الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الثالثة من موضوع الحصانة الدبلوماسية بعنوان: تعريف الدبلوماسية

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


للدبلوماسية تعريفات كثيرة (سوف أستعرض أبرزها فقط) رغم أن الدبلوماسية بمعناها العام الحديث والذي يتماشى مع مفهوم القانون الدولي العام فهي (مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تُنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا، الأمنية والاقتصادية، والسياسة العامة، وللتوثيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل التجاري وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية).
وقد سبق للهنود أن عرّفوا الدبلوماسية منذ ثلاثة آلاف عام بقولهم: ( إنها القدرة على إثارة الحرب وتأكيد السلام بين الدول).
بينما عرّف الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الدبلوماسية بعبارته الشهيرة:( لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعتْ، إذا أرْخُوها شدَدتها وإن شدُّوها أرخيتها).
والمقصود بالدبلوماسية في اللغة العربية هو (كتاب) أو الوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة فيما بينهم والتي تمنح حاملها مزايا الحماية والأمان. فيُقال كتاب السلطان أو الخليفة إلى كذا أو كذا..
وكلمة سفارة تستخدم عند العرب بمعنى الرسالة أي التوجه والانطلاق الى القوم، بغية التفاوض وتشتق كلمة " سفارة " من سفر أو ( أسفر بين القوم أي أصلح ) وكلمة سفير هو من يمشي بين القوم في الصلح أو بين رجلين.
يُعرِّف الدبلوماسي الإنكليزي إرنست ساتو (1843 – 1929 ) الدبلوماسية بأنها:
"استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقبلة " .
وفي قاموس أوكسفورد الشهير فقد تمّ تعريف الدبلوماسية بأنها:(إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات والأسلوب الذي يستخدمه السفراء والمبعوثون لإدارة وتسوية هذه العلاقات، وهي وظيفة الدبلوماسي أو فنّه).
وهذا التعريف تبناهُ هارولد نيكلسون، الدبلوماسي البريطاني الشهير كما ورد تماما في قاموس أوكسفورد.
أما في الموسوعة الحُرّة فقد جاء تعريف الدبلوماسية على أنها : " نُظُم ووسائل الاتصال بين الدول الأعضاء في الجماعة الدولية وهي وسيلة إجراء المفاوضات بين الأمم.
ويُطبِّق اليوم البعض هذا التعبير على الخطط والوسائل التي تستخدمها الأمم عندما تتفاوض. فالتفاوض، في هذا المعنى يشتمل على صياغة السياسات التي تتبعها الأمم لكي تؤثر على الأمم الأخرى. وعندما يفشل التفاوض أثناء أزمة كبيرة، فإن الحرب قد تنشب في أغلب الأحيان. وهكذا ننتقل إلى نظرية كلاوزفيتش، الحرب استمرار للسياسة ولكن بطُرُق أخرى.
في قاموسهِ الخاص، يقدم الدبلوماسي الفرنسي شارل كالفو
Charles Calvo
تعريفا للدبلوماسية فيقول:
(هي علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول الناتجة عن المصالح وعن مبادئ القانون الدولي العام وعن نصوص المعاهدات والاتفاقيات. أو هي بتعبير أبسط فن إجراء المفاوضات)
أما السياسي الفرنسي الأستاذ ألبرت ريفيير
Albert Rivier
فعرّف الدبلوماسية بأنها: علم وفن تمثيل الدول وإجراء المفاوضات.
أما الفقيه الفرنسي الكونت شارل دي مارتينس
Charles De Martenes
فقد عرّف الدبلوماسية بأنها: علم العلاقات الخارجية أو الشؤون الخارجية للدول. وبمعنى أخص هي علم وفن المفاوضات.
أما الفقيه الفرنسي بول براديير- فوديري،
Paul Pradier-Faudery
فقد عرّف الدبلوماسية بأنها فن تمثيل السلطات ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي الدول الأجنبية، والعمل على أن تُحترم ولا تُنتهك ولا يُستهان بحقوق وهيبة الوطن في الخارج، وإدارة الشؤون الدولية، وتوحيد ومتابعة المفاوضات السياسية حسب تعليمات الحكومة.
فالدبلوماسية عنده هي وسيلة تطبيق القانون الدولي العام في مجال إدارة الشؤون الدولية ومتابعة المفاوضات السياسية والعلاقات الخارجية ورعاية المصالح الوطنية للشعوب والحكومات في علاقاتها المتبادلة في حالتي السلم والحرب.
وعرّفها سردار بانيكار،
Sardar Panikkar,
السفير الهولندي، بقولهِ: ( إن الدبلوماسية في علاقتها بالسياسة الدولية ، هي فن تقديم مصالح الدولة على مصالح الآخرين).
وقد عرّفَ مُعجَم " الليترية " (نسبة إلى مؤلفهِ) وهو من أقدم وأكمل معاجِم اللغة الفرنسية، الدبلوماسية بأنها ( معرفة العلاقات الدولية ، ومعرفة المصالح المتبادلَة بين الدول).
**
الرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف يقول في آخر كتابه (البيريسترويكا) يقول " أن السياسة هي فن الممكن" وهذا ينطبق على الدبلوماسية، إذ أنها إحدى أدوات ووسائل تنفيذ السياسة، وبالتالي هي فن الممكن أيضا.
أما ثعلب الدبلوماسية الأمريكية ووزير الخارجية السابق صاحب الدبلوماسية المكوكية، هنري كيسنجر فيقول أن : "الدبلوماسية هي تكييف الاختلافات من خلال المفاوضات".
وعرّف د. سموحي فوق العادة، السفير والأكاديمي السوري السابق، في كتابه( الدبلوماسية الحديثة) "، عرّفَ الدبلوماسية بأنها " مجموعة من القواعد والأعراف والمبادئ الدولية التي تهتم بتنظيم العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الدولية، والأصول الواجب إتباعها في تطبيق أحكام القانون الدولي، والتوفيق بين مصالح الدول المتباينة، وفن إجراء المفاوضات والاجتماعات والمؤتمرات الدولية، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات ".
ويضيف د. سموحي فوق العادة أيضا بأن الدبلوماسية " هي فن تمثيل الحكومة، ورعاية مصالح البلاد لدى الحكومات الأجنبية، والسهر على أن تكون حقوق البلاد مصونة وكرامتها محترمة في الخارج، وإدارة الأعمال الدولية بتوجيه المفاوضات السياسية، ومتابعة مراحلها وفقاً للتعليمات المرسومة، والسعي لتطبيق القانون في العلاقات الدولية كي تصبح المبادئ القانونية أساس التعامل مع الشعوب " .
أما الأستاذ الدكتور عدنان البكري مؤلِّف كتاب " العلاقات الدبلوماسية والقنصلية" فيُعرِّف الدبلوماسية بأنها: "عملية سياسية تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الأخريين، وإدارة علاقاتها الرسمية بعضها مع بعض ضمن النظام الدولي " .
وهناك من يرى أن التعريف الأشمل للدبلوماسية كان للدكتور سعيد أبو عباه من فلسطين، حيث يعتبر: " الدبلوماسية بمعناها العام الحديث، والذي يتماشى مع مفهوم القانون الدولي هي مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا الأمنية والاقتصادية والسياسات العامة، وللتوثيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
**
وبعد كل هذه التعاريف فهناك تعريف للدبلوماسي السوري السابق د. عبد الحميد سلوم، الذي اشتغل 34 سنة بالدبلوماسية، لاسيما في المنظمات الدولية في نيويورك وجنيف وشارك في مفاوضات متعدد الأطراف، لاسيما لدى التحضير للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام 1993، فالدبلوماسية بالنسبة له هي: أن تعرف كيف تتّخذ الموقف المناسب في اللحظة والوقت المناسبين أثناء المفاوضات والحوارات والنقاش، وقد تجد نفسك أحيانا مضطرا لتوجيه أقسى الكلام.
وهذا يتطلب من الدبلوماسي أن يكون ذا ثقافة واسعة وحنكة وجرأة وخبرة ومقدرة على التعبير ومقدرة على اتخاذ الموقف والمبادرة، وتحمُّل المسئولية، ومعرفته الوثيقة بسياسات بلدهِ، وإتقان إحدى اللغات الحيّة لاسيما اللغة الإنكليزية، والابتعاد عن لغة الإنشاء والخطابات فهذه ليست لغة دبلوماسية وإنما لغة إعلامية دعائية. وإن الدبلوماسي الذي تنعدم لديه المبادرة ويخشى اتخاذ القرار وينتظر التعليمات من وزارته في أبسط الأمور فهذا لا يصلح لهذه المهنة.
**
وتأكيدا على الكلام السابق، تجدر هنا الإشارة إلى موقف الرئيس السوفييتي سابقا "نيكيتا خروتشوف" خلال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في تشرين أول عام 1960 حيث كان حاضرا ويجلس على مقعد بلاده خلف لوحة الاتحاد السوفييتي وضرب على
الطاولة بكعب حذائه اعتراضا على كلمة رئيس وفد الفيلبين لورينزو سومولونغ الذي انتقد السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي في شرق أوروبا واصفا إياها بالإمبريالية السوفييتية، ومطالبا بمزيد من الحرية والديمقراطية في أوروبا الشرقية، وهذا ما أغاظ خروتشوف واعتبرهُ تدخلا مرفوضا ولذلك لجأ لتنبيه الدبلوماسي الفيلبيني بتلك الطريقة.
وكان الرئيس خروتشوف قد توجه للغرب في خطابٍ له أمام الجمعية العامة بقوله: سندفنكم أحياء.
وهذا الخطاب كان من بين أشهر عشر خطابات في تاريخ الأمم المتحدة.
**
كما تجدر الإشارة إلى الموقف المشهور للسيد فارس الخوري في مجلس الأمن الدولي عام 1945
حينما جلس على مقعد المندوب الفرنسي واستمر حتى بعد بدأِ جلسة المجلس، الأمر الذي أغاط الفرنسي، فقال له الخوري::
سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا وحنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها ان تستقِل. وفي تلك الجلسة نالت سوريا استقلالها.
إذا هكذا عرٍف السيد فارس الخوري كيف يتّخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب واللحظة المناسبة. (ويجدر التنويه هنا أن بعض المؤرخين يقولون أن لا صحّة لهذه الحادثة).
**
صحيح أن الدبلوماسي لا يصنع سياسة وإنما ينفِّذ سياسات وتعليمات حكومتهِ، ولكن لا يجوز بذات الوقت أن يكون شبه مشلول يجلس خلف الطاولة وينتظر فقط التعليمات، فهناك أمور ونشاطات عديدة يمكن للدبلوماسي أن يقوم بها من خلال المبادرة الخاصة، يخدم بها بلاده سياسيا وإعلاميا وثقافيا وفي كافة المجالات. ولكن كما أشرتُ سابقا هذا يقتضي أن يتمتع الدبلوماسي بعدة صفات أهمها: قوة الشخصية، سرعة البديهة، الثقافة الواسعة، الجرأة، المقدرة على المبادرة، المقدرة على اتخاذ القرار، المقدرة على الحوار والإقناع، وإتقان لغة أجنبية حيّة، لاسيما اللغة الإنكليزية. وهذا يعني أن تأتي وزارات الخارجية بالدول، بالأشخاص المؤهلين والكفء، وليس فقط بأصحاب الواسطات والمحسوبيات، وتحطيم أهل الكفاءات. بل ترسيب الناجح، وتنجيح الراسب.
.. يتبع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو