الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«تمخض الجبل فولد فأراً»

مصطفى فاضل

2024 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أيام من التهديد والوعيد، شرع الزمان أبواب واقعه ليكشف لنا الحقيقة، فبعد تمخض طويل لم يلد جبلهم نهراً مدراراً بل فأراً. فحماس المتفائلين بأن إيران ستذيق إسرائيل الويلات تحول إلى انكسار داخلي كتموه قدر المستطاع. فمن ذا الذي يخبرهم أن هذا الانكسار لن يكون الأخير، وإن الصدمات ستتوالى عليهم. فشعار «سنمحو إسرائيل من الوجود»، الذي يردده قادة إيران منذ محاولات تصدير ثورتهم الإسلامية بعد إسقاط النظام الملكي، يظهر بشكل متكرر على أنه مجرد دعاية فارغة، تختنق في براثن الواقع، وتتبدد أمام أعين العالم.
الأحداث الأخيرة كشفت حجم التهاون الإيراني تجاه إسرائيل، الذي أفقدها ما تبقى لها من كبرياء سياسي. فمنذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، استهدفت إسرائيل قادة الرعيل الأول لطهران داخل مناطق نفوذهم، بعمليات «عسكرية-استخباراتية» دقيقة أظهرت حجم الاختراق الذي زرعته إسرائيل داخل النسيج العميق للنظام الإيراني.
وتؤكد هذا الاستنتاج ثلاث عمليات اغتيال نفذتها إسرائيل بحق أبرز قادة إيران خلال تلك الفترة. العملية الأولى كانت في ديسمبر من العام 2023، قضى فيها مسؤول الإمدادات لقوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا العميد «رضا موسوي»، بضربة صاروخية إسرائيلية على منطقة السيدة زينب. ويعد موسوي من كبار المستشارين القدامى في سوريا، وأحد المرافقين المخلصين للقائد السابق في فيلق القدس «الذراع العسكري للحرس الثوري الإيراني في الخارج»، «قاسم سليماني»، الذي أزهقت حياته ضربة جوية أميركية في بداية عام 2020.
أما عملية الاغتيال الثانية، فكانت في يناير الماضي، راح ضحيتها «حجت الله أميدوار»، مسؤول استخبارات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في سوريا، بغارة جوية استهدفت مبنى سكنياً في حي المزة بدمشق كان متواجداً فيه. هذه العملية تعطي تصوراً واضحاً عن طبيعة الاختراق في عمل الاستخبارات الإيرانية.
وفي مطلع أبريل الماضي، وقعت عملية الاغتيال الثالثة، التي قتل فيها العميد «محمد رضا زاهدي»، أحد أبرز قادة فيلق القدس في سوريا، بضربة جوية استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق. بتعدٍ سافر على سيادة طهران. فالسفارة بدمشق تعتبر أرضاً إيرانية وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة عام 1961، واستهدافها يعتبر استهدافاً للبلد الأم وتعدياً على القوانين والأعراف الدولية. بعد هذا الاستهداف توترت المنطقة الإقليمية، وعلى الرغم من محاولات إيران تجنب التصعيد خلال الفترة الماضية، إلا أن الأمور تفاقمت، ووجد نظام الملالي نفسه محرجاً أمام المجتمع الدولي بعد انتهاك سيادته، وقتل قادته، مما دفعه للرد. وخلال العشرة أيام الأخيرة التي سبقت تنفيذ طهران لقرار الرد، تصاعدت التوترات والتهديدات بين الجانبين، استخدمت خلالها إيران ببراعة وذكاء ورقة الحرب النفسية، ليس لإسرائيل وحدها التي تراقب كل ما يصدر من طهران إنما للعالم بأسره. ومع تزايد قلق جميع الأطراف الدولية تجاه مستقبل الأحداث في المنطقة، وتسرب معلومات موثوقة حول احتمال اندلاع صراع مفتوح بين البلدين سيجر المنطقة لحرب شاملة لا تبقي ولا تذر من أرواح البشر أو الحجر، وفي اللحظات الأخيرة من حجيم التوتر المتصاعد، دقت ساعة الصفر الإيرانية في الثالث عشر من أبريل الجاري، لتعلن دخول المنطقة مرحلة جديدة من الصراع، وذلك بتغيير المعادلة الاستراتيجية السائدة لسنوات، فإيران المتسترة خلف أذرعها بجميع عملياتها العسكرية في المنطقة، تمثل اليوم رأس الحربة في هجومها العسكري على إسرائيل، ضف أيضاً أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لهجوم منظم داخل عمقها الاستراتيجي تشنه دولة أخرى منذ الضربات الصاروخية التي شنها العراق عليها إبان حرب الخليج الثانية منذ أكثر من ثلاثة عقود. وفي هذا انتصار نسبي لإيران.
إلا أن الانتصار الأكبر كان لإسرائيل بمساندة سلاح الجو الأمريكا والبريطانيا والفرنسي والأردني، حيث نجحوا مجتمعين بمشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في اعتراض نحو «99 بالمئة» من المقذوفات الإيرانية البالغ عددها نحو 300 مقذوف حتى قبل وصولها الأجواء الإسرائيلية. حيث أطلقت إيران وأذرعها في العراق وسوريا واليمن 185 مسيرة و36 صاروخ كروز و110 صاروخ باليستي «أرض-أرض»، واستمر الهجوم لمدة 5 ساعات متواصلة من الترقب والتصدي. لم يتمكن سوى عدد قليل من الصواريخ الباليستية من اختراق الأجواء الإسرائيلية، مما أسفر عن حدوث أضرار طفيفة في قاعدة «نيفاتيم» الجوية في بئر السبع، وإصابة طفلة بجروح بالغة. بينما فشلت المسيرات وصواريخ كروز في تجاوز الدفاعات المشتركة لسلاح الجو، وذلك بإسقاط أغلبها في سماء سوريا والأردن، ومن نجا منها تكفلت به الدفاعات الجوية الإسرائيلية متمثلة بالقبة الحديدية ومقلاع داوود. وبالتزامن مع الهجوم الإيراني أطلق حزب الله اللبناني صواريخ كاتيوشا على مقر للجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل.
يسجل هذا الرد ضمن سلسلة مسرحيات شاركت في تنفيذها أمريكا وإسرائيل وإيران ذاتها، وهو مشابه كثيراً للرد الإيراني على الولايات المتحدة الأميركية عقب اغتيالها سليماني في العام 2020. ما يشير لهذا الاستنتاج كلمة وزير خارجيتها «حسين أمير عبد اللهيان» خلال اجتماعه مع سفراء أجانب في طهران بعد مرور ساعات قليلة على الهجوم الذي شنته طهران، حيث أكد «أن إيران أبلغت الولايات المتحدة بأن هجماتها ضد إسرائيل ستكون "محدودة" للدفاع عن النفس، وأضاف أن طهران أخطرت جيرانها قبل 72 ساعة من الهجمات على إسرائيل».
والسؤال الأكثر إلحاحاً لماذا بدأت إيران هجماتها بالمسيرات التي تحتاج ساعات للوصول إلى أهدافها، مما منح الجانب الإسرائيلي الوقت الكافي لاتخاذ التدابير اللازمة لصدها، وتحشيد سلاح جو الحلفاء لمساندته في الدفاع الجوي، بينما كان بإمكان إيران بدء هجماتها بإطلاق صواريخها البالستية التي تصيب أهدافها في غضون دقائق معدودة دون إعطاء إسرائيل الوقت الكافي للتصدي. فلماذا تكون الهجمات الإسرائيلية خاطفة ولا يعلم عنها أحد إلا بعد تحقيق غرضها، بينما إيران تخبر العالم أجمع بموعد ومكان وطبيعة الهجوم. فخيوط اللعبة واضحة المعالم.
خلاصة القول، إن الأحداث الأخيرة كشفت هشاشة الاستقرار في الشرق الأوسط، وسهولة انزلاقه في حرب شاملة. مع نية اليمين الإسرائيلي المتطرف إشعال المنطقة بشتى الوسائل، خلافاً للرغبة الأمريكية التي تريد إخماد الصراع وعدم جر المنطقة لحرب إقليمية مدمرة. ناهيك عن تعري الأيديولوجية الإيرانية، التي نادت بها منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، واضعة شعار «تحرير القدس» بوصلة سياستها الخارجية كما تدعي، بسبب تجاهلها للمجازر الإسرائيلية ضد الغزيين خلال الستة أشهر الماضية، التي أودت بحياة أكثر من 33 ألف قتيل و76 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى دمار غزة بالكامل. فرغم هول هذه الأرقام، إلا أن إيران لم تحرك ساكناً ضد إسرائيل، ولم تطلق رصاصة واحدة. زد على ذلك تبرأها من الهجمات التي شنتها الفصائل الموالية لها في دول نفوذها ضد الكيان، بما في ذلك هجوم السابع من أكتوبر الماضي، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «ناصر كنعاني»، «أن القرارات والأفعال التي تقوم بها هذه الفصائل تعكس مبادئها الخاصة، وليست بتوجيهات مباشرة من إيران». بعد كل هذا، ألم يحن الوقت لندرك أن إيران ليست سوى دولة «عادية» تبحث عن مصالحها الخاصة، وأن شعاراتها لا تمثل سوى واجهة تستخدمها لخدمة أجندتها السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية