقتراح صديق إيطالي يعمل في ليبيا، فوجد هناك ان القوات الإيطالية المحتلة تتبنى تمويل رحلته لأنه يقدم لها فرصة للتعريف بها ويصور الأمكنة والتطور العمراني؛ بما يكشف انه احتلال استيطاني يطمح الى تحسين وضع البلاد لاصلاحها لكي تستوعب المزيد من المستوطنين الجدد، لهذا يعد أساليب المقاومة ضدهم بمثابة تطرف وتخلف، لانه لا يرحبون بالحضارة الأوربية الجديدة. وهو أسوء من الاحتلال البريطاني الذي يستخدم الهنود كمحرقة لاحتلال البلدان الجديدة، فكذلك يستخدم الايطاليون بعض جنود مستعمرتهم ارتريا كقوة محاربة مع بعض الشغيلة من الليبيين في الزراعة والحصون والمعسكرات.
يبدو ان ايطاليات تعد استعماره لليبيا جزءاً من ارثها الروماني، منذ عهد قرطاجنة، لهذا دعي الرحالة الى طرابلس للتعرف على أفريقيا، فكانت أول محطاته في مالطا وهي قلعة "اتخذتها بريطانيا العظمى كمفتاح لتحقيق مصالحها الاستعمارية واستغلتها لتفرض سيطرتها على كامل منطقة البحر الأبيض المتوسط".[ص29] مع اعتقاده بوجود جذور فينيقية أو شرقية في مالطا منذ الاحتلال الفينيقي لها؛ فكانت ملتقى الثقافات والحضارات والصراعات الاقتصادية.
-2-
لا تخلو الرحلة من نوازع تبشيرية مضمرة منذ دخوله الى مالطا والارث الأوربي المتمثل بقرطاجة، حين يشير الى ان فينيقيا فرضت نفوذها على مالطا عام 1900ق.م "وظلت الجزيرة برمتها تابعة لقرطاجة طوال ستمائة سنة. ثم تعاقبت عليها السيطرة الرومانية فالبيزنطية فالساراسنية [الاسلامية] فالنورماندية وأخيراً الاسبانية، ثم يسرد ما فعله الملك (كارل الخامس) قيصر روما حين قدمها عام 1530 م "هدية للرهبان الذين يمثلون نمط حياة نسكية خاصة يتلقونه بما يسمى بأديرة الفرسان المصححين".[ص31] فضلاً عن الروح العنصرية في النظر الى الافارقة بوصفه جنساً بشرياً أدنى من الاوربيين(الرومان).
لغة الرحالة لغة جميلة ومتقنة مع ترجمة رصينة وفصيحة عربياً بشكل مذهل، فكان الفصل(3) هو بداية ولوج موضوع الرحلة التي تتعلق بليبيا بلداً صحراوياً، سكانه الاصليون من البربر (الامازيغ) والبدو (الطوارق).
فيبدأ ذلك مع حياة الحاكم (إيتالو بالبو) ليسرد حياته وستة ولادته 1896م، وعلاقته بالفاشية وموسوليني وتعاونه معه، فهو المؤسس لفرق المقاتلين الفاشيين ،والشرطة الفاشية، وما تقلده من مناصب ،والرحالة يميل ميلاً واضحاً الى الوصف وترسيخ الصورة، أكثر من ميله الى السرد المتصل المسرف في ذكر الأمكنة والملاحظات الثانوية التي تفصح للقارئ عن تركيزه ورحلته هذه؛ وبالرغم من المؤاخذ الأيديولوجية والنفسية عليها وخصوصاً وان أدب الرحلات اليوم يعد نوعاً من الجغرافية الذاتية والتاريخ الشخصي لانهم يخضعان لمزاج الكاتب من دون الاهتمام بالمعايير الأساسية لكتابة الرحلة.
كان مركز الحاكم الإيطالي هو طرابلس، لهذا يتركز الوصف الباذخ على تأشير الملاحظات المهمة لطبيعة هذه البلدة والدور الإيطالي فيهان حيث الضباب والرمل والأشجار الشاحبة ، لكنها تمتلك طابعها الجديد" شوارعها معبدة بإسفلت رائع الجودة وأزقتها ممتازة. بيوت إيطالية بيضاء مزخرفة بأعمدة وتشاهد الى جانبها "العلَب" التي تشاد اليوم في كل بلد من الأرض، صغيرها وكبيرها، ورغبة في التوفير ولجعل الانسان يشمئز من الحياة ويشعر كأنّه مُغلق عليه في سجن".[ص51]
هذا ما يخص المستوطنين الايطاليين ،أما الاحياء الاصلية التي تضم العرب واليهود، فانه يصورها بطريقة تثير الشفقة ، من خلال المقارنة الهادفة الى كشف الفوارق بين الشعبين سلوكاً وذوقاً وهوية، حين يقول:" من الازقة المكتظة بالعرب المرتدين برانس بيضاء (أغلبها ممزّق وملوّث) تنبعث روائح كريهة. لباس البعض ، سيما الصبيان، عبارة عن كيس مطبوع عليه اسم شركة ما. نجد عدداً كبيراً من الأطفال المتسولين والشيوخ العميان الذين تآكلت عيونهم جرّاء الرمال الصحراوية".[ص53]
وهنا تتوضح الصورة في وصف العرب، وبيان الفرق الشاسع بين الشعب الفقير والمستعمر المحتل المترف. كما يصف الأقلية الدينية اليهودية التي كانت تتمتع بحرية لا بأس بها في المجتمع العربي في مرحلة ما قبل الاستعمار، حيث خضعت ليبيا الى الاحتلال الروماني والإسلامي والعثماني، فطبعت هويتها بالطابع الإسلامي، حتى بالنسبة لسكان الأصليين لهذا يقول:
"يلفت النظر الوجود الكبير لليهود، وقد غَطّوا رؤوسهم بطرابيش حمراء وارتدوا سراويل فضفاضة بلون أبيض مربوطة بخيط في الخصر وقمصان بيض أو ملونة ومُسترسلة بدون تكليف . أما النساء اليهوديات فيخرجْنَ للشارع ووجوههن ملوّنة بمواد التجميل وأجسامهن مكسوّة بمعاطف بيضاء حريرية".[ص53]
وكسائح/رحالة تعنيه الجوانب الوصفية (الاثنوجرافيا) أو (الانثروبولوجيا الوصفية) والعادات والتقليد والصناعات الشعبية التي تعبر عن هوية البلد والامكنة العامة كالأسواق والمقاهي والأعراف الخاصة بالزواج وحرية المرأة وتعامل الرجال معها والتعليم والديانات وغير ذلك.
-3-
تعد العاصمة طرابلس هي مركز السلطة ينتقل الى أماكن أخرى، يحاول ان يستكشف الحياة العامة والعادات، حيث ينتقل الى أمكنة أخرى، كالقرى المجاورة لمشاهدة سوق الجمعة، ليشاهد الطابع الريفي والزراعة؛ ففي سوق الجمعة الذي يقع خارج طرابلس، يحتشد الناس من سكان البلاد من العرب والبربر واليهود والزنوج يصفهم بأنهم هيئات "بشرية ملفوفة ببرانس يغلب عليها اللون الأبيض ،ومنها ما هو بلون رمادي أو بخطوط طولية سوداء. كل فرد يؤدي مختلف الحركات الايمائية بحيوية ونشاط. انهم من السكان المحلّيين".[ص67] حيث تمارس النساء اليهوديات الخياطة ،وهن في العقود الأخيرة من حياتهن، منهن تاجرات عطور "يعرضن للبيع مسبحاتٍ وعطور ومرايا وغيرها من البضاعة، وهذه المواد محبوبة ومرغوبة من لدن النساء العربيات اللاتي طوّقن البائعات - تشق الهواء دندنة حادة، تمتمة ثاقبة، همهمة عالية النغمة".[ص69]
وفي الأمكنة والاحياء التي يتركز فيها سكنى اليهود يلحظ الكاتب ان القرية اليهودية فيها تبدو كانها منقولة من العهود البعيدة التي تتحدث عنها التوراة، ثم يقارن بين اليهود وبين سكان البلاد من الأفارقة الذين يختلفون عن العرب، من حيث القدرات الاقتصادية والاجتماعية فيصفهم بأنهم "نوع من المجتمع المنبوذ أو المتفسخ – علامة من علامات التحدي والانتهاك والإساءة لكل ما نعرفه عن الثقافة والمبادرة الحسنة والرغبة الدافقة للإنسان نحو التقدم ودوماً الى الامام".[ص71] ثم ينتقل الى معرفة أحوال البدو والقرى والعمائر المنتشرة في عرض البلاد وطولها وحتى السجن المعروف بـ(شديدة)،وطبيعة حركة الرياح الموسمية (القبلي) التي تحمل معها سحابات من الرمال وزفير الصحراء الساخن، والآبار والواحات، فليس في ليبيا معروفة كما في مصر والعراق، وانما توجد عيون وآبار يرتوي منها الناس ويزرعون واحاتهم في عمق الصحراء ؛ لهذا كانت حركة الرحالة مستمرة حيث يبلغ منطقة (غريان) التي يصفها بالكهوف ويصف بيوتها بالصناديق، كما يصف معاصر الزيتون التي تديرها الجمال، لتهرس الزيتون ولا يفوته ان يصف حال المرأة العربية التي يحكم عليها بالزواج بعد بلوغها الثانية عشرة من عمرها ، ثم يعقب بوضوح "بالأحرى تباع لمن يريد أن يتزوّجها. وتبدو بعد زواجها شبيهة بالآلة المحبوسة، مهمتها الأولى إنجاب الأطفال والقيام بأثقل الاعمال البيتية".[ص83]
وكالعادة يتتبع حركة الحياة الاقتصادية وإنتاج المحاصيل وتربية المواشي والطيور، فيبرز دور اليهود الفاعل في التجارة؛ ولا يفوته ان يصف أزياءهم رجالاً ونساءً لهذا يزور واحداً من معابدهم والمدراش الذي يدرسون فيه الأطفال، وفي الغالب يهيمن الجانب الوصفي (الاثنوجرافي) على كتابات الرحالة جميعاً، ويتحكم مزاجه الخاص ونزعاته العنصرية والدينية والثقافية في الكشف عن كل ما يواجهه ويوثقه، وبالتأكيد يكتب ملاحظاته أولاً لمجرد التذكير، وحين يصل الى بلاده يوثق ذلك مستعيناً بذاكرته ومعلواته المتاحة لديه والدقة المتوفرة وجمال الوصف وحسن التعبير، والقدرة على الاقناع ،ولكن نشر هذه الرحلة في بولندا ونسيانها بين ركام الكتب ما كان يتحقق للاطلاع عليه لولا هذه الترجمة الانيقة والطبعة الفاخرة لها.
-4-
في العادة يسترسل الرحالة على وفق سيرورة زمنية متواصلة ، من البداية الى النهاية ،فتأخذ المقدمات جانباً مهماً، وقد لا تأخذ النهايات مكانتها المطلوبة، فهو يستعين خلالها بآراء من يلتقيهم من أهل البلاد، ومن جنود الاحتلال؛ وهنا يرز التباين ، بين الفهم البسيط والتعبير الدقيق ،والموقف من المحتل وكيفية تصويه، ولان الرحالة معني بالتوثيق فان صور الحياة في ليبيا هي صور مهمة وتعد ذات أهمية تاريخية واجتماعية في دراسة عادات وقيم وحياة المجتمع وتطوره الثقافي وهويته العربية وديانته الإسلامية، وهذا بحد ذاته حالياً يعد محصلة مثيرة في الكشف عن طبيعة الرحلات الاوربية بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كان المنطق الاستعماري يحكم العالم، لان خسارة إيطاليا للحرب مع المانيا في الحرب العالمية الثانية أدى الى تجريدها من مستعمراتها في ليبيا وارتيريا، ثم استقلال ليبيا تحت حكم الاسرة السنوسية التي قاومت الاحتلال وانتصرت عليه.
وقد يشمل الوصف السيارات والقرى وسواحل البحار ،والامكنة المتعددة القديمة والجديدة، والسفن والثكنات لرجال الشرطة العربية، ورجال الجيش الاستيطاني الايطالي؛ فقد وصف البواخر والبحر والطرق الاسفلتية والحدائق والواحات والحيوانات، و هو يتساءل:" كم هي واسعة الهوة ما بين الصحراء القاحلة وعلامات الحضارة التي تنمو حولها"،[ص196] ثم يستمر في ملاحظاته ليشير الى أن الايطاليين استعمروا ليبيا في سنة 1912م؛ أي قبيل الحرب العالمية الأولى التي بدأت شرارتها عام 1914م، ليؤكد على الإنجازات الإيجابية للاحتلال حيث "سيكتسب" هذا الاحتلال صيغة إيجابية إزاء الإنجازات التي تحققت بفضل نشاط ومثابرة الايطاليين ،ثم يشير الى حصول هجمات على القطار التي صارت ظاهرة طبيعية، ثم يحاول التمييز بين البربر والعرب مشيراً الى ان النسوة البربريات "لا يغطين وجوههن".
وبعد ذلك يحاول الحصول على تحصيل رخصة ودعم من مكتب القائد العسكري لاكمال رحلته، ومع ذلك يحاول الدخول الى مبغى للنساء، وطلاب الشهوة لمعرفة حياة القاع في المجتمع الليبي، فيصف بيوت البغاء والزبائن والغناء. فيقول:" أرى حولي من كل الجهات أبوباً مفتوحة على مصراعيها – كل الغرف شبيهة ببعضها: حُصرٌ على الأرض خزانة بمحاذاة الجدار، مغسلة، بعض الكراسي، سرير عادي غير متحرك أو عصري يغلق للجلوس ويُفتح للنوم".[ص113[
ويبدو ان الاحتلال الأجنبي يحاول أن يلهي أهل البلاد بالامور التافهة، وتفتيت وحدة البلاد وإشاعة أسلوب الفجور والخيانة؛ وهذا ما يبدو على حي سيدي عمران، حيث توجد بيوت الدعارة تابعة للاوربيين لتلبية حاجة الملاحين والجنود والمسافرين للجنس، لهذا يقول:" بعد دخولي نادت الفتيات الست اللواتي يعملن عندها ، كلهن من أوربا، وقدمتني لهن قائلة بأنني "صحفي" وقدمتُ الى هنا لان مهنتي تتطلب هذا، ولهو شرف كبير لهذا البيت الذي قررت أن أزوره".[ص 114] ثم يكمل المشهد في وصف الحركة السنوسية المعارضة للاحتلال ،ويصف طموحاته بالرخيصة وانها تابعة لدولة أجنبية(فرنسية) او العرب المخلصين، ثم يعقب :" نحن الايطاليون نعتبر مساوين لنا ، بينما فرنسا تنظر اليهم كأنهم مخلوقات أدنى.."[ص123] وتبدو بعض الآراء التي يطرحها بمثابة حوارات مع شخصيات التقاها مختلفة التوجهات كالسواق والسياح والعسكريين الطليان ومواطنون عرب من أهل البلاد.
بعد زيارته لمصراتة يحاول الانتقال الى مدن وأمكنة أخرى مثل حصن (بو نجيم)؛ فيلتقي بالجنود الاريتيريين من ذوي الملامح والاجساد الطويلة والنحيفة، ولا يفوته الإشارة الى ديانتهم، في انهم مسيحيون على المذهب القبطي ويعزون كثيراً رئيسهم الروحي الذي يدعونه "كاسكي".
-5-
ويتوجه الى (سوكنه) لقضاء يومين من رحلته، فيصفها بأنها "بلدة صغيرة. شوارعها نظيفة ، بيوتها ذات لون مائل الى البني، جدرانها مُقامة من الطين الرملي الذي يحصلون عليه من حُفرٍ عميقةٍ في باطن الأرض – بعد أن يجف الطين يتحوّل في أشعة الشمس الى كتلة جافة هشّة سريعة التفتت والهدم".[ص154]
أما(غات) فتراوحت بين غات وغاف ،ومنها ينتقل الى مرزق ليشاهد النمط العمراني السائد منذ العهد العثماني في القرن السادس عشر الميلادي، حيث الاسوار العالية والمساجد والاعمدة والمآذن والأسواق التي وصفها بأنها" واحة وحيدة حزينة تحفها هضاب رملية وحصوية".[ص171] مشيراً الى البيت الذي سكنه الرحالة الهولندي(الكساندره تينني) عام1884م، حيث قتلت على يد الطوارق خلال عبورها وادي عتبة، ثم يزور فيها المقهى العربي المميز، الذي تقدم فيه القهوة للضيوف مع اصبع غاطس في عمق الفنجان؛ وسكان البلاد الأصليين هو حوالي ألف فرد زنجابيين يتميزون بأرجل رفيعة كالعصي ونساء شعرهن منضد بجدائل رفيعة متساوية الطول مسترسلة بكثافة على الجبهة. وتدهن عادة هذه الضفائر بزيت النخيل او زيت الزيتون، كما يصف سكان مرزق قبل الاحتلال الطلياني بأنهم كانوا يعيشون في ظروف قاسية جداً ويشكون الجوع – كان طعامهم الوحيد حبوب الشعير الذي يجمعونه من روث الجمال في نوع من المبالغة.
وفي الغالب تثير صور وازياء أهل البلاد من مختلف القبائل والواحات اهتمام الرحالة في الأمكنة التي زارها ، ومنها مرزق، لهذا يصف امرأة في الثلاثين من عمرها تسحب الماء لتروي قطعة مزروعة بالبصل ،فيقول:" تتدلى في أذني المرأة حلقات كبيرة وزين معصما كلتا يديها بأقراص معدنية عريضة. منخرها مغروز بخاتم فضي، شعرها منضض بجدائل ومسترسل على جبهتها كأسنان المشط. يقطر الزيت منه".[ص179]
وبعد مرزق ينتقل الى سبها وواحة مندره وآجال ماراً بشجرة الاكاسيا ، ثم يعدو الى غات وجرمانتي وفزان ليعود بالقارئ الى العصور الفينيقية والشعب الجرمنتي حيث قصر الوطواط وقصر الروم ،وأجمل ما فعله وصفه الجميل للعرس العربي في جديد مشيرا الى الحجاب الإسلامي وحمل العروس على هودج خاص الى بيت زوجها ووليمة العرس قائلاً:" أفراح العرس بتفاصيلها وحذافيرها تتم باشراف علماء الدين الذين يحرصون على سير المراسيم وفقاً لتعاليم القرآن والشريعة".[ص239] ثم يتبع ذلك بوصف احتفالات عيد الأضحى وتقديم الاضاحي الإسلامية واعتزاز أهل البلاد بهذا العيد لدى المسلمين والاحتفالات التي تقيمها الجماعات الصوفية هناك، وفي مصراتة وغيرها من الأمكنة، وبالذات في براك والواحات الأخرى. ثم يصف الرحالة المقهى الطلياني في أعماق الصحراء، حتى يبلغ منطقة غربان في نهاية المطاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف