الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الرابعة من موضوع الحصانة الدبلوماسية بعنوان: الدبلوماسية في الحضارات القديمة

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


1 - الدبلوماسية في الصين القديمة:
اتّبعت الدبلوماسية في الصين القديمة قواعد ومبادئ ارتبطت بنظرتهم الفلسفية وأسبغت عليها هالة من القدسية النابعة من الديانة البوذية والبراهمية. وقد دعا كونفوشيوس الفيلسوف الصيني في القرن السادس قبل الميلاد إلى اختيار مبعوثين دبلوماسيين يتحَلُّون بالفضيلة ويُختارون بناء على الكفاءة وذلك ليمثلوا دولهم في الخارج وعلى المستوى الدولي.
وفضّل الفيلسوف كوانج شينغ، اللجوء إلى استخدام السلمية على الوسائل الحربية، ودعا إلى أن تخصِّص الدولة ثلثي ميزانيتها للإنفاق على الاتصالات والبعثات الدبلوماسية وإتباع قواعد الأسبقية، ومراسم الاستقبال واستقصاء مبعوثيها للمعلومات بشكل سري.
**
2 - الدبلوماسية في الهند القديمة :
وهذه يمكن الرجوع إليها من خلال كتب الهنود المقدسة خاصة " الفيدا والمانوا "، أو قانون مانو الذي يتضمن بعض القواعد الخاصة بالسياسة الخارجية والسفراء و شؤون الحكم وهذه القواعد عن العلاقات الدبلوماسية في حضارة الشرق القديم ، أهمها :
أ- في اختيار السفراء و صفاتهم: يجب على السفراء أن يلمُّوا بكل القواعد الدينية التي تقدم الكثير من المعلومات للسفراء بشأن التجسس والقضايا النفسية ومسألة النسب إلى جانب الاستقامة والمعرفة التاريخية والجغرافية والتمتع بالشجاعة والفصاحة .
ب ـــ تقوم العلاقات الخارجية على عاتق السفير حتى أن الحرب اعتُبرت المهمة الأولى للدبلوماسية وعوّل عليها أكثر من السلم ( و في المادة 65 من قانون مانو) بأن الحرب و السلام يعتمدان على السفير).
ت ــ و في مجال التفاوض: يجب على السفير أن يتحلى بالفطنة والحنكة وينتبه حتى للحركات والإشارات.
ويقول الدبلوماسي البريطاني نيكولسون: بأن قوانين مانو (تشملُ مجموعة كاملة لأحكامٍ دبلوماسية نجدها في الحروب تنهي عن قتل اللاجئين من غير المحاربين و حتى عندما يكون المحاربون على درجة متساوية من التسلح فيجب على المنتصرين أخذ جرحى الأعداء للعناية بهم.
**
3- الدبلوماسية في عهد الإغريق:
يقول نيكلسون أن الإغريق طوروا نظاماً دقيقاً للاتصال الدبلوماسي، بحيث:
أ- عَرِفوا مبدأ التسوية بالتراضي أو المصالحة التي تشير إلى وقف الأعمال العدوانية .
ب- عَرِفوا الاتفاق، أي الهدنة المحلية المؤقتة.
ت - تبنُّوا نظام الاتفاقات العلنية وحتى المعاهدات إلى جانب التحالفات والهدنة المقدسة التي تُعقد في فترة الألعاب الأولمبية و كان عقد الصلح والسلم بالنسبة للإغريق أقرب الاستخدامات والأسماء إلى القلوب.
وكان للسفراء حصانات وامتيازات لا يخضعون لسلطة القضاء المدني والجنائي المحلي في البلد الموفدين إليه وخاصة أن المبعوث كان يتمتع بحماية الآلهة و كثيراً ما كانت الحرب تعلن بسبب انتهاك حرمة سفيرها أو الاعتداء عليه.
ومن أبرز ما عرفه اليونان في تاريخ العلاقات الدولية هو نظام القناصل وهكذا يلاحَظ أن الإغريق قد مارسوا الدبلوماسية وضرورة إتباع هذه القواعد التي تنظم العمل الدبلوماسي.
ومن ناحية أخرى فقد كان الفن والقدرة على كسبِ جانب الشعب عن طريق الانتخابات والدبلوماسية البرلمانية هي الطريقة المُتّبعة أيضا لدى الإغريق.
**
4 - الدبلوماسية في عهد الرومان :
ورث الرومان عن الإغريق بعضاً من التقاليد والقواعد الدبلوماسية. ووصلت الدبلوماسية في عهد الرومان إلى مرحلة متقدمة من التطور والانتظام وانطلقتْ من خدمة الأهداف الخارجية لروما والسيطرة وخضوع الشعوب الأخرى و كيفية استيعابها وصهرها في البوتقة الرومانية. ولجأت روما إلى رفض فكرة المفاوضة والدخول في معاهدات وتحالفات بين روما وغيرها من المدن، والشعوب المغلوبة على أمرها، وهذه المعاهدات أبقت لتلك المدن والشعوب نوعاً من الحكم الذاتي.
وقد عَرِف الرومان المعاهدات وصياغتها وأشكالها حيث أقروا مبدأ احترام العهود وقدسية المواثيق كأساس لاستقرار العلاقات الدولية.
وكانت روما تختار الكهنة للقيام بمهام دبلوماسية مُشترطةً الاعتراف لهم بحصانة خاصة، وكانت تَعِدُ بالمقابل بالامتناع عن كل تدبير من شأنه المَسْ بأشخاص السفراء الموفدين إليها بـ (مُهِمة خاصّة) أو بأشيائهم.
ويقول الدبلوماسي الألماني أوبنهايم: ( إن اعتماد السفراء كوسيلة للمفاوضات رافقَ العالم منذ وجوده. فالتاريخ مشحون بأمثلة وشواهد من هذا القبيل. ومن الطريف أن تلاحظ أن السفراء تمتعوا منذ العهد القديم بحماية خاصة وامتيازات مُعيّنة عندما لم تكن قواعد الحقوق الدولية قد ظهرت للوجود على النحو الذي نراها عليه اليوم. إلا أن هذه الامتيازات كانت تستند قديما إلى أحكام " الدِّينْ " بينما هي تستند اليوم إلى قواعد " الحقوق " فكانَ يُنظَر للسفراء كأشخاصٍ مُزدانين بهالةٍ من القُدسية ).
بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي أصبحت منقسمة إلى قسمين :
1- الدولة الرومانية الغربية.
2 - الدول الرومانية الشرقية التي عُرِفت بالدولة البيزنطية نسبة إلى بيزنطة ( القسطنطينية) .
**
5 - الدبلوماسية في عهد البيزنطيين:
كانت الدبلوماسية البيزنطية أكثر مهارة في استخدام الدبلوماسية وممارستها. واتّبع البيزنطيون أسلوبا من التفاوض في استخدام الدبلوماسية في علاقاتهم مع الأمم الأخرى بِدَهاءٍ تامٍّ. ولجئوا إلى سياسةٍ أضعفتْ الشعوب والقبائل من خلال نشر التفرقة وإثارة التنافس بينهم وإيقاع الخصومات وذلك بهدف تقوية نفوذهم وسيطرتهم. أي سياسة " فرِّق تسُد " التي استخدمها الاستعمار الأوروبي في بُلداننا العربية وغيرها.
واستخدم البيزنطيون عنصر التحرِّي، و جمعِ المعلومات المتعلقة بأسرار الدولة التي يبعث اليها البيزنطيون بمبعوثٍ لهم، حيث يجب عليه أن يتعرف على مَواطن الضعف في تلك الدولة، وأطماع حاكميها وكيفية استغلال كل ذلك لصالح دولته البيزنطية عن طريق المراقبة وجمع المعلومات.
وقد أنشأ البيزنطيون في القسطنطينية ديواناً خاصاً للشؤون الخارجية قام بتدريب المفاوضين المحترفين الذين يقومون بأعمال السفارة لدى الدول الأجنبية وأنشأ إلى جانب ذلك ديوان الأجانب أو حسب تعبيرهم ( ديوان البرابرة) وهو يختص بمصالح المبعوثين الأجانب وشؤونهم وكان من تعليمات ديوان الشؤون الخارجية لسفراء بيزنطة أن يُراعوا قواعد الذوق واللياقة في بعثاتهم، ومعاملاتهم مع الأجانب والمجاملة في أحاديثهم وان لا ينتقدوا البلد الموفدين إليه في شيء بل عليهم امتداحه قدر المستطاع.
**
6 ـــ الدبلوماسية لدى الشعوب القديمة:
يذكر التاريخ أن القبائل البدائية والجماعات البشرية الأولى قد عَرِفتْ الحرب والسلم وإجراء الصلح، ومراسم الاحتفالات الدينية والسياسية والاتصالات التجارية، وكانت لهذه الجماعات مراسم خاصة عند وفاة الزعيم وعند تولي زعيم جديد للسلطة.
وهناك من يُرجِّح أن تاريخ الدبلوماسية يعود للكرسي البابوي حيثُ كانت الخطوة الأولى للدبلوماسية هي من طرف الدبلوماسية البابوية في روما.
وهناك من يعتقد أن الدبلوماسية بدأت عام 1453 مع نهاية حروب المائة عام في بين فرنسا وإنكلترا.
وهناك من يقول أن الدبلوماسية بدأت مع القرن العشرين، أي مرحلة الدبلوماسية العلنية. وهناك من يجادل أن نشأة الدبلوماسية كانت مع نشأة المجتمعات وتطورها وأن آثارها ظهرت على الألواح الآشورية وفي التاريخ الصيني والهندي والإغريقي والروماني.
وقد أدّى تطور العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع القَبَلي إلى بروز بعض القواعد والأهداف، إذ كانت تنشأ العلاقة الدبلوماسية نتيجة تولِّي زعيم جديد للسلطة، أو بِهدفِ القيام بالاتصالات من أجل الزواج والمُصاهَرة، أو بِهدف التحالفات، كما (حلف الفضول) بين بعض القبائل العربية في الجاهلية التي توافقَتْ على أن: ( لا يُظلَم أحدٌ في مكّة إلا ردُّوا ظلامته ).
**
7 - الدبلوماسية في حضارة الشرق الأوسط القديمة
الدبلوماسية في حضارة الشرق الأوسط القديمة (حضارة الفراعنة وبلاد الرافدين) كانت ناشطة، وقامت في هذه المنطقة حضارات امتدّت ما بين النهرين (دجلة والفرات) إلى وادي النيل، كما حضارة الآشوريين والكلدانيين والبابليين، فضلا عن إمبراطورية الفراعنة. وكانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية تتميّز بِسمات المجتمع الآسيوي التي شكّلت قاسما مشتركا لحضارات واسعة تمتد من مصر إلى سورية وبلاد فارس حتى الهند الصينية. وكان الحُكم مركزيا جدا ينحصر في يد الحاكم أو الملِك الذي يُجسِّد الدولة، وكانت الدبلوماسية تهدف لخدمة سياسات الحاكم الخارجية التي يحددها الحاكم أو الملك. وكانت جميع المشاكل العامة والخاصة تُحَلُّ إما بالحرب أو بالسِلم عبر مبعوثين أو رُسُل.
وكان قد تمّ اكتشاف ما يبلغ من 360 لوحا من الصلصال وهي عبارة عن مراسلات دبلوماسية مُتبادَلة بين فراعنة الأسرة الثامنة عشر التي حكمت مصر في القرنين الرابع عشر والخامس عشر قبل الميلاد، وبين ملوك بابل والحثيين وفلسطين، وكان معظمها مكتوبا باللغة البابلية، لغة العصر الدبلوماسية.
وهذا ما تؤكده معاهدة قادش بين الفراعنة والحثيين سنة 1279 ق.م التي شكّلت مرجعية في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية، وأهم مبادئ هذه المعاهدة :
أ‌- أهمية المبعوثين والرسل والاعتراف بمركزهم في تحقيق السياسة الخارجية .
ب‌- التأكيد على إقامة علاقات ودية وإشاعة السلام القائم على احترام أراضي الدولتين وتحديد التحالف و الدفاع المشترك.
و تبرز أهمية هذه المعاهدة ( قادش) في تاريخ العلاقات الدولية في ثلاثة أمور:
1- هذه المعاهدة تُعتبر أقدم وثيقة مكتوبة حتى الآن في تاريخ القانون الدولي .
2- هذه المعاهدة بقيت حتى العصور الوسطى( النموذج المتبع) في صياغة المعاهدات لما تضمنته من مقدمات ومَتن وختام .
3- هذه المعاهدة ترسم لنا صورة صادقة وأمنية عن أوضاع الممالك في الشرق القديم وعن كيفية انصهار الدولة بشخص الحاكم أو الملك.
**
8 - الدبلوماسية في التاريخ الإسلامي
تمّ اعتماد الإجراءات الدبلوماسية في التاريخ الإسلامي أول مرّة كوسيلة لنشر الدعوة الإسلامية. وقد بادر الرسول (ص) إلى إرسال الرسُل داعيا الملوك والأمراء في زمنه إلى الإسلام.
وتَبِعهُ الخلفاء الراشدون في ما سنّ من مبادرات. وقد أقرّ الإسلام حصانة المبعوث الدبلوماسي حيث حمى الرسول رُسُل مسيلمة الكذاب الذين رفضوا الإيمان بالله ورسوله. وتروي كتُب التاريخ أن الدبلوماسية بِمعنى التعامُل السلمي المطلق قد استُعمِلت منذ زمن الخلفاء العباسيين الذين دأبوا على إرسال الرُسُل أو استقبالهم.
وقد تحدّث الدكتور محمود خلف في كتابه ( النظرية والممارسة الدبلوماسية ) عن الدبلوماسية العربية الإسلامية ودورها في تطوير النظرية والممارسة الدبلوماسية واضعا إياها ضمن إطارها الزمني ولكن باستقلالية عن الحضارات الأخرى.
ويشير الدكتور سعيد محمد أحمد باناجة في كتابه (المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية وقت السلم والحرب) أن: (العلاقات الإنسانية عموما في الإسلام، وكذلك العلاقات الدبلوماسية بين الدول، خضعتْ إلى التشريع الإسلامي لمجموعة مبادئ أساسية مُستَمَدة من كتاب الله وسنة رسوله. وهذه المبادئ تُقيمُ للجماعة الدولية قانونا إلهيا عالميا، يضمن السِلم لكافة الشعوب على أساس تكريم الإنسان واعتبار أن الناس جميعا أمة واحدة، دون تمييز في اللون أو الجنس أو العنصر، بدليل قوله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائلا لِتَعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ).
.. يتبع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار