الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوَّامةُ النّهرِ الكبير 11

نعيم إيليا

2024 / 4 / 20
الادب والفن


الفجرُ يستطير. المطلع يتوهَّج بحمرة تؤذن بأنَّ الشمس توشك على البزوغ. غُييمات بيضٌ مطرَّزة حافاتُها بحمرة الشروق، تسومُ برخاء في أعالي الجوِّ الذي لم تتَّضح زرقتُه بعد مثلَ شِياهٍ متبدّدة ترعى في سهلٍ فسيح.
الوادي هو الوادي كما عهدناه مذ انقذفنا في عمقه السحيق. النهر ما انفكَّ حنجرةً غليظةَ الأوتار تهدر هديرَها المهيب في مسامعنا بلا كلل. وكذلك البردُ، فإنه لم يبرح ملبِداً بشِعْب الوادي، لصيقاً بحواشي ثيابنا الخفيفة.
الجبل المطلُّ أبكم صامت يرنو إلينا من حالق بعين صخرية جامدة فرغت من المبالاة، من الرحمة، كلَّ الفروغ. وقُنَّتُه التي تكسوها عَمْرةُ الثلج المتجلّد قد أخذت هي الأخرى تقبس الحمرةَ من مطلع الشمس.
الجانب الآخر من النهر، أرضٌ قفر من الإنس لا من الزرع وأنواع من الحيوان. اختفى الجندي التركي المناوب على الحراسة الذي كان يملأ قبل قليل هذا القفرَ الموحش بوجوده على الضفة اليسرى من النهر، والذي أشعرنا بكلامه المبهم وبحركاته وإشاراته أنه كالحارس الذي سبقه يتعاطف معنا في فجيعتنا؛ وأنه يحاول من بعيد، بحسب حسن ظننا به وفهمنا لإشاراته، أن يرشدنا إلى ما ينبغي لنا أن نضطلع به من إجراء وتدبير، ولكنْ بلغة لسنا نفهمها، مبطلاً التحذير الذي تلقيناه من خطر أن يطلق علينا النار في الليل إذ يحسبنا من الثائرين الأكراد أو من المدنيين الذين يناصرونهم دون أن يحملوا السلاح. اختفى هذا الجندي التركي عن أنظارنا بعد أن نثر في أخلادنا معاني من الأنس واللطف والوداعة، مضى مع شهقة الفجر الأولى إلى جهة مجهولة دون أن تلحظه أعيننا وقتَ أن مضى إليها.
القرية التركية الرحبة المواجهة لنا المتراصَّةُ بيوتُها، تبدو لعيني في هذه التَكَّةِ من الساعة ملتحفةً بنوم عميق، مع أن صياح الديكة قد انطلق منها في جوز فجرنا منذ أنِ انشقَّ فجرُنا. صياح الديكة في الفجر، دعاءٌ وابتهال في وهم أصحاب الخيال الطائر، ينفذ إلى سمعي منذ أنِ انطلق من القرية التركية، فأحسُّه لوهلةٍ، وقد اختلط بصخب الدوامة ونشيج النهر، نغمةً ناشزة من لحن الطبيعة.
اسفيندار عن شمالي، قاعدٌ على صخرة بجواري.
" ترى كم استنزف من الوقت قعودُ اسفيندار على الصخرة التي بجواري؟".
أتساءلُ.. على نفسي ألقي السؤال.
ذهني المترنّحُ من الإعياء يقتدح التساؤلَ بلمع ومضة. وبلمع ومضة أيضاً يتنصَّل من البحث عن جوابه.. يروغ ذهني عن التأمل في قعود اسفيندار على الصخرة من حيث هو حدث ممتلئ بزمن قابل للحساب، ومن حيث هو حدث قد يغنم عقلي من تأمله معنى جديداً مبتكَراً، أو لا يغنم منه غير ما هو مألوف مبتذل مكرور من المعاني.
صورةُ اسفيندارَ الماثلةُ أمام حواسيَ الموشكةِ على الخمود، تطفئ تفكيري فيه، وفي ما يستتبعه من تأمل. كأصبع تطفئ مصباحاً حال أن أضاءته بالكبس على زرّه، تطفئ صورةُ اسفيندار تفكيري فيه. فيطفر ذهني حال انطفائه جدارَ همسِ ماضيَّ البعيد والقريب إلى حاضري المنبسط أمامي، المتدفّقٍ كالسيل في مجراه وليس هو كالسيل.
ذهني يطفر من قاع ماضيّ بأحداثه اللاذعة والقارسة، البسيطة والمعقدة، المهملة والمعتبَرة، المريعة والمجدبة، الملونة والمتنصّلة، الشريفة والوضيعة، تلك التي أسهمت وستظل تسهم في تكوين لوحة ذاتي، في شَيْد عمارة كينونتي، في نحت تمثال شخصيتي في ساحة وجودي الخاص على الصورة التي أراها أنا ويراها الآخرون.
هي الأحداث. ولا شيء آخر سوى الأحداث. وإنما الأحداث لشخصية الإنسان المعنوية مثلُ الغذاء لبدنه، بها تنمو وتتحدد معالمها بسماتها المشتركة والمتفردة، كما ينمو باطّراد جسد الإنسان بالغذاء ويتحدد به جِرمُه الماديُّ بأجزائه ومركّباته المتعددة يوماً فيوماً، شيئاً فشيئاً، إلى ساعة انتثاره ورجوعه إلى مصدره الأول.
ولا أدلّ على ذلك من أننا لا نقدر أن نقول في جواب (ما نحن؟) غيرَ أنّا كتلة حية تتكوّن فتتضخم فتضؤل فتتلوّنُ فتتطبّع تحت تأثير ما يتتابع عليها باستمرار لا يعرف التوقف من أحداث داخلية وأخرى خارجية.
أرى اسفيندار يقوم من على صخرته. يهبُّ ينفخ من فِيهِ زفرةً ولا زفرة العاني الكميد. يتلمّس مؤخرته التي لا بدَّ أن يكون القعود خدَّرها، ينفضها، ينكش عُقيب ذلك جيوبه بطريقة تنطق ببحثه عن شيء ما بحثاً تربِكُهُ اللهفة، ثمّ لا يلبث أن يلتفت إليَّ بوجهٍ تطمَّست ملامحُه الحقيقية فيسألني سيجارةً بصوت اختنق حتى كاد نبرُه يحتبس.
أتوسّمُه دهشاً. أدهش... تقهرني دهشةٌ ليست مما يُتَوقّع صدورُها عادة من إنسان أزرت به فجيعة.
أنا لا أدخن. اسفيندار يعلم أني لا أدخن. يعلم أني ما حملت، ولا أحمل، في جيبي علبة سجائر من أي نوع. فما معنى أن يطلب مني سيجارة؟
يا ألله!
كلُّ شيء في هذا الحيّز من المكان قد أمسى بلا معنى. كل شيء في هذا الظرف من الزمان قد بات بلا معنى، حتى الدهشة التي عرتني لست أستبين لها معنى أيَّ معنى.
أقوم عن صخرتي بروح ناء بها حملٌ ثقيل الوزن من اللامعنى. صامتاً أمدُّ ذراعي مشيراً بها إلى جوزيف. إشارتي خرساء غير أنها ذاتُ دلالة لا تخطئها العين.
جوزيف جالس على صخرة أيضاً بقرب الصخرة التي خلع عليها آرام ثيابه، مطرق على جانب النهر إطراق الغافي، وما هو بغافٍ. لعل ذهنه منصرفٌ هو الآخر إلى تقليب سجلِّ ماضيه، لعله منشغلٌ بماضيه، كما كان ذهني منشغلاً به طيلة الوقت تلهياً - ربما - عن الفاجعة، تهرُّباً - ربما - من رؤية حاضر مخيف، من معايشة حاضر قد حطمتِ الفاجعة المهولة راووقَ معانيه الصافية الماتعة.
مسافة تفصل بين اسفيندار وجوزيف. اسفيندار يتخطاها إليه بخطوات مَنْ أزمَنَت رجليه هشاشةُ العظام، فيسأله سيجارة كما سألني. لا يحرك جوزيف ساكناً، لا يغيّر وضعيته. يُصِمُّ عن طلب اسفيندار. تمرُّ ثوان، وفجأة يطوّح ساعدَه الأيسر في الهواء بحركة تفيد النفيَ.. النفيَ القاطع التام، وبيده اليمنى يتناول علبة سجائره الفارغة المرميّةَ إلى جانبه فيضغطها في راحته المضمومة. يضغطها ويضغطها. بعصبيةٍ يضغطها حتى تصير كتلة كُرِّيَّة صغيرة في حجم حصاة، ثم بتلك العصبية يقذف بها إلى النهر، فتسقط في قلب الدوامة.
تبتلع الدوامةُ الكتلةَ الصغيرة المستديرة على الفور.
الدوامة بلعومُ كائن خرافيّ يلتقم كلَّ شيء حتى الأرواحَ الخفية، لو أنها توجد.. بلعومٌ جائع جوعاً لو صح أن يتخيل المرء له معجماً، لكان هذا المعجم خالياً خلواً تاماً من لفظ الشبع ومرادفاته كلها. جوع الدوامة سرمديٌّ بلا بداية ولا نهاية: يلتقم، يلتهم، يسرط، يبتلع، يشفط كلَّ شيء حتى الأشياء التي نضت وتنضو عنها رداءها الماديَّ.
أنظر ميخا عائداً إلينا من مشواره المكوكيّ على امتداد ضفة النهر نزولاً وطلوعاً، ذهاباً وإياباً. ميخا قد لا يكون أجهز على كلّ ما في حوزته من سجائر! رجاءٌ يرتعش في صدري، وأنا أراه مقبلاً، كما ترتعش ورقة ذابلة صفراء قبل سقوطها عن فرعها. رجاءٌ مبعثُه الشفقةُ، إن لم يخنّي التفسير. إني لأرجو ألا يكون ميخا استنفد كلَّ سجائره.
اسفيندار مدمنٌ على التدخين منهومٌ فيه أكثر من الجميع مع أن التدخين لا يخلو من أن يكون مضرَّاً بحنجرته ورئتيه، وهو المغنّي المنعَمُ عليه بحلاوة الصوت. لكنّ اسفيندار، مثل كل المدمنين، له تبريراتٌ تذهب كلَّ مذهب في تسويغ إدمانه. لاسفيندار عِلّاتٌ في الدفاع عن إدمانه. من مثل قوله لمن يكدِّره بلومه شراهتَه على التدخين، ويضايقه بذكر أضراره: "إن فلاناً من المغنين المجيدين المشهورين يدخن، فلو كان التدخين مضراً حقاً بالصوت، فلمَ لم يتضرر منه صوتُ هذا المغني؟".
وأنا رغم كرهي التدخين، يحزُّ قلبي أن أشهد اسفيندار المدمنَ عليه، وهو يتحرّق شوقاً إلى ملء رئتيه من أنفاس سيجارة تذوب بين إصبعيه كالشمعة. ربما، ربما يكون المدخِّنون على حق حين يزعمون أنّ التدخين يسرّي عنهم في الأوقات العصيبة.
أسبق اسفيندار. أُقبل على ميخا بوجهي، أحدّق إليه، أسأله سيجارة بالنيابة عن اسفيندار. يقلب ميخا كفَّيه. يقلبهما بطناً لظهر.. يقلبهما ظهراً لبطن، ثم بحركة آلية لا شعورية يفتش جيوبه الفارغة. لا ينبس ميخا بحرف، لا يرتِم بكلمة. أسفٌ في كدرة الرماد يغشّي، كأنما بسوطٍ مضفور، تقاطيعَ وجهه. لكنَّ ميخا حين أوليه ظهري، وأميل إلى اسفيندار، تنفكُّ عقدةُ لسانه. أسمعه يهتف باسمي، يناديني من خلف ظهري نداء قصيراً مبحوحاً:
- جورج، لحظة...!
أستجيب لندائه، أقفُ، أنعطف إليه بغير قليل من الخمول، من التثاقل. لكني لا أراه إذ أنا أنعطفُ إليه. لا أرى ميخا كما هو في الحقيقة وفي الواقع. أرى ميخا بعين فنان سريالي، أراه جملةً لغوية مسطورة على لوح في فراغ قد تورّمت ألفاظها من شيء يعتمل في صدره.. من شيء ما مكتوم يودُّ لو أُفصح عنه. ثوان وأراه يهزُّ برأسه، ثم بلهجة مَنِ استنفد كلّ حيلة، أسمعه يبوح لي بهذا الذي يعتمل في صدره، قبل أن أستوضحه إياه:
- جورج، لا فائدة.
لساني يحتبس. لا يتحرك بكلمة إليه. وينزلق بصري عنه إلى الدوامة. كما لو أنّ عيني يهيبها أن تقرأ الحقيقة المضطجعة في كلمته المخيِّبة (لا فائدة).
(لا فائدة) على لسان ميخا، بوح صريح بحقيقة مؤلمة لاذعة. وإني لأفهم هذه الحقيقة على تخاذل ذهني ووهن حواسي. وأتهيَّأ لأن أعقّب عليها بالموافقة والتأييد، غير أنّ كلمات التعقيب عليها لا تواتيني في الحال، لا تطاوعني الكلمات فيمضي ميخا مضيفاً بغنّة المقهور:
- لن تلفظه الدوامة. لن تلفظه! أكاد أصدق بأنها ساحرة أو مسحورة.
أبتسم بمرارة. إنها الحقيقة.. الحقيقةُ الموجعة. لن تلفظه الدوامة. وأسترجع ما كان من شأن آرام أمس بالدوّامة من غير أن أقتلع عيني منها:
- كما تخيَّلها آرام.
فتنقلب غنة القهر في صوت ميخا إلى رنَّة تحاكي رنةَ النادب:
- وأضحى الخيال حقيقة. أين آرام؟ أين هو الآن؟ أتراه يدري بما أحدثه غرقُه ويحدثه فينا؟ ألا ما أنكد حظنا!
فأجاريه، أعزف على وتر النكد:
- عاثر حظنا حقاً! لكأننا اقترفنا محرمات الدنيا كلها، فحقّ علينا أن ينزل بنا هذا النكد.
- نكد؟ وأيّ نكد؟! بِلوةٌ وابتلينا بها.
يجرض بريقه، ثم يستطرد بانفعال مغيظ:
- إنها الحقيقة. ولو كان بلغ أيوبَ خبرُها، لكان رثى لحالنا. وفوقها هذه الدوامة اللعينة. لو أن الدوامة لفظته يا أخي! بس، لو أنها لم تبقِ جسمانه حبيساً لديها.
- لو، إنها الأمنية التي ما فتئت تنهش دماغي.
فيصرخ ميخا صرخة مشبوبة بالنقمة والاحتجاج:
- لماذا؟ لماذا لا تطلق الدوامة سراحه؟ لماذا؟
يرد اسفيندار بصوته المخنوق وهو ساهم على بعد خطوات منا:
- لتكتمل عناصرُ مأساتنا.
أتنهّد، أرثي لحالنا:
- بأية حال كنا، وبأية حال بتنا!
ويكرر ميخا بأسف شديد ما كان باح لي به قبل قليل:
- لا فائدة، لا فائدة.
ثم لا يلبث أن يقترح علينا، وقد هدأ قليلاً، رأياً بأسلوب مالَ عن المباشرة والتصريح بعض الميل:
- بقاؤنا في هذا المكان المنحوس بلا فائدة.
إلا أنَّ رأيه لن يقنع اسفيندار. اسفيندار وقد أخذته زمعةٌ خفيفة من برودة الوادي، يشك في جدوى رأي ميخا، يتساءل بإزائه بلهجة المعارض المستهجن:
- أعلينا أن نغادر المكان؟ كيف نغادره؟ وجسمان آرام؟
ميخا وكأنه يعتذر من هفوة:
- نغادر المكان؟ يشقّ عليّ أن نغادر المكان، وجسمان آرام لم يزل بين فكي هذه الملعونة.
- فما قولك: "بقاؤنا بلا فائدة؟".
هكذا كمن يتعقب الآخرَ في رأي له ليفنِّده، يسأله اسفيندار، فيجيب ميخا بقليل من التلعثم وهو يجيل بصره فينا:
- أردتُ أن نبتدر أمراً.. أن نفعل شيئاً
اسفيندار وهو شارد:
- تناشدنا أن نفعل شيئاً.
- وأناشد نفسي.
- نعمَ النشاد !
يمتدح اسفيندار نشاده، وهو لم يخرج بعد من حالة الشرود. وأنا أمحّص نشادَ ميخا بعقلي. تمحيصُ نشاده لا يأخذ مني كثير وقت. سرعان ما أستنتج أن نشاده حقّ واجب. لكنّ عقلي مع ذلك لا يركن إلى هذه النتيجة. يأبى عقلي إلا أن يستدرك عليها. عقليَ المجهدُ الواهن شكّاك، يتساءل: ما فائدة مناشدته إيانا ونحن عاجزون؟ ماذا ينفعنا نشادُه ونحن عاجزون عن فعل شيء يقتلع العجز من أرواحنا، ومن أبداننا أيضاً؟ إنَّنا نلوب ظامئين حول حوض الخلاص من عجزنا. لوبُنا يشتد على حوض الخلاص من هذا العجز، لكننا لعجزنا لا نستطيع الوصول إلى ما في داخل الحوض من هذا الذي يروّي الظمأ.
ما أشبه نشاد ميخا بإناء فارغ! بل هو إناء فارغ على الحقيقة لا على التشبيه والمماثلة. وأيُّ خير لجائع في إناء فارغ؟
بيد أن نشاد ميخا على كونه شيئاً بلا قيمة، على فروغه من الفائدة والخير، لن يلبث أن يؤثّر فينا فيوقعَنا في دوامة من حيرة مستبدة.
والحيرة إذا ما استبدت، استولدت الهذيان. الهذيان هو الذي تنتجه الحيرة غالباً في حال الاستبداد. وها نحن الآن نشرع في الهذيان. إننا الآن نهذي. ها نحن نهذي هذيانَ المبرسمين، هذيانَ الحشاشين، هذيان السكارى:
- يجب أن نفعل شيئاً.
- ماذا علينا أن نفعل؟
- أجل، ماذا علينا أن نفعل؟
- هذا هو السؤال.
- ولابد من الجواب.
- ما من سؤال إلا وله جواب.
- ليس بالضرورة.
- أثمة أسئلة يتعذَّر أن يجاب عنها؟
- ثمة أسئلة لا يمكن أن يجاب عنها.
- لا أعرف سؤالاً يستحيل الجواب عنه.
- أنت لا تعرف، أما أنا فأعرف...
- هلاّ تخبر بما تعرف !
- ما الغاية من وجود الكون؟
- لهذا السؤال جواب.
- حقاً؟
- نعم.
- هاته...
- لا أدري… أجهل الغاية. هذا هو الجواب عليه.
-...
- إذن، فلكل سؤال جواب.
- لكل سؤال جواب.
- فما عسى أن يكون الجواب؟
- عمَّ؟
- عن السؤال.
- أيّ سؤال؟
- ماذا علينا أن نفعل؟
- دعني أفكر.
- أهذا هو الجواب؟
- كلا، لم أفطن للجواب بعد. انتظر..
- عمّ تتكلمان؟ الموقف يقتضي أن نفعل شيئاً.
- فلنفعل شيئاً، ولكن ماذا نفعل؟
- لا أدري !
- لا تدري؟ وأنا أيضاً لا أدري.
- فمنذا الذي يدري؟
- لست أدري.
- ندري أو لا ندري، ليس المطلوب أن ندري أو لا ندري. المطلوبُ الآن أن نفعل شيئاً، ألا يجب أن نفعل شيئاً؟
- بلى
- بلى؟! ما معنى بلى في هذا السياق؟
- لا أدري. حائر أنا حتى الجنون.
- ألا ليت أنّا أصابنا الجنون.
- ليته أصابنا ! لكنَّا على الأقل ارتحنا به من هذا العذاب الذي لا يطاق.
- وأيُّ خير في ليت؟
- لا خير في ليت.
- فلنفكر إذن، فلنبادر !
- فيمَ؟ فيم نفكر؟
- وكيف؟ كيف نبادر؟
- نفكر، نبادر. نبادر نفكر... والمعنى؟ ليتك تفصح لنا عنه!
- أفصح؟! عما أفصح؟
- اللعنة، لكأننا في حلم
- … كابوس
- وبعد ؟
- لا قبل ولا بعد. حلقة مفرغة.
- كأننا ندور في حلقة مفرغة.
- كأننا...؟! بل نحن ندور في حلقة مفرغة.
ويستمر هذياننا. هكذا يستمر على إيقاعات العبث والتفاهة واللامعقول والحيرة الغبية الحمقاء. هذياننا لا ينقطع حتى تقرع أسماعَنا صيحةُ اسفيندار:
- الشمس، الشمس!
فإذا نحن ساكتون، فإذا نحن واجمون. السكوت يلجم الآن ألسنتَنا. صيحة اسفيندار تلجم ألسنتنا بالسكوت. تسكتنا صيحته عن الهذيان سكوتَ من كان ينتظر بتوق ضارم، بصبرٍ مستحرّ نافد، حدثاً أيَّ حدث يخرجه من حالةٍ قد أضحت مأزقاً أو بلوى. لصيحة اسفيندار سلطان مؤثر فينا، مع أنها بذاتها، في ذاتها، لا سلطان فيها علينا. صيحته بمعزل عن حالة التوق التي تلبّستنا، صيحةٌ وكفى.
ثم نأخذ نعاين اسفيندار ونحن واجمون، خاضعون بلا وعي لسلطان صيحته. وجهه الشاحب متجهٌ نحو مشرق الشمس. مشرق الشمس فجوة محصورة بين جنب الوادي الأيمن والجبل الممتد أفقياً في سلسلة متفاوتة العظم والارتفاع. يتنبّهُ اسفيندار إلى أننا نعاينه، فيُميل وجهَه إلى الجهة المضادة التي تقابل مطلع الشمس. يتجه به إلى القمة الشاهقة التي هبطنا منها في أمسنا القريب. يتطلع اسفيندار إلى القمة الشاهقة. بعينٍ شاخصة يتطلع إليها، فيخيَّل إليّ من معاينتي إياه أني أرى في عينه الشاخصة، أملاً يبرق بالخلاص من عُنوِّ حيرتنا:
- أرأيتم؟ أترونها؟ انظروا.. إنها تشرق.
يهتف اسفيندار بنا، لكن عقولنا، لا تدرك في التوِّ فحوى هتافه. ميخا يتطلع إلى القمة أيضاً حيث يتطلع اسفيندار، ثمّ ببرود:
- وماذا يعني أنها تشرق؟ أليست تشرق في كل يوم؟
- بلى، الشمس تشرق في كل يوم. ولشروقها الآن معنى.
- لا معنى للشروق إلا الشروق.
- لهذا الشروق معنى.
- شعورك، أو خيالك هو الذي يضفي عليه معنى.
- قولُك هذا لا ينفي المعنى من الشروق.
- ما كان لينفيه لو كنتَ أنت الشروق، وكان الشروق أنتَ. لكنك لست الشروق.
- أنا الشروق، ولست الشروق بمعنى من المعاني.
- شطحة صوفيّ.
- لهوٌ بالطباق، بالنقائض والأضداد.
- حسن، أسألكما: هل توجد الشمس إن لم أكن أنا موجوداً بما أملك من شعور وخيال؟ أبداً، إذن فالشمس أنا، وأنا الشمس.
- أفلسفة ونحن...؟
- لا، ولكني أرى الآن في الشروق معنى.
- فليكن في هذا الشروق معنى.
- تسايرني؟
- أود لو وقفت منك على معنى هذا الشروق العجيب.
- نلزم مكاننا وننتظر
- ماذا؟ ننتظر؟!
- أجل
- من؟
- ما؟
- ننتظر صاحبَنا أبا آزاد. فلننتظر صاحبنا إذاً، فإنه لا بد أن يكون استيقظ مع (شروق) الشمس، وغادر فراشه. سيرى أبو آزاد سيارتنا جاثمة في مكانها، وكذلك أشياءَنا المتروكة في الكهف حيث نزلنا، فيتفقدنا.
أتنسّم بذهني المعتكر رائحة تطلع ورجاء في كلام اسفيندار. لكن ميخا الذي قد يكون أيضاً تنسم رائحتهما، لا يترك نفسه تستكين لتأثيرهما. تشاؤم ميخا يتضاعف، يزداد قتاماً، فيضيف كالنائح:
- نعم، سيتفقدنا أبو آزاد. ولكن ماذا في وسع أبي آزاد أن يفعل؟ بأي مِنشل سينتشل أبو آزاد جسمانَ آرام من حلق هذه الملعونة؟
- يخبر الشرطة. يخبر الشرطة إن لم يكن في وسعه أن يفعل شيئاً.
- وماذا في وسع الشرطة أن تفعل؟
يصمت اسفيندار. صمتُ اسفيندار، صمتُ المغلوب على أمره. وسرعان ما يبوخُ تطلعُه ورجاءُه اللذان تنسّمتُهما لمَّا ضاعت رائحتهما من مقلتيه:
- ...
وإذ يصمت اسفيندار، يقتحمني يأسٌ أشرس حتى أكاد أعول:
- ليس في وسع أحد أن يفعل شيئاً. لن ينفعنا أبو آزاد بشيء، ولا الشرطة أيضاً. إنّا عالقون في شَرَك فاجعة هيهات النجاة منها!
- لكأنها أُعِدَّت لنا مسبقاً.
- بل أجزم أنّها أعدت لنا بالرغم من أنني لا أؤمن بالقضاء والقدر، ولا بالأيدي الآثمة التي تحوك الشرّ للأبرياء في الخفاء.
- إن تكن أُعِدَّت لنا مسبقاً، تكن قدراً. فما ينفع التفكير بفعل شيء ضد القدر؟
- لا ينفع التفكير، ولا الفعل...
ينهض جوزيف من مكانه، يتقدم إلينا وهو ينحني في مشيته بنصفه الأعلى من جانب إلى جانب كمن فيه عرج خفيف، ثم يمدُّ صوته، وهو على بعد حوالي أربعة أمتار منا:
- المآسي والفواجع تولّد الإيمان بالخرافات على أشكالها. الدوامة لن تطلق سراح آرام، ونحن لن يقدر منا أحد على تحريره من قبضتها. هذا الذي ينبغي علينا أن نؤمن به الآن.
- ولكن لا بد من انتشاله، أندع جسمانه وننكص عائدين بعد كل هذا العناء؟
- لا، لا ندع جسمانه. لا بد من انتشاله.
- كيف؟ بم ننتشله؟
- لن ننتشله. الضفادع البشرية هي التي ستنتشله.
- ماذا؟!
- وحدها الضفادع البشرية قادرة على انتشال جسمانه من حلقومها.
وبما يشبه التهكم يعلق ميخا على كلام جوزيف، وهو في تعليقه أبعد ما يكون عن التهكم:
- هو ذاك. فهمت ما ترمي له. نغادر هذا الوادي المشؤوم. نرجع إلى القامشلي. نستدعي من اللاذقية أو من طرطوس غواصين مدربين. وماذا بعد؟ سيأتي الغواصون في غضون أسبوع أو أسبوعين. سينتشل الغواصون آرام من جوف الدوامة، سينتشل الغواصون جسمانه أو بعض جسمانه. ولكن من الذي سينتشلنا نحن من أهوال هذه الفاجعة البؤوق، من الذي سينقذنا من تداعياتها الموجعة الفظيعة، من الذي سيعيد لنا ما فقدناه إلى الأبد من هناءة العيش.
- لن ينتشلنا من أهوالها أحد.
يطفح يأسي من كأس نفسي، أود لو عبرت عن الطفحان بلغة شاعر منكوب. لكني لا أجد غير هذه الكلمة البائسة العابسة المتشائمة " لن ينتشلنا منها أحد".
ويهب اسفيندار ينفث على يأسي الطافح نفثةً تضرِّمُ الحريقَ المشتعل في قلوبنا جميعاً:
- ومن سيعزّي أهله: أباه، أمَّه، أشقّاءه، شقائقَه؟ من ذا القادر أن يجلب إضمامةً من عزاء لقلب سيمونِه زوجته؟
يا لنفثة اسفيندار، ما أحرَّ وقدها! لكأنها نفثتي أنا. اسفيندار ينفث نفثة من نفثاتي. هي نفثتي التي كنت نفثتها – وأنفثها - مذ لطمتنا الفاجعة إلى هذه الثانية من الساعة المحدقة بمعصم الزمان. إنه ينفثها جهراً وعلانية على مسمع منا، فأما أنا فنفثتُها - ولا زلت أنفثها - سراً وإضماراً في داخلي، في أعماقي الحالكة الظلمة التي من المحال أن تسبرها عين، أو تلتقطَ ذبذباتها أذن.
لا أستغرب.
لست أستغرب أنني لا أستغرب. أنا لا أستغرب أن يشعر اسفيندار بما أشعر به، فينفث عين نفثتي؛ لأني مدرك بالرغم من كل ما يحدق بي.. بالرغم من كل ما أصابني، ما حاق بي، ويحيق، أنّ للشعور لدى كلينا مصدراً واحداً. فأجاوز حالةَ الاستغراب على وجه السرعة، أجاوزها إلى الرد على نفثته بتكرير كلمتي البائسة اليائسة النافية بقطعٍ، بتوكيد، بغباء:
- لا أحد، لا أحد !
ونعود من جديد إلى ما كنا عليه، نعود نتخبَّط في دوامة الحيرة والتشاؤم واليأس، بلا حيل ولا أمل ولا حيلة.
ونحن نتخبط فيها، إذا بقطيع القرية الكردية التي جئنا إليها يلوح لنا من بعيد، في أعلى الوادي على الدرب الذي يمر فوق ظهر الكهف، على الدربِ المفروش بالرمل والحصى، منغمساً بأشعة الشمس الطالعة، وهو يتهادى في طريقه إلى السهول المعشبة، يقوده راع ضئيلُ القامة هزيل، يغطي رأسه بكوفية تنعكس صورتها في عيني رغم البعد مقلمةً بخطوط حمراء وبيضاء، بيده عصا، أمامه حمار مجلَّل، وإلى جانبه كلب يتشمَّم الأرض. فيهامس اسفيندار نفسه. يخاطبها بهمس. اسفيندار لا يخاطبنا، وإنما كحالم ذي رؤيا يهامس نفسه، وهو يرقب حركة راعي القطيع بجفن متقلص منكمش:
- أكثر الرعاة، إن لم يكن الجميع، يدخنون.
على أنَّ راعي القطيع ما إن يتشوَّفنا من المرتفع، حتى يستدير ويهرول باتجاه القرية. حركة الراعي، تستثير فضول جوزيف. جوزيف يلاحق خطواته شبه الهاربة باهتمام حتى تغيب قامته الضئيلة الهزيلة عنه، وعنا. يمسِّد جبهته بأنامله كمن لاحت له ذكرى وهو يقول:
- قد أظنُّ أنه عين الراعي الذي وقف هنيهة بفم الكهف يتأملنا بعين طفل بعد أن حيّانا، وهو في طريق عودته بقطيعه من المرعى إلى القرية أمسِ وقت الأصيل. لعلكم تذكرونه، أوَلا تذكرونه؟
- إنه هو. ليس في الإمكان أن يوجد له شبيهٌ يماثله بقامته وردائه كلّ هذه المماثلة.
يؤكد ميخا ظنّ جوزيف، ثم:
- ترى إلى أين يكون مضى؟
فيرد عليه جوزيف، لا يبطئ في الرد عليه:
- مضى يبحث عن عنزة ندّت عن القطيع. إلى أين سيمضي الراعي إن لم يمضِ إلى البحث عن عنزته الشاردة؟
يحدجه ميخا بارتياب:
- وما أدراك أن عنزة من عنزاته ندّت عن القطيع، وأنه إنما مضى للبحث عنها؟
يجيبه جوزيف بلهجة وسطى بين الجِدّ والهزل:
- ألم يعلمنا المسيح في مَثَل الراعي والقطيع، أن الراعي يترك القطيع إذا شرد منه خروف ويذهب فيبحث عنه؟ هذا دأب الرعاة في كل مكان، وفي كل زمان.
- أهذا وقت الأمثال؟
يدمدم اسفيندار معرباً عن تذمره. أما ميخا فيريح ساقيه بالقعود على الصخرة التي كان اسفيندار يقتعدها، يتنفس ميخا بصعوبة، قبل أن يقول بلغة الشاكي:
- ونحن شاردون في هذا المكان والزمان، فأين الله منا؟ ما بالُه لا يبحث عنا كما يبحث الراعي عن خروف شريد؟
- لأننا لسنا خرفاناً.
يجيبه جوزيف، وعلى شاربه المتهدّل يتراقص معنى يكاد يتجسد في ابتسامة. وأذهب أنا فأستخرج من خزانة ذاكرتي – أستخرج؟! كلا، هذا لفظ تعوزه الدقة في أحسن مواضعه وأحواله - أنا لا أستخرج، بل يأتيني حديث راهبتنا الموصلية (مقبولة) عن العناية الإلهية بلا إرادة مني ولا قصد.
الذكريات لا تخرج إلينا من خزانتها بإرادة منا على الأغلب. إن المناسباتِ والمواقفَ هي التي تخرجها منها إلينا. وربما انهمرت منها عفوَ الخاطر دون تعمُّل أو قصد أو مناسبة. الراهبة الموصلية المحبوبة مقبولة، كانت تشدّد في تلقيننا على العناية الإلهية كثيراً كثيراً، تعلّمنا أن الله يدير الكون، وأنه خيرٌ مطلق، كانت تصوره لنا أباً صالحاً يعتني بأبنائه. وكنا نصدقها، نؤمّن على أقوالها دون تفكير منا فيها. نؤمن عليها دون تدقيق ومساءلة. لكني، وأنا في سن اليفاعة، سأسمع أبي يدلي برأي آخر يباين رأي الراهبة الموصلية في معضلة العناية الإلهية.
والدي لا يأخذ الدين بنحو ما يأخذه السذج البسطاء من العوام. إنه يعمل عقله في الدين ترميزاً وتأويلاً، حتى ليُظنَّ بأنه مارق منه. والحق أنني لا أستطيع أن أنفي عن والدي أنه يرتاب في وجود الله. كما لا أستطيع أن أنفي عنه أنه لا يهمه أن يكون الله موجوداً أو غير موجود. وجود الله، مسألة لا تشغل ذهنه ألبتة. لكني أستطيع أن أنفي عنه تهمة المروق من الدين. والدي مع شكِّه أكثرَ من يقينه بوجود الله، دَيّنٌ. ما زال والدي يواظب على حضور القداديس الإلهية المرفوعة في كنيستنا مع الألحان القديمة الشجية، وعبق البخور. والدي هو المحامي الموكَّل بالدفاع عن قضايا كنيستنا، والعضو الدائم البارز في مجلس إدارتها. وهو لا يكتم استياءه منا إذا ما تقاعسنا يوماً عن الذهاب إلى كنيستنا السريانية الأرثوذكسية، أو إلى أية كنيسة أخرى. ليس والدي مذهبيّاً متعصباً لمذهبه الأرثوذكسي ليحول بيننا وبين الكنائس الأخرى. التعصب لمذهب مسيحي بعينه غباءٌ في رأيه، باطل ليس يمتُّ إلى شجرة المسيحية بجذر. كلمته المأثورة: „ مَنْ تمذهب، فرّق". والتفرقة كراهية وعدوان. والكراهية والعدوان كلاهما شرٌّ يضاد مبدأ المحبة كما رسّخه المسيح في تعاليمه ووصاياه.
فلا غرو ألاّ يستاء والدنا من شقيقنا جان الذي كان – وما برح - يتردد على الكنيسة الإنجيلية الوطنية التي تقع في محلة ضيقة تحاصرها دورٌ حلبية قديمة من حي الجْدَيدِة، ويمرُّ بها زقاق مرصوف بالحجر لا يكاد يتسع لسيارة ركاب. إن مزاولة نشاط ديني في إحدى الكنائس من قبلنا، نحن أبناءه، يلقى لديه القبول بل التشجيع. ذلك خير عنده من مزاولتهم نشاطاً في واحد من الأحزاب المنتشرة في بيئتنا السياسية. أخشى ما يخشاه أبي أن يخوض أحدنا في خضم السياسة.. أن ينتمي أحدنا إلى حزب من الأحزاب ولا سيما المعارضةَ في بلد يحكمه حزب واحد يزدري حقوق الإنسان جملةً.. حزبٌ لا يرفض انتماء المواطن إلى أحزاب تعارض نهجه وحسب، بل يعاقب بوحشية وشراسة على انتمائه إليها، يعاقبه بالاعتقال والسجن والحرمان من الحقوق. هذا والدي، فإنه مع حبه لمدينته بمقدار ما تحبها عمتي أنطونيا، ومع حبه لوطنه بمقدار ما كان جدي والدُه يحبه، يجفل رعباً إذا تخيل ولداً من أولاده منتسباً إلى حزب معارض، ولو كان لهذا الحزب برنامج سياسي تنصُّ بنوده لا على العدالة الاجتماعية وحدها؛ بل على كل القيم الجميلة الرفيعة المنشودة، وأيضاً لو كان هذا الحزب يناضل بالفعل من أجل أن تتحقق هذه القيم المشتهاة في حياتنا العامة، في حياة وطننا.
أن يتحزّب أحد أبنائه، فيُلقى القبضُ عليه، فيُزجّ به في السجن، فذلك هو – ولا أغالي - أن تُضرب كبدُه بغلظة وحشية حتى تتفتَّت في أقل من دقيقة.
وقد يمكنني الاستدلال على عدم مروقه من الدين أنه وقت أن دلعتِ الحرب الأهلية لسانَها الحارق في لبنان، لم يخفِ عنا وعن المقربين منه المؤتمنِ جانبُهم، قلقَه وخوفه على مسيحيي لبنان. وهو اليوم - وقد جاوز تطرفُ التنظيمات الإسلامية في سوريا حدَّه الأقصى - كثيرُ القلق والخوف على مصير المسيحيين في بلدان الشرق ولا سيما سوريا والعراق ومصر.
وما أنا بناسٍ كيف تبدل موقفه من هجرة المسيحيين إلى بلدان الغرب.. ما أنا بناس كيف انقلب موقفه من الرفض إلى الموافقة عقب اختطاف تنظيم الأخوان المسلمين والد لميا الدكتور الجراح باسيل جرمانوس واحتجازه لديهم أياماً؛ وكيف بات يعتقد اعتقاد عمي إدمون أن لا مستقبل للمسيحيين في بلاد تستمد مواد دساتيرها وأحكام قوانينها المدنية من الشريعة الإسلامية.
عمي إدمون حين وقف من أخيه على هذا التحول المفاجئ – أذكر – ابتسم ابتسامة انفرجت عن معنيين: معنى الانتصار، ومعنى الرضا. لكنه لمّا قال لأبي أخيه: „ الوطن الذي لا كرامة للمواطن فيه من الذلّة أن تحبَّه " وأعرب عن استحسانه هذا التحوّلَ الذي طرأ على أبي بقوله: „ جميل أنك أدركت هذه الحقيقة قبل فوات الأوان…“ هبّ والدي يصلح مقالته، بنطق واضح حازم، قال له: „ الوطن بما هو وطن لا يجردك من الكرامة، أبناؤه المتسلطون عليه هم الذين يجردونك منها، فلا تخلط الحابل بالنابل...".
لكنَّ عمي إدمون لم يستسلم لمنطقه، عاكسه بقوله: „ الحابل والنابل كلاهما صائد، وإن اختلف أسلوبهما في الصيد واختلفت عُدَّتهما. وكذلك الوطن وأبناؤه المتسلطون عليه، فإنهما واحدٌ وإن اختلفا في الشكل والمحتوى. إنك تخطئ حين تضع حداً فاصلاً بينهما، كما لو أن أحدهما بعيد عن الآخر لا شأن له به. إن هذا مما لا يجوز أن تفعله.. كيف يجوز أن تفصل بينهما، وهما مترابطان بلا انفصال؟ أيوجد وطن بلا سلطة سياسية من أبنائه حاكمةٍ؟ هل يوجد سلطة سياسية من أبنائه بلا وطن؟ كلا ! إذن فهما مترابطان. ومن ترابطهما يترتَّب أنّ السلطة الحاكمة إذا اتصفت بالقبح، بالقبح بشتى صوره وأشكاله، اتصف الوطن بالقبح بشتى صوره وأشكاله. والعكس صحيح، فإذا السلطة اتصفت بالجمال، اتصف الوطن بالجمال. ولمَّا كان الإنسان يحب الجمال بالطبع، بالفطرة، بالغريزة، ويبغض القبح بالطبع، والفطرة، والغريزة، فإنه حين يتصف وطنه بالقبح، سيبغض وطنه لا محالة إلا إذا كان مصاباً بداءٍ من أدواء النفس من تلك التي تستعذب القبح والوجع. ألا ترى أن هذا هو السبب الذي يفسر هجرة السوريين إلى المغتربات؟ أليس هذا هو السبب؟ فإن لم يكن هو.. إن لم يكنِ السوريون – بتعبير آخر - يهجرون القبح إلى حيث الجمال، فكيف تفسر هجرة السوريين؟“.
ولا أذكر رد أبي عليه، لست أتذكره الآن، نسيته، وقد أتذكره فيما بعد، في مناسبة أخرى تحرضه على الخروج من بؤرة النسيان.
غير أني أتذكر الآن موقف أبي الفكري من مشكلة العناية الربانية. أذكر أني سمعت أبي في إحدى مجادلاته لأمي يعارض الرأي في العناية الإلهية بأنها حاصلةٌ، بقوله لها: „ لو كانت لله عنايةٌ بالإنسان، لما وجدنا إنساناً يفجُر أو يُقتل أو يعتلُّ أو يُعوز ".
فلما استنكرت أمي رأيه قائلة له بتكشيرة خفيفة: „ الله خلق الإنسان، والله يحبه، فكيف يهمل اللهُ الإنسان وهو الذي خلقه وأحبه؟" أجابها متفاكهاً: „ قبل أن يرتكب جدنا آدم خطيئته الشنيعة المدمرة، أحبه الله. لكنه بعد أن ارتكبها أبغضه. وقد عبر الله عن بغضه له بطرده من الجنة إلى الأرض حيث الشقاء والأوجاع والمعاناة والموت. ولأنه كان أحبه في بدء أمره، لم يشأ أن يحرمه من كل شيء. أشفق الله عليه، سامحه، فزوّده بعقل قبسه من عقله، يمكّنه - إذا ما أحسن استعماله - من تخفيف معاناته في أرض منفاه المزروعة بالشوك والعُلَّيق".
قالت أمي وقد حالت تكشيرتُها فأمست أقرب إلى الغضب: „ فأنت إذاً تجحد نعمة الله علينا إذ عفا عنا، إذ جسّد كلمته بشخص ربنا يسوع المسيح ليخلصنا. ألم يخلصنا المسيح من خطيئة جدنا آدم ومن عقابيلها؟".
أبي مبتسماً، والدهاء يقطر من نظراته، أجابها: „ المسيح خلّص ويخلص من يؤمن به إيماناً ركيناً ويقدي في الخير ويطيع أوامره ويعمل بوصاياه. فمن منا يطيع أوامره ويقدي ويعمل بوصاياه؟ مَن؟ لا أحد.. إذاً؟ فما دمنا، نحن البشرَ – وقد أستثني الرهبانَ النسّاك الزهاد المساكين والشهداء – لا نطبق تعاليمه بحذافيرها في حياتنا.. ما دمنا نحن لا نسلك في المسالك الخيّرة، والدروب النيرة التي اختطّها لنا، فأيُّ معنى لحديثنا عن الخلاص؟ مهلاً، دعيني أسألك: لو كان الخلاص تحقق بالفعل كما تعتقدين، فلماذا المجيء الثاني؟ ولماذا لم يبرح البشر إلى اليوم يعانون كلَّ أصناف الشرور في الأرض… لماذا لم يبرح البشر يعانون كلَّ ضروب الشقاء والهوان والحرمان؟ لماذا؟
هذان سؤالان، إن أنت استطعت أن تجيبي عنهما إجابة مقنعة، فأنتِ إذاً على حق“.
لكن أمي لم تجب عن السؤالين. نهضت من مجلسها بلهوجة، وهي تصيح: „ الطبيخ على النار. شاط الطبيخ. لكَ الله! ما أصغيتُ إلى تُرَّهاتك يوماً، إلا وقع لي شر. أقسم بثوب العذراء الأزرق، لن أصغي إليك بعد.. سأتوب عن الإصغاء إليكَ من اليوم فصاعداً توبةً صادقة، صاااادقة، أتسمع؟ ".
اهتزّ أبي لقولها بكل أعضائه وهو في مجلسه على الصوفا في الصالون حجرة الجلوس، ضحك بخبث، ثم قال مستفزاً إياها: „ في كل مرة يشيط طبيخك على النار، وفي كل مرة لا تهب رائحة الشياط إلا على خيشومك. مَنْ سواك شمَّ رائحة الشياط؟ هل شممتَها أنت؟ سألني" فردت أمي عليه وهي تندفع إلى المطبخ: „ متى كانت مناخر الرجال تشم الروائح عن بعد؟ حاسة الشم لديكم مضربة عن العمل والحمد لله، ولعلةٍ فيكم أيها الرجال، إنما أضربت حاسة الشم لديكم إلى الأبد ".
فالتفت أبي إليَّ وقال: "أسمعت؟ هؤلاء هن النساء. النساء، وإن كنَّ أفرهَ عقلاً من الرجال، وإن كان عقلهن أحدَّ وأقوى وأنشط من عقل الرجال، فإنهن كثيراً ما يعارضن أحكامه. أمك تستظهر ما حفظته من القس أفرام، ومن الراهبة وأمها وممن حولها من البسطاء. أمك لا تفكر بعقلها، لماذا؟ لأنها لا تحب أن تجهد عقلها. ". فاعترضتُه قائلاً: "إن لم تكُ لله عناية بنا، فلماذا ورد ذلك في الأناجيل؟ هل تخطئ الأناجيل؟" أجاب: „ الأناجيل لم تخطئ، ولكن ليس كلُّ واحد يفهم فكرة العناية الإلهية كما وردت في الأناجيل. فكرة العناية الإلهية ترمز إلى عمل العقل. لكن أكثر الناس يفهمونها على أنها تدخّل مباشر من الله في حياة البشر، وهم على خطأ. إنهم مخطئون.. هؤلاء مخطئون بلا شك. فلا تخطئ أنت مثلهم. حاول أن تفهم ما أقوله لك: الله لا يتدخل في حياة البشر تدخلاً مباشراً " حاولتُ أن أفهم ما قاله لي. لم تنجح محاولتي، سألته: „ أليس المسيح مخلِّصاً؟" قال: „ بلى" قلت: „ فرأي أمي صواب، ما دام المسيح مخلّصاً " قال: „ إن كان رأي أمك صواباً، فلماذا لم ينقذ المسيح حياة (أسعد) زميلك في المدرسة ابن قسطنطين زاخر من سرطان الدم؟" أجبت: „ لا أدري". قال: „ كيف تقول مع أمك إن المسيح مخلص، ثم لا تدري لماذا لم ينقذ زميلك أسعد؟ " أحرجني، فسألته: „ فمن هو المسيح؟ ما هو المسيح إن لم يكن به الخلاص؟" قال: „ المسيح كلمة، مثلما ورد في إنجيل يوحنا، والكلمة عقل، فالمسيح إذاً عقل. إنه العقل الذي زوّد الله البشرَ به لما أبغضهم في شخص آدم. فإذا أتقن البشر استخدام هذا العقل في دنياهم في معاشهم؛ أي إذا اتبع البشر المسيح في سيرته وتعاليمه، جاءهم الخلاص من الشرور، وإن لا، فلا.
إنهم، أعني العلماءَ العقلاء – إن شئتَ أن أضرب لك مثلاً - يسعون سعياً حثيثاً جهيداً إلى إنقاذ البشر من الأمراض الفتاكة المستعصية الكأداء كالسرطان الخبيث، ولسوف ينجحون في سعيهم ولا بد. وأنتَ أيضاً مثال آخر، فإذا استخدمت عقلك كما ينبغي أن تستخدمه، فلسوف توفَّق في دراستك لا محالة، ولسوف تنتهي إلى مستقبل يحسدك عليه الفاشلون. المسيح عقلٌ. هذا ما ينبغي أن تفهمه. إنه عقلك. وبعقلك يكون النجاحُ، واكتساب المعرفة، والخلاصُ من الجهل، ومن جميع مطبَّات الحياة وشرورها. خلاصك بالعقل يكون. لا خلاص لك بالاتكال السلبي على الله الذي تؤكّد وجودَه الكتبُ القديمة، والذي لا أدري لماذا لا يظهر لنا... “.
فيا أبي، قد قلت لي حقاً فيما مضى. لكني أسألك الآن وروحي تتمزق بمخالب هذا المكان، وعقلي ملبد بالغيوم كالسماء في عزّ الشتاء، وجسدي كل عضو فيه مرضوض محطَّم: بمَ الخلاص خلاصُنا من تداعيات هذه الفاجعة؟ كيف الخروج خروجنا من شؤم هذا الوادي؟
هل ستقول لي مؤنباً: "أخطأتم، لم تستخدموا العقل إذ اتخذتم قراركم بالمجيء إلى هذا المكان. أخطأتم وأخطأ آرام صديقكم خطأ قاتلاً. ومن أخطأ، فعليه أن يصحح خطأه بعقله"؟
أهذا الذي ستقوله لي يا أبي؟ إن كنت ستقوله لي حقاً، فاسمع جوابي...
وإذا اسفيندار يلكزني، فيتلاشى جوابي في الحال قبل أن ينتظم في سلك من الألفاظ:
- ها هم يأتون إلينا.
فأسأله وأنا بعد لم أفتكّ ذهني من حالة التذكر.. من الغفلة والشرود عن الواقع:
- من هم؟
ميخا يجيب، وهو يتطاول بعنقه إلى القمة واضعاً كفه فوق حاجبيه كي يتبين حقيقة هؤلاء الذين جاءوا إلينا:
- إنهم أهل القرية ماضون إلى أشغالهم.
- لا، إنهم منحدرون إلينا.
تمتمت:
- ربما، قد كلَّ بصري. بِتُّ لا أستبين به حقيقة الأشياء عن بعد.
هتف اسفيندار:
- هذا أبو آزاد.. إنه هو.
جوزيف، وهو يجهد بصره في التحديق:
- ومن هؤلاء الذين خلفه؟ لست أميزهم. أهم من شرطة المخفر؟
- لا...
وتقترب الجماعة منا بسرعة، يتدحرج أفرادها تباعاً، ينزلقون ككرة على الدرب المنحدر. يخفّ أبو آزاد إلينا. أبو آزاد يتقدم الثلاثة مباعداً بين خطواته، يهتف لاهثاً وعلى وجهه علامات الفزع:
- ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ لماذا أنتم هنا؟ ماذا تفعلون هنا؟
فيهمهم ميخا:
- آرام.
- آرام؟ أين آرام؟ لا أراه بينكم، أين هو؟
فيشير ميخا برأسه إلى الدوامة. أبو آزاد يدرك معنى الإشارة، يتجه نحو الدوامة وهو يلطم صدغيه براحتيه صائحاً:
- رباااه! ما كنتُ أتخوف منه وقع.
ويسقط بصره على ثياب آرام مكوّمةً على الصخرة، فيأخذ وجهه يستسلم للذهول. ثم ينتفض فجأة، يستدير، يأمر الفتى الذي تبعه بالكردية:
- بيروار….
ويسرع اسفيندار الواقف إلى جانبي إلى ترجمة ما أمر به الفتى، ترجمه لي أنا الوحيد الذي لا إلمام له باللغة الكردية:
- أسرع، اصعد إلى المخفر وخبر الشرطة. قل لهم حادثة غرق.
وننتظر قدوم الشرطة، يطول انتظارنا، ولكن ليس بلا نهاية، بلا نتيجة. يهبط إلينا شرطيان بعد طول انتظار. أحدهما الشرطي الذي كان زارنا أمس في الكهف ونحن في قمة الانشرح، وحذرنا من الأتراك، فكافأناه بدجاجة مشوية وزجاجة ويسكي، يدنو منا الآن وكل عضلة في وجهه تنبض بالتوبيخ:
- سامحكم الله! ألم أنبهكم إلى خطر النزول في الوادي؟
- لم ننزل. اضطرنا إلى النزول.
يرد ميخا، فيخرج الشرطي الثاني من حقيبته الجلدية السوداء سجل ضبط الحوادث قائلاً:
- أنتم الآن في الوادي على كل حال. الحارس التركي لم يطلق عليكم النار. هذا مؤكد. لو كان الحارس أطلق عليكم النار، لسمعنا صوت الطلقات…
يندفع الشرطي الذي زارنا أمس نحو الصخرة التي خلع عليها آرام ثيابه، يسأل بصوت أقرب إلى الزمجرة:
- أهذه ثياب الغريق؟
- هي ثيابه.
يدنو الشرطي الثاني حامل الحقيبة منه. يتفحص الاثنان ثياب آرام بانتباه. في النهاية حين يفرغان من فحصها، يعلن الشرطي حامل الحقيبة:
- وجود ثياب الغريق على الصخرة يثبت أن الغريق لم ينتحر، ولم يغرقه أحد. لو كان الغريق انتحر أو أُغرق من قبل شخص ما، لتمَّ ذلك وهو بكامل ثيابه.
ثم:
- هيا بنا إلى المخفر لاستكمال التحقيق.
نطيع نداءه، نصعد خلفهما. أسمع وجيب قلبي، ينالني تعب شديد وأنا أصعد، أكاد أسقط، يسندني أبو آزاد حتى نبلغ القمة. نرى جمعاً غفيراً من أهل القرية كأنهم في انتظارنا. نمشي مشي أسارى في معركة مهولة خلف الشرطة بمحاذاة الجمع. نمشي باتجاه المخفر، ونحن نمشي يلطم أسماعنا زمور سيارة. نلتفت… سيارة مغيَّظة تكبح عجلاتها على مقربة منا، صرير العجلات المكبوحة يملأ الفضاء، ويصيح اسفيندار صيحة رعب هذه المرة:
- سيمونه ! هذه سيمونه...
سيمونه زوجة آرام تدفع باب السيارة بعنف، تترجل عنها بخفة ويترجل عنها أيضاً من جهة السائق أصغر أخوة آرام. تصرخ غاضبة:
- أين أنتم؟ لماذا تأخرتم؟
ثم تأخذ تبحث بعينيها الملتمعتين بالغضب والقلق عن آرام، تسألني:
- أين آرام؟ لست أراه بينكم
أترنَّح. أحس بدوار. مفاصلي ترتجف ثم ترتخي.. تظلم الدنيا. تظلم، تظلم، وتبتلعني الظلمة.
أصحو كأنما من رقاد ثقيل، أفتح عينيَّ، بصري أغبش، صدري ضيق. أشعر بألم في رأسي. رأسي ملفوف بضماد، وأنا مستلق على سرير. امرأة بثوب أبيض تعالج آلة بجانب السرير. تكلمني المرأة بلهجة مستبشرة:
- الحمد لله، أنت بخير ! جرح صدغك طفيف، سيندمل دون مضاعفات.
- صدغي مجروح؟! كيف انجرح؟
- سقطتَ على الأرض، وارتطم صدغك بحجر.
- وأين أنا؟
- أنتَ في مستشفى السليم.
- في القامشلي؟
- لا، في ديريك. لهجتك حلبية. أنت حلبي؟
- نعم.
- الحمد لله على سلامتك.
- وأصحابي؟
- سيأتون بعد قليل.
- أين هم؟
- في السراي، استدعاهم مدير المنطقة للتحقيق في الحادثة.
- وسيمونه؟
- من هي سيمونه؟
من هي سيمونه؟! أتعجب من سؤالها. أروح أضغط على ذاكرتي، أهامسها: أكان وهماً أني رأيت سيمونه تترجل من تلك السيارة الغاضبة التي كان يقودها أخو آرام الأصغر، أم كان حقيقة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل يوجد الحاد صرف او ايمان مطلق ؟ه
منير كريم ( 2024 / 4 / 21 - 01:29 )
مرحبا استاذ نعيم
مقالك قطعة ادبية جميلة
دعنا من الاديان الطقوسية ولنتناول الميتافيزياء
لا اثبات علمي او دحض منطقي لوجود الغيب
كما لا يوجد الحاد صرف او ايمان مطلق ففي اعماق النفس البشرية هناك شك او عدم يقين
في اعماق النفس يوجد خوف , خوف من المستقبل ومن امور شتى
ويبقى الانسان بين اليقين والشك
وفي هذا نكهة الوجود , كما يقول نزار قباني نكهة شكي ويقيني في قصيدته المغناة زيديني عشقا
اخيرا تقبل تحياتي واعذرني اذا خرجت عن الموضوع


2 - الاستاذ نعيم ايليا المحترم
nasha ( 2024 / 4 / 21 - 14:28 )

قصة جميلة تنفع سيناريو لفيلم يحاول الاجابة عن لغز الحياة المبهم الذي نبحث عنه جميعاً.

لغة عربية ممتازة ومحبوكة بجمل مختصرة واضحة.

عاشت أيدك استاذ نعيم.

كل الاحترام والتقدير
تحياتي


3 - الأستاذ كريم والغيب
نعيم إيليا ( 2024 / 4 / 22 - 14:19 )
لم أكن أتوقع أن يعلق عليها، أحد. ولهذا تأخرت في الرد.
رأيك يا عزيزي سديد. الرجل المثقف المتنور المتمتع برصانة العقل من أمثالك، لا يكون منه على الأغلب إلا رأي سديد.
شكراً لك وأضيف: إذا كان الغيب هو الغيب، فكيف لعاقل أن يتحدث عن الغيب؟ كيف له أن يخوض فيه وكأنه حاضر؟
إن فعل ذلك، فقد دلّ ذلك على أن عقله لم يزل في القماط. فليس لعقل ناضج شب عن الأقمطة أن يتحدث عن وفي شيء يجهله لا يعلمه: لم يره، لم يختبره، لم يحيا فيه، ولم يخرج منه.
وما دام اليقين ، فلا بد من الشك. الشك يقين واليقين شك بلغة الأضداد
شكراً جزيلاً لك على حسن رأيك.



4 - الأستاذ ناشا ولغز الحياة
نعيم إيليا ( 2024 / 4 / 22 - 14:36 )
شكراً لك.
أحب فيك حماستك ودفاعك عن أرائك ومعتقداتك، وثقافتك الواسعة. وأكثر من حبي لحماستك، حبي لأخلاقك
وقولك الحياة لغز مبهم لن يعجب رفاقنا الماركسيين. إنجلز مثلاً يرفض فكرة أننا لا نعرف الشيء في ذاته التي وردت لدى الفيلسوف كانط؛ لأن عقل الإنسان في رأيه يعرف الشيء في ذاته، لا تخفى عليه من الشيء خافية.
والحياة شيء ، مادة، فلا بد برأي إنجلز أن تكون شيئاً مفهوماً معلوماً في ذاتها، لا لغزاً مبهماً لا يمكن فهمه وإدراكه.

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟