الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصطفاف الدولي . فلسطين مثالاً

عمار أسامة جبر
كاتب

(Ammar Jabr)

2024 / 4 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


لم يأت السابع من أكتوبر بالخير على العالم الذي يسمى نفسه حراً، فهو اليوم الذي حاول الفلسطينيون- ولو مؤقتا- استنشاق الهواء ما بعد السياج الذي يعزل غزة عن فلسطين وعن العالم منذ سبعة عشر عاما، ساعات قليلة بعد هذا الطوفان البشري، كان كفيلة بأن تكشف الوجه القبيح للعالم الحر والمنظومة الغربية، وجه استعماري يرى الأحداث على الأرض بالعين التي تريدها الصهيونية لهم، واستمرت الحكومات طيلة ستة شهور تردد كجوقة سيئة، بأنها لا ترى ضرورة لوقف إطلاق النار وبل شككت بأعداد الشهداء وحولت دفة الصراع بين محتل مغتصب وشعب محتل، ووضعت المغتصب للأرض في مكان المعتدى عليه، ونسي خمسة وسبعون عاما من الاحتلال الكولونيالي، احتلالاً طالت يده المجرمة الشجر والحجر والأرض قبل الإنسان.


ستة شهور تمضي على عملية الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة بشكل يومي- وما زال-، والاقتحامات والاعتقالات والإعدامات الميدانية والتخريب المتعمد للمدن والمخيمات ومرافق الحياة، لم تكن كافية ليقتنع العالم بالمعتدي الحقيقي، بل ما زال يلح بالمطالبة بشكل وقح، إدانة ما حدث في السابع من أكتوبر، وكأن دقات ساعات العالم بأسره توقفت عن العمل، وإدانة ما حصل سيعيد لهم حياتهم الخاصة، لم يكتف العالم بما يزيد عن خمسة وثلاثين ألف شهيد، وهو عدد ما زال في طور متزايد بلا توقف لإزهاق أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، فغزة تحولت من أكبر سجن عرفته البشرية يقبع داخله ما يزيد عن مليونين ونصف نسمة، إلى أكبر مقبرة في العالم، حيث توزعت جثامين الشهداء على الأرصفة وفي الشوارع والأزقة، وبل تحولت إلى جزء من رصيف الميناء الأمريكي، الذي صنعته القوات الأمريكية من لحمنا الحي.


آن الأوان للتفكير بشكل جماعي باتجاه أقوى بالتخلص من مناقشة الحدث، فلا السبب ولا المسبب ولا الأطراف وكل نقاشاتنا وما يدور حول الفعل، سيعيد غزة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، حدث ما حدث، وآلة الحرب الإسرائيلية مستمر ة لا يردعها رادع، غير آبهة بالعالم بأسره، فهي مدعومة من ألمانيا التي نزعت عنها صفة الهتلرية ظاهريا، لكنها اليوم أسوأ من ذاك بأشواط كثيرة، فهي أحد الموردين للسلاح الذي يقتل شعبنا طيلة ستة أشهر، ومدعومة من أمريكا ، الذي تضرب العالم بسوط الفيتو، ومدعومة من أدوات عديدة تتلاعب بها الصهيونية المسيحية من خلف الستار.


الحديث حول الحدث ومسبباته لن يغيث جريحا ولن يعيد بسمة أم مكلومة، ولن يرجع أسرة غزية إلى السجل المدني، فلنعيد لغزة رونقها فلنفكر بشكل إيجابي، ولنجمع أدواتنا القوية ونساند كل من له قدرة على إيجاع المحتل، فلنساند نيكاراغوا في قضيتها ضد ألمانيا باعتبارها كما ذكر فريق القانونيين الذي رفعوا القضية قبل أيام في محكمة العدل الدولية "بأن التصدير العسكري تضاعف عشرة أضعاف" وهو ما من شأنه تسهيل جريمة الإبادة الجماعية، وهي بالأساس قضية تتماشى مع طرح جنوب أفريقيا، والقضيتين تسيران في خط إدانة الكيان الإسرائيلي وكل من يسهل عملية الإبادة الجماعية، سواء بالدعم العسكري واللوجستي والمالي، لأن هذا الدعم يعكس حجم النفاق الدولي ومنظومة الغرب الذي سقطت أقنعتها ودفاعه عن حقوق الإنسان المزعومة.

التغيرات التي ضربت العالم بأسره بعد غزة، يسقط العالم في فخ "حقوق الإنسان"، والمطالبات المتزايدة للحفاظ على السلم الأهلي، فنراه يساند أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ويحافظ على تدفق متزايد للمعدات العسكرية والتي من شأنها إطالة مدى الحرب، ونراه يقسم السودان إلى قسمين يعيش طرفاه حربا أهلية لن تنتهي، ونراه تدخلا عسكريا في الصومال والعراق وأفغانستان، وكلها حروب لم يوكلها شعوبها بالقيام بها، في اتجاه مطرد نحو شريعة الغاب، وسياسة البقاء للأقوى، تغيرات تظهر مدى التناقض وفخ الازدواجية.

عالم ينكر تدخل جنوب أفريقيا ونيكاراغوا ودخولهما خط الصراع مع الاحتلال، ولا ينكر تدخله في العالم بأسره وقواعده العسكرية التي لا تخضع لأي سلطة أو تحقيق، يتناسى وجود معتقل اسمه غوانتانامو، المعتقل السيئ الصيت والسمعة، حقوق الإنسان كذبة تتداعى أمام ما يحدث في قطاع غزة، كذبة ما عادت تنطلي على الحشود في الميادين والطرقات الرئيسية والجامعات والمعاهد والنقاشات بين أوساط المثقفين، ما عادت تنطلي حتى على من كان صديقا الأمس، إن المنظومة الغربية تخشى ما تخشاه من استيقاظ شعوبها من سبات طويل بفعل سوط معاداة السامية والإعلام المضاد، واللوبيات الصهيونية التي أعمت هذه الشعوب، فهي لم تنس أحياء الغيتو ومدى الانعزال الذي فرضته تلك المجتمعات تجاههم، لم ينس "شعب الله المختار" مدى الكراهية بينهم وبين الشعوب الأوروبية التي رأت فيهم مكرهة ومرض يستوجب التخلص منهم بأي طريقة، وهو الآن يكفر عن أخطاء الماضي، فهو يطفئ حريقا ويشعل فينا ألف حريق بلا هوادة، اصطفاف دولي هوائي لا يخضع الا للهوا والمزاج الذي تفرضه لوبيات بعينها في الكواليس والاجتماعات المغلقة، التي فاحت روائحها العفنة، وأصبحت التصريحات تخرج للدفاع عن المجزرة على الهواء مباشرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران