الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة كموضوع تراجيدي

محمد بلمزيان

2024 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


شكل موضوع الهجرة أرضية خصبة للإنتاج السينمائي وباقي الفنون بما في ذلك أب الفنون ( المسرح) لما تكتسيه من عناوين اجتماعية وسياسية ذات ارتباط عميق بالواقع الإجتماعي للمجتمعات والشعوب، لما يعكسه موضوع الهجرة من تيمات صارخة للمعاناة البشرية في التنقل إما بحثا عن مكان آمن هربا من الإضطهاد الطائفي والملا حقة السياسية أو بحثا عن مورد الرزق ، أو حتى للإستمتاع بتغيير أماكن العيش لبعض الناس الذين يحبون اكتشاف الأماكن الأخرى وآفاق جديدة للعيش والإستمتاع بملذات الأرض....، لكن ما أثار انتباهي للكتابة عن هذا الموضوع ليس هو هذا الصنف الأخير من الهجرة الرامية الى الإستمتاع بلحظات عابرة، بل ما حكاه لي أحد الشباب المهاجرين عن تفاصيل قصته المثيرة نحو الضفة الأخرى اسبانيا هي مخاطرة حقيقية لا تخلو طرافة بحثا عن العمل بعدما ضاقت به الدنيا ،في سبيل فرص أخرى للعمل والعيش، هذا الشاب الذي الطموح الذي لم يكن غريبا عن ميدان العمل المضني بل سبق له أن زاول مهنا شاقة التي تحتاج العمل اليدوي المضني، لكنه لاحظ بأن ما يدره عمله لا يكفيه لبناء اسرته، فراح يفكر كباقي شباب المنطقة بموضوع الهجرة وكلما تقدم الزمن إلا وأصبحت تراوده أكثر من ذي قبل، الأمر الذي كان يتأهب له، عبر قيامه باستخماد مبلغ مالي كلما توصل بأجرته الشهرية، الى أن حل موعد امتطاء القارب وذلك في أواخر التسعينات من القرن الماضي برفقة بعض الشباب المنحدر من المنطقة ومن دول جنوب الصحراء، وبعد محاولة قطع المسافة بين الساحل الريفي نحو الضفة الأخرى انقلب القارب في عرض البحر غير بعيد عن شط الوصول في الطرف المقابل، فابتلعت الأمواج عددا كبيرا من الناس لن يظهر أثرا لهم بعدها، فيما نجا البعض منهم خاصة الذين كانوا يتقنون فن السباحة والعوم، ومنهم هذا الشاب الذي حاول في البداية انقاذ البعض لكنه بعد أن أيقن بأن عباب البحر كانت اقوى من محاولاته الفاشلة فقد اختار أن ينجو بجلده، سباحة نحول الشاطيء ليلا في جو بارد، وقد تمكن أحدالأفارقة بالنجاة بنفسه أيضا فلحق به، واصطحبه في متاهة البحث عن الأمان والتواري خلف رجال الأمن الإسبان، حيث اهتديا الى غابة شاطئية فأخذا قسطا من الراحة الى أن أسدل الليل ستاره، ففكر الإثنين كيف سيصارعان وحوش الغابة وهما أعزلين إلا من بعض حاجياتهما البسيطة التي ظلا يحتفظان بها بحقيبتيهما اثناء مصارعتهما للأمواج وهي معلقة فوق ظهريهما، وكنت اتابعه بشوق وهو يحكي عن تفاصيل هذه المغامرة الحقيقية في مواجهة المخاطر المميتة، والليل يبدأ في إطلاق أولى خيوط الظلام، حيث اهتديا الى
اختيار احدى الأشجار السامقات في العلو قصد المبيت فوق أغصانها لتفادي الحيوانات المفترسة، من ضباع واسود وكلاب وحشية ، وبعض هنيهة اهتديا الى شجرة عالية حيث تسلقاها، وهناك اختبار كل واحد منهما إحدى أغصانها للنوم متوسدان حقائبهما الى غاية انبلاج تباشير الصبح،
وروى على مسامعي كيف أنهما في عز الليل استفاقا على وقع عراك عنيف بين حيوانين مفترسين اسفل الشجرة التي يتواجدان فوقها وبقيا صامتين ينصتان لنبضات قلبيهما من شدة الرعب وقد حاول المتحدث أن يتبين من خلال طبيعة الأصوات نوع الحيوانات المفترسة التي صدر منها الصوت المزعج، لكنه لم يتمكن من معرفة ذلك، وقد ظلا متشبثان باغصان الشجرة الى أن بزغ الفجر وطلوع النهار، حيث نزلا من على الشجرة، فواصلوا الطريق في متاهات الغابة الى أن استطاعا الإهتداء الى احدى الطرق فتابعا المسير بحثا عن ملاذ آمن، فقد كانا يتنقلان من مكان
الى آخر بحذر شديد وهما يلقيان ببصرهما الى ابعد مدى قصد الإطمئنان على غياب أية دورية أمنية حتى لا يتعرضا للإعتقال، وتعريض نفسيهما الى الطرد الى الأرض التي ارتحلوا منها، فتابع حديثه وهو يروي تفاصيل تفاديهما لدوريات مختلفة وهي تقوم بتمشيط المناطق الق التي عبروا منها، الى أن بلغا إحدى المقاهي القروية حيث دلفا الى داخلها والجوع يضور معدتهما، فطلبا وجبات قاما بابتلاعهما ابتلاعا من شدة الجوع، فطلبا المزيد، وقد لاحظ صاحب المقهى*/ المطعم من خلال سحنات الزبناء الجدد بأنهما غريبان عن المنطقة، فحاول الإقتراب منها ومعرفة تفاصيلهما، لكنه محدثي تردد من خلال ما روى لي أن يحكي عن هويتهما، مخافة انكشاف أمرهما، وتعرضهما للإعتقال ومن ثم الطرد، لكنه تأكد بعد أن قام صاحب المطعم بتقديم وجبة اضافية مع عرضه لقنينات الجعة إن رغبا في ذلك، فطلب متحدثي قارورة واحدة من الجعة، ..لعلها تنسيه تفاصيل المغامرة، فأفرغها في جوفه دفعة واحدة، وقد مكثا مدة زمنية وقررا الرحيل ومواصة الطريق، بعدما أن شكرا صاحب المطعم على حسن استقباله وتعامله الإنساني معهما، فواصلا الطريق عبر الجبال والوديان والغابات الى أن بلغا وادي في مياه تجري فقرر أن يستحما فيه من أجل تغيير ملابسهما الخارجية المتسخة والمليئة بما علق عليها من مخلفات الغابة والمبيت على الشجرة ، وبينما كان يستحم في جانب من الوادي كان صديقه في مكان آخر ، لفت نظره طرف سفلي لرجل بشرية لم يتبق منه سوى العظم ، لكنه في حذاء، فاقشعر شعره من شدة الخوف ، فخمن أنه آدميا قد تعرض لهجوم لحوانات مفترسة فنهشت جسمه وابتلعت لحمه ولم يتبق سوى عظم عالق في حذاء ، ولاحظ بأن العظم ما زال طريا ولم يمر عليه وقت طويل، فقرر أن لا يخبر صديقه لمعرفته بأنه سوف ياثر عليه المشهد فيقرر التراجع عن الطريق أو التيهان في المدينة، في حين أن صاحبنا كان يرغب في مواصلة الطريق الى أن يبلغا إحدى المدن التي تحتوي على جالية منحدرة من المنطقة حتى يستطيع اللجوء اليها من أجل التخفي عن الأنظار ريثما يقرر مصيره، وبينما كان يتابعان طريقهما استعدادا للدخول الى احدى المدن اعتراضتهما دورية أمنية فألقت القبض عليهما بعدما رصدت حركاتهما فتعقبتهما الى أن تم اعتقالهما للتثبت من هويتهما، وبعد ذلك قادتهما الى أحد الملاجيء المخصصة للمهاجرين بالمدينة ، ريثما يتم اتخاذ قرار بترحيلهما، وبعد أخذ ورد وإخفاء هويتهما تقرر إطلاق سراهما بعض مرور بضعة أيام، فقرر محدثنا بعد مضي بضعة شهور بالديار الإسبانية واشتغاله في مجال الفلاحة، ان ينتقل الى البلاد المخفضة هولندا، وهناك استطاع أن أن يبني مستقبله من خلال العمل والتسوية للوضعية القانونية ،وهو ما يزال الى اليوم ، وفي غمره سرده لي لهذه الوقائع التي واجهته منذ قراره لركوب قوارب الموت، ظلت ذاكرته تمده بلحظات مصيرية قد يواجهها أي إنسان آخر ، بحثا عن ملاذ آمن وهروبا من قسوة الواقع الإجتماعي والتوتر النفسي وغيرها من ضروب القهر التي يتعرض لها الإنسان في واقعه اليومي ، إنها لوحات زاخرة بالمواقف الملحمية الجديرة بأن تكون عنوانا ليس فقط لمذكرات سردية وروائية وإنما تيمة لإنتاج سينمائي يؤرخ لمرحلة نزيف الهجرة الشبابية نحو الصفة الأخرى ،والتحولات الإجتماعية والنفسية والثقافية المصاحبة لهذه التحولات التاريخية التي خلفت تفككا في عدة مفاهيم وطقوس في تركيبة المجتمعات الحديثة، ذلك أن تأثير الهجرة وتداعياتها على الأفراد لا يمس فقط الجانب الإقتصادي والمادي بل يتعدى ذلك الى تفكك منظومة القيم وثقافة المهاجرين الأصلية التي تصير قاب قوسين أو أدنى من جبل من جليد ينهار أمام ثقافة آخرى أصبحت توفر كل مستلزمات الحياة اليومية، وهو ما يشكل صدمة قوية للهوية الأصلية، هل هي قادرة على الإنصهار التام في ثقافة البلد المستقبل أم أنها تتوفر على بعض المقومات للدفاع عن نفسها لغة وثقافة وهو قد يشكل هذا العنصر الأخير حلقة ضعيفة ليس في مجال المزاحمة وإنما العجز حتى عن الدفاع عن نفسها ، لأن التاريخ كما يقال دائما يكتبه المنتصرون في الحروب وليس المنهزمون فيها ؟؟!! ه،، ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات