الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات 128

آرام كربيت

2024 / 4 / 15
الادب والفن


الغجر
اقترب عيسى وسيران وابنهما ميكائيل من المكان إلى أن أصبحوا على مسافة قريبة من الناس الرحل. قال عيسى موجهًا كلامه لسيران:
ـ أنظري إلى دنان الخمر والماء المعلق على أطراف العربات.
كان الأطفال العراة أو النصف عراة، يركضون بالقرب منهم، عليهم بقايا ثياب. والفتيات النحيفات رشيقات، فوق رؤوسهن مناديل أو هباري حمراء منقطة ببقع سوداء.
بعضهن يرتدين ثياب ملونة بألوان صامتة، يتحايلن على الطبيعة ويتمايلن أثناء المشي أو الحركة.
أشكالهن كالأشجار الباسقة. كالأنهار والجبال. كأنهن صنعن بأيدي نحات أو فنان مجنون. أجسادهن على درجة كبيرة من التناسق والتناغم. كأنهن آلهة أسطورية.
والأرض مباركة دافئة من تحت وفوق. ورقيقة وحنونة في هذا الفصل.
اقترب رجل من مؤخرة إحدى العربات، يده فوق عينه يغطيها من التراب والغبار. وإلى جانبه معزتين وثلاثة خراف وبغل. ووراءه امرأة سمراء داكنة اللون والملامح. وإلى جانبها بضعة أطفال بملامح صامتة لا تشيء بشيء محدد.
اتجهت هذه المرأة إلى العربة، بيدها إناء من الفخار مملوء بالماء. ثم مشت عشرة أمتار وناولته لرجل مسن، وتابعت طريقها إلى محاذاة رجل وامرأة يدقان المهباش. ورجل وامرأة يضعان البن فيه. ورجل وامرأة يجرشان القمح ليتحول إلى دقيق من أجل الخبز. ورجال ونساء يتعاونون في دق الأوتاد في الأرض لينصبوا بقية الخيم. وبضعة رجال ونساء يدقون الحديد على الحديد بعد إخراجه من النار. والمطارق على السندان ليطوعوا الحديد ليتحول إلى سكين مسنون. وليصنعوا الأوتاد من الحديد ليتم غرزه في الأرض الصلبة المقدسة.
الوجوده متسائلة
بعض النسوة جلبن أربعة أحجار. ووضعوهم على الأرض بالقرب من بعضهم. ثم وضعوا الحطب وبقايا خشب وأغصان أشجار عتيقة، ثم أشعلن النار من قدح حجرين في بعضهما. ثم وضعن الساج على الحجارة. وكان العجين قد اختمر. وبدأن يخبزن الخبز الرقيق إلى أن أصبح كلون اللؤلؤ.
على صوت المهابيش والدفوف بقين يجرشن القمح، ويخبزن ويضعن الحناء على رؤوس بعضهن أو يرسمن وشمًا على أيدي بعضهن أو وجوههن أو شفاههن.
افترشن الأرض والسماء والعري بالقرب من العربات الخشبية، والطبيعة العارية والعجلات العارية المتوقفة. وبعضهن بدأن يثقبن أذان وأنوف بعضهن بالإبر المذببة.
عندما حل الليل حفر الرجال حفرة دائرية في وسط الساحة على عجل بقطر سبعين سنتمر متر وعمق أربعين سنتمتر.
جلبوا الحطب ووضعوه في الحفرة ثم أوقدوا النار.
النساء جلبن القدور المملوءة بالماء ووضعوهم على النار لتحضير الطعام. وجلبن الصحون الفخارية من العربات النائمة وفرشوها على الأرض.
وفرشن البسط والوسائد على الأرض. واللحف على العربات.


للحيوان فلسفته
الحيوان جزء من فلسفة الوجود والطبيعة. ويملك الحكمة ذاتها، والانضباط ذاته، والسيطرة على الغرائز.
ولايسعى للقبض على النهايات.
وليس لديه شغف امتلاك الوجود، لإنه متوحد به.
عندما يموت الإنسان، ويخلد عقله لليقظة يصبح جزءاً مكملا للحكمة، لفلسفة الوجود.
الإنسان كائن طائش فوضوي وغير سوي. وغرائزه تدفعه للبحث عن موطأ قدم، عن الحرية في مكان ما من هذا الكون، لكن هو ذاته لا يعرفه.
فالحرية بالنسبة له هو شيء متعالي، في السماء في الخيال أو الفضاء أو ما بعد الغيوم.
لم يقتنع إلى الأن أن الحرية هي في الأبدية، في اليقظة والوعي الدائم.
الاغتراب بكل أنواعه غربة عميقة، منتج لإنسان ممزق من الداخل والخارج، مدفوع إلى البحث الدائم عن مرساة، ليلقي عليها أحماله وأتعابه، لكن دون جدوى..

المثقف يعاني من الفوضى
الواعي أو المثقف يعاني من فوضى الكلمات المتناثرة في عقله. يسهر الليل والنهار على ترتيبها وتنظيمها لتخرج متضامنة متماسكة مع بعضها.
يلجأ إلى الخيانة الذاتية في علاقته بهذه الكلمات، يحرم بعضها من الجلوس في نظامه ويفسح المجال لغيرها، كالعاشق أو الغريم في تضادهم ومقابلتهم لبعضهم.
إنه يتأرق، يسهر، يتعب كأنه في صراع وجودي بين الأبجدية وما قبلها وما بعدها.
ودائم الركض إلى الأمام كالحصان، كالرهون العجوز الذي يتسلق جبلًا في محاولة الوصول إلى القمة.
وفي داخله شوق لمعرفة ماذا يوجد وراء القمة، وعندما يصل إليها، لا يرى سوى الخواء، مجرد أشياء تدعوه للعودة إلى البدء.
إنه سيزيف الزمن والضمير، في داخله وجع البحث عن ما هو ليس في متناول اليد.
ما أروعك أيها الإنسان البسيط، أيها الجاهل، فأنت تعيش في سلام داخلي وأمان واستقرار كامل.
الموت يأتيك دفعة واحدة، دون أن تبذل أي جهد في معرفة وقته.

الدين سبب الكوارث
الدين كائن صامت، جامد، يستمد قوته ووجوده منك أيها الإنسان.
أنت الذي تبث فيه الروح والحياة، وتكسوه اللحم والعظام والجلد ليبدو مقبولًا.
في زمن كورونا فقد رمزيته وقوته المعنوية، وترك الناس عراة يفتقدون للأمان والسلام الداخلي.
أيها الدين، أين أنت في الملمات، في فترات القلق والخوف هذه، ولماذا لا تقف إلى جانب الغلابة والمشوشين؟
ملايين الناس قتلوا من أجل إعلاء شأنك، دفاعًا عنك، حان الوقت أن ترد لهم الجميل وتعيد لهم الاعتبار، أم أنك تقاعدت أو مت؟
هل يمكننا القول أنك ميت، ولد ميتًا؟

لا تراقب الناس
لا تراقب الناس، هذا ليس شأنك، ولا تنتقد الأخر بسخرية.
هذا الميدان أمامك، أكتب بوضوح، وعبر عن نفسك، كن قويًا، شجاعًا.
التورية في الكتابة لا تحقق الغاية الذي تريده، سوى المزيد من الدمار الذاتي والاحتقان والكره، وربما الوسواس القهري.
إن الإشارات التي ترسلها إلى الأخر بشكل موارب، معيب ومخجل، تمنح نفسك الفوقية وتقلل من شأن غيرك. هذا إن يدل على شيء، أنما يدل على ضعف حججك.
الكتابة ليست تسلية، وليست شتائم، ولا رصد لأخطاء الأخر، هي مسؤولية أخلاقية ونفسية وإنسانية، وتثقيفية.
هناك من نرتاح لكتاباتهم، نستمتع بأرائهم وهدوئهم ورزانتهم، وهناك الفقاعة الطائفة على السطح تشتم ووتتذاكى، نتيجة انعدام ثقافتهم وفهمها لما يدور حولها.
اقرأ، حاول أن تستفيد من الوقت، فهو بين يديك.

المرأة
قرأت ألف ليلة وليلة في وقت مبكر من عمري، المرأة التي في الكتاب وصلنا من منظور ذكوري بحث، وبتقديري ما زال مستمرًا، المرأة الجارية، اللعوب التي تحضر نفسها لتكون في خدمة رغبات التاجر ورجال السلطة والمال والليالي الحمراء تحت ضوء الشموع والخمر.
وعزز الدين وثقافة الخنوع والتذلل والابتذال من خلال هذا النمط، أو هذا الأسلوب من التفكير.
هذا المنظور الشرقي للأخلاق ترفع المرأة، بنت الحسب والنسب وتجهز لتمنح لأبن الحسب والنسب، صفقة بيع وشراء على الجسد، والبقاء للأقوى. والجارية يجب أن تجهز لتعزف على العود، وتملك فنون المداعبات الجنسية واللعب على المشاعر والرغبات الجنسية لتسوق نفسها لإرضاء الذكر الخالي من المشاعر والقيمة الإنسانية والأخلاقية.
تكون المرأة جزء من الصفقة على المال والسوق.
اعتقد أن المرأة العربية لم تخرج من النفق بسبب دفق الثقافة ذاتها.

لولا الرموز لكنا في عالم السعادة
جميع الرموز التي صنعها التاريخ لرجاله هم من النخبة المالية والسلطة والنفوذ, لهم صولات وجولات في القتل والسبي والحرق والدمار. رائحة الدم والموت والخراب ما زال يخرج من قبورهم إلى اليوم. ولا فرق لدي بين نابليون أو ستالين, هتلر وخالد بن الوليد, فرعون وداود. ولا فرق بين كيسنجر وبريجنسكي وبين أي منظر أو مفكر يعمل على دمار الوجود والطبيعة.
هذه رموزهم. ولا رموز للبشر الغلابة والمهمشين والفقراء.
بتقدير يجب ان نقرأ جذر المشكلة القائم. لماذا ينتج الواقع شعبويين, نخب؟ جذر المشكلة هي الدولة, المشروع النخبوي, الذي يدار من قبل ممثليه. لو لم تكن الدولة متموضعة على اساس تمييع الواقع وإعادة تشكيله وفق مقاساتها ومقاسات النخب لما انتجت شعبويين. الدولة هي مفرخة لصناعها. اذا المحاكمة يجب أن تكون للدولة في المقام الأول. الحقيقة, والبحث عن الصدق ليس من مهمات الدولة. مهمتها هي إعادة إدارة أزمة الواقع وتدويره ومراكمته ليحط رحاله في عب وجيب النخب. بتقديري لو نشتغل على الدولة افضل من الشغل على اتباعها.
وخادم الامير امير كما يقول المثل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي