الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للأطفال بيت بين الأشجار طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 4 / 9
الادب والفن


رواية للأطفال

بيت بين الأشجار

طلال حسن

" 1 "
ــــــــــــــــــ
أوت الديناصورة الأم إلى وكرها ، المختبئ بين الأشجار ، عند غروب الشمس ، بعد أن تجولت طوال النهار ، في المروج القريبة من البحيرة ، وأكلت من عشبها الريان ، حتى شبعت .
وخلال جولتها ، بين المروج وشاطئ البحيرة ، صادفت الكثير من الديناصورات من نوعها ، ومن الأنواع الأخرى ، وحاذرت الديناصورات المتوحشة ، القاتلة ، التي تقتات على اللحوم ، وخاصة لحوم أمثالها من الديناصورات آكلات الأعشاب .
وحوالي منتصف النهار ، وعلى مقربة من شاطئ البحيرة ، التقت بجارتها ، وكانت مثلها نباتية ، فحيتها قائلة : طاب يومكِ ، يا عزيزتي .
وردت الجارة قائلة : ويومكِ ، يا عزيزتي ، أرجو لكِ دوام الصحة والأمان .
وبعد أن شربت كفايتها من الماء ، وهي ترهف السمع قلقة ، حذرة ، إلى ما يدور حولها ، فالمفاجآت القاتلة هنا، لا تُعد ولا تحصى ، قالت متسائلة : كيف حال بيضاتك ، يا عزيزتي ؟
فردت الجارة ، وهي تتلفت ، قائلة : بخير ، أشكركِ ، أظنها ستفقس قريباً .
وارتفع صوت بشع ، من بين أشجار الغابة ، كأنه عويل عاصفة في منتصف الليل ، فرفعت الجارة رأسها ، وقالت : هذا الديناصور " تي ـ ركس " ، وهو كما تعرفين ديناصور قاتل ، لاحم .
فتراجعت الديناصورة الأم خائفة ، وقالت بصوت خافت: حذار ، يا عزيزتي ، فهو قاتل غدار ، وأنت لك بيض يوشك أن يفقس .
وأطلّ القمر بدراً ، من فوق الأشجار ، فتنهدت الديناصورة الأم بحزن ، فقد تذكرت صغيرتها ، التي كانت تحب القمر ، والتي فتك بها الديناصور المتوحش، القاتل "تي ـ ركس " ، كما فتك بالعديد غيرها من الديناصورات الصغيرة .


" 2 "
ـــــــــــــــــــ
فزّت الديناصورة الأم من نومها ، قبل شروق الشمس ، على صرخات متوجعة ، مستغيثة ، تصاحبها أصوات متوحشة ، قاتلة .
يا للويل ، كم تخشى أن يكون الديناصور المتوحش ، القاتل " تي ـ ركس " ، يهاجم الديناصورة المسكينة جارتها ، التي يوشك بيضها أن يفقس .
وهبت من وكرها ، وقلبها يخفق بشدة خوفاً وقلقاً ، إنها جارتها فعلاً ، وفعلاً كان الديناصور المتوحش القاتل " تي ـ ركس " يهاجمها ، هذا ما رأته بأم عينيها ، قبل أن تُطلق سيقانها للريح ، وتلوذ بالفرار .
وتأكدت من أكثر من ديناصور ، خلال الساعات التالية، بأن الديناصور اللاحم المتوحش القاتل " تي ـ ركس " ، هو من هاجم الديناصورة جارتها ، في وكرها ، وفتك بها ، وجرها بعيداً ، وافترسها .
وطافت حزينة ، قلقة ، خائفة ، بين الأشجار الكثيفة المحيطة بالبحيرة ، دون أن تأكل أيّ شيء من الحشائش، فجارتها ، التي كانت تنتظر أن يفقس بيضها، لم تغب لحظة واحدة عن بالها .
وحوالي منتصف النهار ، اتجهت بخطوات مضطربة مترددة إلى وكرها ، لعلها ترتاح ، وهي في الحقيقة ، تريد أن تعرف ما جرى لبيض جارتها ، لقد انتهت هي بين مخلب وأنياب الوحش القاتل ، فما هو مصير بيضها، الذي يوشك أن يفقس ؟
وحين اقتربت من وكرها ، تطلعت إلى وكر جارتها ، وحتى من هذا البعد ، لاحظت الدمار الشامل الذي أصابه ، وآثار الهجمة الشرسة التي وقعت عليه ، ولم يمنعها خوفها ، من الاقتراب من الوكر ، وإذا البيض ، وكما توقعت ، محطم ، ومبعثر على الأرض .
وعاينت البيض المبعثر على الأرض جيداً ، ولاحظت أن إحدى البيضات ، قد تلوثت ببقايا البيض المحطم ، دون أن تصاب بأذى ، فمدت يديها ، وأخذتها إلى صدرها ، وأسرعت بها مبتعدة عن الوكر المدمر ، وفرت بها إلى وكرها .

" 3 "
ــــــــــــــــــ
اتخذت الديناصورة الأم ، وكراً جديداً لها ، بين أشجار أجمة كثيفة الأشجار ، بعيداً بعض الشيء عن البحيرة ، التي ترتادها الكثير من الحيوانات ، ووضعت البيضة في مكان آمن منها .
وكما لو أن البيضة ، بيضتها هيَ ، وليست بيضة جارتها المغدورة ، فقد حدبت عليها ، وراحت ترعاها وتحميها من المخاطر ، وتراقبها ، فهي كما قالت الديناصورة المغدورة ، توشك أن تفقس ، ويخرج منها إلى الحياة ، ديناصور صغير .
وذات ليلة ، رقدت الديناصورة الأم ، في وكرها مبكرة، فقد كانت متعبة ، وقلقة على حياتها من جهة ، وعلى البيضة من جهة أخرى .
وفي ساعة متأخرة من الليل ، أفاقت على حركة غريبة، وتناهىت إليها أصوات ضعيفة شاكية ، ونظرت إلى مصدر الصوت ، وإذا ديناصور صغير ، يخرج من البيضة ، ضعيفاً ، مبللاً ، جميلاً ، ورأته يتخبط في مشيته نحوها ، وخيل إليها أنه يغمغم : ماما .
وبحنان الأم ، أسرعت إليه ، وأخذته بين كفيها المحبين، وتندت عيناها بالدموع ، حين تذكرت صغيرتها ، وكذلك جارتها المغدورة ، اللتين فتك بهما الديناصور اللاحم المتوحش " تي ـ ركس " .
وظلت الديناصورة الأم مستيقظة ، حتى شروق الشمس، والديناصور الصغير بين كفيها ، كأنها تخاف عليه من برد الليل ، وتحميه من أي خطر ، يمكن أن يتهدده ، ولمَ لا ، أليس هو الآن صغيرها ؟



" 4 "
ــــــــــــــــــ
خلال الأيام والأسابيع والأشهر التالية ، راح الديناصور الصغير ينمو ، ويكبر ، ويشتد عوده ، وكأنه يسابق الزمن ، وكلّ ذلك بفضل الديناصورة الأم ، التي حدبت عليه ، ورعته ، ووفرت له ، كلّ ما يمكن أن يحتاجه ديناصور في عمره .
ويوماً بعد يوم ، شرع يزحف إلى الأشجار القريبة من الوكر ، ويتجول بينها ، راكضاً ، ضاحكاً ، فرحاً ، ودائما تكون الديناصورة الأم برفقته ، أو على مقربة منه ، بحيث لا يغيب عن نظرها لحظة واحدة .
وكلما ابتعدت عن الوكر ، بين حين وآخر ، ولسبب من الأسباب ، كانت توصيه قائلة : بنيّ ، ابقَ في الوكر ، ولا تغادره ، حتى أعود .
ويمتلئ قلبها فرحاً ، حين يردّ عليها قائلاً بصوته الطفولي : نعم ماما .
صحيح إنه لا ينفذ توصياتها تماماً ، فهو يخرج من الوكر ، ويتجول بين الأشجار القريبة ، لكنه لا يبتعد عن الوكر ، مهما كان السبب .
وما أن يسمع صوتاً ، أو حركة مريبة ، وهو يتجول في الجوار ، حتى يسرع إلى الوكر ، ويبقى فيه ، حتى تعود الديناصورة الأم .
وكلما حنّ إلى الخروج من الوكر ، سواء كان عطشان أو لم يكن ، كان يقترب من الديناصورة الأم ، ويقول لها: ماما ، عطشان .
ورغم أن الديناصورة الأم ، كان لا يغيب عنها مكره ، فإنها كانت تأخذه إلى بركة صغيرة ، لا تبعد كثيراً عن الوكر ، فيشرب منها الماء حتى يرتوي ، ثم يقفلا عائدين من حيث أتيا ، دون أن تفكر مرة واحدة ، خوفاً عليه طبعاً ، أن تأخذه إلى البحيرة .
وذات يوم ، وكان وحيداً في الوكر ، سمع وقع أقدام خفيفة ، وأرهف سمعه ، أهي الديناصورة الأم ، أم كائن غريب ، أم ..؟
وهنا أطلت عليه من باب الوكر ، ديناصورة في عمره ، وكادت تلوذ بالفرار حين رأته ، لكنه ناداها مطمئناً : تعالي ، لا تخافي ، أنا مثلك ديناصور .
وتوقفت الديناصورة الصغيرة ، وهي تنظر إليه صامتة، فقال : إنني هنا ، في هذا الوكر ، أعيش مع أمي ، لقد خرجت منذ الصباح ، وقد تعود بعد قليل .
وتلفتت حولها مترددة ، ثم قالت : وأنا أعيش مع أمي ، في وكر بين الأشجار ، وقد بقيت وحدي ، بعد أن خرجت ماما ، وذهبت إلى البحيرة .
وتساءل مندهشاً : البحيرة !
فاقتربت قليلاً ، وقالت : نعم ، وهي بحيرة كبيرة ، وجميلة ، ترتادها كائنات كثيرة ، وقد أخذتني ماما إليها أكثر من مرة ، ألم تذهب أنت إلى البحيرة ؟
وردّ قائلاً : كلا ، لم أرها أبداً .
وابتسمت ، وقالت : سآتي إليك في أحد الأيام القادمة ، ونذهب معاً إلى البحيرة .
ولاذ بالصمت ، وهو ينظر إليها ، فقالت : لابدّ أن أذهب الآن ، أخشى أن تعود ماما من البحيرة ، ولا تراني في الوكر .


" 5 "
ـــــــــــــــــــ
لم يخبر الديناصور الصغير الديناصورة الأم ، بأنه التقى بالديناصورة ، التي في عمره تقريباً ، ولم يقل لها طبعاً ، بأنها وعدته أن تزوره خلال أيام ، وتأخذه إلى البحيرة ، التي لم يسمع حتى بها .
ورغم ذلك ، شعرت الديناصورة الأم ، بأن أمراً ما ، لم تستطع تحديده ، قد حدث ، ما هو ؟ متى حدث ؟ ومن كان وراءه ؟ هذا ما لم تعرفه .
وأوت الديناصورة الأم إلى مكانها ، لتنام وترتاح من عناء النهار ، لكنها سمعت الديناصور الصغير يتململ في مكانه ، فخاطبته قائلة : أراك لم تنم .
وبدل أن يرد الديناصور الصغير عليها ، قال متسائلاً : ماما ، ما البحيرة ؟
لم تتمالك الديناصورة الأم نفسها ، فالتفتت إليه ، وتساءلت مندهشة : ماذا ! البحيرة ؟
وهزّ الديناصور الصغير رأسه ، وقال : نعم ماما ، البحيرة ، ما هي ؟
فقالت الديناصورة الأم : البحيرة بركة ، كالتي نشرب منها الماء ، لكنها كبيرة .
فقال الديناصور الصغير بنبرة عتاب : لم تأخذيني يوماً إليها ، لأراها ، وأتذوق ماءها .
ونظرت الديناصورة الأم إليه ، ثم قالت : ماء هذه البحيرة ، يا بنيّ ، لا يختلف عن ماء البركة ، التي نشرب منها كلّ يوم ، أنا وأنتَ .
وتمدد الديناصور الصغير في مكانه ، وقال كأنما يحدث نفسه : ليتني أتذوق ماءها .
وأغمضت الديناصورة الأم عينيها ، لكنها لم تنم ، فقد شغلها ، وأقلقها جداً ، وأطار النوم من عينيها ، حديث الديناصور الصغير عن البحيرة ، ترى كيف عرف بأمرها ؟ هذا ما تريد أن تعرفه .

" 6 "
ـــــــــــــــــــ
على أحرّ من الجمر ، انتظر الديناصور الصغير ، أن توافيه الديناصورة الصغيرة في الموعد الذي حددته ، لتأخذه إلى البحيرة ، ولعله أحسّ في داخله ، بأنه مشتاق لرؤية الديناصورة الصغيرة ، بقدر تشوقه إلى رؤية البحيرة ، إن لم يكن أكثر .
وطال انتظاره ، هذا ما خيل إليه ، حتى خشي أن لا تأتي ، لكنها أتت في صباح اليوم الثالث ، أتت فرحة ، متحمسة ، فأسرع لاستقبالها قائلاً : تأخرتِ ، حتى خفتُ أن لا تأتي .
وضحكت الديناصورة الصغيرة ، وخيل إليه أن بلبلاً يُغرد ، وقالت : ماما لم تخرج من الوكر ، خلال اليومين الماضيين .
ومدت يدها ، وأمسكت بيده ، وهي تقول متحمسة : هيا، هيا نذهب إلى البحيرة .
وانطلقت الديناصورة ماضية به نحو البحيرة ، فانطلق الديناصور الصغير ، ويده في يدها الصغيرة الدافئة ، وصاح فرحاً : هيا .. هيا .
وخلال انطلاقهما جنباً إلى جنب ، قالت الديناصورة الصغيرة : ماما لا تعرف ، إنني أرتاد البحيرة وحدي ، بين حين وآخر .
وقال الديناصور الصغير : أما أنا ، فإن ماما لا تعرف ، حتى بزيارتكِ لي .
وأسرعت الديناصورة الصغيرة ، وهي تقول : سترى البحيرة ، وستفرح لرؤيتها ، فهي جميلة للغاية .
فقال الديناصور الصغير ، وهو يجاريها في السرعة : ماما تقول ، إن البحيرة بركة كبيرة .
وضحكت الديناصورة الصغيرة ، وهي تركض مشيرة بيدها ، وقالت : انظر ، تلك هي البركة الكبيرة ، تعال ، أسرع لتراها جيداً .
وطوال ساعات ، تمتع الديناصور الصغير ، بمباهج " البركة الكبيرة " ، ولكن ما أمتعه أكثر ، وملأه فرحاً ، هو صحبته للديناصورة الصغيرة ، التي جعلت رؤيته للبحيرة للمرة الأولى ، ذكرى لا تُنسى .

" 7 "
ـــــــــــــــــــ
فوجىء الديناصور الصغير ، عند عودته من البحيرة، قبيل العصر ، بالديناصورة الأم تقف في مدخل الوكر ، فتوقف صامتاً أمامها ، وآثار الشمس والبهجة على وجهه .
وتساءلت الديناصورة الأم : أين كنت ؟
فردّ الديناصور الصغير : في البحيرة ، يا ماما .
وعلى العكس مما توقع ، لم تغضب الديناصورة الأم منه، فنظر إليها ، وتابع قائلاً : لم أكن وحدي ، بل كانت معي ديناصورة في عمري .
وتنحت الديناصورة الأم قليلاً عن مدخل الوكر ، وقالت: تعال ادخل ، جئتك بطعام لذيذ .
ودخل الديناصور الصغير إلى الوكر ، وهو يقول : إنني شبعان ، لقد أكلتُ مع الديناصورة الصغيرة ، من النباتات الموجودة قرب البحيرة .
ورفعت الديناصورة الأم الطعام ، الذي جاءت به للديناصور الصغير ، ووضعته جانباً ، وقالت بنبرة مازحة : لابد أنك تمتعت به ، أكثر مما تتمتع بالطعام ، الذي أجلبه لك من الغابة .
وتنهد الديناصور الصغير ، وقال : آه .
وغالبت الديناصورة الأم ابتسامتها ، وقالت : ستبقى تتنفس هذه الآه ، مادامت الديناصورة الصغيرة معك ، على شاطئ البحيرة .
وعلى غير عادته ، أوى الديناصور الصغير إلى مكانه ، بعد غروب الشمس مباشرة ، وأغمض عينيه ليغفو ، لكن الساعات التي قضاها مع الديناصورة الصغيرة ، لم تغفُ حتى بعد أن استغرق في النوم .

" 8 "
ـــــــــــــــــــ
مثلما تكبر العصافير ، وتكبر الأشجار ، وتكبر الطيور ، كبر الديناصور الصغير ، وصار فتى ، وكذلك كبرت الديناصورة الصغيرة ونمت ، وصارت فتية ، وككل الفتيان في العالم ، شعرا وهما معاً ، أنهما يملكان العالم كله .
ويوماً بعد يوم ، صارا حرين في الخروج من وكريهما، والعودة إليهما ، دون وصاية من أحد ، ولماذا لا ؟ وقد امتدا طولاً وارتفاعاً ووزناً وقوة ، حتى ضاهيا الديناصورات ، التي تكبرهم في العمر .
ومع تقدمهما إلى النضج ، توثقت العلاقة بينهما أكثر وأكثر ، ولم يكن يعكرها إلا ديناصور في عمرهما تقريباً ، كان يراقبهما من بعيد أحياناً ، والأحرى أنه كان يتابع الديناصورة الفتية بالذات .
والحقيقة إن هذا ، كان يضايق الديناصور الفتيّ ، أكثر مما كان يضايق الديناصورة الفتية ، فهذا الديناصور معجب بها ، وربما يحسد الديناصور الفتيّ على علاقته بها ، وحاولت الديناصورة الفتية ، أن تهون الأمر على الديناصور الفتيّ ، دون جدوى .
وأكثر من مرة ، تعرض هذا الديناصور للديناصورة الفتية ، والحق أنه حاول أن يتقرب منها ، وإن كان ذلك ببعض الخشونة أحياناً ، إلا أنها كانت تصده دائماً ، وطالما قالت له : أرجوك ابتعد عني .
وقال لها ذات مرة : لكنك ترافقين ذلك الديناصور دوماً، وهو ليس أفضل مني .
فابتعدت عنه ، دون أن تردّ عليه ، وظل ذلك الديناصور على عادته ، يراقبهما من بعيد ، ويتعرض لها بمناسبة ، وبغير مناسبة .
ومن جهة أخرى ، طالما حذرته الديناصورة الأم ، من بعض الديناصورات المتوحشة اللاحمة القاتلة ، وخاصة الديناصور "تي ـ ركس " .
وفوجئا ذات يوم ، وهما يتجولان بين الأشجار ، وكانا مستغرقين في الحديث ، بالديناصور المتوحش القاتل " تي ـ ركس " ، يلوح ماشياً من بعيد ، وكأنه يبحث عن فريسة يفتك به ، ويأكلها .
وتسمرت الديناصورة الفتية في مكانها مرعوبة ، وهي تتمتم : يا ويلي ، الديناصور " تي ـ ركس " .
ومدّ الديناصور الفتيّ يده القوية ، وأمسك بيدها الرقيقة المرتعشة ، وقال : لا تخافي ، إنني معكِ .
فردت الديناصورة الفتية قائلة : كيف لا أخاف ؟ إنه الديناصور القاتل " تي ـ ركس " .
ونظر الديناصور الفتيّ ، إلى الديناصور القاتل " تي ـ ركس " ، ولاحظ أنه يسير متجهاً نحوهما ، دون أن ينتبه إلى وجودهما ، فسحب الديناصورة الفتية برفق ، وقال : تعالي نبتعد ، إنه لم يرنا حتى الآن .
وعلى الفور ، تسللا مبتعدين عن الديناصور القاتل " تي ـ ركس " ، حتى صارا في مأمن ، فتوقفا لاهثين ، وقال الديناصور الفتيّ : لنتوقف ، إنه بعيد الآن .
وحاولت الديناصورة الفتية أن تتمالك نفسها ، وقالت : من الأفضل أن نبتعد عن هذا المكان ، مادام الديناصور القاتل " تي ـ ركس " متواجداً فيه .
وسارت الديناصورة الفتية صامتة ، وسار الديناصور الفتيّ إلى جانبها ، ولم يتركها ، حتى لاح وكرها من بين الأشجار الكثيفة .

" 9 "
ـــــــــــــــــــ
تواعدا أن يلتقيا ، عند منتصف النهار ، على مرتفع معشب بين الأشجار ، يطل على البحيرة ، وغالباً ما كان الديناصور الفتيّ ، يسبقها في الحضور ، إلى مكان الموعد ، وقد قررت الديناصورة الفتية ، أن تفاجئه هذا اليوم ، وتسبقه في حضور الموعد .
وحضر الديناصور الفتيّ ، في الوقت المحدد على عادته، ووجد الديناصورة الفتية ، في مكان الموعد المعين ، لكنه فوجئ بوجود الديناصور المتطفل إلى جانبها ، ولاحظ وهو يقترب منهما ، أنها منفعلة ، وسمعها تصيح به : قلتُ لك مراراً ، أن لا تتعرض لي ، ابتعد ، ابتعد عني .
وحين وصل إليهما ، لم ينسحب الديانصور المتطفل ، كما يحدث كلّ مرة ، وإنما ظلّ واقفاً في مكانه ، متصلب الملامح ، كأنه يتحداه .
وانقض الديناصور الفتيّ عليه ، وقد تملكه غضب شديد، وضربه على وجهه مرة ومرات ، حتى ألقاه عل الأرض ، والدم يسيل من جبهته .
واعترضته الديناصورة الفتية ، وقالت له : توقف أرجوك ، لقد أدميت وجهه .
وتوقف الديناصور الفتيّ ، وحاول أن يتمالك نفسه من الغضب ، وقال : دعيني أؤدبه ، لكي لا يفكر ثانية ، في التعرض لكِ .
وتحامل الديناصور المتطفل على نفسه ، ووقف على قدميه مترنحاً ، وهو يمسح بيده الدماء عن وجهه ، فصاح به الديناصور الفتيّ : اذهب من هنا ، سأقتلك إذا تعرضت لها مرة أخرى .
وتراجع الديناصور المتطفل قليلاً ، وحدق فيه ملياً ، ثم قال : أنتَ جبان ..
وثارت ثائرة الديناصور الفتيّ ، وهمّ أن ينقض عليه ثانية ، ويوسعه ضرباً ، لكن الديناصورة اعترضته ، وقالت له : دعه ، يكفيه ما أنزلته به .
وقال الديناصور المتطفل ، وهو مازال يحدق فيه : لو لم تكن جباناً ، لحاولت الانتقام من الديناصور " تي ـ ركس" ، الذي فتك بأمك ، وافترسها .
وقطب الديناصور الفتيّ ، وبدا غاضباً ومندهشاً ، وقال: أيها الخبيث المجنون ، إن أمي مازالت موجودة ، ولم يؤذها أي ديناصور .
فقال الديناصور المتطفل : هذه ليست أمك ، الجميع يعرفون ذلك عداك ، والحقيقة أن الديناصور " تي ـ ركس " قتلها منذ فترة طويلة .

" 10 "
ـــــــــــــــــــــ
في طريق العودة إلى البيت ، لم ينبس الديناصور الفتيّ بكلمة واحدة ، وحتى عند افتراقه عن الديناصورة الفتية ، قريباً من وكرها ، وعلى غير العادة ، لم يتفق معها على موعد جديد .
ووصل الوكر ، وكانت الديناصورة الأم قد عادت قبل قليل ، فنظرت إليه ملياً ، وقالت : جئت اليوم باكراً ، وهذه ليست عادتك .
وانزوى الديناصور الفتيّ في مكانه ، وقال : إنني متعب بعض الشيء .
وحدقت الديناصورة الأم فيه ، ثم قالت : لا أعتقد أنّ هذا هو الأمر .
ولاذ الديناصور الفتيّ بالصمت ، دون أن ينظر إليها ، فأعدت الطعام ، الذي جاءت به من الخارج ، وقالت : لدينا طعام لذيذ ، تعال نأكل .
وردّ الديناصور الفتيّ ، دون أن يرفع عينيه إليها : كلي أنتِ ، أنا شبعان .
وبدل أن تأكل ، نحت الديناصورة الأم الطعام جانباً ، فنهض الديناصور الفتيّ من مكانه ، وجلس في مدخل الوكر ، وعيناه الحادتان ثابتتين في البعيد .
واتجهت الديناصورة الأم إليه ، وجلست إلى جانبه ، ثم حدقت فيه ملياً ، وقالت : بنيّ ، إنني أمك ، صارحني ، ما الأمر ؟
والتفت الديناصور الفتيّ إليها ، وقال بصوت مرتعش : من هي أمي ؟
وخفق قلبها بشدة ، وقالت والدموع تصعد إلى عينيها : أنا أمك ، يا بنيّ .
وتساءل الديناصور الفتيّ ثانية : أمي الحقيقية ، وليس أنتِ ، من هي ؟
وتندت عيناها بالدموع ، وقالت : أنا رعيتك منذ أن كنت بيضة ، حتى صرت ما أنت عليه الآن .
ولاذ الديناصور الفتيّ بالصمت لحظة ، ثم قال : يُقال إن أمي قتلها الديناصور " تي ـ ركس " .
ونهضت الديناصورة الأم ، ومضت إلى الداخل ، والدموع تسيل من عينيها ، فنهض الديناصور الفتيّ من مكانه ، ولحق بها في الداخل ، ثم قال بصوت تخنقه الدموع : هذه هي الحقيقة إذن .
وهزت الديناصورة الأم رأسها باكية ، وقالت : وقتل قبلها ابنتي الصغيرة ، التي لم يعوضني عنها أحد في الحياة غيرك .
ومدّ الديناصور الفتيّ يديه الفتيتين ، واحتضنها بحنان ، وقال : أعدك ، يا ماما ، سيدفع الثمن .
ورفعت الديناصورة عينيها الغارقتين بالدموع إليه ، وقالت : لا ، يا بنيّ ، إنه وحش قاتل .
فقال الديناصور الفتيّ بحزم : لابد أن يدفع هذا الوحش الثمن ، وسيدفعه قريباً .

" 11 "
ــــــــــــــــــــــ
منذ أن علم الديناصور الفتيّ ، أن الديناصور " تي ـ ركس " ، هو من فتك بأمه الحقيقية ، وافترسها ، صار شغله الشاغل ، طوال ساعات النهار ، البحث عن القاتل، للاقتصاص منه ، مهما كلف الأمر .
وحاولت الديناصورة الأم ، أن تثنيه عن عزمه ، لكن دون جدوى ، ودون جدوى أيضاً ، كان ما حاولته الديناصورة الفتية .
وظل الديناصور الفتيّ يسعى في أثره ، دون أن يتوقف يوماً واحداً ، وما إن يُذكر أنه شوهد في مكان ، مهما كان بعيداً ، أو الوصول إليه شاقاً ، فإنه كان يسرع إلى ذلك المكان ، عسى أن يعثر له على أثر .
وذات ليلة مقمرة ، شعرت الديناصورة الأم ، بأن النوم قد جفا الديناصور الفتيّ ، كما يجفوه كلّ يوم ، منذ أن تعارك مع الديناصور المتطفل ، فنهضت من مكانها ، وجلست إلى جانبه .
وأحسّ الديناصور الفتيّ بيدها الحنونة تربت على رأسه، وسمعها تهمس له : بنيّ ..
لم يردّ عليها ، فمالت فوقه ، وقالت بصوت حنون : أنت تعرف من أمك ..
وصمتت لحظة ، منتظرة أن يردّ عليها ، لكنه ظلّ صامتاً ، فقالت : أمك من وضعتك بيضة ، هذا صحيح ، لكن أمك أيضاً من رعت تلك البيضة ، حتى فقست ، ثم رعت الصغير الحبيب ، الذي خرج منها ، وكبر حتى صار فتياً ..
وصمتت مرة أخرى ، ثم قالت : أنت كلّ شيء الآن في حياتي ، وكما عشتُ لك ، أريد أن تترك ذلك الديناصور المجرم ، وتعيش لي .

" 12 "
ـــــــــــــــــــــ
كما تحدثت إليه الديناصورة الأم ، تحدثت إليه كذلك الديناصورة الفتية ، مراراً وتكراراً ، في الساعات القليلة من النهار ، التي تراه فيها ، سواء في الغابة ، أو على شواطئ البحيرة ، أثناء سعيه الدائم ، للعثور على الديناصور القاتل " تي ـ ركس " .
وخلال بحثه هذا ، لاحظ أكثر من مرة ، الديناصور المتطفل ، يحوم حول الديناصورة الفتية ، وكم ودّ أن ينقض عليه ، ويبرحه ضرباً ، إلا أن بحثه عن الديناصور القاتل " تي ـ ركس " ، كان يبعده عنه .
وذات أمسية هادئة ، جلس الديناصور الفتيّ على المرتفع ، الذي كان يلتقي فيه كثيراً بالديناصورة الفتية ، بعد يوم طويل متعب ، أمضاه في البحث عن الديناصور " تي ـ ركس " ، وإذا الديناصورة الفتية تجلس إلى جانبه ، دون أن تنبس بكلمة .
وبعد حين ، بدأت الشمس تغوص في البحيرة ، فقالت الديناصور الفتي : الشمس تغيب .
وتنهدت الديناصورة الفتية ، وقالت وكأنها تحدث نفسها: طالما تمنيت ، أن نبني بيتاً بين الأشجار ، واسع بعض الشيء ، ويطل على البحيرة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : لكن هذا الحلم ، على ما يبدو، سيغيب كما تغيب هذه الشمس .
ونهض الديناصور الفتيّ من مكانه ، وقال : ذلك الديناصور القاتل ، لابد أن أقضي عليه .
ونهضت الديناصورة الفتية بدورها ، وقالت بصوت تخنقه الدموع : إذا أردت أن تقتلني ، فاستمر في البحث عن ذلك الديناصور ، وحاول أن تقتله .
ولم تنتظر أن يردّ الديناصور الفتيّ عليها ، وإنما سارت مبتعدة ، حتى غابت بين الأشجار ، ومعها غابت الشمس في أعماق البحيرة ، وهبط الليل على الغابة كستارة سوداء .

" 13 "
ـــــــــــــــــــــــ
أخيراً عثر الديناصور الفتيّ ، على الديناصور القاتل " تي ـ ركس " ، في وكر عتيق ، خرب ، محشور في زاوية بعيدة ، موحشة ، من الغابة .
ودخل عليه الوكر ، وإذا به يضطجع هزيلاً ، مهدماً ، يعاني من جروح عميقة ، كأنه شبح ذلك الديناصور القاتل ، وليس الديناصور " تي ـ ركس " نفسه .
وتوقف على مقربة منه ، فرفع الديناصور القاتل " تي ـ ركس " عينيه المنطفئتين ، وحدق فيه ملياً ، ثم قال : عرفتُ أن ديناصوراً فتياً يبحث عني منذ فترة .
وحدق الديناصور الفتيّ فيه ، وقال بصوت حاد : أنا ذلك الديناصور .
ولاذ الديناصور القاتل " تي ـ ركس " بالصمت لحظات، ثم قال بصوت متعب : إنني جائع .
فقال الديناصور الفتيّ بنبرة ساخرة : أنا موجود أمامك ، تعال افترسني .
وهزّ الديناصور القاتل " تي ـ ركس " رأسه الضخم ، البشع ، وقال : ليتني أستطيع .
ومال عليه ، كأنه يريد افتراسه ، وقال بصوت منفعل : أيها القاتل ، لقد افترست أمي .
ونظر الديناصور القاتل " تي ـ ركس " بعينيه المنطفئتين ، وقال : افترست من نوعك الكثير من الديناصورات الآباء والأمهات والصغار ، ولو أستطيع لافترستك الآن ، أنتم الدينصورات النباتية لذيذون جداً .
وقال الديناصور الفتي ، من بين أسنانه : أيها المجرم ، القاتل ، لقد آن أن تدفع الثمن .
ومرة أخرى ، نظر الديناصور القاتل " تي ـ ركس " إليه بعينيه المنطفئتين ، وقال : قبل أيام ، هاجمني ديناصور لاحم ، وأصابني ـ كما ترى ـ بجروح بليغة ، لن أشفى منها أبداً ، هذه فرصتك ، اقتلني .
وبدل أن ينقض الديناصور الفتيّ عليه ، ويُخمد ما تبقى من أنفاسه ، توقف متردداً ، وتراءت له الديناصورة الأم، وكذلك الديناصورة الفتية ، فتراجع إلى الوراء ، ثم استدار ، وغادر الوكر .

" 14 "
ــــــــــــــــــــــ
منذ أيام ، والديناصور الفتيّ منهمك في بناء وكر جديد ، بعلم ومباركة الديناصورة الأم ، وهو كما أرادته الديناصورة الفتية ، على مرتفع ، بين الأشجار ، واسع بعض الشيء ، ويطل على البحيرة .
وقبل أن يفرغ من بنائه تماماً ، وعند حوالي منتصف النهار ، أطلت عليه من باب الوكر الديناصورة الفتية ، وهتفت بصوت مرح : نحنُ هنا .
وتوقف الديناصور الفتيّ عن العمل ، ونظر إليها مبتسماً، وقال بصوت هادئ : ها هو الوكر يكاد يكمل ، تعالي ، وانظري بنفسكِ .
ودخلت الديناصورة الفتية الوكر ، وراحت تطوف فيه مهمهمة ، ثم قالت : إنه واسع بعض الشيء ، وعلى مرتفع بين الأشجار ، ويطل على البحيرة .
وابتسم الديناصور الفتيّ ، وقال : كما أردتِه .
وتساءلت الديناصورة الفتية مازحة : ماذا تقول ! كما أردته أنا ؟
فردّ الديناصور الفتيّ قائلاً : ما دمتِ ستعيشين فيه ، إذا أردتِ ذلك طبعاً .
وأطرقت الديناصورة رأسها ، وقد احمرّت وجنتاها ، فاقترب الديناصور الفتيّ منها ، وقال : عثرتُ على الديناصور القاتل " تي ـ ركس " ، وكان بإمكاني أن أقتله ، فقد كان متهالكاً ، فلم أقتله .
وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : لقد تذكرتكِ ، وتذكرتُ ماما ، فتركته لمصيره ، ثم إنني أريد أن أعيش لكِ ولماما ، ونبدأ حياة جديدة .


20 / 11 / 2016





ملاحظات
ـــــــــــــــــــــــــــ

× ـ الديناصور: حيوان منقرض ، عاش قبل حوالي "
70 " مليون سنة ، بعضه لاحم ، وبعضه نباتي
، وبعضه الآخر يقتات على الرمم .

× ـ تي ـ ركس : ملك اليناصورات ، وأكثرها شراسة
، واثارة للرعب ، وزنه " 7 " أطنان ، وطوله
" 12 " متراً ، وهو صياد لاحم ، وآكل للرمم .

× ـ كاماراصوراس : ديناصور عملاق ، آكل للعشب ، طوله " 23 " متراً ، ووزنه " 50 " ظناً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش