الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثر العولمة على الفساد السياسي

تمارا كاظم الاسدي

2024 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أثر العولمة على الفساد السياسي
م.د. تمارا كاظم الاسدي
الجامعة المستنصرية/ كلية العلوم السياسية
[email protected]

تعرف موسوعة العلوم الاجتماعية الفساد بأنه الانحراف عن معيار متوقع للسلوك من اجل منفعة خاصة، وبهذا المعنى يُعرفه البنك الدولي بأنه إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص، إذ أن مصطلح إساءة الاستخدام هو جزء من انحراف السلطة على حساب المصلحة العامة لتحقيق غاية ذاتية لمتخذ القرار أو لغيره ، وعليه؛ يقصد بالفساد السياسي استخدام غير مشروع للسلطة الحكومية وللمهام والأدوار والموارد العامة من قبل الموظفين الإداريين أو السياسيين وتوجيه استغلالها لمنفعة خاصة للمسؤول، أو لأي شخص أو مجموعة من الأشخاص.
ومن هنا فأن الدوافع الرئيسة لهذه الظاهرة تعود أساسا إلى ضعف الوازع الديني والأخلاقي الراجع بدوره إلى ضعف أساليب التنشئة الاجتماعية التي تمارس على أفراد هذا المجتمع، فضلا ًعن فساد التوجيه وسوء الرعاية، كما أن لعامل البطالة دور في تطوير هذه الظاهرة فعدم توفير الدخل وصعوبة تحقيق الغايات المادية يدفعه ذلك إلى أن يستغل من قبل الغير للقيام بأعمال لا قانونية كالتهريب وبيع الممنوعات والسرقة وحتى إلى ارتكاب الجريمة، إذ يواجه المجرم العاطل البطالة بصورة متكررة اشكال الفساد مما يؤكد اعتياده عليها وتأصلها فيه، ومن أسبابه أيضاً أن التداول النقد الأجنبي وانتشار أسواق الصرف ،وبالتالي تشجيع عملية توظيف رؤوس الأموال واتساع الاقتراض وأسواق السندات وفتح أسواق المالية أمام الاستثمار الأجنبي تؤدي جلها إلى إحداث تغيرات واضطرابات في أسعار الصرف وانهيار في قيم العملات الوطنية في عدد من البلدان ، وهي ظاهرة خطيرة على المجتمع كون هذه الوضعية تؤدي إلى أزمات اجتماعية ومنه تكثر أعمال الفساد في الإدارة والاقتصاد والمال وغيرها من مناطق الخلل.
وإن التأكيد في التحليل إعلاه يبين أن النظام الرأسمالي/الغرب يعيش حاليا مرحلة الرفاه يعني أن هذه المرحلة ستفرض على الغير كمطلب ضروري التحقق مهما كانت الوسائل ولو عن طريق الفساد، أي أن المجتمعات التي تعيش على الضرورة ستسعى جاهدة إلى عيش حياة الرفاه والكمال وهي لم تحقق بعد مطلب الضرورة كما يلزم، وهذا في اعتقادي هو جوهر بروز وتعميم ظاهرة الفساد بشكل ما في المجتمعات النامية بالخصوص، وذلك لكون العولمة فرضت على العالم نمطاً معينا من الحياة لا بد لشعوب الأرض أن يعيشوا حياتهم وفقا لهذا النمط المعولم من العيش المصاغ داخل معامل الإنتاج في الغرب.
وعلى هذا الاساس فأنه تزايد الاتجاه نحو العولمة بالطرق السريعة ومنه نحو الفساد المالي والإداري لكون الهدف والقاعدة هي: المنفعة الخاصة وإلحاق الضرر بالآخرين، وإذا ربطنا بين هذه الظاهرة مع مستوى التحضر-بمفهوم العولمة- نجد أن العلاقة بين القيم الحضرية للمجتمع المعاصر وبين قواعد العمل الرسمية المعتمدة من قبل الأجهزة الإدارية الحديثة تبعث فعلا على التوجه إلى أعمال الفساد والانحراف والرشوة ، كما أن سوء الأوضاع المعيشية للعاملين الناجمة عن قلة الدخل وعدم توزيع الثروة يؤدي هذا إلى بروز سلوكيات منحرفة وفاسدة في المجتمع وذلك أمام سوء الرقابة وضعف تطبيق القوانين والقرارات التي تنظم الوظيفة والعمل وتنظم سلوك الأفراد في مؤسسات العمل، كذلك لنقص الوعي لدى القيادات وأصحاب المراكز الإدارية والقانونية، بجعل الفساد منتشراً حتى في هذه المؤسسات الرسمية التي وظيفتها خدمة القانون، فالفساد هو سوء استعمال موقع المصلحة الشخصية وهو غالبا إساءة في استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، وبالتالي الاتجار بالوظيفة العامة والتعدي على المال العام وهدره لخدمة ذوي أجهزة الفساد.
ولعل نمو الفساد وانتشاره على صعيد عالمي من أهم الآثار السلبية للعولمة، فلقد اخترقت ظاهرة الفساد الحدود الدولية والمستفيد من فرص العولمة قد جعل احتمال تواجد العمل الإجرامي وصيغ الفساد يفوق احتمالات العقاب عليه، فانفتاح الحدود مع تنامي ضغوطات الفقر وانتشار أفكار العيش في مجتمع الرفاهية التي ترسم ملامح صورها الدعاية الغربية لاستغلال الفقراء، ومنه تعميم الشبكات الإجرامية وتوسيع ثقافة الفساد بأنواعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وكما تتضمن العولمة إعادة توزيع السلطة فإنها تتضمن عملية إعادة توزيع أخرى تتعلق بالقيم صاحبت عملية إعادة توزيع السلطة، ففي السابق كانت للقيم مرجعية واحدة هي الدولة التي تحدد ما هو سلبي في القيم وما هو إيجابي، أما في ظل العولمة فلم تعد الدولة هي التي تحتكرها ولم تعد سيادتها مطلقة فقد برزت مستويات فوق الدولة ومستويات دونها. فتعددت المرجعيات مع تعدد مستويات ونوعيات السلطة، فقيم الدولة لا تتطابق مع قيم الشركات متعددة الجنسية بما تملكه هذه الأخيرة من صلاحيات تتجاوز سلطة الدولة، والمؤكد أن قيم الدولة لابد أن تختلف عن تلك التي تحكم منظمات الجريمة، فالسلبي بمقتضى رؤية الدولة ليس بالضرورة سلبياً من وجهة نظر مرجعية أخرى، لهذا فأن عالم اليوم بانفتاح أسواقه واقتصاده الحر وانتشار مفاهيم التحول إلى ذلك الاقتصاد العصري نجم عنه اتساع دائرة الفساد فيحول الإجرام إلى ظاهرة عالمية، والفساد إلى عابر للقارات وكمثال وصلت بعض الدول ومجتمعاتها إلى بيع أعضاء أطفالهم ليعيش باقي أفراد عائلتها ، وهذا الفساد الاجتماعي الذي غذته نتائج عولمة مجحفة، يخلق وراءه جملة من الأسباب التي تعطي للفساد بكل أبعاده سبيلا للنفاذ إلى مجتمعات تدعى بالمتحضرة.
ولذلك فعملية إعادة التوزيع في ظل العولمة تنتج تركيبة مختلفة في النظام القيمي وتصاحبها توترات وتصادمات في النظام القيمي الجديد، كما أن سيادة علاقات المصلحة المادية سمح للشركات العابرة للحدود التحايل على القوانين وممارسة الضغوط و إرشاء الهيئات لبلوغ أهدافها ونشر القيم المادية في النفوس؛ وبالتالي تفشي مختلف مظاهر الفساد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال