الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ظهري أوهى من غيمة- لسعاد الخطيب

كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)

2024 / 4 / 18
الادب والفن


منذ فاتحة مجموعتها الخامسة "ظهري أوهى من غيمة" الصادرة حديثا، تتماثل هواجس الشاعرة سعاد الخطيب مع سجيَّة فلاحة في بيانها الشعري: "فهي تمضي حافية في أرض محروقة، ولا تعود إلى البيت، ولا تتناول من قدر العائلة، وربحها هو العنب الذي أهملته سكَّة المحراب".
ويحيلنا البيت إلى الجدران المسوَّرة للغرف، والسقوف المغلقة عليها، وما فيها من سلطات وضوابط وقيود جماعية، وكذلك إلى البيت الشعري بصدره، وعجزه، وموازين تفعيلاته، وزحافاته، ورويّه وقوافيه، ودوائره العروضية، وقبائله وسلالاته وأنساله. وتتعدَّد ملامح البيوت بتعدّد حارات القراءات النقدية، غير أن الفضاء المنشود هو الشغف بالحريَّة عبر البحث عن المختلف، في الوسط السائد المؤتلف.

والشاعرة التي تكثّف الحالة واللغة بدلالات غنيّة، بثلاثة مقاطع صغيرة، تشي بين اللاعودة إلى عشاء قدر العائلة، وبين فوات قدر العائلة، بنصيبها: "يلتوي كاحلي/ أصاب بعقبي/ أهمي في البياض كلما عبرت/ من سطر إلى آخر/ أيَّ لعنة أنجبتها القصيدة؟!" ويمكن اعتبار هذا "بيت القصيد" فالتواء الكاحل في البياض (الصفحة) يقابله محو أثر القدمين في الأرض المحروقة، " والريح فيها كزوجة الأب" لاكتمال التراجيديا. فلماذا اللعنة على ما أنجبته القصيدة؟ ألأنَّها بنت الآلام والأوجاع؟ وماذا عن قصائد الحب والوجدان وأعماق النفس وتأملات الوجود؟! والمجموعة حفلت بخمسة وخمسين عنوانا مبتكرا منها.

التواء الكاحل وإصابته شعريَّا عند سعاد الخطيب يوصلها إلى "لعنة القصيدة"، غير "كعب آخيل" في الأسطورة اليونانية، إذ كان على أمه أن تغطّسه في مياه نهر سيتكس، كي يصبح من الخالدين، لكنها أمسكته من كعب أحد قدميه، فكان المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء، فأصبح بذلك نقطة ضعفه، إلى أن قتله سهم باريس ابن ملك طروادة منه. ورغم البعدين الزمني والتعبيري إلا أنهما يتلاقيان في الضعف الإنساني، وهو ما تحمله المجموعة من عنوان، وهو ذاته يتوسَّط ضفاف سبع وتسعين صفحة، وفي مقاطع منه تقول: " في الحرب/ لستُ أوديب في التورية/ لم أسمل عينيَّ في نشرات الأخبار/ تناولت بهما المجزرة/ بنهم بومة/ في الحرب/ لست امرأة بما يكفي/ لأقترف نشوة من دون عوائق/ تطرح جثثا مجهولة الأم/ تحت قميص النوم/ كان ظهري أوهى من غيمة/ وأنت جمر الحرب/ تطعنني بعلامات الترقيم/ تطفئ روحي بالتقاء الساكنين/ الوردة في بيت الهجرة/ تجفُّ... تجفُّ... تجفُّ... تسمَّمت بالذكرى"
وفي ذاكرة الميثولوجيا الإغريقية أنَّ أوديب ملك طيبة حقَّق نبوءة أنَّه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه، وبالتالي يجلب الكارثة لمدينته وعائلته، وعند سعاد فإن أوديب الذي تلبَّست مأساته ظاهريَّا ليس مخفيَّا، وعند الكارثة لم تفقأ عينيها، حتى وهي في منفاها عبر نشرات الأخبار.
محاور رئيسية وأخرى فرعية نسجت في ألوان متباينة في المجموعة، أولها الآثار التدميرية إنسانيا على الناس والذات في الحرب بما في ذلك اللجوء، واقتلاع الجذور لتغرس في غير تربتها، وثانيها التحولات النفسية بين مجتمعين وبين زمنين وبين ثقافتين، وبين دوري الأم والمرأة، وثالثها منمنمات من الذكريات وفسحات من التأمل والحب:
"الأشخاص العاطلون عن الحب/ يأتي الشرُّ من مكمنهم/ لا تصدقوا العاطفة/ مبللة بالهداية والخشية/ لا تصدقوا سيل الثرثرة/ يجرف في طريقه الفرح والرعشة/ لا تصدقوا الفضيلة/ تلمع سكاكينها بملاءات الحب/ لا تصدقوا الغواية متسترة في التضحية/ لا تصدقوا إلا فرح الجسد بالجسد/ من يجرؤ على سؤال الجسد؟/ الرعشة كم حب سقاها؟".

سعاد الخطيب شاعرة وفنانة سورية من السويداء، بكالوريوس في النقد والأدب المسرحي، درست الفن التشكيلي في سورية والسويد. تقيم حاليا في السويد مع عائلتها الصغيرة بعد الكارثة السورية. بداية انطلاقتها الأدبية بمسرحية "الخزّان" عن دار الشموس في دمشق 2001، وفي رحلتها الشعرية خمس مجموعات هي: "مكاحل" إصدار خاص 2002، و"نشفي الموت بالمنمنمات" عن دار خطوات بدمشق 2007، و"عتبة النقص" عن دار الروسم في بغداد 2015، و"وردة ثرثارة في المقبرة" عن دار موزاييك 2023، و"ظهري أوهى من غيمة" عن دار هنَّ في القاهرة 2023. شاركت في كتاب باللغة الألمانية مع مجموعة من الكتاب 2018. عملت في متحف الفن المعاصر في مدينة أوبسالا السويدية. ترجمت قصائد لها إلى السويدية في سياق مشروع شعري مسرحي. وكانت المدير الفني بمركز محاكاة للدوبلاج، ومعدة برامج في سبيس تون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع