الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متطلبات إصلاح العملية السياسية الجارية في العراق ( 1 )

آدم الحسن

2024 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


عند انطلاق عملية سياسية في أي بلد فإنها سرعان ما تكون بحاجة الى تطوير و إصلاح مستمر , لا بد أن تعتمد إجراءات الإصلاح و تنفذ وفق سياقات دستورية و إلا ستكون عملية التغيير ليست إصلاحا بل انقلابا غير دستوري على العملية السياسية و انحرافا لمسارها , لذلك فالدستور إن لم يكن مرنا يتقبل عملية الإصلاح فسوف يصل الوضع في البلد الى طريق مسدود كنتيجة طبيعية لحالة الاختناق السياسي .
يبدو أن الوضع الحالي في العراق قد وصل الى مرحلة الاختناق و الى نهاية الطريق المسدود , إذ ليس هنالك سياقات دستورية بموجب الدستور العراقي الحالي تسمح بتطوير و إصلاح العملية السياسة الجارية في العراق لأن دستوره غير مرن و ليس فيه مخرج لإجراء إصلاحات جوهرية .
بتخطيط و إرادة المحتل الأمريكي الذي استخدم خبرته العالية في اساليب فرض الهيمنة و استغلالا لحالة العراق في فترة ما بعد الاحتلال تم صياغة مكونات الدستور العراقي الحالي الذي أدخل الحالة السياسية في العراق داخل شرنقة الاختناق السياسي التي يصعب الخروج منها .
وفق سياقات الدستور العراقي الحالي يمكن إجراء بعض الإصلاحات و هنالك إصلاحات جوهرية أخرى لا يمكن شمولها بالإصلاح فالباب مغلق امامها , فالمادة 142 – رابعا من هذا الدستور هي السبب وراء استحالة اجراء اصلاحات جوهرية و منعت من ازالة الألغام العديدة المنتشرة في بنود عديدة منه دون موافقة الأحزاب القومية الكوردية , فقد اعطت هذه المادة ما يشبه حق النقض ( الفيتو ) لهذه الأحزاب , فبدون موافقتهم لا يمكن إجراء أي تعديل دستوري جوهري و صار بسببها هذا الدستور جامدا غير مرنا , فنص هذه المادة :
" يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين و إذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر . "
لأسباب تعود الى عهد النظام السابق و بمساعدة و حماية القوات الأمريكية تمكنت الأحزاب القومية الكوردية من بسط سيطرتها بشكل شبه كامل على محافظات إقليم كوردستان الثلاثة ( أربيل و السليمانية و دهوك ) و بذلك اصبحت موافقة الأحزاب القومية الكوردية شرطا لإجراء أي تعديل دستوري , فأن أكثر من ثلثي المصوتين في هذه المحافظات الثلاثة سترفض بالتأكيد التعديلات الدستورية إن رفضته الأحزاب الكوردية المهيمنة على الإقليم , لذا فأن هذه المادة هي احد الأسباب الأساسية وراء شكوى معظم العراقيين من دستور بلادهم و لا يستطيعون تغيره و كانه صار عبئا عليهم و ليس مرجعا يستندون عليه لتنظيم حياتهم السياسية .
بعد أن تراجعت عقلية المعارضة لدى بعض قيادات الاحزاب الشيعية و منها قيادة حزب الدعوة بكافة اجنحته بدأت تظهر ملامح نهج وطني عراقي جديد لدى هذه القيادات يسعى الى اعادة بناء الدولة العراقية بعيدا عن المحاصصة الطائفية و العرقية و من ابرز هذه الأجنحة جناح نوري المالكي الذي اسس كتلة سياسية باسم " دولة القانون " , فكان تأسيس هذه الكتلة جرس انذار للأحزاب القومية الكوردية يحذرهم من خطر انهيار المسار المحاصصي للعملية السياسية الذي ساهم في تشكيله المحتل الأمريكي للعراق , لقد تصاعدت و برزت لدى تكتل الأحزاب الكوردية و خصوصا لدى الحزب الذي يتزعمه السيد مسعود البرزاني النزعة الانفصالية اكثر مما كانت عليه حيث اصبح هذا الحزب من اهم الأطراف الأساسية المعاكسة و المقاومة لعملية الإصلاح السلمي للعملية السياسية في العراق و راح يفكر برسم حدود اقليم كوردستان بالدم , حدود امتدت خارج الخط الأزرق لتضم الى الإقليم ما يشتهي من مدن و مناطق يعتبرها مناطق متنازع عليها .
لم يستطع المشروع الإصلاحي لكتلة دولة القانون من ايجاد ارضية و قاعدة راسخة لنموه و تطوره و سرعان ما انهارت هذه الكتلة بسبب الصراع السياسي و الطائفي و العرقي المحتدم بين اطراف العملية السياسية فعاد نوري المالكي للتخندق الطائفي من جديد و صار يتحدث بعبارات طائفية " ما ننطيها " , و قصد هنا أن الشيعة لن يسلموا سلطة العراق لطائفة أخرى .
إن نمو مشروع وطني عراقي و انهيار المسار السياسي المبني على المحاصصة العرقية و الطائفية يعني انهيار المستقبل السياسي للأحزاب القومية الكوردية و سقوط حلمها في فصل إقليم كوردستان العراقي عن العراق و تأسيس الدولة الكوردية .
كنتيجة للخلاقات بين كتلة الأحزاب الكوردية و كتلة الأحزاب الشيعية التي اخذت تتسع يوما بعد يوم سقط التحالف الكوردي الشيعي الذي كان قائما منذ زمن المعارضة , فالذي كان يوحد هاتين الكتلتين هو عدائهم للنظام السابق و بعد سقوط هذا النظام اخذت اواصر التحالف بينهما تضعف يوما بعد يوم حتى انتهى مبرر وجوده .
ما تشهده الساحة السياسية في العراق حاليا هو تخندق الأحزاب السياسية فيها في اكثر من خندقين , الخندق الاول هو خندق الإصلاحيين الذي يطالبون و يعملون على أنهاء المحاصصة السياسية و اعتماد نظام سياسي بديل عنها هو نظام حكم الأغلبية السياسية , و الخندق الثاني هو للمتشبثين بالمحاصصة السياسية , و هنالك احزاب و حركات سياسية خارج هذين الخندقين و منها الحزب الشيوعي العراقي و حركات التيار المدني الديمقراطي يحاولون بناء خنادق لهم .
لا شك أن التخندق الجديد ليس ضعفا أو انهيارا للعملية السياسية الجارية في العراق منذ 2003 , بل بالعكس فهذا التخندق هو بداية للتصحيح و التغيير الذي ستكون اولى نتائجه تشكيل كتل سياسية عراقية وطنية عابرة للقوميات و الطوائف .
لقد صار واضحا أن الكثير من العراقيين يعتقدون أن الديمقراطية التوافقية كانت مرحلة مؤقتة و انتقالية و لا يجوز لها الاستمرار على حساب مصالح العراق و تطوره , و يعتقدون ايضا ان الاستمرار على النهج التوافقي اصبح امرا مرفوضا و لا بد من تطوير العملية السياسية و البحث عن حلول واقعية و ممكنة للتعامل مع الواقع العراقي لغرض الانتقال من مرحلة الديمقراطية التوافقية الى ديمقراطية الأكثرية النيابية و ان يكون الانتقال سلمي و ليس عبر الفوضى الثورية .

(( يابع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة