الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألعنف و تسويق الجهل :

عزيز الخزرجي

2024 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


العنف وتسويق الجهل

تُشير أغلب الإحصاءات، المعتمدة رسميًّا من جهات حكوميّة عربيّة، ومن جهات دوليّة و أممية، مثل منظمة اليونسكو التابعة لهيئة الامم المتحدة؛ الى أنّ العالم العربي يقف دائماً في ذيل قائمة الأمم القارئة للكتب سواءاً في الجانب الأبجدي (العلوم الطبيعية و الأنتجانية) أو في (الجانب الفكري -الفلسفي الذي يولّد الحضارة الراقية) و سنبيّن الفرق بين الجانب الأبددي و الجانب الفكري - الثقافي إن شاء الله بعد المتن التالي!؟

و بناءاً على تقرير صادر عن (منظمة اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة في شباط 2023م ؛ ينشر العالم العربي و يطبع في (22 دولة عربية) 1650 كتابًا سنويًا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة الامريكية 85 ألف كتاب سنويًا!!؟

العالم بركان ثائر يضرب بحممه الشعوب التي لا تسعى لبناء نفسها و تحصينها على صعيد التمدن و الحضارة, و بآلتالي لن تستطيع ألمشاركة في بناء الحضارة, و الحال أن معظم الشعوب العربية ليست عاجزة عن ذلك بل و تحاول الإحتيال و الخضوع للحصول على آلأموال الحرام بطريق أو بآخر و هكذا الشعوب كراتب حرام أو رواتب مليشياوية أو حزبية وووو غيرها لتقوية نفسها دون المساواة بين الجميع و حماية الوطن .. و لك أن تقيس مدى الأنحطاط و التدني في كل شيئ بسبب تلك الثقافة الناقصة و المبتورة .. لأن الثقافة الكونية أساس كل شيئ و الشعوب تجهلها , و نحن قد عبرنا كل الخطوط الحمراء بنسفها و إخترنا ألانانية و الموت للأسف ..

و إليكم الأحصائيات التالية التي تدلل على ما أشرنا إليه بشكل محزن و خطير :

تعيش المجتمعات العربية منذ عقود طويلة سلسلة من الأزمات التي أدت إلى التراجع على كافة الأصعدة، ولعلّ أخطر هذه الأزمات أزمة الانحطاط الثقافي الذي يعاني منها المجتمع العربي، فأين نحن مما قيل عن صحبة الكتاب؟ لم يعد شعار المواطن العربي وما لبس أن هجر الكتاب وعزف عن القراءة، فتاهَ وضاعَ وأصبح متسوِّلاً مُكتفياً بالإقبال على ثقافات الآخرين التي لم تزده إلا ضعفاً ومذلةً، ولم يدرك أنّ العالم بركان ثائر يضرب بحممه كل الشعوب التي لا تسعى إلى المشاركة في بناء الحضارة.

أمة اقرأ لا تقرأ :

كما يعرف أكثر المسلمين و العالم, بأنّ أوّل أمر إلهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية نزول الوحي هو [اقرأ]، فلماذا ﻻ‌ ﺗﻘﺮأوا يا أمة اقرأ؟

أصبحنا أمة جاهلة و غبيّة و ضللنا الطريق، فإحصاءات القراءة في الوطن العربي مخيفة جداً فهي تعطي انذارٌ خطير عن حالة التدهور الثقافي و الفكري الذي يعيشه المواطن العربي و في إزدياد بسبب تسلط حكومات جاهلية لا تعرف الفرق بين العلم و الجهل ؛ بين الثقافة و الأختصاص ؛ بين الفلسفة و العلم, و هكذا, و قد سألت بنفسي الكثير من الوزراء و المسؤوليين و النواب و حتى أساتذة جامعات؛ لكنهم لم يجيبوا بشكل صحيح, و لك أن تتصوّر مدى الأنحطاط الذي سيصيب عالمنا و شعوبنا بعد عقود لا أكثر!؟

و وفقاً لتقرير اليونسكو فإنّ أعلى نسبة أمية(1) في العالم تتواجد في الوطن العربي، و القراءة هي من آخر اهتمامات المواطن العربي، فهناك 60 مليون أمّي عربي و 10 ملايين طفل خارج المدرسة، و يشير التقرير ذاته, إلى أنّ الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنوياً، بينما الطفل الأميركي يقرأ 6 دقائق يومياً, بغض النظر عما إذا كانت قراآت ثقافية و فكرية أو إختصاصية, فتلك هي مصيبة أكبر كما أشرنا آنفاً .

نشرت الأمم المتحدة في تقرير لها حول عادات القراءة في العالم، فكانت النتائج مخزية فيما يتعلق بالبلدان العربية، فمعدل ما يقرأه الفرد في أرجاء العالم العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط.

وأظهر تقرير أصدرته مؤسسة الفكر العربي أنّ متوسط قراءة الفرد الاوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق سنوياً.

و حسب إحصاءات (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) (الألسكو), فإنّ العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مئة (100) كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية، علماً بأنّ هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتاباً لكل خمسة آلاف (5000) شخص.

و قُدّر عدد المُدونات العربيّة بحوالي 490 ألف مدونة، و هي نسبة لا تتعدى 0.7% في المئة من مجموع المدونات في العالم.

و جاء في تقرير المعرفة العربي لعام 2009 أن إنفاق الوطن العربي على (البحث العلمي و التحقيقات و التوسعة الصناعية و الزراعية) هو من الأدنى عالمياً بالنسبة إلى الناتج المحلي للبلدان العربية.

ولأنّ الأرقام لا تكذب؛ و لأن نتائج الدراسات مخيفة، لا بُدّ لنا من أن نستدرك هذه الكارثة بأسرع وقت ممكن !
فهل نستطيع ذلك؟
لأن عالمنا على شفا حفرة من النار بسبب تسلط الأحزاب و اللوبيات على مسانيد الحكم و الدستور .. فحتى تطبيق القوانين لم تعد بشكل صحيح و عادل و العلة ترجع أيضا إلى تشوه أو فقدان الثقافة في طبقة الحكام و في السياسيين خصوصاً!؟

تعاني الثقافة في العالم، بشكل عام، و في البلدان العربيّة بشكل خاص، من انحدار مريع، مع تهدم و تزلزل البنى التحتية الاجتماعية والسياسية و الفكرية، في معظم الدول العربيّة، واختفاء أهم المؤسسات المدنية الفاعلة و مراكز التحقيقات العلمية و الفكرية و المؤتمرات و المنتديات الفكرية .. و تشوه تركيب المجتمعات، بزوال الطبقة المتوسطة، و ظهور طبقة طفيليّة ساعدت على انقسام المجتمعات العربية طائفيّاً و إغراقها في طقوس غيبيّة مشوّهة أساسها الشعوذة و السحر بحيث وصلت الأمور حدّاً بدأت الجامعات فيه بإعطاء شهادة الماجستير و الدكتوراه لدارس السحر و الشعوذة و تأثير الفلفل المضاف لبعض الأغذية كآلدولمة و التشريب(تمّن على قوزي)، و يترافق كل ذلك مع التدهور في الحياة الاقتصادية و الأخلاقية، لأغلب البلدان العربية، و عيش العديد منها على عوائد النفط فقط، و تحولها الى بلدان استهلاكية وغير منتجة لأي بضاعة أو منتوج.

في الجانب الآخر، نجد أنفسنا، في العديد من البلدان العربية، نقف أمام حقيقة مريعة، هي تحول غالبية العاملين في حقول الثقافة و الأدب - ناهيك عن الفلسفة المحذوفة - الى موظفين في الأحزاب و الدّولة، و غياب وتغييب لدور المثقفين العضويين، فيوفر الفرصة لبروز جمهرة من المتثاقفين أو (أنصاف المثقفين) أو ما يسميه البعض بـ (المثقفين نص ردن) أصحاب ثقافة الوجبات السريعة، و نجوم مواقع التواصل الاجتماعي، مع غياب أطر ثقافية فاعلة قادرة على خلق نهضة ثقافية، و استمرار معاناة المثقفين الحقيقيين ناهيك عن المفكريّن و الفلاسفة مع تسيّد الأنظمة القمعيّة و أذرعها البوليسية ألمليشيات وأجهزة ألأمن القمعية، التي تفرض قيوداً و شروطاً لا عدّ لها حول أيّ نشاط ثقافي أو فكري يتعارض مع منطلقاتها الحزبية و المذهبية و الايديولوجية، يترافق هذا مع انتشار الأميّة الفكرية إلى جانب الأبجدية التي أتخذت منذ عقود منحىً خطيراً بشراء الدرجات العلمية حتى الدكتوراه بآلأموال، و هكذا تدهور أوضاع التعليم و إنخفض للحضيض، بل وانحداره في بعض البلدان العربية إلى أقصى الحدود!؟
و مشكلة هذه الشهادات كما الشهادات الجامعية العادية لا تقتصر على مستواها العلمي و ما قد يقدمه في مجال مهنته و أختصاصه فقط؛ بل خطورتها و مصيبتها العتظمى تكمن في أن الجوّ العام و حتى طبقة (النص ردن) أنصاف المثقفين يعتبرون تلك الشهادات الدولارية والدراسية؛ بكون أصحابها مثقفين و يمثلون الطبقة المثقفة و العلمية في المجتمع!!
و هذا هو الخطر الأكبر لأن الشهادة الجامعية تعتبر ورقة تثبت بأن صاحبها يتقن مهنة معينة في الصناعة أو الزراعة أو الطب أو غيرها لا أكثر .. و الثقافة و الفكر مسألة أخرى تتوقف عليها مسار الحضارة و رقيّها !؟

و بنظرة سريعة لوضع و مستوى آلسياسيين و أعضاء الأحزاب الموجودة في الساحة و الحكم ؛ يتبيّن لك مدى الكارثة و الإنحطاط و ما يسببوه من تخلف و كوارث على كل صعيد حتى على صعيد المعيشة و لقمة العيش المادية .. ناهيك عن الجانب الثقافي و الفكري و الفلسفي, و من خلال مجمل اللقاآت و المناقشات التي تعرضها القنوات الأعلامية بما فيها الفضائيات .. يتبيّن لك بوضوح ما أشرنا له للأسف!؟

هكذا تحولت القنوات الفضائية، المتكاثرة مثل الفطر كما يقولون، الى المصدر الأهم للمعلومات و لأفكار آلمواطن العربي و تحديد توجهاته عبر تطبيق نظرية التأطير الإعلامي عمداً أو من باب تحصيل حال، فمنها يتلقى المعلومات والأفكار، عبر ما تقدمه وتسمح به الأنظمة الحاكمة و مؤسساتها الرقابيّة، من برامج و مسلسلات سطحية تمثيليّة وأغان، تنشر ألعنف و الأفكار الظلاميّة والسطحيّة. هكذا أصبحت مصادر المعرفة بالنسبة للمواطن العربي محدودة للغاية، وصار يتلقى باستمرار جرعات من التفاهة و السفاهة عبر ما تقدمه له وسائل الأعلام و الفضائيات خصوصاً من مسلسلات تلفزيونية تسهم في تشكيل، وعيه وتربية ذوقه وقيمه بإتجاه العنف و الإستغلال و النفاق و الضلال و التيه .. و إن المدير القائم بتنفيذ ذلك من فوق يعرف ما يفعل من نشر التفافة و الشكليات لتخدير عقول العامة كي يسهل التسلط عليهم و سرقتهم بشكل قانوني!

إذن ما توصلنا إليه و كما هو واضح : هي أن سبب العنف و الفساد و الفوارق الطبقية هو الجّهل و نبذ القراءة و محاصرة و تجويع و قتل أهل الرأي من المثقفين الحقيقيين و الفلاسفة من فوقهم و لله المشتكى و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز حميد مجيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) طبعا حتى علماء هيئة الأمم المتحدة لا تعرف بدقة الفرق بين العلم و الثقافة ؛ بين الأختصاص المهني و بين الثقافة العامة من ناحية نتائجها و إفرازاتها, و هنا تكمن الخطورة بأجل و أخطر صورة .. لأنها هي السّبب, أو تشارك على الأقل في تخريب و تشويه القيم و عقوق الناس حتى المتعلمين منهم!
و لمعرفة الفرق بين الأميّة الفكريّة و الأميّة الأبجديّة يمكنكم مراجعة كتاب (فلسفة الفلسفة الكونية), خصوصا كتاب (محنة الفكر الأنساني) (والجذور الفلسفية للمدارس السياسية) و بعض الأسئلة من [الأربعين سؤآل], و غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد