الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين العبثية والأديان

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 4 / 18
الادب والفن


لقد تعود الإنسان على الحياة والنمو داخل هذه الحاضنة الزجاجية، ولا أحد له الحق أو القدرة على الخروج وإجتياز حواجز وحدود المكعب الإجتماعي الذي يحاصر البشرية في أغلب المجتمعات المعاصرة. تشرق الشمس من جهة الشرق، وتختفي في نهاية النهار من جهة الغرب، حيث يتناول المواطن عشائه المعتاد ويشاهد الأخبار ثم بعض المسلسلات الرخيصة ثم يتهاوي قبل منتصف الليل على سريره بعد أن يعدل المنبه على الساعة السادسة صباحا، حيث يبدأ يومه الجديد المماثل لليوم السابق، الدوش، الإفطار، أخذ الأطفال إلى المدرسة .. ثم المصنع أو الشركة أو الإدارة أو أي مكتب آخر، إما إذا كان بلا وظيفة وبلا مكتب فعليه يختلق مكتبا وعنوانا ووظيفة وأن يتظاهر بالذهاب إلى المكتب أو الورشة أو أي مكان آخر يبيع فيه طاقة عمله الجسدية أو الفكرية أو كلاهما. واللعبة تتواصل وعجلة الزمن تدور وتدور إلى ما لا نهاية. هذا السيناريو الرديء هو ما يسمى عادة بالحياة. غير أن هناك من يسمي هذه المسرحية بالحياة العبثية، نظرا لغياب المعنى وتفاهة فصول المسرحية بأكملها ورداءة الأداء والإخراج. ولكن الحقيقة تكمن في أن العبثية ليس إعتبار هذا المشهد الكوني برمته لا معنى له، وأنه ليس هناك أي شيء يمكن أن يبرر أي شيء وأن الكل هباء وغبار ووهم ضبابي سينتهي كفقاعة من الصابون، هذه النظرة المتشائمة لا يمكن نعتها بالعبث أو العبثية، لأنها نظرة واقعية وعقلانية لدرجة الموت. وربما يجب إعتبار العبثية في الرؤية المثالية المتداولة في عالمنا الموبوء، العبث الحقيقي هو تظاهر الإنسان بأن ضجيج العالم وزخم الحياة له معنى وهدف وغاية محددة ومعلومة، وأن كل ظاهرة كبيرة أو صغيرة، من الكواكب والمجرات إلى الذرات والإلكترونات والأجسام اللامرئية هي نتيجة خريطة دقيقة ونتيجة تخطيط مهندس إلهي متناهي بعد النظر وله هدف وغاية لخلق هذه المسرحية الرديئة. هذا هو ما يمكن تسميته بالعبث الأصلي والحقيقي، حيث يدفن الإنسان رأسه في الرمال ويغلق عقله بالمفتاح ثم يقرأ آية الكرسي أو البقرة أو الخروفن كلما واجهته أية عقبة أو موقف جديد لم يواجهه من قبل ويكرر بآلية مفزعة لا حول ولا قوة إلا بالله. العبث ليس غياب الهدف وإنما إختلاق أهداف وهمية وخيالية لتبرير هذا الغياب وبنائه وبناء هذه الشخصية المقدسة اللامتناهية القدرة، هذا المهندس والمخطط اللامرئي والغائب عن الأنظار. ذلك أنه بخصوص هذا المنطق العبثي، هدف الحياة ومعناها العميق قد يغيب عن أنظارنا ويتجاوز عقولنا المحدودة، ولكننا لا بد من الإعتراف والإيمان والتسليم ببديهية مقدسة وهي عدم وجود أي شيء في عالم الإنس أو الجن بالصدفة أو بدون سبب، لكل علة معلول والبعرة تدل على البعير ولا كائن بدون مكون. وفي نهاية الأمر حتى الصدفة والعرضية واللاضرورة هي ذاتها تخضع لبرنامج ومشيئة صاحبنا هناك في علوه الشاهق متدثرا بالسحب البيضاء، يراقب مخلوقاته البشرية التي تبدو كالنمل تحت قدميه ويستطيع في أي لحظة أن يسحقهم بأقدامه العملاقة. بطبيعة الحال، لن نعود لتحليل الأديان وفكرة الله والقوة اللامتناهية والعوالم الغيبية إلخ، وإنما نذكر بأن فكرة الله هي أضخم وأوضح فكرة عبثية خطرت على ذهن وعقل بشري، وأن الميثولوجيا الدينية والقصص والخرافات المنتشرة في ما يسمى بالكتب السماوية، يمكن إعتبارها من أكثر أنواع الأدب الخارق – أو الفانتاستيك – نجاحا وتشويقا. بل يمكن إعتبار قصص الطوفان وسفينة نوح وعصا موسى التي تشق البحر وتبتلع الأفاعي والبراق والإسراء والمعراج وأهل الكهف وبقية النصوص نوعا من أدب العبث وإرجاع هذا الإنتاج لأدب اللامعقول، لو لم تكن نصوصه ذات أسلوب ركيك ومكرر وتفتقد إلى الوميض والحرارة البشرية للآداب المعاصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7


.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح




.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال


.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل




.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع