الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعوة لانتخاب -ترامب-

نصير عواد

2024 / 4 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قد لا نقول جديدا ان الولاية الثانية لرونالد ترامب وجو بايدن سوف لن تختلفا عن بعضهما كثيرا، ولن تأتيا بطبعة مختلفة عمن سبقهم من الرؤساء. وان الذين يفضلون هذا الرئيس على ذاك هم متفائلون يودون نسيان حقيقة ان السياسات الأمريكية، وخصوصا الخارجية منها، لا تتغير كثيرا بتغير الرئيس. قد يرى القارئ تناقضا في موقفنا، وهو ما يسعى المقال لتوضيحه، فدعوتنا لانتخاب "ترامب" هي ليست من باب الانحياز إليه والاعجاب بتسريحة شعره، ولكننا نبحث في فوضى السياسة عن منفعة دولنا وشعوبنا من وصوله للبيت الأبيض. فشعار الحزب الجمهوري "أمريكا اولا" يحتوي الكثير من السياسات الراديكالية، من بينها الالتفات للقضايا الداخلية التي تشغل بال المواطن؛ الضرائب والبطالة والهجرة وحيازة السلاح.. ولغرض تنفيذ هذه السياسة ينبغي بناء جدران مادية، وأخرى افتراضية، لن يكون قادرا عليها في هذه المرحلة سوى ترامب وسياسته اليمينية.
بالنسبة للشارع الأمريكي فهو منقسم قبل وصول "ترامب وبايدن، للبيت الابيض، ولا يمكنه إنتاج البدائل بعد ان وضعته أعظم تجربة ديموقراطية امام حزبين فقطـ يتحكمان بسباق ممل بين كهلين أحدهما يسخر من الآخر بكبر السن، بالتلعثم والنسيان والتعثر. وبالتالي فإن دعوتنا لانتخاب الأسوأ قد تؤدي إلى تعميق هذا الانقسام وانشغال البلد بهمومه واعطاء الدول البعيدة فسحة من الراحة. فالسياسة الحمائية لبلد غني مثل أمريكا لا تشكل خطرا مباشرا على دول أفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر. أفريقيا الفقيرة والمضطربة ليست من أولويات سياسات "ترامب" وانه لم يزُرها طوال فترة رئاسته، وسبق له أن وصف بعض بلدانها بالــ "حثالة". كذلك لم يزُر الدول العربية باستثناء زيارته للسعودية (مايو 2017) لحضور اعمال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي انتهت بصفقات تجارية ومالية. أما البلدان السائرة من بعيد في ركب أمريكا، والتي سبق لها ان واجهت انتقادات وعقوبات بسبب ضعف الديموقراطية وحقوق الإنسان فيها، وجدت في عهد "ترامب" فسحة من الهدوء والنسيان، والمديح أحيانا، فقد وصف ترامب الرئيس المصري بــ "الرئيس العظيم" على الرغم من وجود أكثر من مئة ألف معتقل في السجون المصرية. ترامب لم يزُر مصر، وكان قد التقى بالرئيس السيسي على هامش المؤتمرات الدولية، ولكنه معجب بالرؤساء الأقوياء القادرين على التمسك بالسلطة وتنفيذ سياستهم لا سياسة الموظفين والمدراء والمتخصصين؛ كالسيسي وبوتين والهنغاري فيكتور اوربان والكوري كيم جونغ أون..
المسكوت عنه في الدوائر السياسية هو ان أصدقاء أمريكا في الغرب الرأسمالي أكثر قلقا من اعدائها بخصوص العودة المحتملة لــ"ترمب" بعد ان قال في مقابلة سريعة "أنا لا أعير أي اهتمام بالـ ناتو" ثم هدد بعدم الوقوف مع الاوربيين في حروبهم القادمة ما لم يساهموا بدفع 2% من خزينتهم لدعم الحلف، هو مطلب غير قادرة عليه الكثير من الدول الاوربية، الأمر الذي دفع قادتها إلى التفكير الجدي بالاعتماد على قدراتهم الذاتية لحماية حدودهم. وكانت الهوة قد توسعت مع الاصدقاء حين أعلن "ترامب" أنه سيرفع التعرفة الجمركية أكثر من 10% لكل الشركاء التجاريين من أوربا وأسيا، وانه سيضع حدا لاعتماد الأصدقاء على أمريكا. من جانب آخر أدت سياسته الحمائية إلى تعطيل اتفاقات ابرمتها الحكومة الامريكية السابقة مثل اتفاق التعاون مع دول منطقة آسيا - المحيط الهادئ الذي قال عنه ترامب بأنه (سيكون ميتا من اليوم الأول لولايته) فالرجل أعلن من دورة رئاسته الاولى ان (عقيدتنا ستكون الأمركة لا العولمة) ضاربا بعرض الحائط كلام المتخصصين عن تأثر نظام التجارة العالمي المستند إلى قواعد وقوانين عالمية. ترامب بسياساته الحمائية المتطرفة يريد الوقوف ضد الاخطار التي تهدد الأمن القومي الأمريكي داخليا وخارجيا، ولم يأتِ بباله انه أحد تلك الاخطار، ولذلك ندعو لانتخابه. اما الذين يتخوفون من ان تسوء الأمور أكثر بفوز "ترامب" في الانتخابات فما عليهم سوى النظر لما نحن فيه من فقر وحروب أهلية وقواعد عسكرية منتشرة في البر والبحر.
إنّ المحاذير من شطحات "ترامب" جدية ولكنها ليست جديدة، بل حتى شعار "أمريكا أولا" ليس جديدا ولا علاقة لــ"ترامب" بظهوره، فقد تشكّلت ملامحه بعد سقوط حلف وارشو في نهاية القرن الماضي. وفي العقد الأخير بدت سياسات الحزب الجمهوري أكثر وضوحا في ترسيم شعار "أمريكا أولا" ولم يكن ترامب سوى أداة لتنفيذ سياسات جديدة قديمة، وإذا فشلت هذه الأداة في الدورة الانتخابية الحالية في ان توضح للأمريكيين المنافع الاقتصادية والأمنية في تطبيق الشعار، سيبحثون في الدورة القادمة عن أداة أكثر تأثيرا. وهناك على الدوام فريق من الموظفين والمدراء يشكلون قوة مؤثرة في الحزب الجمهوري، إلى جانب أعضاء متشددون في مجلس النواب، يعملون على رسم سياسات الحزب وتصنيع بطل شعبي أكثر تطرفا، له القدرة على اقناع الناخبين الأمريكيين بشعار "أمريكا أولا". فيما يخص الشرق الأوسط، والحق يقال، فإن الجمهورين بحكم سياستهم الحمائية أكثر وضوحا من الديموقراطيين بالتعبير عن مللهم من مشكلاته المستعصية، ومن تواجد الجيوش والقواعد العسكرية هناك، تجلى في قول "ترمب" إنه إذا أعيد انتخابه فــ (سيتخلص من كل دعاة الحرب في البنتاغون ووزارة الخارجية) بالطبع نحن لا يمكننا تصديق هذا الكلام ونرى فيه تصفية للحسابات مع مَن خذلوه، فالتاريخ يدلنا إلى ان أمريكا تأسست على الحروب، وأنها ما زالت تعتاش على ذلك، ولكننا في لحظة تاريخية تسودها الفوضى والمصالح المباشرة، ولا مكان فيها للعقلاء، قد يكون انتخاب سياسي ارعن فيه اختصار لأعوام طوال لحل المشاكل التي يعاني منها سكان الأرض.
إنّ جملة (هذه ليست أمريكا التي عرفناها) ليست لنا، نحتها الشارع الأمريكي أثر الصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. صراع أنتج شرائح اجتماعية متشككة، تطرب للكلام القاسي، وتأخذ بنظريات المؤامرة وحكاية الملياردير المظلوم الذي تتآمر عليه الدولة. و"ترامب" أبن هذا الشارع، أبن بار للثقافة الأمريكية، حظي بسمعة سيئة ومتحيزة ضد الملونين والمهاجرين والنساء، وأطلق توصيفات مهينة في كل الاتجاهات طالت حتى المقربين منه في الحزب كما حدث مع "بيكي هايلي" التي رشحت إلى جانبه عن الحزب الجمهوري، ثم لقّبها بــ"نيمبرا" تذكيرا بأصلها الهندي. وتأسيسا على ذلك نقول ان التغيير الذي نأمل ان يحدثه وصول "ترامب" سيكون أكثر راديكالية، وقد يُحدث طفرات سياسية واقتصادية وحدودية كان قد دشنها في فترة رئاسته الأولى ولم يكملها، طفرات يهيمن عليها الارتجال والرعونة والتشكيك بالقضاء والسخرية من القوانين. وفي هذا المناخ السياسي المرتبك سيكون على الدول الصديقة لأمريكا ان تعيد حساباتها وتجنّد محلّليها، تحسبا لشطحات ترامب. أما الدول الفقيرة والبعيدة والمعادية لأمريكا فإنها ستتضرر كذلك، ولكنها على المستوى الاستراتيجي ستكون في حال أفضل وستعتمد على نفسها عبر خطوات التخلص من هيمنة الدولار كما فعلت روسيا والصين والهند والبرازيل والسعودية.. وعبر التخلص من ثقل جيوشها كما فعلت إيران ونيجيريا وفنزويلا..
بقي القول إنّ احتمال فوز "ترامب" بالانتخابات نهاية هذا العام لا يشكل مفاجئة، فوصول الأحزاب اليمينية الشعبوية للحكم أمسى ظاهرة عالمية في بريطانيا وإيطاليا وهولندا وهنگاريا والارجنتين.. ونحن بدورنا لا نريد أكثر من دولة متجبرة، قائدها لا يمكن التكهن بقراراته، يواجه أكثر من (90) تهمة جنائية، قد تلهيه عنا واحدة منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول بيان للمعارضة السورية بعد سقوط نظام الأسد


.. أول تحرك من العراق بعد سقوط نظام الأسد في سوريا




.. احتفالات في مدينة حلب بعد إسقاط المعارضة نظام الأسد


.. طائرات يعتقد أنها إسرائيلية تستهدف قاعدة جوية جنوب سوريا




.. سوريا.. انتهاء عصر آل الأسد بعد أكثر من خمسة عقود