الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية 140

آرام كربيت

2024 / 4 / 23
الادب والفن


كنت على الصليب عارية، عري هو عريكم
كنت راقدة على الصليب عارية تمامًا، شعري الأسود الطويل الفاحم يتدلى بانسياب حر فوق جسدي ليصل إلى ما تحت عريّ. ملت برأسي قليلًا، بينما عنقي مثبت بالمسمار.
فعلت هذا، وفائض الألم يفعل فعله بي، لأمنح شعري قوة أن يغطي بقايا خجلي وهيبتي.
كنت انتظر الموت بفارغ الصبر، والألم يلف عقلي وروحي.
كان الجنود ملتفون حول صليبي، حول الخشب غير المتناسق، انتزع على عجل من جسد إنسان آخر.
كان صليبي واقفًا، وواقفة عليه، كلانا كان يعانق الريح العابرة والزمن الصادم.
لم يكن للجنود أي هم، سوى الوصول إلى رؤية الشهوة القابعة في جسدي.
بالرغم من ثقل الألم، كنت أميزهم بدقة. عيونهم الذئبية كانت عابقة بالرغبة، أن يصلوا إلى جسدي الميت.
لم يكن يهمهم حياتي أو ثقل الموت الذي يلتف حولي.
كان الألم العظيم يصعد من رأسي، ويدور وويدور ويعود إليه.
المسامير في عنقي ويدي ورجلي.
كل مكان من جسدي ينزف. ونقاط الدم ينزل ويسيل إلى النهدين فالسرة إلى الأسفل.
شيء مالح وحنون يتابع سيره الحنون ليلتقي بالمسمار التي يربط رجلي بالخشب العتيق.

عقدة الدونية
كان لدينا عقدة الدونية اتجاه الخواجا الغربي، هذه العقدة رسختها الأنظمة ومؤوسساتها ومثقفيها ورجال الدين.
وبأننا أقل شأنًا منهم.
في بلادنا كنا نشعر أننا أسياد أنفسنا، وأسياد المكان على الرغم من وجود الدكتاتور والاستبداد.
كان المكان مكاننا. وحتى في السجن كنا نشعر أننا أصحاب حق، وأن صراعنا مع الأنظمة الجائرة هو حق مشروع، وموضع فخر.
اليوم نشعر بالتهميش لأننا جئنا إليهم مهزومين مكسورين، وأن بلادنا لفظتنا ورمتنا على قارعة الطرق.
يشعر أحدنا، باللاقيمة واللاجدوى، وأن وجودنا في هذه البلاد مجرد خواء، شيء نافل، لتمرير الأيام إلى لا حين.
الامتلاء الذي كنّا نحس به بالرغم من قسوة الواقع، تبخر وتذرى مع الغيوم الصيفية العابرة.

البناء النفسي تزرعه الأم في طفلها
التصدع أو الخراب الذي تزرعه الأم في البناء النفسي لأبناءها، يحتاج إلى آلاف الكتب لإعادة إنتاجه من جديد بشكل سوي.
ويحتاج إلى الوعي والمعرفة العميقة لقراءة هذا البناء قراءة صحيحة للوصول إلى بناء سليم.
البناء النفسي للطفل يبدأ من اليوم الأول، ويمتد إلى السنوات الثلاث الأولى، ومن الثلاث الأولى إلى الخامسة.

الله
اخترع الإنسان الله، ليمجد نفسه، لأنه العاشق لنفسه، الأناني.
إنه كتلة من العقد والأمراض العقلية.
وليخفف عن نفسه الاضطرابات، وعدم الثقة بالنفس والشك بكل ما يحيط به.
وليعيد لنفسه بعض التوازن الهش
وإنه الكائن الوحيد المصاب بالبارانويا.
سيبقى المجتمع العربي جاهلًا متخلفًا إذا لا يقطع مع الله ويقبره.
كل المظاهر التي نراها في عالمنا العربي يشير إلى أنهم يعيشون السعادة والفرح تحت ظله وصولجانه.
لهذا أقول لهم، لا تحلموا أن تتحرروا أو تعيشوا حياة حرة كريمة بوجوده، وجود الله يعني أن السيسي سيبقى، باق وسيتمدد، وسيبقى بشار أو ابو أو ابنه، وعمار الحكيم وبن حمد وبن سلمان أو ابوه أو عبد العزيز العاشر.
الشعوب التي لا تقطع مع الماضي مكانها الحقيقي في ظل الاستبداد الكامل المتمثل بالديكتاتور الصغير أو الكبير.
هناك من يريد بقاء الله مسلطًا عليكم أو علينا، لأن وجوده بركة للكثير من الدول والحومات.
أخاف أن نستيقظ بعد سنوات طويلة فنرى أنفسنا في اللامكان واللأزمان.

والدي
قلت سابقًا أن والدي كان يضع سيارته في الكراج. الحقيقة, لم تكن السيارة ملكه. كانت مملكته، معبودته، عشيقته، لعبته، يهتم بها أكثر من اهتمام الطفل بثياب العيد.
كل شيء مسخر لخدمتها.
في الشتاء يفرغ الراديتور من الماء حتى لا يجمد وفي الصباح يسخن الماء على بابور الكاز من ماله الخاص ويضعه فيه.
الدواليب هو الذي يصلحهم حتى يوفر على الدولة بعض المال.
كل يوم جمعة يجلس فيها ويبدأ التصليح وأمي بجانبه.
لديه كل شيء في السيارة. معول، بوبين، بواجي، جميع أنواع مفاتيح التصليح، مفكات، براغي، دولاب احتياط.
يبحث عن ثقب ما ليسده. لديه زفت ولباد دائمًا في السيارة.
لقد زنر تحت مداسات الأرجل باللباد المدهون بالزفت حتى يحمي السيارة من الأسفل، حتى لا يدخل الغبار أو الهواء.
كل يوم يغسل السيارة، وبالفرشاة والكاز ينظف المحرك، وبورق القزاز يحف البواجي وينظفهم.
وسيرة السيارة لا تنقطع عن لسانه.
عندما كنت صغيرًا كنت أتخيل أن سيارته لها جناحين وستطير من كثرة اهتمامه بها.
كان أصدقائه في العمل يضحكون عليه على هذا التصرف الغريب من الاهتمام الزائد بعمله.
وكل كلمة والثانية يقول، سيارتي موجوعة اليوم تحتاج إلى تبديل الزيت. سيارتي توسخت تريد أن تتحمم. سيارتي كانت في مهمة متعبة البارحة، أنها تعبانة تريد الراحة.
هناك ثقب ما يُدخل الغبار إلى داخل الكابين يجب أن اعرف أين هو؟
هناك صوت غريب يأتي من مكان ما من السيارة يجب أن أعرفه.
يستيقظ باكرًا كل يوم، يشعل البابور ويجهز المتة أو القهوة ثم يوقظ والدتي ويشربا معًا قبل ذهابه إلى العمل.
كانت السيارة من نوع اللاندروفر موديل 1964 جلبها من ميناء اللاذقية عندما استوردتها الدولة من بريطانيا، ويقول عنها:
ـ أنها سفينة البادية، جمل الجزيرة، تحملت هذه المسكينة الكثير من التعب.
عندما كبر في العمر وخف نظره، أعطوه صهريج ماء كبير لسقاية الأشجار الحراجية، قال وقتها:
ـ عندما يكبر الإنسان تكبر سيارته معه.
بعد ثلاثة أشهر من تسليمه اللاندروفر ذهبت إلى المرآب، التقيت به هناك، قال لي:
ـ تعال معي.
ذهبت معه إلى حيث أراد، قال لي:
ـ أنظر؟
قلت:
ـ إلى أين؟
ـ هل تعرف هذه السيارة؟
ـ لا.. لا أعرفها، هذه ليست سيارة، أنها كومة حديد.
ـ هذا سيارتي، عروستي، ماتت. بمجرد أن استلمها سائق أخر، ونتيجة السرعة الزائدة اصطدمت بسيارة أخرى، تحولت السيارتان إلى خردة كما ترى.
بصراحة، لم أفهم سبب هذا العشق إلى اليوم، لكنه كان ناجحًا بعمله.

عين الزرقاء في مدينة رأس العين في محافظة الحسكة
كانوا يسمون النبع الدائري القريب من مدينة رأس العين شعبيًا بعين الرزقا أو الزركَّا، لهذا لا أعرف اسمها الحقيقي هل هو الزرقا أو الزرقاء؟
المهم.
في الصيف، كنت أذهب مرات كثيرة إلى عين الزرقا، برفقة أصدقائي، تمو ومعمو وقيس وأولاد عبد الرحمن باشا.
كان النبع مزنرًا في الأعلى، مقصفه تحته. نمشي بضعة خطوات قصيرة لا تتعدى بضعة أمتار، ننزل الدرج، ونشاهد العمال، ونشم رائحة العرق، بطة بيضا، يتناثر في الهواء ويرقص.
عندما كنت أرى إنعكاس أشعة الشمس على الماء، يأخذني الحنين إلى الحنين، إلى السماء. إلى تجليات القدر، ومكامن الجمال. جمال يأخذ بيدك، ويرحل إلى البعيد. جمال بلوري اللون والسحر، يرفعك من جناحيك، ويشعشع. ويغرز النور والضوء في ذاكرتك، ويضعك في إبداعات الوجود. أنظر إلى انعكاس السماء على الزمن، كيف يتكئ انقسام الجنون على بعضه. وتنفتح الألوان على سحرها. ويرقص قلبي على قلبي ويسرح بي، يحولني إلى طائر، عاشق للأرض، للماء والطبيعة والحياة. النبع شيء من الظلال والجنون والجلال. إنه مجد الوجود، حجه حلم يتداخل في الحلم. طفح من باطن الأرض وجلدها. وينبهق من ذاكرتها، ويضعها في مصاف الآلهة والنجوم والحقيقة.
لم يسمحوا لنا أن نسبح. نتأمل. نحن الأطفال الصغار، العشاق، رسل الفرح، المولودين من رحم الجوهر. الراغبين في دخول جوف الماء والتعمد برسله ورسائله. نقف على حافة الاستغراب، كاستغراب الوجود للوجود، نرى أسماك الشبوط الطويل والبوري، يتمايلون، فتتمايل مع تمايل لون الشمس وانقسامها.وانعكاسها على بعضها.
نزلنا إلى تحت، المكان الذي ينثر الماء من النبع، وينهمر في الماء. خرج الماء الصافي من جوف وحط رحاله في المجرى والفروع التي تذهب به إلى الخابور.
سبحنا هناك، في المكان الضيق، تحت الشلال، ضحكنا وغنينا.
في هذا المكان كانت ترمى بقايا قناني العرق المكسور، وأغطية المياه الغازية وبعض النفايات.
كنا نسبح وننتقل من مكان إلى آخر. أحسست بوخزة، بالألم. اصطدام رجلي اليسرى بشيء حاد. رفعت قدمي، فرأيت دم قانئ يلون الماء. خرجت من الحوض الضيق، لأسد الجرح العميق في منتصف راحة قدمي.
خرج الأطفال معي. ومضوا يساعدوني. ويحاولون إيقاف النزيف. جاء بعض العمال القريبين منّا. وتضامنوا معي. وجلبوا قطعة شاش كبيرة. وربطوا قدمي، بيد أن النزف لم يتوقف. بقي الجرح مفتوحًا وكأن لعنة ما حطت علي.
كنت ألعب كرة القدم بقدمي اليسرى، المكان الذي أضرب فيه الكرة. وتحول إلى وجع ونزف. عرجت مع أصدقائي إلى البيت مسافة كيلو مترين. وبقي الدم نازفًا، والجرح مفتوحًا.
بكت والدتي مطولاً، وعنفتني كثيرًا على لجاجتي، وحيويتي.
في اليوم الثاني أخذني والدي إلى الطبيب. ضمدها جيدًا، وأعطاني مضاد حيوي، إبر بنسلين، كلف الأمر ثلاثة عشرة ليرة ونصف الليرة، كلها على بعضها مع معاينة الطبيب.
بعد هذا الجرح العميق فقدت حيويتي ورشاقتي في الملعب، وصرت أخاف أضرب الكرة في هذه المنطقة الحساسة.
ولا زال أثر الجرح باقيًا في قدمي إلى اليوم.

التبشير بالدين
عندما أرى أحدهم يبشر بدينه في الشوارع، أشعر بالخجل، أنظر إليه كرجل ممحون، هايج، يرغب أن يتناوله أخدهم من الخلف، يقوم بحركات مائعة، يضحك ضحكة رخيصة فاجرة، ويتمايل شوقًا لمن يقبل به.
مثل العاهرة الملونة بالكثير من المساحيق، والثياب المهيجة، التي تقف على ناصية الشارع لتأمين زبون لقضاء ليلة حمراء.
والمطلوب من هذه العاهرة أن تتقن كل فنون الجماع، والحركات المبتذلة التي تجعل الزبون مبسوطًا سعيدًا راضيًا، يغدق عليها ثروة، ويبقى معها أطول فترة ممكن، وربما يصاحبها طوال العمر، طالما تعطيه الرغبات المكبوتة.
لا أعرف لماذا يقوم المؤمن بهذه التجارة الرخيصة، ما دام لديه قناعة، أن هناك إله لديه قدرات فوق طبيعية يستطيع أن يفرض شروطه على الطبيعة والكون كله والإنسان.
بمعنى، هذا الإله ليس بحاجة لواحد مثلنا ليدافع عنه، فلماذا نقدم أنفسنا مبتذلين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس