الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الثانية من موضوع الحصانة الدبلوماسية بعنوان: مفهوم الدبلوماسية

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بدايةً، الدبلوماسية، وكما وردَ في كتاب (الدبلوماسية) الصفحة التاسعة للدكتور علي حسن الشامي الصادر عن دار العلم للملايين في بيروت، هي: عِلمٌ وفن . عِلمٌ ، لأنها تقوم على أسُس ، وتعتمد على قواعد، وتخضع لأصول، وتتطلب إلماما عميقا بكل جوانب القانون الدولي، ومعرفةً دقيقة بكل مراحل التاريخ الدبلوماسي، وإحاطة شاملة بكل أنواع المعاهدات الدولية.
وهي فنٌّ لأنها تتطلب مواهب وطاقات وكفاءات معينة لا تتوافر في أي إنسان. فالشهادة الجامعية وحدها لا تكفي. فالدبلوماسي يجب أن يكون واثقا من نفسه، من ثقافته، قادرا على المبادرة، على الحِوار والإقناع، وقادرا على اتّخاذ القرار.
في " الموسوعة السياسية"، الدبلوماسية هي كلمة يونانية الأصل، مشتقة من الاسم
"دِبلوما". والفعل دبلوم..
Diploma & Diplom
وكانت تعني الوثيقة التي تصدر عن أصحاب السلطة والرؤساء السياسيين للمدن وتمنح حاملها امتيازات معينة.
وقد استخدمها الرومان فيما بعد للإشارة إلى الوثيقة المطويّة، أو المكتوبة التي تُطوى بشكل خاص، وتُعطي بعض الامتيازات لمن يحملها، كما جواز السفر، أو الاتفاقات التي كانت تُعقد لترتيب العلاقات مع الجاليات، أو الجماعات الأجنبية الأخرى.
وقد امتدّتْ لفظة دبلوماسية فيما بعد وحتى نهاية القرن السابع عشر، لِتشمل الأوراق والوثائق الرسمية وكيفية حفظها وتبويبها، وترجمة كلماتها وحلّ رموزها من كُتّاب متخصصين، أو ما يسمى أمناء المحفوظات. وأُطلِق على من يقوم بهذه المهمة اسم الدبلوماسي، وأُطِلق على العلم المتخصص بهذا الموضوع اسم الدبلوماسية وذلك نسبة إلى الدبلومات.
ولم يتم استخدام لفظ الدبلوماسية أو الدبلوماسي للإشارة إلى المعنى المتعارف عليه اليوم، وهو إدارة العلاقات الدولية، إلا في نهاية القرن الثامن عشر وتحديداً عام 1796، حيث استعملت كلمة Diplomacy
باللغة الإنكليزية في إنكلترا وأصبحت الكلمة في ذلك الوقت تُطلق على ممثلي الدول الأجنبية الذين يحملون كتُب اعتماد من دُولهم. كما عُرفت عند قيام الثورة الفرنسية بمعنى التفاوض، وعُرف الدبلوماسي بأنه المفاوض. وأخَذَت كلمة الدبلوماسية تتبلور وتكتسب بصورة محددة قواعدها الخاصة وتقاليدها ومراسمها على إثر مؤتمر فيينا لعام 1815، وفي ضوء هذا التطور ظهرت كوادر دبلوماسية متخصصة، ومتميزة عن غيرها من رجال السياسة.
إن هذا الاختلاف في تاريخ استخدام كلمة الدبلوماسية تجاوزهُ الأسبان فكانوا أول من استخدم كلمة سفارة وسفير، بعد نقلها عن التعبير الكَنَسي
Ambactus
بمعنى الخادِم و
Embassy
بمعنى السفارة.
واتسع مفهوم الدبلوماسية فيما بعد وأصبحت تستعمل في عدة معان:
معنى المهنة، ومعنى المفاوضات، ومعنى الدهاء و الكياسة، ومعنى السياسة الخارجية.
ويَذْكُر "عز الدين فوده"( أستاذ المنظمات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمتوفى عام 2005)، أن كلمة دبلوماسية قد تطورت وانتقلت من اليونانية إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأوربية وبعدها إلى العربية مشيراً إلى أنها استعملت في معنيين:
المعنى الأول: الشهادة الرسمية أو الوثيقة التي تتضمن صفة المبعوث، والمهمة الموفد بها والتوصيات الصادرة بشأنهِ من الحاكِم بقصدِ تقديمه وحُسنِ استقباله أو تسهيل انتقاله بين الأقاليم المختلفة.
المعنى الثاني: وهو الذي استعمله الرومان لكلمة دبلوماسية، والذي كان يُعبِّر عن طِباع المبعوث أو السفير، وما كانت تقتضيه التعليمات الموجهة إلى البعثة من وجوب الالتزام بالآداب وإنماء المودة وتجنب أسباب النقد.
وعموماً فإن تطور كلمة دبلوماسية ارتبط على مرّ الزمن بتطور الممارسة الدبلوماسية إلى أن شاع استعمالها بالمعنى المتعارف عليه في القرن العشرين في أوربا عندما عُقدت "اتفاقية فينا " في نيسان عام 1961 ودخلَتْ حيِّز التنفيذ في نيسان 1964 ، والتي حددت الوظائف الدبلوماسية، ونظمت ترتيب أسبقية رؤساء البعثات الدبلوماسية ومزاياها وخصائصها.
**
في كتاب " التاريخ الدبلوماسي" للأستاذ ج. ب. دُروزيل، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة " لِيل " الفرنسية ، والمُترجَم إلى العربية من طرف الدكتور " نور الدين حاطوم" أستاذ التاريخ الحديث في جامعة دمشق سابقا، فإنه ينظر إلى تاريخ العلاقات الدولية في أوروبا في القرن العشرين، وما سادها من حروب منذ العام 1900 وحتى عام 1939، بداية الحرب العالمية الثانية، ومن ثمّ بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام النظام الجديد في أوروبا وفترة الحرب الباردة في الخمسينيات، على أنه كله "تاريخ دبلوماسي" .
وهذا يُذكِّرنا بقول المفكِّر العسكري الألماني المعروف " كارل فون كلاوزفيتش" المتوفى عام 1831، وصاحب المقولة الشهيرة : " إن الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى " . فحينما نتحدث عن التاريخ السياسي وعن تاريخ الحروب ونضع كل ذلك تحت عنوان " التاريخ الدبلوماسي" فإنما نحنُ نتفق مع نظرية كلاوزفيتش.
ولكن علينا أن لا ننسى إطلاقا أن هذا "التاريخ الدبلوماسي" الذي تحدّث عنه ج. ب. دُروزيل، هو من خلقَ لنا مشكلة فلسطين، واغتصاب الصهاينة لها، إذ أن ما ارتكبهُ النازيون في ألمانيا ضد اليهود، قد أثار عاصفة من عطف الرأي العام العالمي معهم، وكان ذلك على حساب شعب فلسطين وعلى حساب العرب. وكانت الدبلوماسية البريطانية والأمريكية تأخذان بتوصيات " الوكالة اليهودية " وهذا ما تجلّى في موافقة لجنة التحقيق المشتركة الإنكليزية ـ الأمريكية حول فلسطين، في تقريرها في نيسان 1946 حينما أوصَتْ، بناء على اقتراح الوكالة اليهودية، بإدخال 100 ألف يهودي من " ضحايا" النازية إلى فلسطين. هذه كانت دبلوماسيتهم.
... يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي