الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنْ أقولَ لا لكنني لنْ أقولَ نعمَ أيضا

عبدالله احمد التميمي
فنان وباحث

(Abdallh Ahmad Altamimi)

2024 / 4 / 20
الادب والفن


قبلَ أيامِ دارِ حديثٍ بيني وبينَ شاعرٍ نظمَ الشعرُ قبلَ 70 عاما ، أنهُ الشاعرُ الكبيرُ علي أحمدْ سعيدْ أسبرْ، الذي لقبَ نفسهُ منذُ أنْ كانَ في السابعةِ عشرةَ منْ عمرهِ باسمٍ ( أدونُ - آيس ) ويعني إلهُ الخصوبةِ عندَ اليونانَ، نعمَ إنهُ ( أدونيسْ ) المولودِ في سوريا عامَ 1930 م، والمقيمَ في باريس، ابتكرَ أسلوبهُ الخاص في الشعر، الذي أثارَ جدلاً كبيرا بما حملهُ منْ إبداعٍ وبلاغة، حيثُ تفوقُ على الأساليبِ التقليديةِ دونَ الابتعادِ عنْ اللغةِ العربيةِ الفصحى، أدونيسْ الذي قادَ ثورةً حداثيةً في النصفِ الثاني منْ القرنِ العشرينَ حيثُ كانَ لهُ أثرٌ مزلزلٌ على الشعرِ العربيِ في أواسطِ ثمانينياتِ القرنِ الماضي عندما أصدرَ قصائد مهيارْ الدمشقيَ، وكتابَ التحولاتِ والهجرةِ في أقاليمِ الليلِ والنهارِ، ومفردٌ بصيغةِ الجمعِ، وقدْ شكلتْ هذهِ القصائدِ انطلاقةً لأسلوبهِ الجديدِ في الشعرِ العربيِ المعاصرِ، إلى الحدِ الذي يمكنُ مقارنتهُ بتأثيرِ أبي الطيبْ المتنبيْ في عصرهِ.
وقلتْ في نفسيٍ ما فائدةٌ شعر أدونيسْ إنَ لمْ نفهمْ فكرُ المتنبيْ، ما فائدةُ فكرِ أدونيسْ إنَ لمْ نعِ فكرُ أبي علاءْ المعري أوْ أبي النواسي مثلَ ؟ وفي ذاتِ السياقِ ما هيَ علاقةُ الشاعرِ محمودْ درويشْ بأدونيسْ، على الرغمِ منْ أنَ أسلوبيهما مختلفانِ؛ إلا أنهُ لا أحدَ ينكرُ أنَ الشاعرينِ أدونيسْ ومحمودْ درويشْ هما منْ عمالقةِ الأدبِ المعاصرِ في العالمِ العربيِ، وما زال أدونيسْ يتمتعَ بمكانةٍ عاليةٍ في العالمِ العربيِ، إلى درجةِ أنهُ أعادَ تموضعُ الفكرِ في الثقافةِ الأدبيةِ، حيثُ يكونُ الشعرُ العربيُ هوَ الشكلُ الأكثرُ شهرةً وتأثيرا في العالمِ الغربيِ، يتضحَ ذلكَ جليا منْ خلالِ قراءةِ التسلسلِ الزمنيِ لمسيرتهِ الأدبيةِ. والمتتبعُ لحياةِ أدونيسْ في المنفى الطوعيِ يرى أنهُ أقلُ نشاطا في السياسةِ منْ درويشْ، ومعَ ذلكَ فهوَ نشطٌ سياسيٌ إلى حدِ أنهُ لا يقولُ لا، وفي ذاتَ الوقتِ لا يقولُ نعمَ أيضا، هذا يعني أنَ قولاً " لا " يكونُ في معظمِ الأحيانِ، وقول " نعمَ " عندما يكونُ الأمرُ أكثرَ أهميةٍ، يتضحَ هذا بشكلٍ خاصٍ عندما قالَ " اعشقْ تجدْ الوجودَ كلهُ عشقا وأكرهَ تجدُ الوجودَ كلهُ كرها "، نعمَ أصبت يا أدونيسْ ما أجمل أنْ نعيشَ الحياة بحبٍ دائمٍ، وفي ذاتِ الوقتِ نعشقُ حتى الرمقِ الأخيرِ، وبالتالي نتعاملُ معَ فكرةِ التعايشِ والمحبةِ على أنها ركنٌ أساسيٌ منْ الحياةِ ، تقومَ على التجربة التي لا تتكرر ولا تتشابه معَ أيِ تجربة أخرى، إذن الحب منْ وجهة نظرِ أدونيسْ قضية وجودية إلى الحد أنْ يصفَ العالمُ الذي لا حبَ فيهِ بلا معنى.
وخلالَ اللقاءِ الوسائطيِ كنت أسألُ نفسي، كيفَ لشخصٍ يحملُ لقب كاتب وأديب، وشاعر وناقد، وفنان، أنْ يكونَ نقطةَ إشعاع في منطقةٍ ملتهبةٍ بالأحداثِ، كيفَ لهذا التراكمِ الفكريِ على مدارِ 70 عاما، أنْ يكونَ محفزا لشبابِ العالمِ العربيِ المعاصرِ، وفي ذاتِ الوقتِ دافع لاكتشافِ عوالمِ الفكرِ والإبداعِ، منْ خلالِ تبني قيمِ الإنسانيةِ والتسامحِ والتعايشِ بالشكلِ الرقميِ وصناعةُ المحتوى، فالشعرُ بالنسبةِ لأدونيسْ ليسَ مجردَ نوع أوْ شكلِ منْ أشكالِ الفنِ، بلْ هوَ طريقة تفكيرٍ معاصرةٍ تبتعدُ عنْ العنفِ والكراهيةِ، إنهُ شيءٌ يشبهُ الوحيُ الصوفيُ تقريبا .
على الرغمِ أنهُ كانَ صريحا بشأنَ الصراعِ العربيِ الإسرائيليِ، وكراهيةُ الوجودِ الصهيونيِ على الأراضي الفلسطينيةِ، ولهُ موقفٌ عروبيٌ منْ ذلكَ، عندما نشرَ مقالهُ الأخيرَ " بيان لا يلزمُ غيري " الصادرُ عنْ جريدةِ " الأخبارِ " اللبنانيةِ بتاريخِ 4 تشرينِ الأولِ / أكتوبرُ 2023 يحاول فيهِ أدونيسْ نفخَ الروحُ القوميةُ في الفكرِ العربيِ المعاصرِ، عبرَ التذكيرِ بتاريخِ العربِ التليدِ في تلكَ المناطقِ ويمكنَ قراءةَ ما كتبَ أدونيسْ عنْ هذا الصراعِ منْ وجهةِ نظري، أنهُ أقربُ إلى رثاءٍ للوضعِ الفلسطينيِ مما هوَ نقدٌ للواقعِ العربيِ منْ منظارٍ فلسفيٍ، بالاستنادِ إلى مقولةِ أينشتاينْ " أنَ منْ يتوقعُ الحصولُ على نتائجَ جديدةٍ منْ تجربةٍ قدْ فشلتْ منْ قبلَ، فهوَ الجنونُ بعينهِ "، ويعني بصورةٍ أخرى أنهُ لا سبيل للحياةِ على هذهِ الأرضِ سوى التعايشِ بسلام ومحبةِ وعدم إقصاءِ الآخر. وعندَ قراءةِ ديوانهِ الشعريِ الذي صدرَ في عامِ 2012 تحتَ عنوانِ كونشيرتو القدسِ، تحدثَ فيهِ عنْ الاحتلالِ للمدينةِ المقدسةِ بينَ الماضي والحاضرِ، حتى عبرَ فيهِ أدونيسْ عنْ كراهيتهِ للمدنِ التي يكثرُ سفكَ الدماءِ على أرضها، لقداسةِ الدمِ الإنسانيِ أكثرَ منْ المكانِ، وقالَ إنَ القدسَ قبلَ كلِ شيءٍ؛ هيَ المكانُ الذي يصيرُ فيهِ دمُ الإنسانِ مقدسا ومكرما، فمحالٌ أنَ يتمُ تقديسَ القدسِ منْ خلالِ سفكِ دماءِ الأبرياءِ بلْ إنهمْ يحاولونَ هدمها مراتٍ تلوَ الأخرى، حتى باتتْ إنسانيتهمْ بأكملها تحتَ أنقاضِ المدينةِ المقدسةِ عبدُ اللهْ أحمدْ التميمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا