الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رهاني قطبي الساحة الفلسطينية

عماد صلاح الدين

2006 / 12 / 5
القضية الفلسطينية


للإنصاف التاريخي كان ابوعمار رحمه الله رجلا يحاول بذل كل الجهود من اجل تحقيق الحد الأدنى من حقوق شعبه المحتل المضطهد، وهو في ذلك انتهج كل السبل سواء سبيل الكفاح المسلح أو سبيل المفاوضات بالاستناد إلى حسن النية أو التعويل على أمل ربما يتحقق، هذا لايعني أن الرجل لم يخطىء بل انه ارتكب خطايا كان يفترض أن لا يرتكبها قائد وطني وتاريخي بحجمه إذ هو قام بجملة من الخطوات السياسية في سياق العملية السلمية والتي تتعارض كليا مع طبيعة الصراع وفلسفته وأسسه من اعتراف مسبق دون ثمن ومن انجرا ر وراء سراب أمريكي وصهيوني دون أن تكون هنالك قاعدة سياسية متماسكة وأدوات ضغط مختلفة تصب في اتجاه الهدف النفسي الكامن في نفس الراحل أبو عمار.

وهكذا رأينا أبو عمار رغم كل الأخطاء التاريخية التي ارتكبها إلا انه لم يكن يوما ما يمارس أي نوع من الابتزاز السياسي والأخلاقي تجاه شعبه لانتزاع مواقف منه، بل إن الرجل حاول أن يجرب البرغماتية أو ما تسمى بالواقعية فقط كتجربة ربما كان للظروف الإقليمية والدولية دورا في اتجاهه صوبها على أمل منه أن يصل بها إلى الحد الأدنى من حقوق شعبه والتي تتعلق بشكل رئيسي بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 67، لكن الرئيس الراحل تبين له لاحقا أن التفاوض بالمعنى الدبلوماسي وحده عقيم وان الركون إليه فقط معناه القبول فقط بالذي تتفضل به إسرائيل وأمريكا وهذا المتفضل به أمريكيا وإسرائيليا ليلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى هذا رفض الرجل الطرح الأمريكي والإسرائيلي ليحاصر ويقاطع من العرب والغرب ثم ليلقى وجه ربه بطريقة أو بأخرى.

منذ الرفض العرفاتي عام 2000 لكامب يفد الثانية ظهر الفريق الانقلابي في حركة فتح الذي يتساوق كليا مع الذي تطرحه أمريكا وإسرائيل والذي حاول أن ينقلب على أبو عمار نفسه، هذا الفريق ليس في أجندته سوى القبول والتسليم لما يعطيه الآخرون، ولذلك فان التفاوض على الممنوح من قبل الأمريكان والصهاينة هو خيار استراتيجي وحيد للشعب الفلسطيني. كان هذا التيار يخطط منذ البداية لإشراك حماس في اللعبة الديمقراطية التي جرت في وقت سابق من هذا العام وذلك ليتم احتواء حماس وإشراكها في لعبة التسليم بالمطالب الأمريكية والإسرائيلية بناء على توقعهم بان حماس لن تحصد في نتائج الانتخابات وفي أحسن الأحوال سوى نسبة تبقى فتح متفوقة عليها. لكن الذي جرى كما يقولون قلب السحر على الساحر وحصدت حماس الأغلبية البرلمانية ومن هنا يبدأ رهان قطبي الساحة الفلسطينية كل في اتجاه غير اتجاه الأخر.

فالفريق الأول المتمثل بالتيار المتنفذ في فتح والذي انقلب على ياسر عرفات في أواخر حياته وبعد مماته في اتجاه القبول بما تطرحه إسرائيل وأمريكا من الدولة المؤقتة ومن ثم تأبيد الصراع يراهن بعد فوز حماس على قوة وفاعلية الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني لإقصاء حماس وبرنامجها المعروف بالوصول إلى درجة وحالة تصبح فيها حالة تعجيل الانتخابات وتبكيرها تصب في صالحهم بتحقيق الفوز والأغلبية فيها وبالتالي تحقيق برنامجهم المبرمج أصلا وفقا للرغبات الأمريكية والصهيونية، ولذلك ومنذ البداية أعلن هذا التيار موقفه وعلى لسان قادته وكبرائه انه لايمكن ولابأي حال من الأحوال أن يشاركوا في حكومة تكون فيها حماس ومن هم من وصف تلك المشاركة بالعار ومنهم من قال بقولة " تلعيب الخصم خمسة بلدي"، ولذلك منذ البداية شارك هؤلاء في حصار حماس وخيار الشعب سواء بالتحريض المحلي أو الإقليمي أو الدولي أو بمنع الأموال التي تصل الرئاسة تحت حجج من قلة الأموال والإنفاق الخارجي وغيرها الكثير الكثير، وأما المتابع لحالهم وهم يحاورون حماس على تشكيل الحكومة فيلاحظ كيف أن هؤلاء كانوا يشاركون للتضليل وإيهام الشعب الفلسطيني أنهم حريصون على مصالحه ففي كل مرحلة ومع نهاية كل جولة حوارية كان هؤلاء يتراجعون عما تم الاتفاق عليه ومن ثم ليضعوا شروطا جديدة لم تكن متداولة من قبل وهكذا دواليك، الشروط والحجج التي أوردوها في كل مرة لم يكن القصد منها سوى كسب المزيد من إطالة الوقت للضغط على الشعب الفلسطيني أكثر في ظل حالة الحصار الظالم المفروض عليه وغير المسبوق تاريخيا حسب تعليقات الكثير من الكتاب والمحللين والمفكرين ليقوم بالتالي الشعب الفلسطيني بالضغط على حكومته إما بالاستقالة وإما بالقبول بشروط المهانة الأمريكية والإسرائيلية، إنها حالة من الابتزاز الأخلاقي والسياسي ضد الشعب الفلسطيني لم يسبق لها مثيل، إنها خيانة مكشوفة وغير مبررة على الإطلاق، التيار الانقلابي على فتح وعلى حماس والشعب الفلسطيني لا يريد سوى تجديد الاعتراف بإسرائيل وببقية الشروط الأمريكية والإسرائيلية من قبل آخر القلاع الفلسطينية ودون أي ثمن حقيقي تقدمه إسرائيل، فهل تعترف إسرائيل وتقبل بالانسحاب من كافة الأراضي المحتلة عام 67 وهل تعترف بحق العودة ليذهب عباس ومن معه ويضمن اعترافا إسرائيليا واضحا وصريحا من إسرائيل بالحد الأدنى كاملا من إسرائيل وبضمانات دولية حقيقية وحماس عند ذلك ستقوم بالاعتراف بإسرائيل، عباس ومن معه يدرك أن إسرائيل لاتقدم الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وتجارب التفاوض السابقة عبر أكثر من عشر سنوات تشهد بذلك، لكنه لازال يصر على تلبية كل الشروط فقط مقابل العودة والسماح له وفريقة باستئناف تفاوض عقيم وهذه مأساة كبرى بتكرار الفشل مرتين.

ما أريد أن أقوله أن محمود عباس الفريق المتحلل من أدنى متطلبات القضية الوطنية يراهنون على الكرم الإسرائيلي والأمريكي وهم يعرفون تماما حدود هذا الكرم الذي يعني كيان كنتوني لا يصلح لحياة الحيوان فضلا عن صلاحه لحياة الانسان ومن لا يصدق ذلك فهو غير متابع لانشداد عباس حتى بعد الاتفاق على وثيقة الوفاق إلى خريطة الطريق الذي يجاهر بأنها تلبي شروط المجتمع الدولي " يعني أمريكا وإسرائيل " وترحيبه مؤخرا بمبادرة اولمرت التي وصفها المراقبون والمحللون وحتى بعض الموضوعيين الإسرائيليين على أنها مناورة وذر رماد في العيون.

وصلت المرهانة من الفريق الرئاسي على أمريكا وإسرائيل أنهم أصروا على إنجاز التهدئة ونشر قوات الآمن في قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل وكذلك ربط فضية الأسير جلعاد شليط بتشكيل حكومة الوحدة على المضي قدما في استئناف جولة الحوارات، وصل حد المراهنة منهم على إسرائيل وأمريكا إلى ضرورة موافقة الأخيرتين على اسم كل وزير وعلى أسماء الوزراء للوزارات السيادية، رغم أنهم اتفقوا على أن يسمي كل فصيل وزراءه بالإضافة إلى المستقلين على أن لا يكون هؤلاء الوزراء من الفاقعين سياسيا من فصائلهم أو من الصف الأول، لكن عباس ومن معه يريدونهم مستقلين إطلاقا ويريدون تعيين وزراء مقربين منهم في الوزارات السيادية، بالضبط ما تريده أمريكا وإسرائيل، ولست استغرب عما قريب أن يطالب عباس والفريق بتبكير الانتخابات حيث الأوامر قد صدرت مجددا حول هذا الشأن.

شعار الفريق الانقلابي على الشرعية الفلسطينية ليذهب الشعب إلى الجحيم وليجوع من الحصار حتى يرتد إليه عقله ويثوب إلى القبول بالشروط الأمريكية والصهيونية ويجدد الولاء لأهل الخيانة والتفريط والفساد، فهل التاريخ ومنطق الأشياء يقولان إن الشعوب تبيع حريتها وكرامتها ومستقبلها من اجل لقمة العيش المجبولة بالذل والهوان، باختصار وبدون لف ودوران عباس ومن معه يراهنون على ركوع واستسلام الشعب الفلسطيني، فهل سيركع وسيستسلم الشعب الذي صبر قرابة القرن وقدم ألاف الشهداء والجرحى ولا يزال لحصار قاس مفروض يشارك فيه عباس ومن معه المتساقطين.

في مقابل هؤلاء ورغم فظاعة وقذارة الحصار المفروض والمؤامرة المحبوكة رئاسيا وعربيا ودوليا إلا أن حماس تراهن على وهو وعي الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته وان التاريخ يكره الذل والهوان والتآمر لان سنده في التقدم والتطور والبناء هوا لحرية والحرية أساس الإبداع، والحرية والإبداع لا يتأتيان من ظلم واحتلال وقبول بالذل واستمراء لهوان، فأي الفريقين سينتصران، الفريق الذي يراهن على الاحتلال وأعوانه أم الفريق الذي يراهن على الشعب والعزة والكرامة، فيا شرفاء فتح الحقوا بحركتكم قبل أن يخفيها المتاجرون بها من التاريخ وللأبد، ولكم من نتائج انتخابات النجاح رغم الحصار ألف عبرة !!!

4- 12 – 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي