الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية مقتطفات 135

آرام كربيت

2024 / 4 / 20
الادب والفن


في المدرسة الأعدادية، فاكتوريت، وهذا أسمها، كان هناك طالب جديد جاء من سوريا، من حي اليرموك في دمشق، من عائلة فلسطينية.
اسم الطالب محمد ماركوس.
المعلمة إيفا وقفت منبهرة، مستغربة من الكنية، سألت الطالب:
ـ من أين جاء لوالدك هذا الأسم، قال لها:
ـ عندما وصلنا إلى السويد اختار والدي اسمًا سويديًا، ماركوس.
قالت له:
ـ لا يوجد اسم متداول في السويد باسم ماركوس.
ثم وقفت مستغربة، ولفظت الأسم بتعجب:
ماركوس؟

زروق صغير
بقيت أتامل سمراء، جمال سمراء, مكنونات جسدها الغض. قلت لها بعد أن شبع جسدينا:
ـ أنا جائع يا حبيبتي, أحس أن معدتي ستخرج من جسدي. متشنجة كليمونة جافة، مشدودة الأوصال، تمنعني من التنفس .
ـ معي زوادة، جبنه بلدي وخيار وبندورة وبطيخ وخبز.
فتحت صرة ملفوفة بخيط طويل. مدت أصابعها الحليبية الناعمة إليها وأخرجت ما في داخلها. وفرشت الطعام على الحشيش الأخضر الناعم. أضافت:
ـ النسائم عليلة في هذا الربيع الجميل الدافئ يا حبيبي.
كنّا وحدنا عراة تماماً. الخابور سرنا وكاتم أسرارنا.
ـ اتذكرين لقاءنا الأول يا سمراء؟
ـ وكيف أنسى ذلك اللقاء الجميل؟ أنه تاريخنا يا غافل، من هذا اللقاء بدأت حكايتنا، غرامنا، حبنا. لا يوجد أجمل من اللقاء الأول، إنه الوحيد الذي لديه القدرة الهائلة على إنعاش الروح وهزها هزًا عنيفًا.
أذكر وقفوك الأول أمام باب بيتنا، سحرك. جئت على غفلة يا غافل، جئت دون موعد مسبق، دون أذن من الزمن أو التاريخ.
عرج غافل إلى عيادة الطبيبة صفاء بناء على موعد مسبق، أن يمشيا معًا في أرجاء المدينة، ثم يتعشيا في مطعم الفردوس.
عبرا شارع ميسلون، أخذا شارع الفرات، اقتربا من فندق المجد، توقفت صفاء للحظة، نظرت إلى غافل بفضول غريب، ترددت بعض الوقت، وكأن القدر أوقفها، التفتت حولها، قالت:
ـ غافل، هل تسمح أن ندخل إلى هذا البيت؟ وأشارت بأصبعها إلى المدخل.
نظر غافل إلى ملامح المكان، إلى البيت، لم يجد الكلمات المناسبة ليقول شيئًا. مبنى قديم خالي من الجمال، جدرانه قديمة وعالية وكأنه ثكنة عسكرية من مخلفات الحرب. شعر للوهلة الأولى أنه سيدخل كهفًا أو مغارة، وأن هذا المكان الموحش لا يمكن أن يكون مسكنًا طبيعيًا للبشر.
هز رأسه علامة على الامتثال للأمر الواقع.
قرعت الدكتورة صفاء الباب، أثناء هذا الوقت صارحته:
ـ غافل، يجب أن أدخل الحمام، راوغتني الدورة، جاءت على غير موعدها، يجب أن أدخل لأغير ثيابي الداخلية.
بعد لحظات فتح الباب، بان لهما دهليز طويل بعرض متر تقريبًا. وقفت صبية جميلة في فم الباب، وعلى وجهها الجميل علامات الاستغراب والترحيب، أطلقت صرخة عاجلة:
ـ صفاء؟ من زمان هذا القمر ما بان؟ أين كنت طوال المدة الماضية، لماذا لم نلتق أو نتكلم؟
تفضلا
نظراتها لم تبتعد ثانية واحدة عن غافل، وكأنها عثرت على الكنز أو كأنها كانت تبحث عنه منذ زمن بعيد.
دخل الثلاثة عبر الممر الطويل الذي قدره غافل بخمسة أمتار وسط دهشته، تفوه ببضعة كلمات في دخيلته:
"هل من الممكن أن تتواجد فتاة جميلة في هذا المبنى، بهذه القامة الممشوقة"؟
وصلوا إلى نهاية الممر، في ظل الهدوء والصمت، هناك وجدا مصطبة كبيرة مربعة الأبعاد، تزينها الأزهار والورود من عدة أصناف، تزينه بضعة أشجار من السرو، الحديقة منظمة وساحرة، يضفي على المكان الرطوبة والهدوء والراحة النفسية. وعلى مدار المصطبة، كان هناك فتاتان جميلتان جالستان على الكراسي بهدوء وصمت وتأمل وانتظار رؤية القادمين الجدد.
لم يكن غافل يعلم أن هذا المكان سيشكل له حدثًا مهمًا سيطبع حياته الخاصة، من خلال هذا اللقاء.
بمجرد أن دخلا إلى الفناء، وقفت الفتاتان مرحبتان، تصافح الجميع بالأيدي وتعارفوا. تولت سمراء التعريف بالحضور:
" طالبة الطب أحلام، طالبة الصيدلة سلوى، والزراعة أنا، سمراء، وأشارت إلى نفسها".
بادرت سمراء،إلى جلب البوظة، صحن فيه المشمش والتين الخابوري، وأخذ كل واحد مقعده، وفي داخل كل واحد منهم رغبة لمعرفة الأخر خاصة غافل، المحاط بكوكبة من الفتيات الجميلات الموهوبات، يدرسن دراسات عليا.
شعر أنه مكشوف أمام قوة سحرهن، جاذبيتهن، وأن قوته بدأت تنسل منه، كن يتكلمن بثقة عن أحلامهن، يتحدثن عن أمالهن ومستقبلهن، عن العلاقات العاطفية والشباب والجامعة، كن في أعمار متقاربة، في بداية العشرينات، سألته سمراءا بصوت فيه إعجاب:
ـ" غافل، ماذا عن دراستك؟
ـ أنا ضابط في مؤسسة الأشغال العسكرية في مدينة دير الزور، خريج هندسة مدنية، أداوم في الثكنة ثماني ساعات في النهار، وعندما أعود إلى البيت أطبخ طعامي، أكل، ارتاح بعض الشيء، ثم ابدأ بالنحت.
ـ نحات وضابط في الجيش؟
ـ أنا ضابط إجباري في الجيش، نحات وفنان تشكيلي فيما تبقى من الوقت، ثم أطلق ضحكة عفوية، شاركه فيه الجمع.
دققت أحلام في ملامحه، أثارها اهتماماته وحيويته ونضارته:
" نحات"؟
مالت إلى الأمام ثم عدلت جلستها:
" لكن أرجو أن تقول لنا ما هي الأشكال التي تنحتها"؟ ماهي طبيعة هذه الأعمال؟ لنقل نوعية الأحجار التي تستخدمها في النحت"؟ " والأهم ما هو الدافع الذي يجعلك تنحت"؟
نظر إليها غافل بإعجاب، وبعد أن استعاد ثقته بنفسه:
" وهل لديك إلمام في النحت؟
أثاره اهتمام الصبية الجميلة، طالبة الطب، وبدأ سعيدًا أنه يحاور أربع صبايا مثيرات موهوبات في مقتبل العمر يجالسنه، ويسمعن لموهبته:
" لدي إلمام عام بالنحت، بيد أني لا أمارس هذا الفن الصعب، أشعر بالفرح أنني في حضرة فنان شاب موهوب، هل سيأتي اليوم الذي سنلتقي فيه في مرسمك ونرى أعمالك الفنية"؟
دخلت أم سمراء مرحبة، سعيدة بوجودنا في بيتهم، أخذت مكانها على الأريكة الجانبية بالقرب من شتلة ورد جوري وريحانة.
" إن الجواب على سؤالك، يا أحلام، هو نعم. طبعًا سنلتقي، هذا أمر لا بد منه، بل مؤكد. ما زال المرسم في مدينة دير الزور، لم أنته من الخدمة العسكرية بعد. سأسمح لنفسي أن أخبرك عندما أعود إلى الحسكة وأفتح المرسم في هذه المدينة، ويفضل أن تأتي معك سلوى وسمراء وصفاء".
في هذه اللحظات راح غافل ينظر إلى الصبايا كأنه ديك، ديك منفوش الريش، شعر بالتعالي، بأنه موضع اهتمام وتقدير، قال لنفسه:
" يا غافل، أصبحت مهمًا في نظرهن، حاول أن تثيرهن أكثر لتبقى موضع إعجابهن أكثر. وأضاف:
" الحياة لذيذة بوجود الصبايا، وجودهن شغف وحرية وقيد، وحيوية وطاقة خلاقة، كل شاب يتمنى وجود هذا الحبور"
بيد أن ثمة شيء غريب جعله يشعر أن هذا الحضور الطاغ فرض نفسه عليه، قال لنفسه:
" لماذا يفتقد الرجل القدرة على الجلوس مع المرأة بحيادية؟ لماذا يشعر بالتوتر بحضورها؟ لماذا لا يتم حوارها والجلوس معها دون بعد عاطفي، دون رغبة؟ لماذا لا تتشكل بينهما صداقة؟ مجرد صداقة بين الرجل والمرأة؟ لماذا يكون الجنس والرغبة والعاطفة حاضرة وجياشة في لقاء الرجل والمرأة؟ كأن في داخل كل واحد شيطان أو جني يرقص وينط ويؤكد حضوره دون أن يتوقف؟ لماذا نحن هكذا، في دواخلنا جوع وعطش وحالة بحث عن المجهول؟ هل الرغبة تجعلنا غرباء، وكأننا عبء على أنفسنا؟
ثم أكمل حواره الداخلي بشكل أخر:
" المرسم يا غافل رمم الكائن القلق في داخلك، وضعك في الواجهة، أليس هذا ما تريده؟
ثم وجه نظره باتجاه أحلام، قال لها:
" الفنان كائن قلق أو لنقل أن القلق المؤقت للفنان ممزوج بالقلق الدائم والمستمر، لا يتركه لحظة في حالة استقرار أو راحة. المرسم يجعل منه إنسان هارب، باحث عن نفسه في الريشة والأزميل، يمكننا أن نتساءل، هل هذه متعة أم عبودية سعيدة؟ انزياح عن الهموم والثقل؟ لذة مجبولة بالوجع"؟
تسمر الجميع في أماكنهم مستغربين، ينظرن إليه باندهاش، كان من الواضح أن سلوى ارتبكت من هذا التقييم، نهضت من على مقعدها، اتجهت نحو الطاولة وملأت الماء في الكأس وشربت منه الكثير، ثم توقفت لتتفحص الأشياء المركونة على الطاولة، تناولت عدة مشمشات ووزعتهم على الجالسات. أعادت الكأس إلى مكانه،:" أنت تتكلم عن الفن وكأنك تتكلم بالفلسفة، بل فلسفت الفن.
" يا أنسة سمر، لا تناقض أو اختلاف بين الفن والفلسفة والحب والحرية، كلها تسير إلى ذات النبع وهو عمل الخير للإنسان".
بدأت كلمات غافل تزداد تركيزًا وتدفقًا، وأخذ صوته يرتفع، رافقه انفعال شديد، بان هذا الأحمرار على وجهه:
بمجرد أن أمسك الأزميل أنسى هذا العالم، أتحول إلى جزء أساس من الصخر، أمتزج به، أتخيل المشهد وأنحت، تتحول النساء إلى أشكال فنية، ملاعب للحرية والجمال، أكاد أحول العالم إلى مجسمات وشظايا تنطق وتغني وتتكلم.
عندما أصل إلى البيت، أضع إيريق الشاي أو المتة على النار، كلاهما يتحولان إلى صديقين لي، يرفدان روحي بالطاقة، أسبح في الصخر الذي في يدي أحوله إلى كائن وروح وجسد.
أحضن الصخر كأنه طفلي الوليد، أخاف عليه من الخدش، أن يمسه سوء.
عدل غافل مجلسه، ثم تابع كلامه بمزيد من التوتر، أغلب الأوقات أكون وحدي، أو أخرج في نزهة على ضفاف الفرات بصحبة بعض الأصدقاء، شعراء أو فنانين أو سياسيين.

القرآن حرق أو أحرق في زمن الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، وأمام جمهور المسلمين في العالم في ذلك الزمان.
وهذا القرآن أصبح مصحف، وهذا المصحف هو خليط من الآيات المدنية والمكية، أي لم يعد كتابًا يعتد به دينيًا.
بهذا المصحف أو تحت سقفه وظله أو تحت ظله، جرت حروب ومعارك وغزوات وفتوحات واغتصاب وقتل ومجازر، وتحول الكثير من الناس إلى عبيد بالقوة المسلحة، وتم بيع وشراء عبيد وسبايا وذمم.
نريد القول، كفى تجارة بهذا الكتاب الذي فقد قيمته ورمزيته منذ اليوم الأول من تحويله من قرآن إلى مصحف.
الدول الإسلامية قدمت احتجاجات ضد السويد والعنصرية السويدية، بهذا الاحتجاج بيضت هذه الدول العنصرية صفحتها أمام شعوبها المهزومة والمكسورة، وبسبب استبدادها ورعونتها، وبسببهم هرب الناس من بلادهم ولجؤهم إلى الدول الغربية ومنهم السويد.

اسوأ شيء في الغربة ، أن عقلك لا يشكل لك ذاكرة.
أنت بلا ذاكرة في الغربة
مضطر أن تعيش مع خمسة عائلات، جيرانك، من مختلف الدول والثقافات في مدخل واحد، أحدهم سويدي وآخر من أرتيريا وبجانبه من الصومال وتحته من فيتنام والآخر من أفغانستان.
لا شيء يربطك بجارك، لا شيء ابدًا، لا الروح ولا القلب ولا الشكل.
لا تعرفه ولا تعرف لغته ولا ثقافته ولا مزاجه ولا ردود فعله أو تفكيره. ولا تستطيع أن تقرأ ملامح وجهه.
إنه غريب وأنت غريب
تشعر أن الصحراء في داخلك تأكل منك، تأكل ذاتك ثم تتقيأها من تلقاء ذاتها.
تمر من جانبه، ويمر من جانبك وتنظران إلى بعضكما كأنكما حمل ثقيل على بعضكما، لا هو يقترب منك ولا أنت تقترب منه، لا هو يعرفك ولا أنت تعرفه.
إنه يعيش في صحراء ذاته وأنت تعيش في صحراء ذاتك، ولا رابط بين الصحارى والصحارى سوى الرمال المدورة.
كلاكما جئتما من أوطان لفظتكما، وأنكما عبء على ذاتكما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟