الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي الحسون هل يكتب الشعر أم ينزف جراحًا؟

داود السلمان

2024 / 4 / 10
الادب والفن


في عام 1933 ألقى عميد الأدب العربي طه حسين محاضرة في "جمعية الشبان المسيحيين". المحاضرة كانت مخصوصة حول الشاعر الفرنسي بول فاليري. ذكر فيها أن الشاعر فاليري في بداية رحلته نحو عالم الشعر أنه كان يكتب قصائده ولم ينسرها، في صحيفة أو كتاب؛ بل كان يقرأها فحسب لبعض أصدقائه المقربين. وكان أحدهم يلحّ عليه بالنشر لكنه يرفض بشدّة، بذريعة أن قصائده غير صالحة للنشر، لأنها ليست بالمستوى المطلوب. فأستعار منه أحد الأصدقاء، مجموعته لغرض الاطلاع عليها، فما كان منه إلّا يبعث بها إلى أحدى دور النشر لينشرها باسم شاعرها. فما هي إلّا أيام قلائل حتى تنتشر كالنار في الهشيم، وراحت الصحف وبعض وسائل الاعلام تكب عنها وعن شاعرها فاليري، دون علمه، حتى ظهر على الساحة الادبية لتتلاقفه وسائل الإعلام بالحديث عن تجربته وهموم الشعر.
بعد هذه المقدمة نريد أن نقول بأن المبدع، ليس بالضرورة أن يقيّم عمله الفكري والابداعي نفسه، بل الصحيح أنّ ذلك متروك للنقاد وأصحاب الشأن وللقراء؛ فالمسؤولية تقع على عاتق هؤلاء.
أقول هذه الكلمات وبين يديّ قصيدة للشاعر علي الحسون. والحقيقة أنني تعرفت على الشاعر الحسون عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، منذ أكثر من عام، ولم أقابله وجه لوجه، الى حين كتابة هذه السطور. لقد قرأت العديد من نتاجه الشعري فيما ينشره ولا أكتم القارئ الكريم سرّا، إذ تذوقت ما يكتبه هذا الرجل، بذائقتي البسيطة، فشعرت بأن هذا الشاعر ليس يكتب الشعر كما يكتبه الكثير، بل أنه ينزف كما تنزف الجراح حين تفتك بها الأسنة، ودليلي على ما أقول هذه القصيدة التي هي الآن بين يديّ، فأنها ممتلئة بالشجن والبوح، ويفوح من بين طياتها عذوبة، لا يتذوقها إلّا من كانت له دراية وعمق نفسي وذوقي بحلاوة الشعر، ويميز بين الشعر العذب الجيد وغيره من الشعر الذي أقل منه روحية، وهو مجرد ابيات لا تعني إلّا البساطة.
في عالم الشعر هنالك البيان والايجاز، والاطناب والانزياح، والجزالة، والمعان السامية، وغير ذلك، مما هو معروف في عالم الشعر؛ لكن المُهم هو الذي يستطيع أن يضع هذه الاشياء في أماكنها، ذلك حينما يريد أن يرسم حروفه على الورق، ويحضر أدواته وقابيلته الابداعية، ساعتها يبان المبدع، المرهف الحسّ عن غيره، ممن تنقصه القابلية على الكتابة، وتعوزه الموهبة؛ لأنّ الشعر ذوق وإحساس، نار تتأجج في الفؤاد.
إن قصيدة علي الحسون الموسومة " وراء بابٍ موصدِ" لهي قصيدة مكتملة من جميع النواحي الفنية، كما أرى حيث تمتاز بقوة تركيبها، واختيار مفرداتها بعناية مركزة من قبل شاعرها، ما يدلّ على امكانيته بصنع الجمال الشعري، عن موهبة وذائقة بلا تكلفة.
وأعتقد أنْ لا غضاضة عليّ حين أصنفها تحت خانة الفلسفة الوجودية، فهي تدعوني إلى مائدة سارتر الرحبة، حيث الوجود، والغوص بحرية وتطلع الانسان، وقد يشاطرني القارئ الكريم هذا؛ والآن لنقرأ معًا القصيدة:
(وراء بابٍ موصدِ)

ما بيـــن مشأمةٍ وبين توعّدِ
يطوى المصيرُ بقبضةِ المتصيّدِ

ما كانَ يؤسفُ بالندامةِ مطلقا
لو كانَ جدبُ القطْرِ قبلَ المولدِ

ها نحنُ جئنا دونَ عتقِ درايةٍ
ورجوعنا يبقى رهين توكّدِ

وتدورُ أهوالُ الخفايا حولنـــــا
فنرى بها أقدارنا بتجسّـــــــدِ

عجبٌ لأمرٍ لا يراعـــــــي حرمةً
يأتي إلينا دونَ سابقِ موعـــــدِ

وضراوةٌ فيمـــــــا نراهُ محمّلاً
لفجيعةٍ تبقى ملاذا للغـــــــدِ

حتّى إذا ما ضاقَ فينا صدرنا
رجعتْ إلينا كلُّ أصوات الصدي

كيفَ القطافُ ،الزهرُ ليس بيانعٍ ؟
فغدا سبيلُ الحزِّ حلَّ تعمّـــدِ

كلُّ الخيوطِ تشابكتْ مع بعضها
فيما الحلولُ تعثّرتْ عن مقصدِ

فقرينةُ الإقناعِ غيـــــرُ سديدةٍ
في جذبها يحذو الدليلُ كمُقعدِ

حبلـــى بماضينا قوافلُ سيرنا
فقــدَ اللّجام بها زمامَ المقودِ

قـــــد نالنا ما نالنا من خدعةٍ
فيهـــــا يضيعُ ثراؤنا بالمكمدِ

وبوادرُ التبجيلِ غير متاحةٍ
وإذا العقول وراء بابٍ موصــدِ

ولزامُ منّا أن نكونَ بصحوةٍ
ومن الظنونِ هناكَ بالمتوسّدِ

قُلبتْ موازين المواقفِ فجأةً
الفجرُ أنحى للرؤى بالمبعدِ

وترى الأماني أذ تلاشى سعيها
كفراشةٍ أعيتْ بنارِ الموقدِ

بين الرؤى نبقى محلَّ حماقةٍ
ومتاهةٍ أعمتْ عيونَ المرشدِ

فيما أمنّا أن نكونَ بحلّةٍ
ونعيشُ أجواءَ البساطةِ بالهدي

فبأي وجهٍ نستظلّ بقاءنا ؟
والفيءُ عدّى لم يعدْ بالمشهدِ

فينا المكوثُ وأن يطولَ مقامهُ
لاشيء يعطي غيرَ جسِّ تمرّدِ

ولقد أذنّا للخلاص رويّةً
يحذو الزمانُ بنا محلّ تبدّدِ

وجدَ الرحيلُ مسوّغاً هل يا ترى ؟
أم نحنُ نمشي دون أيّ تردّدِ

فكأنَّ أوراقَ الخريف ملمّةٌ
دون الخلاص ،الكلُّ غير مخلّدِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل