الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية الغربية من الداخل

دلير زنكنة

2024 / 4 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بوليتستورم
منظمة و اعلام ماركسي لينيني من روسيا الاتحادية

مقدمة

في عام 1992، ادعى كتاب نشره فرانسيس فوكوياما بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، أن الديمقراطية الليبرالية تمثل نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية والشكل النهائي للحكومة التي يمكن أن تلبي الرغبة الإنسانية الأساسية في الحرية و الازدهار. الإحصائيات الرسمية التي قدمها لإثبات ادعاءاته، دعمت ذلك.

ومع ذلك، كيف تسير الأمور على أرض الواقع؟ قضى مؤلف هذه المادة عدة سنوات في هولندا وتمكن من رؤية الصورة الموضوعية الحقيقية للديمقراطية الأوروبية، التي تحتوي على تفاصيل أكثر بكثير من الارقام الجافة من خدمات الإحصاء التي ترعاها الدولة.

عند تشريح أسس الديمقراطية في ظل الرأسمالية، ومراقبة الجوانب الرئيسية لمشاركة المواطنين، يتم رسم صورة مختلفة وأكثر موضوعية على النقيض من تحليل فوكوياما السطحي.

الديموقراطية النيابية

غالبًا ما يتم الإشادة بالديمقراطيات الغربية بسبب هيئاتها التمثيلية، التي تضم مجموعة من الأحزاب "التي تناسب احتياجات الفرد". وهذا ينطبق بشكل خاص على هولندا.

إذا أخذنا هولندا كدراسة حالة، يمكننا أن نرى أن البلاد تحصل دائمًا على تصنيف عالٍ للغاية وفقًا لمعايير فريدوم هاوس ومصفوفة الديمقراطية . صنفت مؤسسة فريدوم هاوس هولندا بمجموع نقاط 97/100 معتبرة إياها دولة حرة، ويستند هذا إلى تصنيف عالٍ للحقوق السياسية 39/40 والحريات المدنية 58/60. تمنح مصفوفة الديمقراطية هولندا المرتبة السابعة في "الدول حسب جودة الديمقراطية" وتصنفها على أنها "ديمقراطية فاعلة". ويستند هذا على مجموعة من المعايير المختلفة .

ولكن ما هي الديمقراطية التمثيلية وماذا تجسد كل هذه الأحزاب؟

الديمقراطية النيابية هي شكل من أشكال الحكم ينتخب فيه المواطنين ممثلين لاتخاذ القرارات نيابة عنهم. وبموجب هذا النظام، لا يتخذ المواطنين قرارات مباشرة بشأن سياسات أو قوانين محددة، بل يختارون بدلاً من ذلك ممثلين يدعمون مصالحهم ووجهات نظرهم في عملية صنع القرار. يمكن انتخاب الممثلين على مستويات مختلفة من الحكومة، مثل المستوى الوطني أو مستوى الولاية أو المستوى المحلي. الآن، في حين أن هذا يعطي فكرة جيدة عما يقصدونه، إلا أن الأمر مختلف تمامًا من الناحية العملية.

الثقة

أولاً، تطرح مسألة الثقة. وكانت مستويات الثقة لدى السياسيين والأحزاب في السنوات الماضية منخفضة نسبياً. اعتبارًا من عام 2022، أفاد 63% من جميع الهولنديين أنهم لا يميلون إلى الثقة في الأحزاب السياسية، في حين أن 67% ليس لديهم ثقة في السياسة الهولندية. مما لا شك فيه أن هناك اسبابا لذلك، وكان أحد أكبر المساهمين في ذلك هو فضيحة دفع إعانات رعاية الأطفال في هولندا.

باختصار، أدت فضيحة دفع إعانات رعاية الأطفال إلى مطالبة الدولة بإعادة الإعانات بالكامل (عن كل سنة تم تقديمها) من الأشخاص الذين مُنحت لهم المساعدات. وفي حين أنه أثر على حوالي 26 ألف شخص فقط، إلا أنه غذى موجة كبيرة من عدم الثقة في السلطات في جميع أنحاء البلاد وأظهر فجوة كبيرة في الديمقراطيات الغربية. هذه الفجوة هي الأساس الاقتصادي الذي تقوم عليه، حيث أن العديد من برامج الأحزاب لا تعالج القضية الأساسية للسكان -وهي قلة الدخل.

وهذه الفضيحة وحدها ليست سوى مجرد قطرة في محيط، حيث تظهر إحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الدخل المنخفض هو المشكلة الأكبر التي يواجهها معظم الناس في هولندا. والآن لماذا لم يتم حل مشكلة الدخل إذن؟ إذا كان هناك، بمنطق الديمقراطية التمثيلية، ممثلون عن الشعب يجب أن يركزوا بنشاط على هذا؟

الجواب يوجهنا نحو طبيعة السياسة الطبقية، حيث الأساس الجوهري للنظام الرأسمالي (البرجوازي) هو ضرورة استغلال الناس، وفرض أسعار باهظة على السكن ، وانخفاض الأجور الحقيقية ، مع كون الإضراب هو الوسيلة الوحيدة للناس لتأمين أجورهم. لكن حتى العمل النقابي لا يحل جذور المشكلة. على حد تعبير لينين:

«لا يمكن تحقيق أي مطلب ديمقراطي أساسي بأي درجة كبيرة، أو بأي درجة من الديمومة، في الدول الإمبريالية المتقدمة، إلا من خلال المعارك الثورية تحت راية الاشتراكية. " (برنامج السلام)

التمثيل

فإذا لم يحلوا القضايا التي تواجه الناس، فماذا يمثل ممثلو الشعب الذين يتحدثون عن المساواة والحرية؟ أولئك الذين يدعون أنهم يحمون مصالح الجميع؟ ويمر هؤلاء المرشحون أثناء الانتخابات بإجراءات صعبة ومكلفة (الحملات الانتخابية)، مما يخلق عائقًا ماليًا أمام دخولهم. تستخدم الشركات اموالها في وسائل الاعلام للدعاية للمرشحين الذين يمثلون مصالحهم على أفضل وجه.

وماذا عن تمثيل مصالح الطبقة العاملة؟ اقترح حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD) وحزب النداء الديمقراطي المسيحي (CDA) إصلاحات سوق العمل والضرائب. ومن شأن الإصلاحات الضريبية أن تخفض الضريبة على أصحاب الدخل المرتفع، وزيادتها على الطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل. جعلت إصلاحات العمل من السهل على أصحاب العمل تعيين العمال وفصلهم.

واقترحت أحزاب أخرى مثل حزب العمل (PvdA) والحزب الاشتراكي (SP) إصلاحات طفيفة لم تكن لها أي ديمومة، إما أن يأكلها التضخم أو يتم إلغاؤها من خلال الإصلاحات المستقبلية للأحزاب المعارضة. وصف لينين في عام 1917 هذه العملية بنجاح:

"مرة كل بضع سنوات، لتحديد أي عضو من الطبقة الحاكمة سيقمع، و يسحق الشعب في البرلمان - هذا هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، ليس فقط في الملكيات البرلمانية الدستورية، ولكن أيضًا في الجمهوريات الأكثر ديمقراطية". (الدولة والثورة)

يتبين الواقع الكئيب من العلاقة بين المرشحين من عامة الناس وانتمائهم إلى القوى العاملة. وعلى الرغم من ادعاءات السلطات المعاصرة بتنفيذ سياسات تهدف إلى إفادة الطبقة العاملة، فمن الممكن تشبيه مثل هذه الإجراءات بتطبيق ضمادة على مريض مصاب بمرض عضال. في الحقيقة، تمتلك النخبة الرأسمالية النفوذ الأهم وتؤمنه من خلال المساهمات المالية، أو "ممارسة اللوبي" في العملية السياسية.

الضغط(اللوبي)

إن ممارسة الضغط هو قمة "الديمقراطية" في ظل الرأسمالية وهي القوة الموجهة لتنفيذ السياسة . اللوبي هو محاولة التأثير على القرارات التي يتخذها المسؤولون الحكوميون أو المشرعون أو غيرهم من المسؤولين العموميين نيابة عن منظمة أو مجموعة أو فرد معين.

إنه أحد ألمع الأمثلة على الأصول الطبقية للدولة الحديثة، عندما يتم تمويل ومساعدة هذا الشخص أو ذاك من قبل مجموعة معينة من الرأسماليين من أجل تأمين مصالحهم على نطاق واسع. إنه جوهر كل السياسات في ظل الرأسمالية، حيث ينسى العديد من السياسيين تعهداتهم ووعودهم للناخبين، بمجرد أن تؤثر خططهم على أرباح الاحتكارات. لا يتعين على المرء أبدًا أن يذهب بعيدًا لرؤية هذه العمليات.

ولعل أحد الأمثلة الأكثر وضوحًا وبثًا على ذلك في هولندا هو الإخلال بالوعد المناخي بإنهاء التمويل العام لمشاريع الوقود الأحفوري العالمية . تعتبر صناعة الوقود الأحفوري جهة مؤثرة بشكل غير عادي في هولندا، وهي تمارس ضغوطا قوية على السياسة الهولندية. في عام 2020، قامت شركتا شل وإكسون موبيل بإستخدام جماعات ضغط للتأثير على سياسة المناخ للحكومة الهولندية. قدمت جماعات الضغط حججًا ضد ضريبة الكربون المقترحة ودافعت عن لوائح أكثر تساهلاً بشأن الانبعاثات.

بالإضافة إلى ذلك، في هولندا، يُسمح للأحزاب السياسية والمرشحين علنًا بتلقي التبرعات من الشركات والأفراد. في الانتخابات العامة الهولندية لعام 2017، تبرعت العديد من الشركات الهولندية الكبرى بمبالغ كبيرة من المال للأحزاب السياسية، بما في ذلك فيليبس، وهاينكن، ورابوبانك. وحتى في عام 2023، يمكننا أن نرى ذلك، حيث تبرعت مجموعات من الرأسماليين وأصحاب الحيازات الصغيرة لأحزابها(الأحزاب التي تمثل مصالحها على أفضل وجه، وبسبب التبرعات، تدعم مصالح المانحين وتغلبها) للمساعدة في خدمة مصالحهم.

ومع ذلك، فإن مصالح الشركات لا تنتهي عند مجرد ممارسة الضغوط؛ في بعض الأحيان يتولى ممثلو الشركات مناصب عليا في السياسة لمواصلة تعزيز مصالحها الطبقية. على سبيل المثال، انضم رئيس الوزراء الهولندي السابق من عام 2002 إلى عام 2010، جان بيتر بالكينينده، بعد ترك السياسة، إلى شركة إرنست آند يونغ، حيث عمل كشريك في القسم الاستشاري.

عمل الرئيس الحالي لهولندا، مارك روته، لعدة سنوات في القطاع الخاص، بما في ذلك مدير الموارد البشرية لشركة يونيليفر، وهي شركة هولندية كبيرة متعددة الجنسيات للسلع الاستهلاكية. دخل السياسة عام 2002 وشغل منصب رئيس وزراء هولندا منذ عام 2010. بصفته رئيسًا للوزراء، نفذ سياسات لدعم القطاع الخاص، مثل تخفيض الضرائب على الشركات .

ومع ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يزعمون أن هناك مساواة وحرية في نظام التمثيل هذا، ولكن ما هي المساواة والحرية التي يمكن أن يتقاسمها العامل والرأسمالي؛ الفقراء والأغنياء، الجائع و الشبعان، بين بعضهما البعض؟ وهكذا تتبين مرة أخرى أن الديمقراطية التمثيلية هي أداة في أيدي الطبقات الحاكمة، تسمح لها بالتأثير على السياسة بالطريقة التي تريدها، في حين أنها بالنسبة للجماهير العمالية مجرد وهم.

أسطورة "الديمقراطية المباشرة"

في حين أن الديمقراطية البرجوازية الغربية معروفة بهيئاتها التمثيلية، فهي تتكون أيضًا من بعض الوسائل تحت تصرف الناس من اجل المشاركة المباشرة كما هو الحال في البلديات والمنظمات غير الحكومية. هل يمكن أن يكونوا المفتاح لمساعدة الطبقة العاملة على تحقيق احتياجاتها ؟

الديمقراطية المباشرة هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيه المواطنون بشكل مباشر في عملية صنع القرار، بدلاً من انتخاب ممثلين للقيام بذلك نيابة عنهم. في الديمقراطية المباشرة، يتمتع المواطنين بالقدرة على اقتراح السياسات والقوانين وتطويرها والتصويت عليها، إما من خلال الاجتماعات العامة أو الاستفتاءات أو غيرها من أشكال النشاطات العامة. في هولندا، يُزعم أن هذه الآليات هي ديمقراطية مباشرة، ومع ذلك، فإن معظمها ببساطة أشكال أكثر تفاعلية من الديمقراطية التمثيلية. والهيئات السياسية التي تمارس هذا الشكل من الديمقراطية هي المقاطعات، وسلطات (توزيع) المياه، والبلديات.

البلديات

وتجسد البلديات، في جوهرها، النموذج الأكثر وضوحاً لكيفية عمل "الديمقراطية المباشرة" ومن في المقام الأول يستفيد منها. يتم التعامل مع البلديات في هولندا على أنها "مستوى الحكومة الأقرب إلى الشعب" . وبناءً على ذلك، فهي بمثابة مصدر للمساعدات في شكل تمثيل ومساعدة مالية. وعلى الرغم من هذه الادعاءات، فإن القدرات الأساسية للبلديات محدودة و تواجه نفس العقبات التي تواجهها الهيئات التمثيلية العليا.

بدءًا من حدود التمثيل، يتم تمثيل قيادات بلديات الدوائر المختلفة على أساس الانتخابات المحلية للأشخاص الموجودين من نفس الأحزاب المذكورة. مع ذلك، كل شيء متشابك في خلق صورة أثناء الانتخابات، مفادها أنه رغم أنها أقل من الانتخابات البرلمانية، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى تمويل. ومن هذا المنطلق، يمكن لعدة مجموعات أخرى أن تحظى بالتمثيل.

وفي أغلب الأحيان، تكون هذه أحزاب أصحاب الملكيات الصغيرة (البرجوازية الصغيرة) التي تمثل الشركات الصغيرة و/أو المزارعين. في الآونة الأخيرة، في عام 2023، فازت حركة المزارعين -المواطنين، أو BoerBurgerBeweging (BBB)، على عكس التوقعات، في انتخابات المقاطعات واستخدمت هذه السلطة لتعزيز مصالح أصحاب الملكيات الصغيرة، مع الأهداف الحالية المتمثلة في تعويض لوائح الأسمدة. أظهر هذا أن الأحزاب الناشئة حديثًا يمكنها بالفعل أن تكافح بنشاط حلبة السياسة مع الأحزاب القائمة، على أية حال، كل هذه الأحزاب لا تمثل الطبقة العاملة، وبدلاً من ذلك تعمل كوسيلة لأصحاب الملكيات الصغيرة ليكون لهم رأي في السياسة، تاركين الأغلبية المتبقية غير قادرة على تحقيق الكثير من المشاركة.

وهذا على الأكثر ليس مفاجئًا، حيث يمكننا أن نرى أن هذه الهيئات تركز بشكل كبير على السماح لأصحاب الملكيات الصغيرة بالحصول على فهم إضافي لتمثيلهم. ويتجلى ذلك في مجموعة واسعة من البرامج التي تستهدف الشركات الصغيرة:

1. "حاضنات ومسرعات الأعمال" التي توفر الدعم والموارد للشركات الصغيرة، مثل المساحات المكتبية والتوجيه والحصول على التمويل.
2. الحوافز الضريبية للشركات الصغيرة ، مثل خفض الضرائب العقارية أو تخفيض الأسعار لبعض الأنشطة التجارية.
3. منح مالية لتطوير الأعمال أو غيرها من أشكال الدعم المالي للشركات الصغيرة التي تتطلع إلى التوسع أو الاستثمار في مشاريع جديدة.
4. فرص التواصل التي تنظمها البلديات مثل الفعاليات وورش العمل التي تسمح لأصحاب الأعمال الصغيرة بالتواصل مع بعضهم البعض والتواصل مع العملاء والشركاء المحتملين.
5. الدعم التنظيمي للشركات الصغيرة، مثل المساعدة في الحصول على التصاريح والتراخيص ، والمساعدة في التعامل مع اللوائح المحلية وقوانين تقسيم المناطق.

لا توفر البرامج حوافز مالية فحسب، بل توفر أيضًا منصات للناس للتعبير عن تجاربهم و مشاكلهم. أحد الأساليب الفريدة التي اتبعتها البلديات كان العمل مع المديرين المبدعين لبرنامج المعارض الفنية NoWhere. وحتى مع توفير منافذ للتعبير عن قضاياهم بشكل خلاق، فإن أبناء الطبقة العاملة يتخلفون عن الركب، ناهيك عن المساعدات الأساسية.

وتقتصر البلديات في تقديم مساعداتها للطبقة العاملة على تقديم المشورة بشأن ديونها وقضايا الفقر، إلى جانب تقديم مساعدات مادية ومالية بسيطة. ومع ذلك، فإن هذا لا يشكل الكثير، ومع التخفيضات النشطة في التمويل، فإن هذا يتناقص كل عام . بالإضافة إلى ذلك، لا تؤثر البلديات والهيئات الأصغر الأخرى على القرارات السياسية على المستوى الوطني، مما يعني أنه حتى الحزب الأكثر تقدمية الذي يفوز في الانتخابات البلدية، لن يؤدي إلى أي شيء مهم.

النقابات

تظهر الإحصاءات انخفاض ثقة ومشاركة العمال ذوي الدخل المنخفض في النقابات. وبما أن الديمقراطية الرأسمالية "المزدهرة" تؤدي إلى صعوبات المزيد من الناس لتغطية نفقاتهم وتدفع المزيد من الناس إلى الفقر ، فقد يتساءل المرء: ماذا حدث للنقابات التي تدعي النضال من أجل حقوق العمال؟

تواجه النقابات الهولندية، مثل العديد من نظيراتها العالمية ، مشكلة عمرها قرن من الزمان تتمثل في كونها عالقة في النضال الاقتصادي. بالإشارة إلى نص لينين حول كفاحه ضد السياسة النقابية:

"إن العبارة الرنانة حول "إضفاء طابع سياسي على النضال الاقتصادي نفسه"، والتي تبدو عميقة وثورية "بشكل رهيب"، تخدم كستار لإخفاء ما هو في الواقع السعي التقليدي لتحطيم السياسة الاشتراكية الديمقراطية [الشيوعية] إلى درجة " مستوى السياسة النقابية”. (ما العمل؟)

وحتى ذلك الحين، على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت عضوية النقابات في هولندا تتراجع ، و الشباب هم الأقل انضماماً إلى النقابات. وهكذا، يُترك فرد الطبقة العاملة غير مسموع في هذا النظام، مع عدم وجود القدرة المناسبة على المشاركة في السياسة التي خلقها الرأسماليون لأنفسهم.

إن آلية الحكم على المستوى الأدنى محدودة للغاية وهي أداة للطبقات المالكة للحصول على السلطة السياسية والتنافس مع بعضهم البعض عليها، وليس العمال. وبالتالي، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا لماذا يشعر أبناء الطبقة العاملة باللامبالاة بشكل متزايد تجاه الديمقراطية التمثيلية و التفاؤل بالسياسة، كما قال لينين:

«بسبب ظروف الاستغلال الرأسمالي، فإن العبيد المأجورين المعاصرين يسحقهم العوز والفقر لدرجة أنهم «لا يستطيعون أن يهتموا بالديمقراطية»، و«لا يمكن أن يهتموا بالسياسة»؛ وفي المسار العادي السلمي للأحداث، يُمنع غالبية السكان من المشاركة في الحياة العامة والسياسية". (الدولة والثورة)

المنظمات غير الحكومية NGO

عنصر آخر من عناصر الحكم في الديمقراطيات الغربية هو المنظمات غير الحكومية. إنهم بمثابة عناصر "حسنة النية" في المجتمع تهدف إلى تحقيق الرفاهية، وكما يقول البعض إنهم يعملون كوسيط بين الدولة والشعب ويوفرون أدوات التمكين للجماهير. تعرف الدولة الهولندية المنظمات غير الحكومية بأنها:

"لا تهدف المنظمات غير الحكومية إلى تحقيق الربح وغالباً ما تكون ملتزمة بقضايا البيئة والفقر وحقوق الإنسان... فالمنظمة غير الحكومية ليست منظمة حكومية أو تجارية. تعمل المنظمات غير الحكومية عادة مع متطوعين وأموال من الجهات المانحة.
يمكن للمنظمات غير الحكومية أيضًا أن تكون شريكًا في المحادثة مع الحكومات. على سبيل المثال، للحصول على المشورة أو الوساطة في مسائل مثل عمالة الأطفال أو حقوق الإنسان. تركز بعض المنظمات غير الحكومية بشكل خاص على البلدان النامية، أو التعاون الإنمائي، أو المساعدات الإنمائية". (Business.gov.nl)

ورغم أن الصياغة نبيلة بالفعل، وهناك أمثلة قوية للمنظمات غير الحكومية الخيرية مثل FairWork (عمل عادل)، إلا أن هناك حدودًا معينة تلقي بظلالها على الجهود التي تبذلها حتى أكثر المنظمات حسنة النية. أولا وقبل كل شيء، هناك عقبة السوق، التي تخترق حتما كل شق في المجتمع في ظل الرأسمالية. وتواجه المنظمات غير الحكومية في نهاية المطاف مسألة سباق الزمن، حيث إما أن تتحول إلى أداة للاحتكارات، أو تسحق من قبلها ، أو تبقى منظمة صغيرة تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها النقابات المذكورة أعلاه.

الاستمالة

أحد الأمثلة المذكورة أعلاه هو أنه يمكن تحويل المنظمات غير الحكومية إلى أدوات للاحتكارات. في مثل هذه الحالة، يجوز للشركات استخدام المنظمات غير الحكومية لخلق الانطباع بأنها مسؤولة بيئيًا مع الاستمرار في الانخراط في أنشطة ضارة بالبيئة. قد تسعى الشركات إلى امتلاك المنظمات غير الحكومية بشكل مباشر من خلال تزويدها بالتمويل أو الموارد الأخرى، للتأثير على أجندتها أو الحد من قدرتها على انتقاد ممارسات الشركة. بالإضافة إلى ذلك، كما هو الحال مع لوبي الهيئات التمثيلية، تسعى الشركات إلى التأثير على سياسة الحكومة أو لوائحها من خلال العمل من خلال المنظمات غير الحكومية.

وحالات مثل هذه ليست نادرة، وقد ظهرت أمثلة كثيرة في السنوات الماضية.

في عام 2019، اتُهمت شركة شل بالغسيل الأخضر (نقل انطباع كاذب أو معلومات مضللة حول مدى سلامة منتجات الشركة بيئيًا) من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة السلام الأخضر ، وأصدقاء الأرض الدولية (FoEI). قدمت الشركة تبرعًا بقيمة 300 ألف دولار لمؤسسة تنظيف المناخ، وهي منظمة غير حكومية تروج لتكنولوجيا احتجاز الكربون مع الاستمرار في استخراج وبيع الوقود الأحفوري. واتهمت المنظمات غير الحكومية شركة شل باستخدام التبرع كأداة للعلاقات العامة لصرف الانتباه عن دور الشركة في المساهمة في تغير المناخ.

في عام 2018، تبين أن المنظمة الهولندية غير الحكومية Milieudefensie (أصدقاء الأرض الهولندية) تقبل تمويلًا من الحكومة الهولندية ويانصيب الرمز البريدي الوطني، وكلاهما كان لهما استثمارات في شركة شل الملكية الهولندية Royal Dutch Shell. ونتيجة لذلك، فقد حرفوا جهودهم في انتقاد شركة شل.

في عام 2019، تعرضت المنظمة الهولندية غير الحكومية Stichting Natuur & Milieu (مؤسسة الطبيعة والبيئة) لانتقادات بسبب مشاركتها في المفاوضات حول ضريبة مقترحة على ثاني أكسيد الكربون. اتُهمت المنظمة غير الحكومية بأنها قريبة جدًا من شركات الطاقة، لأنها تلقت تمويلًا من شركات مثل Eneco وVattenfall. وكانت المنظمة غير الحكومية تخفف من مطالبتها بفرض ضريبة أعلى على ثاني أكسيد الكربون، من أجل الحصول على دعم هذه الشركات.

كل هذه الأمثلة تجسد مسألة أنه بغض النظر عن الحالة، فإن كل منظمة غير حكومية تحتاج إلى تمويل، وبدونه ستتوقف عن العمل. ونتيجة لذلك، بما أن أصحاب الملكية يمتلكون رأس المال ويديرونه، فإن أكبر الممولين سيكونون حتمًا من الرأسماليين، وسوف يتبرعون بالمال للمساعدة في تعظيم أرباحهم، سواء كان ذلك من خلال مساعدة أنفسهم في التسويق، أو فتح أسواق جديدة، أو اكتساب ميزة تنافسية على الآخرين.

تحصل منظمة (عمل عادل) FairWork المذكورة سابقًا على تمويل من الاتحاد الأوروبي، لذلك بغض النظر عن نواياها، فمن الصعب أن نتخيل أن المفوضية الأوروبية لن توقف تمويلها إذا بدأت المنظمة غير الحكومية في المساعدة في تنظيم العمال.

ستراتيجية التقاضي

والعقبة الثانية هي التقاضي، حيث أن الرأسماليين، وخاصة الأكبر منهم، لديهم ما يكفي من المال لإنفاقه على الدعاوي القضائية الصعبة والمكلفة كوسيلة لحماية مصالحهم. وبالتالي تستخدم الشركات النظام القانوني لإسكات أو تخويف المنظمات غير الحكومية التي تنتقد أنشطتها.

في عام 2011، رفعت شركة الألبان الهولندية فريزلاند كامبينا دعوى قضائية ضد منظمة رعاية الحيوان فاكر داير بتهمة التشهير، بعد أن اتهمت فاكر داير الشركة بانتهاك معايير رعاية الحيوان. فازت فريزلاند كامبينا بالدعوى القضائية، وحُكم على فاكر داير بدفع تعويضات.

وفي العام نفسه، رفعت منظمة العفو الدولية ومنظمة FoEI دعوى قضائية ضد شركة شل الملكية الهولندية Royal Dutch Shell زاعمين أنها انتهكت أحكام حقوق الإنسان والبيئة في عملياتها النفطية في نيجيريا. وقد تراجعت المنظمات غير الحكومية عن قضيتها، وبالتالي تم سحبها.

وفي عام 2014، رفع بنك رابوبانك الهولندي دعوى قضائية ضد ميليوديفنسي بتهمة التشهير، بعد أن اتهمت المنظمة البنك بتمويل الشركات المتورطة في إزالة الغابات. فاز رابوبانك بالدعوى القضائية، وأُمر ميليوديفينسي بالتراجع عن تصريحاتها.

وكانت جميع الدعاوى القضائية عبارة عن محاولات لإسكات المنظمات غير الحكومية والحد من النقاش العام حول تلك القضايا. في نهاية الأمر، تواجه المنظمات غير الحكومية نفس الحجج التي واجهتها الجمعيات الخيرية من قبل، فبينما يمكن لبعضها مساعدة الناس، إلا أنها في النهاية لا تحل المشكلات البنيوية وهي غير ذات أهمية على مستوى واسع النطاق. وينتهي الأمر بالمنظمات غير الحكومية بأن ترث نفس المشاكل التي ذكرناها من قبل في الأقسام السابقة، مع إمكانية السيطرة عليها بشكل أسهل من قبل النظام الرأسمالي. ولا يمكن اعتبارها هياكل "موضوعية" في التعامل بشكل كاف مع القضايا ذات الأصل البنيوي. إنها، التي أنشأها المجتمع الرأسمالي والتي يرعاها الرأسماليون دائمًا تقريبًا، مستعدة للإشارة إلى واحدة أو أكثر من "ثغرات " الديمقراطية البرجوازية طالما أنها لا تؤثر على رعاتها.

الانتخابات الأخيرة

في الانتخابات العامة الهولندية لعام 2023، فاز حزب PVV اليميني المتطرف (Partij voor de Vrijheid/ حزب الحرية) بقيادة خيرت فيلدرز بـ 37 مقعدًا في استطلاعات الرأي، مما يجعله أكبر حزب في البرلمان الهولندي.

في عام 2023، لم يكن خيرت فيلدرز مرشحًا فريدًا على الإطلاق، وكان توجه السياسي الذي اشتهر به مناهضًا للإسلام والهجرة، ومعظم خطابه يكاد يكون مطابقًا لأي زعيم "شعبوي" آخر. أدت نتيجة وصوله إلى السلطة إلى تحسين أوضاع اليمين في هولندا وأوروبا، حيث شراكته مع إيطاليا عهد ميلوني والمجر في عهد أوربان.

ورغم أنه من غير المحتمل أن يتمكن حزب واحد في "الديمقراطية" الهولندية من الاستيلاء على السلطة الكاملة، إلا أن ذلك سيهز مرة أخرى مواقف الديمقراطيين الاجتماعيين الغربيين واليسار الأوسع. وبغض النظر عن الحكومة الائتلافية التي ستنتهي بتشكيل مثل هذا الحزب، فإن ذلك سيضع سياسات قاسية جديدة تهاجم حقوق العمل للأجانب العاملين في هولندا، وتخفي التناقضات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة من خلال الخطاب المناهض للاجئين والمسلمين.

بالرجوع إلى الفصول السابقة، وما تم وصفه هنا، هو مجرد دفع اضافي لنفس السياسات التي بدأتها الدولة الهولندية في السابق في الفترات الأخيرة، مع عدم وجود حزب متماسك للدفاع عن حقوق جميع العمال ، فان الشركات و اتباعها سوف تستخدم كل الوسائل اللازمة للدوس على حرياتهم وسلامتهم، بدءاً بالفئات الأكثر ضعفاً.

خاتمة

من خلال جمع البيانات عن مختلف المؤسسات، هل يمكن تسمية هولندا بأنها ديمقراطية خالصة؟ لا، لأنها دولة برجوازية تخدم الرأسماليين والفئات الطفيلية وإلى حد ما البرجوازية الصغيرة. الطبقة العاملة في الرأسمالية مستبعدة، وفي نهاية المطاف، مستبعدة من عملية صنع القرار السياسي الحقيقي، وبغض النظر عما يتم التصويت عليه، لن يلغي أي حزب برجوازي نظام استغلال الإنسان للإنسان.

هل يمكن تغييره؟ لا شك أن هذه النقاط توضح أن عيوب هذا النظام عميقة لدرجة أنه لا يمكن إصلاحه أو تصحيحه. ونتيجة لذلك فإن البديل الوحيد المطروح هو أن تتخلى الطبقة العاملة عن الوعود الرأسمالية. وكما قال لينين:

«لقد استوعب ماركس جوهر الديمقراطية الرأسمالية بشكل رائع عندما قال، في تحليله لتجربة الكومونة: يُسمح للمضطهدين مرة كل بضع سنوات بأن يقرروا أي ممثلي الطبقة المضطهدة سيمثلونهم ويقمعونهم في البرلمان!
ولكن التطور الى امام، من هذه الديمقراطية الرأسمالية - التي هي حتماً ضيقة وتدفع الفقراء جانباً خلسة، وبالتالي فهي منافقة وكاذبة كلها - لا يجري ببساطة، مباشرة و دون عقبات، نحو "ديمقراطية أكبر وأعظم"، كما يصور الامر الأساتذة الليبراليون والانتهازيون البرجوازيون الصغار. لا، إن التطور إلى الأمام، أي التطور نحو الشيوعية، يمر عبر دكتاتورية البروليتاريا، ولا طريق له غير هذا الطريق ، لأن مقاومة المستغلين الرأسماليين لا يمكن أن يكسرها أي طبقة اخرى أو بأي طريقة أخرى.

وديكتاتورية البروليتاريا، أي تنظيم طليعة المضطهدين كطبقة حاكمة بغرض قمع الظالمين، لا يمكن أن تؤدي إلى مجرد توسيع الديمقراطية. بالتزامن مع التوسع الهائل للديمقراطية، التي أصبحت لأول مرة ديمقراطية للفقراء، ديمقراطية للشعب، وليس ديمقراطية لأصحاب المال، تفرض دكتاتورية البروليتاريا سلسلة من القيود على حرية المضطهدين، المستغلون، الرأسماليون. يجب علينا قمعهم من أجل تحرير الإنسانية من العبودية المأجورة، ويجب سحق مقاومتهم بالقوة؛ ومن الواضح أنه لا حرية ولا ديمقراطية حيث يوجد القمع والعنف”. ( الدولة والثورة )

وحتى بعد مرور قرن من الزمان، فإن تحليل لينين للتنظيم السياسي للعالم يثبت قيمته بطرق لا حصر لها. بغض النظر عما يدعيه العديدين من امثال فوكوياما، فإن العالم موضوعي، ومن خلال تحليل الجذور المادية للهياكل الاجتماعية، نحن قادرون على اكتشاف الطبيعة الطبقية للمجتمع ونلاحظ بوضوح نضال الطبقة العاملة - التي كانت موجودة وستستمر. موجودة طالما أن رأس المال موجود.

وهذا يكشف عن البديل الوحيد – دولة البروليتاريا. دولة تقودها شرائح البروليتاريا الأكثر تقدمية، والتي ستعمل على دمقرطة المجتمع والاستفادة من الأدوات المتعلمة من الرأسمالية ، للنضال ضدها والإنتاج الاجتماعي واسع النطاق. الاشتراكية وحدها القادرة على تطوير استخدام الديمقراطية، وإعطاء صوت للأغلبية الصامتة، ولهذا السبب، يجب أن يوجههم الحزب الشيوعي بوعي نحو هذا الهدف.

نشرت في06 أبريل 2024

https://us.politsturm.com/western-democracy-inside








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي