الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفة العبودية الطوعية

الهيموت عبدالسلام

2024 / 4 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تفوق الإنسان في علاج الأوبئة الفتاكة التي أودت بعشرات الملايين مثل الطاعون الأسود والأنفلونزا الإسبانية 1918 والجدري وطاعون جستنيان وفيروس السيدا ثم الموجة الثالثة من الطاعون وكورونا ، وعالج الإنسان الكثير من الأمراض العضوية مثل أمراض الكلي وأمراض القلب وأمراض المعدة والكبد والذم والعيون وغيرها خلال مسيرة حافلة بالإنجازات الطبية والعلمية الهائلة
واستطاع الإنسان أن ينزل لكهوف النفس البشرية ليعالج العديد من الأمراض الكبرى مثل الفصام والنرجسية، والانطوائية، والوسواس القهري، الهذيان، والخرف، وفقدان الذاكرة
المرض الذي لم يستطيع الإنسان وربما لن يستطيع معالجته لاحقا هو ظاهرة العبودية الطوعية لدى فئات واسعة ، العبودية الطوعية هي أن يختار المرء من تلقاء ذاته أن يكون عبدا مطيعا ومستمتعا بعبوديته ، الأفظع من ذلك أن هؤلاء العبيد كما يقول "اسبينوزا" : "إنهم يقاتلون من أجل عبوديتهم كما لو كان في ذلك خلاصهم ولا يعتبرون العبودية عارا بل أعظم شرف".

إن العبودية الطوعية، كما وصفها " إيتيان دولا بويسييه " يوافق الناس عن طيب خاطر على عبوديتهم، ويقدمون أنفسهم هدية، والأسوأ من ذلك أنهم يمارسون العبودية إلى حد أن يصبحوا شركاء للقاتل الذي يقتلهم، وأن يكونوا خونة لأنفسهم ويرثونها لأبنائهم وأحفادهم وللأجيال اللاحقة.
على خلاف العبودية القديمة التي استعبد فيها السود نتيجة الحروب وغارات النهب وأقيمت لها تجارة عالمية، فإن العبيد الحاليين فهم عبيد برغبتهم، وبمحض إرادتهم؛ إذ هم من يتطوع لخدمة سيدهم، ويتماهون معه، متوهمين أنهم يشاركونه سلطته، إنهم آلاف مؤلفة من الناس يستعبدون سوء استعباد، لا لأنهم قهروا بقوة عظمي ، بل إنهم افتتنوا بسيدهم، يجتهدون في التزام الطاعة التي ورثوها ويورثونها لمن حولهم ،وهناك من يعتبرها سلوكا انتهازيا ترافقه رغبة طمع وتحقيق مكاسب تافهة لا توازي الثمن الذي يدفعها الإنسان مقابلها وهي الحرية ، وهناك فئة من هؤلاء العبيد يتم إخضاعهم وترويضهم فيسقطون في هوة النسيان لحريتهم فيقبلون على خدمة أسيادهم بتلقائية حتى من يظن من يراهم ويسمعهم أنهم لم يخسروا حريتهم بل ربحوا عبوديتهم.

العبودية الاختيارية هي استلذاذ في أن يتجرد من الإنسان من إنسانيته ويقبل أن يهبط إلى مرتبة الحيوان ويسعد و ينتشي بالمعاملة اللاإنسانية التي يعامله بها مالكوهم وهو مبدأ تذمير الذات ونفيها كما يقول "إيتيان دولا بويسي" الذي يرى أن الإنسان يسعى ويثابر لتطوير طبيعته متسائلا كيف يتنصل الإنسان من طبيعته البشرية ويختار هذا المسار الذي ابتدأه الشعب اليهودي من خروجهم من مصر ما جعل "لا بواتيي" و"ويلهيم رايش" (صاحب كتاب علم النفس الجماعي للفاشية) و"جيل دولوز" و"اسبينوزا" يشتركون في مهاجمة "انحراف الرغبة الجماعية " الغريبة عن الطبيعة البشرية التي تنافي الحقيقة الإنسانية والجوهر البشري بل وجعل "لابواتيي" يعبر عدم تعاطفه ويبتهج للكثير من المصائب التي حلت بالشعب اليهود.

انحراف الرغبة الجماعية تنسحب كذلك على الفاشية والنازية التي اختارت فيها شعوبها إيدلوجية عرقية تعتبر العرق الآري الجرماني أفضل الأعراق وأن الباقي مجرد خدم وعبيد والقضاء على المعاقين والمشوهين كل ذلك باسم الحزب العمالي الاشتراكي.
هذا الانحراف طال حتى فكر الفلاسفة والمفكرين في مقاربة ظاهرة العبودية الذين اعتبروها ظاهرة طبيعية مع أرسطو وأبقراط وباقي فلاسفة اليونان ، هذا الانحراف الذي يمكن تجد له تفسيرا مع الفلاسفة القدماء نظرا لسياق المرحلة ولكن أن يصل الأمر بمفكري القرن 18 وعصر الأنوار الذين يتبنون نفس المقاربة فإن الأمر يثير الاستغراب يقول "فولتير أحد كبار مفكري عصر الأنوار "أرى القرود والأفيال والزنوج جميعهم يبدو أن لديهم بصيصًا من العقل الناقص ، وكتب سنة 1756 : «إن أعينهم المستديرة، وأنوفهم المسطحة، وشفاههم الكبيرة دائمًا، وآذانهم ذات الأشكال المختلفة، وصوف رؤوسهم، ومقياس ذكائهم، تضع اختلافات هائلة بينهم وبين الأنواع الأخرى من الرجال» أما "مونسكيو" أحد مفكري الأنوار كذلك وصاحب كتاب "روح القوانين " يعتبر الكسل ظاهرة لصيقة بالعبيد ناسيا أو متجاهلا أن هؤلاء العبيد هم بنوا أهرامات مصر والمسارح والجسور والطرق وعملوا في الأرض والصناعة وفي كل المجالات كما يقول المؤرخ الفرنسي "فرناند بروديل"

يمكن القول أننا جميعا عبيد ، عبيد القروض وعبيد متطلبات العيش وتكاليفها وعبيد المؤسسات المالية وعبيد الماكينة الرأسمالية التي حولت الإنسان إلى سلعة وحولت الحياة كلها إلى عملية ركض متواصل ينسحق فيها تحت الحشود من يتوقف ليلتقط أنفاس كما يقوال "كارل ماركس" ،الفرق أننا جميعا عبيد بالجسم ولكن ليس عبيدا بالروح .

العبيد برغبتهم هي حالة ذهنية أو روحية يصبحون فيها مثل الآلات كما يقول مالكو العبيد فهم إما آلات ماهرة أوغير ماهرة ، هؤلاء لا يعول عليهم لا في التطلع إلى الحرية لأن الحرية يرونها في عبوديتهم ولا في العمل السياسي والاجتماعي لأنهم تغذوا ونشأوا في العبودية ولا يخطر على بالهم أن يروا خيرا أو حقا أو حرية أو عدلا ويعتبرون الوضع الذي نشأوا فيه وضع طبيعي وأبدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا