الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخر انا : صرخة على ابواب اللاعودة

حارث القرعاوي

2006 / 12 / 9
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن


الاخر انا ليس تلاعبا في الالفاظ بل حقيقة غير مرئية ، يكفي فقط كي تبصرها ان تضع نفسك في الطرف المقابل ، ان تفترض انك هو ، لتكتشف انه انت .
من ركام الخراب المستديم في هذه الارض ، وبين دخان الحرائق التي اشعلتها الضغينة والاحقاد المتبادلة ، يستطيع الانسان ان يدرك حقيقة ان الارض مهما رحبت ستضيق بنا ان ضاقت نفوسنا ببعضنا ، وانها بما ضاقت ستتسع لنا ان اخترنا التعايش عليها .
يعيش شعبنا اليوم ، بل قل يموت في كل لحظة ، وسط الدوران المتواصل لالة الدمار، تأكل الاخضر واليابس ، وتغذي كما تتغذى على الكراهية بين الطوائف والاثنيات ، طاحونة تدور لتسحق كل شئ جميل في هذا الوطن العريق ، ويغدو الناس فريسة القتل والقتل المقابل ، وتضيع الحقيقة مع ادعاء الكل امتلاكها ، وترتسم غمامة سوداء فوق كل المعاني حتى يصبح ادراك الواقع اصعب من الواقع نفسه . تبدا سلسلة الموت لحظة يضيق الافق ولايعود الانسان رائيا ابعد من لحظته ، تبدا عندما تصبح فكرة اختلافنا عن الاخر اقوى مما هي واشد تاثيرا من فكرة اشتراكنا معه ، ثم عندما نجرد الاخر من انسانيته ويصبح هدفا للتدمير والافناء . تبدأ دائرة الدمار بنسيان اننا لسنا وحدنا ، برغبة كل منا ان يبحر بالسفينة في الاتجاه الذي يريده ، دون ان يدرك ان للاخرين اتجاهاتهم وانهم يشاركونه ذات السفينة .
تبدأ المأساة برصاصة يطلقها انسان لم يحظ بفرصة ان يدرك ان العالم واسع بحيث يمكنه ان يسعنا جميعا ، وان الخلاص الذي ينشده يتلاشى لحظة اطلاقه الرصاصة مستبدلا برائته وانسانيته بوحشية ستمسخ ذاته والاخرين ، بعد ان فتح نافذة على الموت لن يكون هو من يغلقها . وهكذا تغدو الحياة موتا متواصلا ، والاستمرار بها منالا صعبا ، والنهوض بها استحالة مرة . يصبح الغد اكثر سوءا من اليوم كما كان اليوم اكثر سوءا من الامس ، لاتكاد تفتح بابا حتى تتسرب الى ثنايا دارك ونفسك رياح الكراهية وصراخ المتصارعين ، يقتلون بعضهم بعضا ، ويقتلونك لانك لست مع احدهم ، او لان احدهم تصور انك ضده ، او لانك مررت بالصدفة من شارع احدهم ، او ادركت لوهلة انك لاتنتمي الى احدهم ...
عندما يصبح القتل وسيلة الحياة بين المختلفين ، تنعدم المساحات الوسطى ويغدو علينا جميعا ان نتخندق باراداتنا ام بدونها ، فان لم نكن مع احد منهم سيضن الجميع اننا ضدهم ، انه عالم مجنون يتضائل فيه صوت العقل والتعقل وسط دوي الرصاص والانفجارات ، ينسى فيه الانسان لماذا يعيش عندما يعيش كي يمنع الاخر مشاركته الحياة .
ان نكون مختلفين ، هو جزء من كينونتنا مجتمعين ، فليس البشر نسخ مطابقة لبعضها ، والمشكلة لاتكمن في اختلافنا في الشكل او اللون او الخلقة ، ولافي اختلاف العقائد او الاديان او المذاهب او القوميات التي ننتمي اليها ، بل المشكلة تكمن في سوء تعاملنا مع اختلافنا ، في انكارنا حق الاخر بان يكون مختلفا رغم احتفاظنا بحقنا في ان نختلف عنه ، في تجريد حوارنا من المنطق والتعقل والاستسلام للاحكام المسبقة التي تصور الاخر شريرا وتصورنا وصايا على الخير والخلاص ، والحقيقة هي ان الاخر يحمل ذات التصور ، ولايحول دون ان نصطدم ببعضنا البعض الا سواتر يبنيها المتعقلون الذين يدركون ان هذا الاختلاف ليس بالضرورة تناقض ، وهو لايؤدي بالضرورة الى احتراب ، ولكن عندما يتراجع صوت العقل ، ويسود الجهل او التجاهل ، ويتراجع العقلاء عن الصفوف الامامية ، وتسلم المقاليد الى اصحاب النظرة الضيقة ، وتسود الشارع ديماغوجية المتعصبين ، تفقد المجتمعات بوصلتها ، وتعتاش على موتها ، يتوقف الزمن عن سيره الطبيعي ، لتنطلق عجلة النكوص والعودة الى الوراء ، يصبح الموت رفيقا معتادا وحدثا عاديا ، وتنفض عن الحياة كل معانيها المعروفة ، والخوف سيد الساحة ، والهاجس الصعب ان نطوي يومنا هذا بحثا عن يوم اخر ، تفقد الطفولة برائتها ، وتنطوي مظاهر الجمال ، تغدو المدن اطلال نفسها ، ويتوقف التاريخ الا عن احصاء اعداد الضحايا ليكونوا مجرد رقم في ذاكرة المستقبل ، والمستقبل يبدو كلمة بلا معنى عندما يصبح الماضي حكما مطلقا ...
وفجأة نستيقظ نحن ، او اجيال اخرى تنفذ من طاحونة الموت ، على مفترق ندم بغيض ، ونتمنى لو ان الزمن قد عاد لنصحح خطأنا ولنمنع بكل مااوتينا من ارادة تلك الرصاصة الاولى من ان تنطلق ... لنتذكر قبل ان نندم ، وقبل ان نخطو الخطوة الاخيرة عبر ابواب اللاعودة ...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا