الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع البقاء ومعركة الفناء

يحيى نوح مجذاب

2024 / 4 / 15
الادب والفن


كلّما ازداد وَصَبه واشتدت آلامه جاءته بطيفها الزمردي العاري تسبقها نفحات الصباح بشوقه الغامر.
كان يُلملم الصور المبعثرة ويستلّ من عمق الغيب صوتها الناعم.
لم يكن الزمن سوى لحظات تائهة في عُرف الأرض غير أنها امتدت في سرمديتها أحقاباً لانهائية غير منظورة.
هو دوماً يتوق لإسدال الأستار على مسارات الأيام بعبثيتها المُجحفة حتى ينام قرير العين في كنف الصمت الأبدي، فلم يعد في قعور الدِنان ثمة شراب ليثمل مع العناقيد المتلألئة المتدلية على صفحة الليل.
والآتي الأعظم لن ينصفه في قابل الزمن المتهرئ بعد رضوخه لخدعة الوجود وقبوله باللحظات المتوارية من اللذائذ الكامنة في أتون الجحيم.
وكلما استصرخ فلول شجاعته ليطفئ الشمعة الذاوية أطلَّت عليه من وراء الغيم بكلِّ كيانها الفخم، ومدّت ذراعيها بشغف قاتل لتطوِّق أشلاءه حتى يتوقف كل شيء عن الدوران.
ثم يعود من جديد في رحلة الشوق الطويلة.
كانت وما زالت تبعث من بؤرة ذاتها موجات متناسقة أثيرية مُرَكَّزة تدعم من وجوده الدنيوي الصاخب.
فهناك شيء ما خارج المستقبلات الحسية المعروفة لعلماء الجمال وقوانين العلوم التي تركبت عليها مفاهيم البشر، كان قد أدرك خفاياها فلعبها بدراية العارفين، وهي المستحوذة على مساراته، فبقي في خضم الأحداث المتلاطمة ينهل من وجودها المُستعر لظى السنين.
هذا هو ناموس الكون قبل انبثاق الحياة وربما بعد أن يتحطم الوجود على عتبة القيامة.
كان ينظر إلى صفحة الماء الممتدة أمامه كسماء لازوردية لا تعرف النهاية، وفي صدره أَحصِنة شُقر جامحة تروم الوثوب نحو الخلاص المبين.
وفي لحظة استجلاء قصوى اختصر فيها أحداثاً كبرى ودقائق صغيرة وَمَضت في وجدانه منذ انفجار وعيه الأول تشكلت أمامه جسداً نابضاً حياً ملتحماً بالوجود الأكبر.
الكلمات بأصواتها المتناغمة ورسومها المألوفة المطبوعة على صفحة الرمل المتلظي لا تعني شيئاً عندما تتداخل مفاصل الوجود في الذات الخالدة.
إن شيئاً ما أبلغ من الأشكال المرئية التي تلتقطها عدسات العينين وتُفَسِّرها تلافيف الدماغ. شيءٌ آخر أوسعُ بلاغة وأشمل سعة وأقرب التصاقاً من حدود النفس الغائرة في الأعماق، تلك المهيمنة على محاور الكون بأطرافه القصية.
شيءٌ لا يمكن تعريفه أو إدراكه بحواس بشرية مألوفة.
لقد كان مأخوذاً بِكُلّيته، منصهراً في وجدٍ صنعته الأقدار، لردح زمن لا حدود له، غير آبه بما ستؤول إليه أكداس الأحداث المتتالية ما دامت كينونته الحاضرة قد اختصرت كل شيء في بؤرة وجوده المتلألئ الوضّاء.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات