الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة بدون مساحيق قراءة في مجموعة محمد شكري القصصية - *الخيمة

هشام بن الشاوي

2006 / 12 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لا يختلف اثنان في أن كتابات محمد شكري … كتابة مغايرة ، تغرد خارج السرب ، وتطير بعيدا عنه .. كتابة تعري المستور، وتفضح المسكوت عنه في واقعنا

*العربي الرديء ، المغلف بالتابوهات الوهمية … من الماء إلى الماء !!

ولأنه عاش حياته بـ “هدوء صاخب” كما صرح ذات حوار ، فقد كتب بنفس الهدوء روائعه السردية.. السهلة الممتنعة التي تـقـتات دم القـلب والجرح.

* * * * *

سأحاول أن أسلط بعض الضوء على متون (بعض) نصوص”الخيمة” في هذه المقاربة التيماتية .. التي تحس وأنت تقرأها، أنها ترسم الوجه الآخر لمدينة كوزموبوليتية بهوامشها البشرية وغوغائها… بكل قبحه الجميل وجماله القـبيح !!

في قصة “الرجال محظوظون” : رؤية فلسفية لعلاقة الأنا بالآخر. وقد قفز إلى ذهني، وأنا أقرأها، الفيلم السينمائي” النعامة والطاووس” الذي كتب قصته صلاح أبو سيف موسومة بـ (مدرسة الجنس) حيث برود الزوجة وشهوانية الزوج …

وفي اعتقادي أن هذه القصة من أجمل نصوص المجموعة، إذ تصف المشاعر الباطنية للقيط ، الذي لم يختر أبواه ولا قدره الشقي. ذلك الشقاء الإنساني الذي وصفه محمد شكري بكلمات تجرح أكثر مما تصف: “ثلاثة أشخاص يأكلون. يبدون متعبين وقذرين (…) وجوههم مكدودة. تجسم فيها كل بؤسهم. فكرت لحظة في شقاء الإنسان.” (ص 10). “أنام في الشوارع كقط في ليلة ممطرة”.(ص13).

وتشخص قلق السارد “الوجودي” : “حياتي الآن مثل الأوراق الخاسرة ، لكني مع ذلك أتمسك بها” (ص 17). “أشك في حياة بعد الموت”.(ص13) . “فكرت في الإنجيل والقرآن والإنجيل وبيتهوفن وميجل آنجيلو ودون كيخوتي”(ص 14). دون أن ننسى رؤيته الفلسفية للخطيئة الأولى . فهل “الرجال محظوظون في كـل شيء” كما قالت يامنة الريفية الأمية لزوجها..؟

* * * * *

في قصة “الأفواه الثلاثة” : غوص في أعماق كائنات ليلية.. يتـقيأها قاع المدينة. وإحساس حاد السارد بالكآبة والعجز والخوف من الشيخوخة الزاحفة، “ربما لهذا السبب أريد أن تكون رغبتي في هذه الفتاة شبيهة بمن يذهب إلى المقابر ليشعر أنه يحيا”(ص 39) فضلا عـن الذوبان في تفاهات الآخرين بحثا عن فردوس مفقود، ولو كان وهما… عن الانسجام مع ثالوث الوجود: الزمكاناس (الزمن، المكان، الناس)…!!

* * * * *

” المستحيل” : منذ البدء يطل علينا شكري متقمصا شخصية إسماعيل (وهو الحاضر في كل قصصه بأسماء مستعارة إلا في قصة “عائشة”) ، شاهرا تذمره من كونه إنسانا مسحوقا اجتماعيا .. وتعاطفه مع شخصية حبيبة المحتقرة من طرف أسرة حبيبها… والتي هربت من الرباط إلى طنجة لتتزوجه… وهذا هو المستحيل في قصة تتقافز بين تضاعيفها الفئران، فلا تجد ما يسد رمقها في حجرة الكاتب البائسة غير أكل حواشي كتبه… فهل تدفن أحزانها وأحلامها – وهي المثقفة – بين أربعة جدران رطبة في ماخور مثل بطلة القصة الأولى ؟!

* * * * *

قصة “نسيج العنكبوت” : مثلما يصطاد العنكبوت فرائسه بواسطة نسيجه، يتصيد المجتمع أخطاء مهمشيه.. تبدأ القصة بظهور علال على الساحة في حالة سكر، في يوم رمضاني .. وتنتهي بمصرعه.. وتطلع كارلي المجنون إلى السماء ضاحكا…

إنه مجتمع يحرم على غوغائه أن يعلنوا عن كينوناتهم ، فيعاقبهم في النهاية … بالموت غرباء على الأسفلت !!

* * * * *

في نص ” الليل والبحر” : وصف حي لمشاعر الأنثى التي تحترف أقدم مهنة في التاريخ.. وكيف تبيع / تسلم جسدها دون رغبة واضحة منها .. في ليل كئيب، ليل مجوسي . إنه ” ليل الأعماق “!!

* * * * *

” الفردوس الصغير” : لا تحزن لكي لا تكون شقيا، ولا تفكر حتى تكون موجودا.. هل هي كتابة ثانية لقصة خروج أبانا آدم وحوائه من الجنة ؟ أم …؟!؟!

أخشى أن تكون الأسئلة المغيبة هي …!!!

* * * * *

نظلم محمد شكري حين نصنف أدبه في خانة الفضائحي والليلي ، ونغض الطرف عن وجهه الإنساني وإحساسه الشفيف بمعاناة الآخرين .. وهو الذي كرس كتاباته للاهتمام بالذات الكاتبة في علاقاتها بالآخرين.. فأقصى كل الأحداث التاريخية والسياسية التي تزامنت والزمن السردي … إنه صوت من لا صوت لهم … ألم يكتب شكري عن الجبن، الكراهية، الجهل ، البؤس ، التشرد ، الجوع ، الحرمان ، اليأس ، الشيخوخة ؟! ” ترى متى ينتهي البكاء على الخبر…!” (قصة : أزرو – ص 164) . “نحن الفقراء يسهل علينا دائما قـتـل بعـضنا البعض”. (قصة: عائشة- ص 181). “… يشربون اليوم كحول النار، ينعسون على عتبات المنازل، يفتشون عن الأشياء في المزابل ، يصاحبون القطط والكلاب.” (قصة: الخيمة – ص 136).

* * * * *

لا يخفى على أحد أن كاتبنا مولع بتقطيع السرد وتكسير رتابته باستخدام تقنية التداعي الحر، والانتقال الفجائي بين الضمائر والأصوات ، ومن برانية الأشياء إلى جوانية الذات الغارقة في قلقها الوجودي .. وهذا ليس بغريب على مبدع خبر الآداب العالمية . كاتب شغوف بالتفاصيل الصغرى واليومي المبتذل … بلغة مشهدية ، مكثفة جدا .. مسكونة بصراع ساكن وتوتر درامي ، لا تنهل من قواميس الإنشاء ، لأنها لا تخاف أن ترى وجهها في المرآة بدون مساحيق .. لغة تزاوج بين الفصحى والعامية كما في كتابات محمد زفزاف وإدريس الخوري … دون أن ننسى حضور بعض الكلمات الإسبانية واللهجة الريفية في المتن القصصي، كما لجأ إلى حذف علامات الترقيم في فقرة كاملة من قصته “الزاحفون وقوفا”، لتسارع وتيرة السرد الفجائية بعد سكونيتها.. لملاحقة مفردات هذا المشهد البانورامي …

* * * * *

لقد استطاع محمد شكري بكتاباته أن يتفوق على جيل بأكمله من كتاب العربية ، الطهرانيين والحداثويين وما بعد الحداثويين - مشرقا ومغربا – رغم كل ألقابهم العلمية ونياشينهم النقدية ، وهو الذي ظل أمياً إلى حدود العـقـد الثاني … فكان جديرا بلقب ” الكاتب العالمي ” ، فهنيئا للمكتبة العربية على هذا (طنجاوي الهوى البائس) … في حياته ومماته !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول دفعة من المساعدات تصل إلى غزة عبر الرصيف الذي أنشأته الق


.. التطبيعُ السعودي الإسرائيلي.. هل يعقب التهدئة في غزة أم يسب




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة جثث 3 رهائن قتلوا في هجوم حماس


.. وفد جنوب إفريقيا: قدمنا طلبنا للمحكمة ليس لأننا حلفاء لحماس




.. سعيد زياد: الفشل المتراكم للاحتلال هو من سيخلق حالة من التصد